د. سعد ناجي جواد
تمرير وزارة السيد الكاظمي: نصر أمريكي ام مناورة إيرانية ذكية؟
عكس ما كان متوقعا وبالضد من التصريحات الكثيرة التي صدرت عن قادة الكتل السياسية في العراق الذين أعلنوا بانهم غير موافقين على ترشيح السيد مصطفى الكاظمي لمنصب رئاسة الوزراء، وإنهم بالتالي لن يسمحوا لكتلهم بالتصويت لصالح تشكيلته الوزارية، كل حسب اسبابه، مرت عملية منح الثقة للوزارة الجديدة بسهولة غير متوقعة. نعم حصلت اعتراضات على بعض الاسماء ورفضت اخرى لكن بالنتيجة، وعكس ما حصل مع مرشحين اثنين في محاولتين سابقتين (محمد توفيق علاوي و عدنان الزرفي)، فان الغالبية العظمى من ترشيحات السيد الكاظمي حظيت بتأييد البرلمان وحلف الوزراء الذين اختارهم اليمين الدستورية في ساعة متاخرة من ليل الأربعاء 6 مايو الجاري . وبقي عليه ان يستكمل التشكيلة التي ظلت ناقصة من وزراء الخارجية والنفط والعدل والتجارة. وعلى الرغم من ان هذا الامر قد حصل مع كل روؤساء الوزارات السابقين، (نوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي)، الا ان ما اختلف هذه المرة هو ان رئيس الوزراء الجديد استطاع تمرير مرشحيه للوزارات المهمة (الدفاع والداخلية) من التصويت الأول. الامر الآخر الذي اثار التساؤلات والاستغراب ان الأحزاب الكردية، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني (البرزاني) وحكومة اقليم كردستان، التي اصرت ان يكون وزير المالية من ترشيحها، لا بل اصرت على الاحتفاظ بنفس الوزير الذي خدم في الوزارة المستقيلة، وأفشلت المحاولتين السابقتين بسبب ذلك، الا انها وافقت بصورة مفاجئة على ترشيح اسم اخر للوزارة ليس كرديا. ويبدو ان الضغط الأمريكي والبريطاني على قادة الإقليم قد فعل فعله في هذا المجال.
ان الوقت مازال مبكرا جدا، وحتى من غير المنصف، ان يتم تقييم الوزارة الجديدة ورئيسها، الان وبعد أيام قليلة من تشكيلها. الا ان هناك ملاحظات يمكن ان تذكر. فاولا هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ترشيح رئيس وزراء من خارج الأحزاب الدينية، (حتى السيد أياد علاوي الذي اختير من قبل الولايات المتحدة لفترة سنة انتقالية، كان من المتحالفين مع هذه الأحزاب وحظي بمباركتهم). والأكثر من ذلك فان ترشيح الكاظمي جوبه باعتراضات قوية وصريحة من قبل الكتل والأحزاب الدينية وخاصة تلك الموالية لإيران وكذلك غالبية فصائل الحشد الشعبي المؤتمرة بأمر ايران. لا بل ان قسما من هذه الفصائل اتهمت الكاظمي اتهامات مباشرة بانه مرشح أمريكي بحت، وانه تعاون مع اجهزة الولايات المتحدة في عملية اغتيال القياديين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. الملاحظة الثانية ان السيد الكاظمي ليس لديه في سجله او سيرته الذاتية والدراسية، قبل تسنمه منصب مدير جهاز المخابرات عام 2016، ما يثبت قدرات ادارية استثنائية، وان كل ما عرف عنه هو قدرته على ارضاء جميع الأطراف، وبالأخص الطرف الامريكي. (ولو ان مجموعة من الاشخاص تعرضوا لمشكلة وأحيلت أوراقهم الى جهاز المخابرات، أخبروني بأنه تولى بنفسه التحقيق في القضية وتعامل معها بصورة مهنية متوازنة ونصفهم من حكم اصدره وزير ضدهم بدوافع طائفية). الملاحظة الثالثة ان اول القرارات العملية التي اصدرها بعد تسنمه منصبه الجديد لاقت ارتياحًا بين عامة العراقيين، مثل إلغاء قرار رئيس وزارة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي بايقاف دفع رواتب المتقاعدين، (القرار الذي أراد عبد المهدي ان يختم به مسيرته السيئة حتى يزيد من نسبة الناقمين عليه والمطالبين بمحاكمته)، ثم اعادة الاعتبار للقائد العسكري الذي لعب دورا كبيرا في دحر داعش وتحرير الموصل، وأخيرا إيعازه بإطلاق سراح جميع الموقوفين والمسجونين من المتظاهرين. اضافة الى وعود بتلبية مطالب ساحات الاحتجاج وبالعمل على محاسبة قتلة المتظاهرين. وأخيرا وليس آخرا جاء الفيديو المسرب من مكتبه والذي ظهر فيه يتحدث هاتفيًا مع شقيقه ويحذره بشدة وحزم من مغبة استخدام اسمه لمصالح شخصية، وهو الأمر الذي عرف عن هذا الشقيق في السابق. الملاحظة الرابعة انه حرص على تسمية وزراء شباب وجدد ولم يسبق لهم ان خدموا في وزارات سابقة، باستثناء وزير المالية. كما ان اغلب الوزراء الجدد لم يسبق ان سجلت عليهم شبهات فساد، لا بل ان احدهم (وزير الداخلية)، الذي عرف بمهنيته وطهارة ذيله عندما كان رئيسا لأركان الجيش، سُرِبَ له حديث مع المدراء في وزارته حذرهم فيه بحزم وبشدة من الفساد وبيع المناصب. (ولو ان نقله من منصب رئاسة الأركان اعتبر من قبل بعض المراقبين بانه خطوة اخرى في سلسلة خطوات الجهات الموالية لإيران والحشد الشعبي لاضعاف الجيش العراقي).
مع كل ماقيل أعلاه تبقى التجربة العملية في الأيام القادمة هي من سيثبت صدق هذه الأقوال والوعود. الأهم هو هل سيستطيع هؤلاء الوزراء الجدد ان يقفوا بجدية وحزم بوجه الفساد الكبير الذي نخر في جسد الدولة العراقية، خاصة وانه اصبح مدعوما من قبل مليشيات مسلحة قوية ومتنفذة ومستعدة لتصفية كل من يقف بوجهها، حتى وان كان هذا الشخص رئيس الوزراء؟
من اكبر مساويء تجارب روؤساء الوزراء السابقين، وخاصة عادل عبد المهدي، هو انهم لم يكتفوا بضم فاسدين الى وزاراتهم وسكتوا عن فسادهم، الا انهم وفي حالات عديدة وقفوا الى جانب الفاسدين ضد العدد القليل من الوزراء الذين حاولوا محاربة رؤوس الفساد في وزارتهم. ووزيري الصحة السابق والأسبق في حكومة عبد المهدي لديهم في جعبتهم الكثير من الأدلة على ذلك، فهل سيكون موقف رئيس الوزراء الجديد مختلفًا، أم ان موجة الفساد ستكون أقوى منه؟ وهل سيتمكن الرئيس الجديد ان يوقف التدخلات الخارجية في العراق، ام انه سيعمل على الوقوف بوجه نفوذ معين لصالح نفوذ اخر؟
هناك من يعتبر منح الثقة لوزارة الكاظمي نصرًا للولايات المتحدة على حساب النفوذ الإيراني في العراق. وأنها (اميركا) نجحت في خطوة مهمة لمحاربة هذا النفوذ عن طريق منع ترشيح اي شخصية موالية لإيران من تسنم هذا المنصب. وهناك من يقول ان ايران تصرفت بذكاء ودهاء عندما لم تعترض على ترشيح السيد الكاظمي على الرغم من اعتراضها على ولائه للنفوذ الامريكي، وذلك لانها اولا لم ترغب في اثارة مشكلة جديدة مع الولايات المتحدة وثانيا، وهو الأهم انها واثقة بان اي شخص يصل الى هذا المنصب لن يستطيع ان يقف بوجه نفوذها بسبب ما تمتلكه من تواجد وهيمنة، سياسية وعسكرية، في العراق تمكنها من تحجيم ما قد يتخذ ضدها او ضد الأطراف الموالية لها. في هذا المجال هناك من اخبرني من الوزراء الذين ترشحوا من قبل السيد محمد علاوي الذي لم ينجح في تمرير تشكيلته، ان شخصية عربية متنفذة موالية لإيران أخبرت هذا المرشح بان لا ينزعج مما حصل وان يستعد لكي يكون جزءا من الوزارة التي سيشكلها الكاظمي قريبا. وهذا الخبر، الذي انا واثق من صحته، يعني ان إيران هي من طرحت اسم السيد الكاظمي أولا، وهذا يدلل أيضا على ثقتها به في حين انها رفضت ترشيح الآخرين من قبله بصورة قاطعة. واستنادًا لذلك فان هناك طرف ثالث يقول ان السيد الكاظمي نفسه تصرف بذكاء عندما تمكن من طمأنة ايران، سواء عن طريق الاطراف العراقية الموالية لها، او عن طريق حزب الله في لبنان، بانه لن يشن حربا على نفوذها في العراق. أما الطرف الرابع فيقول ان الولايات المتحدة قد ادركت عظم الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها بحق العراق وبالتالي فانها تحاول توجيه رئيس الوزراء بطريقة تحاول من خلالها ان تعيد بعض الهيبة للدولة العراقية، (طبعًا هذا ليس حبًا في العراق وشعبه وإنما لمحاربة النفوذ الإيراني فيه)، وان احتمالية المواجهة العسكرية بين اميركا وإيران في العراق مازالت قائمة، خاصة بعد ان نجح الرئيس الأمريكي في الاعتراض على قرار الكونكرس الذي منعه من استخدام القوة ضد إيران بدون الرجوع اليه.
ايا كانت الأسباب سيظل العراقيون يعيشون في حالة ترقب ومعهم تساؤلاتهم عن ما تخبئه لهم الأيام القادمة، واهم هذه التساؤلات هي هل سيستطيع السيد الكاظمي ان يفي بوعوده في اعادة الهيبة للدولة وحصر السلاح بيدها ومحاربة رؤوس الفساد وأحالتهم الى المحاكم واسترداد ما سرقوه؟ وهل ستسكت إيران ومواليها على هذا الأسلوب الناعم في تصفية نفوذها؟ أم ان تجربة الكاظمي قد تنتهي بسرعة، عن طريق سحب الثقة من حكومته وإجباره على الاستقالة، كما تحدث روؤساء بعض الكتل والفصائل المسلحة؟ خاصة وان رئيس الوزراء الجديد قد الزم نفسه، بناءا على طلب رئيس البرلمان، بان يحضر شهريا الى البرلمان لمناقشة مسيرة حكومته، وهذا يعني انه منح معارضيه فرصة كبيرة لتسقط أخطاءه وإحراجه أمام العراقيين. ثم هل سيتمكن رئيس الوزراء الجديد من ان يجري انتخابات مبكرة كما وعد، هذه الانتخابات التي يتوقع لها، إذا ما حدثت بنزاهة ومن دون تزوير، ان تشهد تراجعا في نفوذ الأحزاب والكتل السياسية، وخاصة الدينية والطائفية، وكذلك الوجوه الفاسدة؟
ان الأجوبة الواضحة على كل هذه الأسئلة هي التي ستمكن اي مراقب من الحكم على هذه الوزارة الجديدة ورئيسها، وان نتائج ذلك هي من سيقرر من هو الطرف الذي فاز في هذه الجولة من الصراع حول النفوذ في العراق، الولايات المتحدة ام إيران. أم ان رئيس الوزراء الجديد،وعكس كل التوقعات، سيفاجئ الجميع وينجح حقيقة في تحجيم النفوذ الخارجي واعادة بعض الهيبة للدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، وفي ظل ظروف لا يحسد عليها، تتمثل في المخاوف من انتشار وباء الكورونا والتدهور المريع لاسعار النفط والعجز المالي الكبير في الميزانية، وتفوق نفوذ الفصائل المسلحة على نفوذ المؤسسة العسكرية وتفشي الفساد بصورة غير مسبوقة. وحدها الأيام القادمة كفيلة بالرد على هذه التساؤلات وغيرها كثير.
2207 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع