مثنى عبيدة
منذ نعومة أظافرنا وأيام طفولتنا سمعنا وتربينا على قيم تربوية وكلمات وشعارات بعضها شخصية وأخرى وطنية وغيرها من منظومة اجتماعية طبعت طريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا مما جعلتنا نسير في خط واضح المعالم كما يبدو لنا ولكن هل كل ما سمعناه صحيح وينطبق على أرض الواقع ؟
سر ونحن من وراءك هذه المقولة التي تربينا عليها وسمعنها كثيراً سواءً في الخطاب الديني أو السياسي أو التربوي مما جعلنا أسرى هذه الكلمة ويتم سوقنا وتوجهينا وفق ما يريد القائد الذي بايعنه طائعين أو مكرهين على السمع والطاعة وان نفديه بالأرواح والأنفس والأموال وأن نحرق الوطن لأجل أن يشعر بالدفء أيام الشتاء أو نحول الأشجار والنخيل وريش النعام مراوح وخيمة تحميه من لهيب الشمس في فصل الصيف ولا يهم أن نكون عطشى أو جياع أو تضربنا السياط وتلهبُ بوقعها على أجساد عباد الله العراة فقد قلنا له سر ونحن من وراءك .......
حتى أننا لم نسأل أنفسنا لماذا حين نسير لن نجده أمامنا بل دائماً ما يكون قائدنا الهمام خلفنا يدفع بنا إلى لهيب المعارك لتسحق عظامنا وتعصر زيتنا لكي يتم تدليك جسده الطاهر به ولماذا حين نموت من الجوع نجده يزداد تخمة هو ومن حوله مما يضطر وآسفاه على الدخول في برامج رياضية لكي يتم تخفيف أوزانهم الثقيلة ووطأة أقدمهم الحقيرة عن رقاب من هم أشرف منهم وأكرم منهم .....
سر ونحن من وراءك قالتها أجيال متعاقبة من بني البشر قالتها لمن يستحق ولمن لا يستحق ، فمن كان يستحق خاف الله وصدق مع ربه ونفسه وضميره وكل ما آمن به وكان في مقدمة الصفوف يضع روحه وجسده في مرمى الأعداء حتى يناله ما ينال جيشه من السهام والنبال وكم من قائد ٍ سقط صريعاً في معارك قاد بها جيشه دون أن يتركه ليجلس في قصره أو على تله ليشرف على القتال وشواهد التاريخ تحفل بالكثير الكثير من الأسماء التي بقيت خالدة على مر التاريخ . كما يحفل هذا التاريخ بأسماء من لا يستحقون أن تسير خلفهم الجموع فأمسوا تلاحقهم اللعنات بعدما ضيعوا العباد والبلاد ....
سر ونحن من وراءك عبارة كان لها فعل ُ السحر ِ في تغيب العقل والهمة والإرادة الجماعية يوم أوكلت كل ذلك إلى شخص واحد والحقيقة التي لا مناص من الاعتراف بها بأن هذه العبارة قد خدرت الجماهير وأسكرتهم وجعلتهم يدورون حول الصنم من جديد بعدما تركوا عبادة الأوثان منذ بعث الله الأنبياء عليهم أفضل الصلوات وللأسف الشديد أصبحت هذه العبارة عنواناً للتقاعس في نيل الحقوق والمطالبة بها والجهر بذلك لذا تجد الجماهير المسحوقة والفئات المهمشة أصبحت لا تعرف طريقاً للخلاص أو أن تخرج منادية بالإصلاح أو التغيير أو على الاقل نيل حق عام ٍ ليس فيه منة أو فضل من قائد أو حاكم .
سر ونحن من وراءك مصيبتها الكبرى إنها جعلتنا خانعين خائفين متخلين عن حقوقنا البشرية بل وعن آدميتنا لأنك حين تنظر للأمر من زاوية مجموعة صغيرة من العمال أو الموظفين أو الطلاب يتناقشون بكل قوة وحماس وهمس وصراخ عن حقوقهم المسلوبة وعن مقدار الظلم الذي يشعرون به والغبن الحاصل في توزيع الثروات والرواتب والعطايا بل وحتى الإجازات المرضية تجد كل هؤلاء مندفعين تكاد حناجرهم وأعصابهم تنفجر وتحس بأن عزيمتهم ستهدُ الجبال وأنهم وأنهم إلى النصر سائرون نصرُ على أنفسهم ونصر على الأخر ولكن ؟
هنا تسكن العبرات ولكن ؟
ما أن ينتظم الجمع وتعقد الجلسة الرسمية والاجتماع الدوري وبحضور القائد أو المدير أو الرئيس ويتم عرض قضية ثم أخرى حتى ينبري أحد الذين طالبوا بالحقوق أو سمع بها يقوم متبرعاً وهو يظن أنه يسدي خيراً للآخرين يقوم هذا الذي أخذته الحمية والغيرة وأخذته نصرة الضعيف والمظلوم يقوم ويتكلم ويبدأ بعرض الحقوق على رؤوس الأشهاد مستشهداً بالنصوص الربانية التي تدعو إلى الأنصاف والعدل وعدم هضم الحقوق ثم يعرج على كل ما تعلمه من بطون الكتب والحكمة ثم يمر بتجارب التاريخ وأوراقه التي أفنى عمره في بحورها سارداً حكايا ومواقف للعبرة والتعلم ثم يعرض حقوق العباد الذين هو منهم ويحس بمعاناتهم وبعدما يكمل الحديث ويهدأ قليلاً لكي يلتقط أنفاسه ويستعيد توازنه لكي يناقش ويجادل بالحق ...
هنا يبدأ حديث من هتفنا لهم سر ونحن من وراءك ويذكرونا بخيرهم وفضلهم علينا وتحملهم الصعاب والتضحيات من اجل قيادتنا وأنهم يبذلون كل الوقت لأجلنا وبذلك فقد حرموا أنفسهم من أجل توفير لقمة الخبز لنا وان علينا الصبر والصبر والصبر لكي يأتي بعده الصبر والصبر والصبر الطويل .............. طبعاً الجموع ساكتة مندهشة معجبة كرهاً وطمعا بما يقال وكأن ما يقوله القائد والمدير لم يقله أحد ٌ قبله وكأنما أضاف حرفاً للغة لم يسبقه به أحد وبعد هذه الخطبة الرنانة عن القيم والمبادئ والتضحيات العظام والمصحوبة بمزيد من التهديد والوعيد بحرماننا من طلعته البهية وعطاياه الذهبية المتمثلة بافتتاح سوق ٍ شعبية لا تضاهيها الأسواق الأوربية يأتي الدور لكي يلتفت من سرنا خلفه كالنعاج وها هي الفرصة سانحة لكي نطير كالحمام نرفرف عالياً في السماء يلتفت ليقول لنا من منكم ينادي بما ينادي هذا الذي يعين نفسه محامياً عنكم ؟ من منكم يريد زيادة في الراتب أو منحه إجازات إضافية أو حقوق شرعية من من ؟
يتصور المتصور بأنه ها قد حانت الفرصة التي لا تعوض فها هو القائد يسألنا أذا نجاوب لأن مجرد سؤاله أمر ينتظر التنفيذ وفعلاً تنطلق الأفواه والأبواق والحناجر سر ونحن من وراءك سر ونحن من وراءك سر ونحن من وراءك
سر ونحن خالدون بجنة عذابك وما تتفضل علينا يكفينا حتى لحظة وداعك لكي نكمل المسيرة مع أحفاد أحفادك
هنا يلتفت القائد المنتفخة أوداجه إلى محامي الشعب المغلوب والذي لم ينصبه أحد أنما دفعته قيمه وفهمه وإدراكه للحقوق والنصوص يلتفت إليه ليقول له ها الآن ماذا تقول ألم أقل لك إنهم لا يصلحون ولا يعقلون ولا ينطقون إلا بكلمات الخلود
سر ونحن من وراءك
ألم أقل لك أنهم يصرخون
أجلس وأسترخي ونحن نسير أمامك حتى يخرج من بين أصلابك من نسير أمامه
حتى ترتاح بالقبور عظامك
ها قد رأيت الحقيقة والواقع فلماذا تشغل نفسك بهم ..............
هذه أيها السادة الكرام قصتنا وحياتنا التي للأسف هي قصة أناس ٍ لم يتعود المناداة بحقهم ونيل مطالبهم وأخذ زمام المبادرة بأيديهم هذه يا سادتي الكرام قصة
سر لن تجدنا وراءك
ليتنا نقولها للظالم ولكن للأسف الشديد نقولها لبعضنا البعض يوم نحتاج بعضنا البعض لكي نمشي سوية نحو الغد
نمشي الكتف على الكتف واليد باليد وليس مشية المذلول الذي يمشي وهو يردد
سر ونحن من وراءك سر ونحن من وراءك سر ونحن فـِداك
سؤالي إلى الجميع متى متى نقول للظالم
نسير وحدنا فلم نعد نحتاجك
ولن نقول بعد اليوم لأنفسنا وأهلينا ولمن يفدينا
سر لن تجدنا وراءك
الى كل الذين يخذلون أنفسهم حين يخذلون من يريد أن يدفع عنهم ويدافع معهم عن حقهم ....
848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع