أ.د.صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم
بغداد 2020
الكمين للجنود، والحفرة لصيد الحيوان في اللغة الأكدية
مشهد بالنحت البارز يمثل فيل وقرده جلبت كهدايا إلى نينوى من قبل شعب موصري (Muzri) من المسلة السوداء للملك شلمانصر الثالث (المتحف البريطاني)
استخدمت في العمليات العسكرية قديما أسلوب الكمائن ضد العدو، وكانت معروفة في بلاد الرافدين، فقد وجدت كلمتان في اللغة الأكدية تعني الكمين وهما شوبتُ (šubtu) وشوشُباتُ (šūšubātu)، وقد ذكرت كلمة شوبتُ (šubtu) بصفة كمين في حوليات الملك آشور-ناصر-اﭙلِ الثاني (883–859) ق.م، كما استعملت على الأرجح كلمة شوبتُ للتعبير عن صيد الحيوانات فهي تعني حفرة، وأما شوشُباتُ (šūšubātu) فقد استخدمت كتعبير عن عمل كمين في العمليات العسكرية.
أول ما يجب أخذه في الاعتبار هي الرسالة الآشورية التي تعود للعهد الاشوري الحديث تحت رقم (ABL 138)، ذكرت كلمة شوبتُ لأول مرة بمعنى كمين حيث أبلغ شا-آشور-دوبو (Ša-Aššur-dubbu) حاكم منطقة توشخان (Tušḫan) (حاليا موقع زياريت تبة (Ziyaret Tepe) جنوب شرق تركيا) الملك سرجون الثاني (721-705) ق.م أنه أرسل ستة جنود ومعهم اثنين من آمري الفصيل ريشو (rēšu) (ترجمت ريشو خادم أو عبد) واثنين من الضباط برتبة رب كيصير(rab kişir) لآجل إعادة بعض الهاربين، وفي الطريق تعرض الجنود الآشوريين لهجوم من قبل قوة من جنود شوبريين (Šupreans) كما جاء بالرسالة: (نصب الشوبريين (Šupreans) كمين (شوبتُ). . . فهرب آمري الفصيلين (ريشو) تاركين الجنود الستة وراءهم (بمعنى هرب آمري الفصيلين وتركوا الجنود الستة بسبب المباغتة) لكنهما أنقذوا الضابطين خلال هروبهما).
كما يوجد مقطع آخر في حوليات آشور-ناصر-اﭙلِ الثاني، ذكر فيه كلمة الكمين: (بينما أنا بقيت أمام مدينة باراسيندي (Parsindi) (هذه المدينة كانت محصنة)، أنا وضعت سلاح الفرسان (و) وجنود الاستطلاع في كمين (خلف المدينة) (شوبتُ)، أنا قتلت خمسين جنديا ومعهم المقاتلين من رجال أميكا (Ameka) (كانت أميكا مملكة صغيرة تقع في جنوب زاموا تقريبا محافظة السليمانية) في منطقة مفتوحة)، يظهر أن الملك آشور-ناصر-اﭙلِ الثاني (Aššur-nāşir-apli) كان يقف أمام المدينة، ونصب الكمين وراء المدينة ودرات المعركة في أرض سهلية وليست منطقة جبلية.
وفي رسالة من العهد الاشوري الحديث أيضا استخدمت كلمة شوبتُ (šubtu) في نصب كمين ضد اللصوص: (ana šubat) ( lúḫabbāti (SA.GAZ) mešiššir (SI.SÁ) -ma úl iḫ- ḫab-bat) (اللصوص سوف يسيرون مباشرة إلى الكمين ولن تتم السرقة)، كما وردت فقرة في رسالة مكسورة بشدة تحت رقم ( ABL 560): (قام نابونيدوس (Nabonidus)، كاهن أربي-بيتي (ērib-bitu) في المعبد (مهمة كهنة اربي-بيتي هي رعاية مداخل المعبد، ويكونوا وسطاء بين الإله والملك)، بعمل كمين للاستيلاء على المدينة فقال: (أنا سوف أسحق وأدمر المدينة)، الشيء الغريب في الرسالة أن يشارك كاهن (اربي- بيتي) في الأنشطة العسكرية، ولا يقدم ما بقي من اللوح المكسور أي تفسير لذلك، وقد استخدم الكاتب تعبير شوبتُ (šubtu) مع كلمة ابيشو (epēšu) التي تعني (ربط، حجز، قيد) بينما في الحالات الأخرى يتم استخدام هذه الكلمة مع شوشُباتو (šūšubātu) التي تعني (كمين).
أن كلمة شوشُباتو (šūšubātu) تعني (كمين) ذكرها الباحث (Wiseman) في حوليات ملوك الكلديين (لندن 1956)، كما وردت في الحوليات المتعلقة بحملات نرﮔـال-شار-أصر (Nergal-shar-usur) (560-556) ق.م ملك بابل: (وضع ابواشو (Appuašu) (ملك قيليقيا Cilicia جنوب وسط تركيا) القوات وسلاح الفرسان الذي كان قد أعدهم للقتال، فنصب كمين (شوشُباتو) في واد جبلي، لكن نرﮔـال-شار-أصر تغلب عليهم وهزمهم، وقتل مجموعة كبيرة من جنودهم، وقبض على الملك ابواشو (Appuašu) ومعه العديد من الجنود والخيول).
استخدمت كلمة شوشُباتو(šūšubātu) أيضا في الحوليات الملكية ففي نص للملك سرجون الثاني ذكر بانه هاجم سوبارتو (Subartu) (من الصعب تحديد موقعها ربما أعالي نهر دجلة) بكامل قوته وأجبرهم على التراجع، ثم نصب سرجون كمين وهزمهم تماما، لقد تغلب على جيشهم الكبير، وأرسل ممتلكاتهم إلى بلاد أكد (Agade).
في السجلات الملكية الآشورية، هناك كلمة (RU / ŠUB-tu / i / a) استخدمت في صيد الحيوانات، وقد تنبه لها الباحث (Weidner) وايضا الباحث (Michel)، واقترحا بأن الكلمة يجب أن تقرأ شوبتُ (šubtu) وأنها تعتبر شكلاً من أشكال الفخ لصيد الحيوانات ربما حفرة، وعلى ما يبدو لا يوجد تمثيل في فن الرسم والنحت البارز تصور حفرة لصيد الحيوانات لا في آشور ولا حتى في مصر، ولكن لا نستبعد بأن عمل الحفر كانت وسيلة معروفة لصيد الحيوانات، فقد استخدمت كلمة شُوبت بشكل رئيسي فيما يتعلق بصيد الأفيال، ففي وصف الملك آشور-ناصر-اﭙلِ الثاني (Aššur-nāşir-apli) وهو يتحدث عن نشاطه في الصيد يقول:
(30 pirānimeš ina šub-ti a-duk) بمعنى (لقد قتلت ثلاثين فيلًا في حفرة)، وكذلك يقول شلمانصر الثالث (824–859) ق. م بانه اصطاد عدد من الفيلة بعمل حفرة (شوبتُ) ((…) x pirānimeš ina šub-(ti…)).
كذلك في المقطع التالي من حوليات ادد-نيراري الثاني (Adad-nirāri): (لقد قتلت ستة أفيال في المعركة، ثم أخرجتها. . . من الحفرة (شوبتُ)، وقبضت على أربعة أفيال حية، ومسكت خمسة افيال بواسطة كمين)، اما في حوليات الملك آشور-دان الثاني (Aššur-dān) (935-912) ق.م: )قبضت على اثنين من الحمير البرية في حفرة) (عاشت الحمير البرية في منطقة جبل سنجار والجزيرة، وكانت اكبر حجما واسرع في الجري من الخيول، وكان الناس يأكلون صغار الحمير البرية بعد صيدها، وانها أطيب من لحم الغزال لكنه سريع التلف)، عموما لا تقدم هذه المقاطع دليلاً قاطعا على أن شوبتُ (šubtu) تعني (حفرة) لمحاصرة الحيوانات، ومع ذلك ، بالمقارنة مع استخدام شوبتُ وطريقة الصيد فهي تعني حفرة .
شكل لوح حجري صور بالنحت البارز صيد الحمير البرية عثر عليه في القصر الشمالي في نينوى ويعود إلى العهد الاشوري الحديث
ورد مقطع في ملحمة كلكامش، ففي اللوح الأول، بعد أن رأى الصياد إنكيدو (Enkidu) وهو يتجول في السهوب مع الحيوانات البرية، فأبلغ الصياد والده:
هو ملأ الحفرة التي حفرتها،
هو دمر الفخ الذي وضعته،
هو سمح للحيوانات، وحوش السهوب، بالهروب مني
هو لا يسمح لي بالصيد.
هنا كلمة شوبتُ (šubtu) تعني (حفرة لصيد الحيوان)، وبالتالي كلمة شوشُباتو (šūšubātu) تعني (كمين ضد جنود العدو)، وأحيانا كلمة شوبتُ (šubtu) تعطي معنى (الكمين) ولكن ربما اشتقت من معنى (الحفرة) لأنها كلمة تستخدم في نصب كمين للحيوان.
1971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع