يوميات ابراهام توينا حول مذبحة الفرهود في بغداد ١٩٤١ – الجزء الثالث

                                                       

                               د.نسيم قزاز

        

يوميات ابراهام توينا حول مذبحة الفرهود في بغداد ١٩٤١ – الجزء الثالث

من كتاب د. نسيم قزاز "تاريخ يهود العراق المعاصر" الذي صدر حديثا عن رابطة الجامعيين اليهود المنحدرين من العراق في إسرائيل – 2020
مقدمة
في 1 و2 حزيران 1941 (قبل 79 سنة) تعرض يهود بغداد لما يسمى بمذبحة الفرهود والتي راح ضحيتها نحو 180 قتيلا من أبناء الطائفة اليهودية الوادعين وأكثر من ألفي جريح وما يقارب 40 ألفا من الذين نُهبت أموالهم وفُرهدت بيوتهم.
يوميات ابراهام توينا وهو شخصية عاصرت صميم الأحداث حيث كان في مركز إدارية تسلط الأضواء على جوانب شتى من حيثيات تلك المجزرة الرهيبة التي لم يتطرق إليها كاتب أو باحث من قبل. نشرت هذه اليوميات لأول مرة باللغة العربية كترجمة من العبرية من قبل الباحث والمؤلف د. نسيم قزاز في كتابه اعلاه وننقلها هنا للقراء للأمانة التاريخية.
الجزء الأول الذي تحدث عن الأسابيع التي سبقت الفرهود (ما عرف عند يهود العراق بشهر رشيد عالي) تم نشره في الكاردينيا في 4 حزيران
https://algardenia.com/maqalat/44638-2020-06-04-12-31-21.html

اما الجزء الثاني والذي تحدث عن يومي الفرهود فقد تم نشره في الكاردينيا في22 حزيران

https://www.algardenia.com/maqalat/44914-2020-06-22-11-15-27.html

      

د. خضر (ديفيد) بصون
الجزء الثالث من اليوميات – الأسابيع التي تلت يومي الفرهود3 حزيران/يونيو
في الساعة السابعة والنصف صباحاً أتاني رسول من الحاخام ساسون خضوري برفقة شرطي وطلب مني أن انتظر موشي يتح في الشارع للتطواف في المدينة... التقيت يتح في المحل المعيَّن وكان معه مدير وزارة الصحة إبراهيم عاكف الآلوسي، ومهندس بلدية بغداد، وسكرتير "جمعية الهلال الأحمر". ذهبنا إلى المخزن وأرسلنا الدقيق والتمور والبرتقال الموجودة في المخزن إلى مراكز الشرطة التي تواجد فيها يهود. وصلنا في الساعة التاسعة إلى "مخفر شرطة إمام طه" حيث تبقى هناك نحو ألف يهودي، وسألناهم هل وصلت إليهم المؤونة؟ فأجابوا لم يصلنا شيء...في الساعة التاسعة والنصف وصلنا "مخفر شرطة بني سعيد" حيث تواجد نحو450 شخصاً. واتضح لنا أنه في تلك الليلة بات بالمخفر ما يقارب ألفي شخص، غادرت غالبيتهم في الصباح واتجهت إلى بيوتهم.
في الساعة العاشرة والنصف وصلنا إلى "المستشفى الملكي" حيث المصابين، وأقبلت نحونا ممرضة يهودية والدموع في عينيها وقالت: إذا لم تتخذوا إجراءً فوريا فسيموت جميع المصابين، إذ أن مدير المستشفى صائب شوكت غير معني بمعالجتهم وهناك خوف من تسميمهم. أسرعنا وأبلغنا الحاخام ساسون خضوري الخبر، فاتصل فوراً برئيس الحكومة جميل المدفعي وأعلمه بما يجري. وعد المدفعي الحاخام إنه سيعالج الوضع، وفي الساعة الحادية والنصف أتى إلى المستشفى ومعه حاشية من الأطباء وطلب منهم أن يعملوا جهدهم كي يتلقى المصابون العلاج اللازم. وأصدر أمراً بفتح "مستشفى مئير الياس" العائد للطائفة اليهودية، فنُقل إليه أغلبية الجرحى بعد معالجتهم في المستشفى الملكي. والحق يقال، إن الفضل في إنقاذ حياة المصابين بجروح بالغة يعود إلى المدفعي باستجابته السريعة، وإلى حاشية الأطباء الذين أتى بهم...بقيت الأسواق مغلقة، اليهود مكثوا في بيوتهم وإن خرجوا فلِمَدِّ يد المساعدة إلى أقاربهم المفجوعين.
4 حزيران/يونيو
في الساعة الثامنة صباحاً أرسل أرشد العمري إلى يوسف الكبير طالباً الاجتماع مع وجهاء اليهود، فحضر كل من يوسف الكبير، يوسف عبودي، أبراهام حييم معلم نسيم، العين عزرا مناحيم دانيال، وكان بين المدعوين الحاخام ساسون خضوري ولكنه اعتذر لكون بيته مليئاً بالناس يطلبون النجدة وليس باستطاعته أن يتركهم. (الحاخام لم يخرج من عقر داره منذ ثمانية أيام عالج خلالها أموراً جمة وحوله مساعدون ورسل يقومون بالمهمات المختلفة). وبينما كان الحاضرون بانتظار أرشد العمري دار الحديث بينهم عن ما آلت إليه الأوضاع، فقال يوسف الكبير: "لقد أجمعت كل الجهات على القيام بالمذبحة، وأنا أعرف أن أرشد العمري شخصية قوية، ومن المستحيل أن تقع أحداث كهذه عندما تكون السلطة بيده، لقد طلب مدير الشرطة، وهو عضو في "لجنة الأمن الداخلي"، أن يعلن "حالة طوارئ" ولكن أرشد رفض...كل الدلائل تشير أنهم أرادوا أن يصب الشعب العراقي جام غضبه ويتنفس عن كربه بذبح اليهود"...وقال أبراهام حييم معلم: "لقد بدأ التحضير والتنظيم في مساء يوم السبت، وكانت الشرطة ودوائر الأمن على علم بذلك، وطلبوا فرض منع تجوال واعتقال بعض الأشخاص، بيد أن المسؤولين من وراء الستار قالوا إن إجراء كهذا سيولد هيجاناً...لقد مضى 18 ساعة بين بدء التحضير والتنظيم وقدوم الوصي. وأنا متأكد أن المشاغبين في استقبال الوصي ليسوا من الضالعين "بالفرهود" لأن الضالعين تجمعوا "بباب الشيخ".
جاء أرشد العمري في الساعة التاسعة والنصف وبدأ يؤنب نفسه قائلاً "لقد بدأت جيداً ولكن النهاية كانت سيئة" وأضاف "إن الدولة الآن في أيادٍ آمنة، وأنا اليوم كأمين العاصمة ورئيس "جمعية الهلال الأحمر" ملبيا لكم...وقال إن عدد اليهود الذين لاقوا حتفهم 100 وعدد الجرحى 2000 وتقدر قيمة المنهوبات 1.500.000 دينار، وعدد القتلى المسلمين 800 وجرح منهم كثيرون.
9 حزيران/يونيو
استدعتني الشرطة للحضور في مدرسة "راحيل شحمون" لفتح خزانة المدرسة، فشّ خبير الشرطة الخزانة ووجدنا فيها ثلاثة دنانير، وخارطة شوارع الأحياء اليهودية، وقائمة تحتوي على أسماء "كتائب الشباب" وألقابهم السرية. ومقابل كل شارع اسم المسؤول وأسماء مساعديه...طلبت من الضابط أن يعطيني نسخة من الخارطة فأجاب أن هذا ليس من صلاحيته وعليّ التوجه إلى المسؤولين.
على إثر ذلك تم تحقيق مع الحارس (مسلم) واتضح أن جماعة من "كتائب الشباب" أتت في 1 حزيران/يونيو ليلاً، ومكثوا طيلة الليل تقريباً في المحل وأخذوا السلاح معهم، ولم يكن في حوزتهم مفتاح الخزانة لأن قائدهم فرّ إلى إيران مع المفتاح.
22 حزيران/يونيو
أنعش خبر اقتحام الجيش الألماني روسيا السوفيتية روحاً جديدة. وفي هذا اليوم أجرى جميل المدفعي مكالمة مع الحاخام ساسون خضوري وطلب منه أن يوعز لأبناء طائفته بفتح محلات أعملاهم وحوانيتهم وألا يعطلوا الحركة التجارية في المدينة، وتكفل كرئيس للحكومة ألا يحاقّ بهم أمرٌ مؤسفٌ. فنشر الحاخام طلب المدفعي، واستجاب التجار للطلب لا سيما أن أغلبيتهم ملّـت البطالة، ففتحوا محلات أعمالهم ورمموها، وبدأ البعض في إجراء معاملات مع البنوك وبعد أمد قصير عادت الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

953 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع