آفاق ثورة ١٤ تموز الخالدة - من ذكريات شاب يهودي في العراق ١٩٥٩

                                       

                               فؤاد عكه

آفاق ثورة ١٤ تموز الخالدة - من ذكريات شاب يهودي في العراق ١٩٥٩.

     

قامت ثورة 14تموز وكانت الأقلية اليهودية التي ابت مغادرة العراق في سنوات (التسقيط) حائره في امرها. ماذا سيكون حالهم مع الحكام الجدد؟ هل ستكون الحركة مرادفة لانقلاب بكر صدقي في الثلاثينيات؟ او ستكون كحركة العقداء الأربعة برئاسة رشيد عالي الكيلاني وما نتج عنها (الفرهود الأسود) أو تكون حركه تلهي غضب الشعب بمحاربة الأقلية اليهودية بحجة الصهيونية؟ كان الانزواء وعدم التظاهر هو الحل....

هذه وجهة نظري كشاب صغير مندفع بآراء الاشتراكية وحب الوطن كبقية ابناء جيلي من ابناء مدينة الناصرية الغراء ولو اني غادرتها الى بغداد بعد ان سجن اخي المناضل الشيوعي كرجي ساسون عكه وهو ابن 17 عاما وحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات لاقينا منها الأمرين بالنسبة له ولأمي ولي حيث وجدت نفسي وانا أصغر افراد العائلة بأن أكون ولي أمرها بالرغم عني بعد مغادرة أخوتي الكبار آبان التسقيط .
وبعد مدة قصيره من اندلاع الثورة وتصفية الأمور بين قادتها اتضح انها ثوره وطنيه غايتها حب الوطن وسلامة شعبه وسعادة الشعب العراقي وامنه وحماية اقتصاده ...توضح ذلك جليا بعد ان اصبحت الثورة بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم (طيب الله ذكراه) ... وأضحى بحق هو الزعيم الأوحد....
وكان اندفاع أكثر شباب اليهود ومثقفيهم (وانا أحدهم) لحب قائد الثورة شيء بديهي لأننا لم نسمع من اقواله اي شيء يمس يهود العراق وكانت تصريحاته تدل على وحدة الشعب العراقي (عربا واكرادا واقليات اخرى).
وكان من عادة ادارة مدرسة فرنك عيني ادخال بعض المواد اللاصفية كإقامة تمثيليات لكتاب عالميين (كموليير) وغيره يكون ابطال الرواية طلاب المدرسة وعند اقامة الحفلة ألف استاذي الجليل شاعر الوجدان المرحوم انور شاؤل ابيات من الشعر حيا بها الثورة وقائدها وبصورة عفويه هتفت بحياة الثورة وقائدها ودوّت القاعة بالتصفيق الحاد مما جعل اكثر شباب اليهود وانا احدهم نشعر بشرف المواطنة ..... وكان ايضا من ضمن البرنامج المدرسي منح المتفوقين من الطلاب جوائز مثابره تسمى (جوائز نقار وهو محسن يهودي عراقي)..ومن هنا دفعني الفضول بأن اقترح على مدير المدرسة المرحوم عبد الله عوبديا ان تكون حفلة هذه السنه تحت رعاية وزارة المعارف وبعد الحاحي اقتنع الرجل بذلك وارسل طلب الى وزارة المعارف بذلك. وبعد مدة قصيره رنّ جرس الهاتف وكان المتحدث من وزارة المعارف يبشرنا بالإيجاب وان وزير المعارف سيشرف الحفل بشخصه ...وكنا سعداء جدا وكانت الحفلة (في شهر ايار 1959) حضرها الوزير نفسه وكانت امسيه جميله جدا ....وانطلاقا من هذه الحفلة تشجع شباب الطائفة ومثقفيها بأن نشترك في المسيرة الشعبية للذكرى الأولى لثورة 14 تموز والذي حدّد موعدها في يوم 15تموز 1959 ......في ذلك الوقت بدأت بوادر اختلاف الرأي في صفوف المجتمع العراق فمن جهة الناصريين والبعثيين والقوميين ومن الجهة الثانية الوطنيون والتقدميون والشيوعيون وانصار السلام وقد حاول الزعيم ان يوحد الصفوف وراحت جميع محاولاته سدى لذلك قررت اللجنة العليا للمسيرة تحديد الشعارات وكل وفد يختار المناسب له على ان يرسل الى لجنة الاحتفالات للمصادقة عليه...وهنا بدأنا بالتشاور والاستئناس برأي الآخرين واتفقنا ان نخرج بالمسيرة بسيارة (لوري) طولها 13متر ذات 16 دولاب (تاير) ينصب فوقها تمثال الزعيم وجميع افراد الشعب من حوله جيشا وشعبا بعربه واكراده والأقليات الأخرى وفي صدر السيارة شعار كتب عليه بالخط الكوفي (المؤسسات الموسوية تحي ثورة 14 تموز )والى جانبها الشعارات الأربعة التي نسقها الزعيم (تحيا الجمهورية العراقية والأمه العربية والاستقلال الوطني ..الخ) ..وهنا كيف نسير بالمسيرة لنرضي الجميع فانبثقت الفكرة تحت شعار جديد (في الصناعة تزدهر الزراعة ) قام الرسام على ما أظن الفنان عباس بغدادي برسم النهرين دجله والفرات وتوزيعها بروافد تسقي ارض العراق ليعود فائضها على اراضي العراق تشجيعا للإصلاح الزراعي وبدأنا بالتنفيذ بجلب خزان ماء يسع لكثر من 500 لتر ماء يصب في سواقي النهرين التي رسمها الفنان لتعود الى الخزان ..أذن الخزان موجود ولكن من اين نأتي بمضخة صغيره وكان حل هذه المشكلة عند تاجر السكراب المرحوم خضوري دبي (جينكو) فلب الطلب ..وعلا على تل من السكراب واشار علي بقدمه ان التقط قطعه حديديه وأمرني بأن اغمسها في قعره من النفط وبعد 24 ساعه يمكن تشغيلها يدويا والفعل اشتغلت المضخة ونجحت الفكرة....وكان تنفيذ برنامج المسيرة هو ان تقوم فتيات صغيرات لابسات فساتين بلون العلم العراقي بالرقص الإيقاعي وتم تنفيذ ذلك من اختيار وتسجيل المارشات المناسبة وتعليم البنات من قبل السيدة جانيت قحطان اما صنع وخياطة الفساتين فقد تم تنفيذها في مخيطة العضو الفعال في المسيرة صديقي المرحوم اسحق زلخه (طيب الله ثراه ) ....وبعدها جاء دور طلاب المسيرة فعهدت اللجنة بالأستاذ بهنام مدرب الرياضة في ملعب عزرا مناحيم دانيال بتنفيذ ذلك ودرب الطلاب بصورة لائقة (جزاه الله خيرا)..... تأزمت الأمور كثيرا في البلاد وطرق سمعنا تهديدات من جانب اعداء الثورة فقررنا ان ننهي المسيرة بعد اجتياز منصة الزعيم عبورا في الشارع المؤدي الى شارع الرشيد حتى نصل الى السنك وبعدها (كل واحد يروح البيته)....
كان على الوفد ان يسير اللوري بديكوراته الثقيلة من مدرسة فرنك عيني مارا بشارع الشيخ عمر ملتفا نحو جسر مود (الأحرار) الى جانب الكرخ حتى يصل الى نقطة انطلاق المسيرة في كرادة مريم وهذه مسافه ليست بالقصيرة مصحوبه بالتهديدات وكان عدد افراد الوفد يقارب 70 فرد وكانت المسؤولة في تحضير الماء والطعام (الست سلمى ) باركها الله ...كنا على حذر في كل خطوة لتأمين ايصال المسيرة الى النقطة الابتداء وكان المسؤول عن ذلك الصديق مناحيم عيني بسيارته المكشوفة لتوجيهنا الى طريق الآمان ..ووصلنا بسلامة الباري الى نقطة تجمع الوفود ...وفي حوالي الساعة الثالثة فجرا جاءنا انضباط عسكري يطلب شخص يمثل الوفد ليملي علينا توجيهاته الأخيرة فأعطاني 3 وشاحات يحق لنا ان نراقب عن كثب وفدنا اواي وفد واوصاني بضرورة الالتزام وحسن التصرف وبدوري سلمت الوشاحين الى زملائي المرحومين اسحق زلخه و المحامي مراد قطان....بدأت المسيرة بوفد الأئمة ممثلين الديانة الإسلامية وبعدها مسيرة المسيحيين وكان وفد كبير يتصدره فرسان بزي تاريخي وكان وفدا رائعا ثم يأتي دورنا (المؤسسات الموسوية) يتقدمهم عرفاء المسيرة وكنت احدهم ...فتريثت بالسير ..وبعد وصول وفد المسيحيين الى منصة الزعيم كان وفدنا في منتصف جسر الجمهورية فصدحت الموسيقى من مكبرات الصوت في سيارتنا وزملائي وانا في مقدمة الوفد ولا زال صوت الشهيد عبد الكريم الجده قائد الانضباط العسكري مشجعا (كلش زين هلا بيكم) حتى وصلنا الى منصة الزعيم وهتفت من صميم قلبي (لتبقى راية 14 تموز خفاقة على ربوع الرافدين وليعش الى الأبد زعيمنا الأوحد والأوحد و الأوحد اللواء عبد الكريم قاسم) ناسيا الركن..

وكان الرقص الإيقاعي في اوجه وقامت الطفلة راشيل ابنة صديقي المرحوم الصحفي نعيم (صالح) طويق بتقديم باقة زهور وكان المفروض ان يتسلمها احد الحراس ولكن الزعيم أشار للحراس بالسماح لها بأن تعلوا الى المنصة ليصافحها ويشكرها ..وكان نجاح المسيرة يفوق كل وصف على ان نتفرق قرب السنك ولكن عند مرورنا امام مجلس الأعمار فوجئت بجندي برتبة عريف مرتديا (سداره) وهم من حراس الزعيم هامسا في أذني ( عاشت ايدكم والزعيم يؤمر بأن تكملوا المسيرة الى نهايتها في الأعظمية واحنا حارسيكم )..أذكر ذلك وكأنها لحظات من الأمس القريب وليس قبل 60عاما..في النهاية اريد ان انوه ان نجاح ذلك لا يعود لنشاط شخص واحد وانما لكل يهود العراق ...وانا اشهد بانه لم يتقاعس او يتناوى اي فرد من ابناء الطائفة كبيرهم وصغيرهم في المساهمة في نجاح هذه المسيرة من الورد الصناعي او اي طلب آخر ...رحم الله الذين ماتوا والعمر المديد للأحياء منهم واعتذر لمن لم اذكرهم والذين ساهموا في المسيرة امثال نعيم وخالد موسى وجميل خزوم وسهام فتيا واكرم منشي وغيرهم واخيرا وليس اخرا رحم الله زعيم الأمه العراقية مؤسس الجمهورية العراقية الخالدة الزعيم عبد الكريم قاسم طيب الله ذكراه.....
رمات غان – إسرائيل
تشرين الثاني 2019

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

750 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع