صفوة فاهم كامل
في أربعينية النجم أحمد راضي وَقَع غريب ... وصدى أغرب
هل هي مشيئة قدر أم صُدفة أرقام، أن يتزامن احتفال العالم الإسلامي بأول أيام عيد الأضحى المبارك، مع انقضاء أربعين يوماً على تسديد لاعب الصدفة والقدر (covid) حامل الرقم اللعين (19)، كرة خبيثة في ملعب العراق الأخضر ليُسجّلَ أغدر هدف في تاريخه ويَقتلَ لاعبه الأشم اللاعب أحمد راضي، ويصبح يوم 21/6/2020 يوماً كئيباً في قلوب الجماهير الرياضية وتاريخاً لا ينسى في حياة الكرة العراقية...!
وفاتهُ لا تزال وقعها شديد القسوة والألم، وجُرحها غائرٌ لم يندمل. حُدّدَت ذريعة فايروس كورونا ومضاعفاته سبباً طبّيّاً لها، أما إعلامياً فأصابع الاتهام كثيرة وشعور بالتقصير عارم، حتى وصل الشك إلى الاتهام بالقتل العَمَد، متّكأين على (نظرية المؤامرة) ...! تلك النظرية الصالحة في أي زمان والحاضرة في كل مكان، لتُعلّق على شمّاعة الاتهامات وتبرز أمامنا بعد منيّة أي شخصية بارزة في المجتمع، ذائعة الصيت في المحافل، دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، ورحلت عن دنياها في ضيق وغموض من غير سلام أو وداع ...!
عابدٌ زاهدٌ، معتزٌّ بإسلامهِ الحنيف، ملتزمٌ بتعاليمه الحصيفة، يطلُبهُ في لين، لا فَظاظة في الفعل ولا غِلظة في القلب، سمِحاً حتى مع خصومة، دمثَ الخُلق مع حواليه، مستكين مهما سما، سخيّ اليدين مع المستعطي. تلك هي أبرز صفات النجم أحمد راضي، الإنسان ... والأب ... والأسرة.
غرابة ذلك الحدث الفاجع، هزَّ الوسط الرياضي هزّاً عنيفاً، وكان وقعه مُبرّح على الجميع، ودقَّ ناقوس الصحة المُزري في بلده، وإنذارٌ جسيم لشعبه. لكن ردّة الفعل من يومها الأول وما تلاها كان الأغرب بكل توقعاتها، لأنه فاق الضنّ، وباغت الخليل والصديق، وأدهش الأقوام من كل صوب، وفي الوقت نفسه أغاض ظنون الكاشحين وهم حَفنة، وهزمَ المناوئين وهم نُتفة.
منذ سنوات طويلة لم يَعرف العراق شخصية مثل أحمد راضي، غابت عن الدنيا وانتقلت الى السماء، جنت ما جناه من تعاطف وتراحم ومواساة من كل مشارب الأرض وأطيافها بهذا القدر الهائل والكبير، ونالت ما ناله من مشاعر شجيّة محزنة تناثرت من كل الطبقات؛ السياسية والرياضية والاجتماعية والشعبية، نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، محلياً وعربياً، أجنبياً ودولياً.
عاشر بمعروف فإنك راحلٌ واترك قلوب الناس نحوك صافية
أُطلقت عليه أنواع النعوت والأوصاف ونال أسمى القلوب والألقاب، منها: أسد الرافدين، والنهر الثالث، ولاعب القرن، ونجم الكرة، واللاعب الخلوق، ونوَرس آسيا والعراق، ولاعب العصر الذهبي للكرة العراقية، وساحر الكرة ... أما أهمها وأكثر ترديداً في الأوساط الإعلامية فكان لقب (أسطورة الكرة العراقية).
في اليوم الأول لوفاته والأيام التالية، انبرت العديد من المنظمات والمؤسسات والأندية والشخصيات المحلية والدولية الرفيعة، ترثيه في أحاديثها وتعليقاتها وتؤبّنه في فعالياتها، تتهافت وتتسابق في تكريمه وتمجيده، بالطريقة التي ترتئيها وتطمح لها، بما يستحقه هذا الإنسان من تعظيم وإجلال. فكان منها: تشييعه رمزيّاً وشعبياً وإعلان الحِداد ثلاثة أيام، ودقائق صمت في الساحات الخضراء، وإطلاق شارع باسمه، وتسمية ملاعب وأقسام وقاعات، وإقامة تماثيل، وحجب رقمه الشخصي (8) عن أي لاعب محلي، وإقامة مآتم العزاء والصدقات الجارية على روحه، وصارت الجموع تشدّ رِحالها لزيارة قبره ثمَّ تصبح مزاراً لعشّاقه.
أبرز المواقف العالمية الصادرة كانت من الاتحاد الدولي FIFA والاتحاد الأسيوي، لكرة القدم، حيث قدّما خالص تعازيهما لأسرته وأصدقاءه، واعتبرته واحد من أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم.
أما أنبل ردود الفعل وأشجعها فهو ذلك العزاء المؤثّر الذي أرسله الحارس الأسطوري لمرمى منتخب بلجيكا السابق، جان ماري بفاف، ذلك الحامي الذي استطاع احمد راضي أن يُسجل هدف العراق التاريخي الوحيد في مرماه خلال مونديال المكسيك عام 1986، حين قال في رسالته المرئية: (لا أستطيع أن أُصدّق أن أحمد، أفضل أصدقائي قد مات ...! وهو الذي كان مثالاً كبيراً للاعبين الشباب ومثالاً كبيراً للعرب أيضاً ... أنا فخور جداً بأنني لعبت معه، وعندما سمعت بالخبر أصبت بالقشعريرة، شعرت بذلك ولا أدري، فقدنا شخصاً محبوباً ... لكن علينا أن نبقى أقوياء ونستمر ... وسيبقى أحمد في قلبي ...)
وماذا بعد هذا وذاك ... ماذا سنقول لأبنته وقرّة عينهِ الدكتورة هيّا، وولي عهده فيصل، وعائلته، وأنت راقدٌ تحت دُهمة مقابر بغداد ولهيبها، وهم مستريحون في بطن عمّان ونسيمها ... هل أوفينا أحمد، حقّهُ ... هل سيبقى محبّيه وجمهوره على العهد كما عهِدهم ... فالكل استدّمع نحيباً وشهيقاً لهذا الخَطبْ الجلّل... ونحن نُبصر ونسطّر الذاكرات والعبرّ... والتاريخ يُسجّل ويُغادر... والله يشهد على كل ما نفعل ونكتب ... وكل عام وأنتم بخير ... وشهدائنا الأبرار في عليّين بألف خير.
1082 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع