د.ضرغام الدباغ
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
مرحلة ما قبل اختراع الدمج
هذه صورة الفقير إلى الله المدعو غازي بن فيصل
غازي بن فيصل هذا، كان ملكاً أبن ملك، وجده ملك، وعمه ملك، وعمه الآخر ملك ... وقبل أن يكون ملك كان أميراً وتشرف بحمل رتبة ملازم، وقبل أن يكون أميراً كان شريفاً من الأشراف، وأجداده من أشراف قريش والهاشميين أشراف مكة الاصلاء الشرعيين، بيدهم شرافة مكة وسدانة الكعبة كابراً عن كابر، وهم أسرة هاشمية لا جدال ولا نقاش في ذلك .. خريج مدارس لندن، والكلية العسكرية العراقية.
بقي الأمير غازي، ولي العهد برتبة ملازم في الجيش العراقي حتى توج ملكاً على العراق، وهذه صورته أعلاه برتبة ملازم ... الشريف أبن الشرفاء .. الأمير أبن الأمراء .. الملك أبن الملوك .. يحمل بكل فخر واعتزاز رتبة ملازم في الجيش العراقي .. يوم كانت كلية الرستمية تخرج رجالاً مقاتلين أبطال .. ولا يشترون النجوم من سوق هرج، بل يدفعون ثمنها عرقا في ساحة العرضات، ودماً في ميادين القتال .. ورتب تمنح بعد استحقاق علمي و قانوني ....
أي زمان مثالي كنا فيه ..
هم توفوا ورحلوا عند ربهم، ولكن نحن الشعب العراقي خطية ..... نتجرع العذاب والهوان ... إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ...
كان مرافقه العسكري الملازم فؤاد عارف، وهو صديقه وأبن دورته في الكلية العسكرية، ويروي عنه أن الملك غازي أعجبته سيارة رأها، وأراد شراءها، فسأل فؤاد عارف عن سعرها، ولما عادا إلى البيت وجد أن ما عنده من مال، وما عند والدته وعماته ، لا يكفي لشراء السيارة فتنقصه بضع مئات من الدنانير، فقال له فؤاد، : سيدنا هذه بسيطة نطلب من وزير المالية سلفة على راتبك وتحل المشكلة.
ولما جاء وزير المالية ونوه له الملك بطلبه بعد تردد وخجل ، فقال الوزير " يا جلالة الملك، لا توجد تغطية قانونية لمثل هذا الطلب مع الأسف" فأعتذر الملك من طلبه.
ولما غادر الوزير عاتب الملك صديقه " ورطتنا بطلب غير قانوني " وراح المرافق يهون على الملك .. وقد نزعت فكرة شراء السيارة نهائياً.
روى لي صديقي العقيد رشيد صالح العزاوي، وهو من أسماء المهمة في صنف الهندسة العسكرية وضابط متفوق، أنه بعد إنهاءه الدراسة في الكلية العسكرية في أواسط الخمسينات، قررت وزارة الدفاع العراقية إيفاد عشرة ضباط لدراسة الهندسة في بريطانيا، والأسماء اختيرت كالعادة حسب القدم العسكري بتسلسل النجاح، وكان صديقي العزاوي من بينهم، وكان البلاط الملكي يرغب في إيفاد ضابط ضمن الطلاب الموفدين، فردت رئاسة أركان الجيش أن تسلسل هذا الطالب لا يمنحه هذا الحق، لأن تسلسله هو الحادي عشر ..! وأراد وزير الدفاع أن يرضي البلاط والقانون معاً فرفع عدد الطلاب الموفدين إلى 15 طالب ...!
تأسست الدولة العراقية على هذه الأسس الراسخة القوية، ملك يحتار بتدبير بضع مئات من الدنانير، وبلاط لا يستطيع إيفاد طالب لدورة خارج استحقاقه .. لذلك فقط ولم تتحطم الدولة رغم أن الأسس والقيم بدأت بالتراجع بعد ثورة تموز / 1958، ولكن ببطء، حتى جاءت الضربة القاضية بعد الاحتلال حيث صار تدمير القيم نهجاً ثابتاً متعمداً، فهناك مصلحة أن يدمر هذا البلد ...
يقول سيدنا علي بن أبي طالب (رض) :
يا محنة الهر كفي ... وإن لم تكفي فخفي ... ثور يناطح الثريا ... وعالم مستخف
1488 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع