د.ضرغام الدباغ
أنا أؤذي ... أنا إذن موجود
منذ أن قال العالم الدانمركي الكبير سورين كيركغارد قولته المشهورة " أنا أفكر فإذن أنا موجود " ومن هذه المقولة، أنطلق مفكروا الوجودية في أفكارهم ومباحثهم، وهي فلسفة إنسانية تحترم الإنسان وفكره إلى أقصى حد، شريطة أن لا تنطوي تلك الأفكار على اتجاهات اعتدائية.
إذن لأن يكون كل فكر أو مذهب دينياً كان أم سياسياً أو إنسانياً ولكي يوصف بالرقي، ينبغي أن لا يكون عدوانياً، ففي الإسلام نصوص في غاية احترام الإنسان وخياراته، وتحريم للاعتداء على البشر، حيث ورد في الآية القرآنية " من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " 32 سورة المائدة )، ويحرض على التعاون (التحالف والائتلاف بلغة القاموس السياسي المعاصر) بقوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " المائدة ــ 2)، وقوله تعالى " وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون" المائدة 62).
ويستهل الأئمة والدعاة، الصلاة والموعظة بقولها " الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين " .
في الاشتراكية كفكر سياسي إنساني، تؤكد مصادر التاريخ، أن الاشتراكية لم تعتد على جهة أو دولة أو أمة، فالاشتراكية مذهب وفكر إنساني لا يعيش إلا في وسط سلمي، ولا تزدهر إلى بالتعايش حتى مع الخصوم لتظهر محاسنها ومنجزاتها، فالاشتراكية كانت هدفاً للعدوان الخارجي منذ تأسيسها (1917)، وكان السبب الرئيسي في نهاية النظام الاشتراكي هو سباق التسلح المجنون الذي سارت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي، وليس فشل الاشتراكية كما يزعم خصومها، وبلغت في عهد الرئيس ريغان مبلغاً عالياً (حرب النجوم)، حتى أصبحت الحرب النووية خياراً مطروحاً، فتراجعت الاشتراكية وفضلت أن تحل نفسها على خوض حرب نووية ضروس لا تبقي ولا تذر، وأن تترك الاحتكام للتاريخ. وأظن أن التاريخ أصدر حكمه
وكذلك الوجودية، فهي مذهب إنساني تعتمد أولاً فكرة احترام الإنسان وفكره وحريته، أما الاعتداء وفرض الرأي فهذه مخالفة ومعارضة لطبيعة الإنسان الذي لا يستطيع أن يعمل ويداه مقيدتان، ولا يستطيع التفكير وفكر قسري مسلط عليه. " كيف أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراًرا " ....قالها الخليفة الراشدي الثاني، وأكملها جان جاك روسو " يولد الإنسان حراً ولكنه مقيد بالأغلال من كل مكان ".
الإمبريالية شيئ حقير، وهي تعني أنها تسلب من الفقير آخر رغيف خبز عنده، ولكنها مع ذلك تغني لحقوق الإنسان، والديمقراطية، وليس على وجه المعمورة بلد يخلو من جراح وأمراض خلقوها وتسبوا فيها. إنها نكتة سخيفة أن تزعم رعايتها لحقوق الإنسان والديمقراطية، وليس هناك من يتفنن بإبادة البشر كالإمبريالية. هات لي بلدا لم تكويه الإمبريالية بنارها ..؟
إيران تفعل العكس، ولا تبالي حتى بالتغطية ... ورغم أنها ترفع لافتات الخرافة والجهل، لكن لكل خرافة نهاية وها هو الجمهور قد مل التمثيل الردئ، والمسرح المهترئ واشمئزاز الجمهور، وسخط الحضور، والإساءة للإسلام، وتغليف الطمع والشراهة، بمسوح الدين .. فأنتبه المسروق وقبض على السارق متلبساً، والفلم الهندي في نهايته .. والعوض الله بالخسائر ..
ــ إيران، تزعم أنها دولة إسلامية، وهذه بدأت تتكشف، أن أي بقعة في العالم بوسعها إدعاء الإسلام عدا إيران ..! بل بالعكس، لا أحد يسعى إلى تدمير الإسلام بقدر إيران، بدليل أن كل من يعادي الإسلام يجد في إيران الحليف الأول لها .. والعنصر الأساس في كل عمل إقليمي أو دولي يستهدف الإسلام ...لا نبالغ .. بل إيران تبالغ في العداء والكراهية (وهي السلعة الأفضل لديهم) وإليك الدليل :
ــ إيران أدخلت وساعدت ودعمت الوجود الأجنبي في أفغانستان.
ــ إيران هي من ساعدت ودعمت وذبحت الشعب العراقي.
ــ إيران، هي من ذهبت إلى سوريا لتدعم نظام ساقط، وتساهم بقتل الشعب السوري.
ــ إيران هي من صنعت حسن نصرالله ليدمر لبنان الجميل ..
ــ إيران هي من سحرت الحوثي بالمال والجاه والسلاح، ليدمر اليمن.
في داخل المعادلات الإيرانية أزمة خطيرة لو التهبت لا تبقي في إيران حجراً فوق حجر، لأن هذا البلد مركب تركيباً يخالف المنطق والمصالح السياسية والاقتصادية والثقافية، والغرب يدرك هذا تمام الإدراك، وكذلك الشرق، أن إيران بلد مركب من قطع غير متجانسة، إذا رفعت قطعة منه فسينهار ما هو مشيد بسرعة، وتصبح هذه المنطقة الشاسعة نهب لشتى المصالح الدولية، من المؤكد أن النفوذ الروسي سيكون الأقوى، لأنه الأقدر على فهم مفردات العقل الشرقي، ولهذا يحرص الغرب على بقاء إيران قوة تثير المشاكل تحت السيطرة، فإن شاء الغرب التدخل في أفغانستان، أو الخليج، أو العراق، أو في حوض قزوينـ أو أذربيجان، أو مع تركيا، فإيران جاهزة للعب هذا الدول القذر ... فهي موجودة للعلب هذا الدور، وبنظرة من استراتيجي مبتدأ إلى الخارطة في المنطقة سيشاهد أن الفرس (وهم أمة صغيرة قياسا) أمة محشورة بين أمتين لها عمق تاريخي وسياسي واقتصادي وثقافي بين العرب والترك ..تحرص القوى العالمية أن لا تتحد الأمة التركية فذلك يعني كيان يمتد من داخل الصين وحتى البحر المتوسط، وأمة عربية تمتد من الخليج العربي وحتى المحيط الأطلسي، نظرة سريعة إلى الخارطة تنبئك بهذه الحقيقة ... وإذا أضفت لهذه الحقيقة أن هاتان الأمتان مسلمتان .. ستصبح الاحتمالات مرعبة ....
هذا هو كعب أخيل الإيراني (نقطة مقتل إيران) وهي تريد لعب دور هي غير قادرة عليه، إلا بالتخادن والتخادم مع القوى العظمى، وهي تتفعل ذلك، ولكن ربما أن هذا قد لا ينفع للنهاية، ففي لحظة واحدة، تختل نقطة التوازن وينهار كل شيئ. .... لذلك دور الولد الأزعر هو دور مرسوم بعناية، ويلعبه الفرس من زمن الصفويين والقاجاريين والبهلويين، وأنتهاء بالملالي الذين تثقل العمامة والقفطان والعباءة حركة رقصة الباليه .. فيبدو كل شيئ بائساً بل وينذر بشر مستطير ...
صديق وأخ كان يدرس الهندسة البحرية في ألمانيا حكى لي أنه يمكن أن تنكسر باخرة وزنها مئات الألوف الأطنان من الحديد في لحظة واحدة إلى نصفين كما تكسر خيارة بيدك ... ويحدث هذا في لحظة واحدة، عندما تختل نقطة التوازن في الباخرة حين تبحر في ظروف العواصف والأنواء البحرية .. ولا ينقذ السفينة سوى ملاح مهندس له خبرة ... وليس من يجهل قواعد الملاحة .. ويريد أن يرقص البالية .. وهو غير مجهز لهذه اللعبة ... ولا يعرف من أصولها غير جملة واحدة .... أنا أوذي ... إذن أنا موجود ...!
والعاقبة للمتقين ......................!
1428 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع