عبد الله عباس
البشرية الان : الطريق المفتوح للقلق
( 1 )
مايعقد الوضع النفسي للانسان في بلدنا وبلدان منطقتنا ‘ أن ماسميت بـ(جائحة كورونا ) جاء في زمن فيه القلق لديه وحسب البيئة التي خلقته ظروف الصراعات الحياتية المعقدة في اسوء حالاته ‘ حيث يبدو الانسان واقع بين ظاهرتين متناقضتين ‘ ظاهرة ادعاء العلم بانه ( ماسك بكل مستلزمات الطرف المادي ) ومن خلاله مسؤول عن خلق وضمان مامطلوب لادامة الحياة البشرية ‘ ولكن افرازات هذا الواقع لدينا يختلف بسبب ظاهرة ( الجهل العام ) مما ادى الى انتشار ظاهرة الكآبة والقلق بسرعة كبيرة بشكل اكثر تعقيدا من قبل ظهور الجائحة ‘ وعندما يرى الانسان نفسه واقع تحت ضغط ظواهر متنوعة : الجهل والظروف الاقتصادية السيئه و بريق عصر الالوان الماديه التي لايستوعبها جذور ارثه الاجتماعي ‘ يضع الانسان امام قلق وتوترات من الصعب التنبه بافرازاته ونتائجه‘ ففي عصر جائحة كورونا توقعوا الاصعب للانسان في مرحلة مابعده .
( 2 )
أعرف رجلاً يمارس مهنة سائق تاكسي، يتابع بشكل غريب عن الاخرين كل إخبار له علاقة بإلاختراعات العلمية وما يتعلق منها بالحياة
البشرية والغرابة في هواية هذا الإنسان في متابعة هذا الجانب من المخترعات العلمية، أنه يصدق مايقرء من هذه المواضيع، بل يطبق ماموجود في الموضوع حول كيفية التعامل مع الأجهزة والمستلزمات الحديثة، فعلى سبيل المثال انه حينما قرء الخبر القائل أن الذبذبات الصوتية الصادرة عن الهاتف الخلوى تسبب أمراض خطيرة للانسان عندما يضع الهاتف على أذنه، فالرجل من بعد إطلاعه على هذا الخبر ترك وضع الهاتف على اذنه وكلما يطلبه أحد من الاقارب والأصدقاء يفتح مايسمى بـ (السبيكر) في الجهاز ويرد على الهاتف ويسمعه ! وهذا التصرف يسبب له ولايزال الكثير من الآشكالات الاجتماعية ولايفيده محاولات الاصدقاء والاقارب بأن موضوع وضع الهاتف على الاذن ليس بذلك الخطر بدليل أن اكثرية الناس غير مهتمين بالتحذيرالمذكور ! ولكن الرجل لايستطيع التخلص من قلقه وكذلك لايستطيع إلاستغناء عن التعامل مع ذلك الجهاز ! ومعاناته في فصل الصيف مع تبريد سيارته ليس اقل من تلك التي يعانى منه بسبب هاتفه الخلوى بعد ان قراءته تقريراً يتحدث عن أضرار استنشاق غاز تبريد السيارات لمدة طويلة بحيث ممكن أن ناخذ معانات هذا الشخص نموذجاً للقلق المفتوح لدى إنسان العصر، ومن المعلوم أن القلق ظاهرة تربك الفرد وتخل توازنه الداخلي وان كان شديداً ينعكس على توازنه الخارجي والوصف العلمي للقلق انه المادة الخام لكل الامراض النفسية و أنه ضريبة ندفعها لوجودنا ومعايشتنا لهذا العصر الحديث وصحيح اننا نتعايش مع القلق كأنه جزء من الحياة اليومية ولا يمكن ان تستمر الحياة بدون حد ادنى من القلق، فالقلق البسيط ربما يكون دافعا قويا للانجازودافع للابداع ،ولكن، هنا نحن لانتحدث عن هذا القلق الطبيعي (إن صح التعبير) في حياتنا ، بل عن قلق العصر المعقد الذي يعيشه أكثرية البشرية الأن نتيجة تسارع فرض قدرات ألالة على قدرة البشر عموماً، والبشرية فيما تسمى بعالم الجنوب خصوصاً، حيث قَدَرَهٌم التعامل مع تلك الالات التي تفرضها عصر الاستهلاك علينا،وكأن عالم الشمال متعمد في ممارسة تصدير (أعلام) عن الرعب والخوف من التعامل مع هذه ألالات بشكل متوازن مع هالة ملونة من الدعاية عن حاجة الناس و صعوبة الحياة دون الجوء إلى تلك الآلات طريقاً لخلق القلق ، هل من الصحيح حتى في هذا الموضوع نتهم الاخرين ؟ أم الواقع يقول : أن أساس الازمة فينا حيث لانريد أن نستعمل هذه المستلزمات للضرورة وكل مستلزم حسب الحاجة، ولايوجد في تصرفنا بهذه الالات حد الوسط، فإما نمتنع عنه وإما نغالي في الإستعمال لحد خلق القلق أو خلق الفضائح أو الربح من خلال الضحك على ذقون الناس، ولابد أن كثير من القراء يتابعون إخبار الفضائح الناتجة عن سؤ إستعمال والتعامل وبدون الوعي مع هذه المستلزمات العصرية، على سبيل المثال خبر دخول رجل موقعاً إباحياً للفرجة .. فشاهد أفلاماً لزوجته !! أن الظواهر ملفتة للنظر يحدث كل يوم في الحياة البشرية المنفلته من مستلزمات الحصانة الروحية (الإيمان) يؤكد لنا أن مايجري خلف الآلوان الصاخبة وتحت عنوان التقدم والتركيز غير الإعتيادي على ثقافة الإستهلاك طريقاً لجني الأرباح لصالح الأقلية ومانرى على أرض الواقع للاكثرية البشر. نرى عدم العدالة بوضوح بين الواقع وإدعاء التقدم على من جانب الوعي في التعامل مع مستلزمات العصر..!
( 3 )
على أية حال، قلق هذا الرجل دفعني إلى التفكير بموضوع تعاملنا مع المستلزمات العصرية و دور المجتمع والمؤسسات المسؤلة عن تنظيم هذا التعامل، لابد إننا نلاحظ خطورة توسع إستعمال هذه الأجهزة بحيث تأثيرها السلبي أكثر من نفع هذه الأجهزة والأهداف الاساسية من إختراعها ، اول إشارة على هذه الخطور هو أن هذه الآجهزة في مجتمعنا (قلق ومتوتر وغير مستقر اساساً، بسبب عدم وجود برنامج ينظم كيفية التعامل المطلوب مع مستلزمات العصربالشكل الواعي) تستعمل أكثر بكثير مما يستعمل في المجتمعات التي تصنع فيها هذه الاجهزة ! ومن يريد يتابع هذه الظاهرة ويتابع بعض القنوات الفضائية (مدعومة بشكل منظم من الجهات المتنفذة) لاترى الصعوبة في الوصول إلى نتيجة مؤسفة مفادها : أنه وبعكس المطلوب في هكذا حالات وفي البلدان التي تهتم بالجهات المتنفذة بمتابعة منظمة لضرورة التعامل مع هذه المستلزمات بمايزيد من : الوعي والإنتاج وراحة البال والنفس طريقاً للاستقرار الأجتماعي، نرى عندنا عكس هذا تماماً، حيث أن العقلية التجارية وألإهتمام بتشجيع وتوسيع ظاهرة الإستهلاك من خلال إلاهتمام باعتناق الناس لهذه المستلزمات يقع في مقدمة كل الإهتمامات الآخرى، بل أنه من الواضح في بعض الأحيان أن الجهات المتنفذة في مجتمعاتنا تشجع التركيز على هذه الطريقة الفوضوية للاستفادة من هذه المستلزمات ويرونها أحدى طرق إلهاء المجتمع من التركيز على : التفكير وتسأؤل ومتابعة الوعي الإنساني يدفعه إلى تساءل عن مايحدث حوله ومايحدث في المجتمعات الآخرى، لابد الكثير منا يتابع ما يبث في القنوات الفضائية التى كما قلنا مدعومة من الجهات المتنفذة ويرى هذا الكم الهائل الدعايات ذات ألوان صاخبة ومحتويات سطحية وحتى تافهة يشجع الناس على تركيز التبادل صور و رسائل و اغاني واستفسار عن (الحظ والمستقبل ...!!)، فترى أحدهم للتأكيد على أهمية الهاتف النقال يبث دعاية لمكتبه المتخصص يبدي،استعداده لمساعدة المرضى النفسيين أو من يعاني من ازمة إجتماعية او يبحث عن شريكة الحياة، حضرته مستعد يحل كل هذه المشاكل خلال دقايق من خلال،اتصال على هاتف النقال !! بل أحياناً لايخجلون من بث الدعاية ذات صيغة الدينية عندما يضعون الايات القرانية في المسابقة عن طريق هاتف المحمول ويسبق دائماً بث إعلانات عن الاغانى السطحية فيها أحياناً صور تخدش الذوق العام ...!!
عند تفكير بهذه الظاهرة الخطيرة التي تستوجب قلق مشروع على مستقبل النسيج الإجتماعي من الجانب الوعي والعلاقات ونظرة مسؤولة إلى ذلك، أستغرب من حكاية الرجل الذي يقلق عن إفرازات إستعمال المستلزمات العصرية من جانبها الصحي دون غيره !
605 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع