د. سعد ناجي جواد
بعد ان “وَشّحَ” مسقط رأس آباءه وأجداده بالسواد.. السيد عادل عبد المهدي “سيقدم” استقالته
نعم لقد نجح رئيس وزراء العراق الخامس بعد الاحتلال في ان يتفوق على من سبقه في نشر القتل والموت في بغداد وكل المحافظات الجنوبية، هذه المحافظات التي ادعى هو ومن جاء معه من الأحزاب الطائفية مع الدبابات الأمريكية بانهم جاءوا لتحرير ابناءها من (الظلم والتهميش!!!)، وهاهم ابناء هذه المحافظات ينصبون سرادقات العزاء في كل مكان، ويعلنون الحداد على ارواح مئات الشباب بعمر الزهور أراد السيد عادل ومعاونيه، وخاصة مدير مكتبه والقيادات العسكرية وغير العسكرية التي تأتمر بأمره، ان يضحوا بهم بدم بارد وبقسوة غير مبررة إطلاقًا، لكي يبقوا في الحكم. الأدهى من ذلك ان السيد عادل الذي يعرف بالمنتفكي، (نسبة الى مدينة المنتفك أو المنتفج بلهجة ابناء الجنوب)، التي انحدرت منها عائلته وامتلكت الإقطاعيات الكبيرة فيها وتنعمت من خيراتها لعقود طويلة جدا ولا تزال، قد خص مدينته، (والتي أصبحت تعرف ب ذي قار ومركزها الناصرية)، باكبر عدد من القتلى، وكأنه أراد ان يقول لهم بان هذا هو تعبيري عن الشكر لما قدمتموه للعائلة من خير وثروة طائلة. ولكن بدورها علمته هذه المدينة العريقة والتي كانت احد مراكز ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني في القرن الماضي، وأبناءها الأبطال كيف يكون الاستبسال في الدفاع عن حقوق الوطن والمواطنين. وبالتأكيد فانه لن يتمكن من يطأ بقدمه هذه المدينة بعد الان. وكان يمكنه ان يجنب العراق كل هذا الدم المراق منذ البداية لو انه تنحى عن منصبه (وهو الذي ادعى الزهد فيه!!!). الا انه بدلًا عن ذلك استمر في المكابرة و التصعيد في استخدام القوة المفرطة والحديث عن (انجازاته الكبيرة الوهمية التي لازال يدعيها حتى اللحظة). وكدليل على عدم رغبته في الاستقالة انه بدا رسالته التي رفعها للبرلمان بألآية الكريمة ( يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدين ان شاء الله من الصابرين) وكأنه يريد ان يقول ان خطاب المرجعية يوم الجمعة الماضي قد أجبره على الاستقالة و تسبب بذبحه وهو البريء من كل ذنب وانه صابر لذلك. مما حدى ببعض العراقيين، الذين لايزالون رغم الماسي يحتفظون بروح السخرية، ان يقولوا: نخشى ان ياتي السيد عبد المهدي يوم البت بالاستقالة الى البرلمان ويقول كما ورد في تتمة الآية الكريمة التي استخدمها (وفديناه بذبح عظيم)، كي يبقى في المنصب. المهم فان خطوته هذه تدلل على انه أراد ان يقول بانه هو من استقال ولم يقال، حتى وان كانت خطوته غير دستورية.
منذ البداية كان واضحا واعتمادًا على تجارب سابقة ان كل تاخير في الاستجابة لمطالب و شكاوى المتظاهرين ضد الفساد المستشري والفاسدين الكبار، الذين افلسوا العراق ونهبوه وافقروا ابناءه، يعني اولا تصعيد للمطالب وثانيًا فتح أبواب البلاد للتدخلات الخارجية السيئة والتي يرغب أصحابها نقل تجارب الحروب الداخلية التي عمت وتعم المنطقة اليها.
المهم انه نتيجة لسياسات واجراءات السيد عبد المهدي والنزاع الإيراني- الأمريكي في العراق وبدم العراقيين، أصبحت البلاد على كف عفريت وتتجه إلى كارثة لا تحمد عقباها. فأولا، واستنادا للدستور الكارثي المطبق، هناك خلاف حول من هو الطرف الذي يستطيع البت بالاستقالة؟ والأكثر من ذلك فانه لا توجد مادة في هذه الوثيقة السيئة ما يعطي الحق لرئيس الوزراء تقديم استقالته، وإنما يمكن ان تسحب الثقة منه من قبل البرلمان بعد استجواب، أو ان يطلب منه رئيس الجمهورية التنحي عن منصبه كي يختار مرشحا اخر من (الكتلة الأكبر في البرلمان )، وهذه هي الكارثة الأخرى، لانها تعني استمرار نفس الوجوه الفاسدة والفاشلة في الحكم. وهذا كان واضحا من الاسماء التي بدأت تتسرب من الكتل السياسية كأشخاص محتملين لكي يقع الاختيار عليهم. (الطريف في الأمر ان اشخاصا يضعهم المتظاهرون على راس قائمة من يجب إحالتهم إلى المحاكم و محاسبتهم، والذين لم يرد اسمهم في هذه التسريبات بتاتا بسبب فسادهم و فشلهم السابق، بدأوا بالتصريح بانهم لا يرغبون بشغل هذا المنصب!!). المشكلة الأخرى ان المرجعية الدينية في النجف الأشرف، والتي تأخرت كثيرا في لوصول إلى هكذا قرار، وعندما توصلت إليه ذكرته بصورة غير مباشرة، أوكلت للبرلمان، الذي عرفت الغالبية العظمى من أعضاءه بالفساد وبالحصول على المقعد نتيجة للتزوير المفضوح الذي شاب الانتخابات الأخيرة، بان يصحح الخطأ ( الذي ارتكبه)، في وقت لا يزال العديد من أعضاءه والكتل التي ينتمون اليها تقول ان اختيارهم كان صحيحًا وان عبد المهدي لم يمنح وقتا كافيا!!!! الأكثر من ذلك فلقد إتخذ البرلمان قرارات بتشكيل لجان لتعديل الدستور و تعديل قانون الانتخابات و اختيار مفوضية جديدة (مستقلة) للانتخابات. وبالفعل شكل البرلمان لجانًا لهذه الأغراض، اختيرت كالعادة على مبدأ (المحاصصة والتوافق بين الكتل المشاركة في العملية السياسية الفاشلة)، وضمت، وخاصة تلك المتعلقة بتعديل الدستور، أعضاءًا ليس لديهم أية خلفية قانونية أو دستورية. في حين ان لجنة تعديل قانون الانتخابات طرحت مسودة لا تختلف كثيرا عن المطبقة حاليا، والدليل ان احد أعضاء البرلمان خرج علينا (ليبارك للمتظاهرين) نجاحهم في تعديل قانون الانتخابات الذي سيمنح المستقلين، والذين لا ينتمون إلى الأحزاب والتكتلات الفاسدة التي ابتلي بها العراق، 30 أو ربما 40 بالمائة من المقاعد!!!! بمعنى آخر ان التكتلات التي ترفضها التظاهرات ستبقى متحكمة في البرلمان.
ان الحديث عن ما يجري وجرى في العراق يطول ويطول. ومن الواضح ان الطغمة التي تسلطت على رقاب العراقيين لا تزال غير واعية لما يجري ولما ينتظرها من مصير اسود تستحقه، ومصرة على التمسك بالحكم. ولم تصل إلى قناعة بأنها إذا ارادت ان تنقذ نفسها من مصير اسود فعليها ان تعي ان الترقيع لم يعد يجدي نفعا، وان اليوم الذي سيقفون فيه جميعًا أمام القضاء لينالوا قصاصهم العادل قد اقترب.
من ناحية أخرى والأهم ان المطلوب من إيران إذا ارادت حقيقة مصلحة العراق ومن ثم مصلحتها وان تحافظ على علاقة جوار متكافئة طيبة، ان تنأى بنفسها عن هؤلاء الفاسدين وان تدعم عراقيين اكفاء ووطنيين ونزيهين يمكن ان يقيموا معها علاقات تتسم بالندية و متوازنة تحفظ مصالح البلدين. أما الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ولا تزال السبب الأول فيما حل ويحل بالعراق من كوارث منذ ان اتخذت قرار الاحتلال والاعتماد على عملاء صغار و فاسدين كبار، ولا زالت هي ودول أوربية اخرى تأوي العشرات من (المسؤولين!!) السابقين الفاسدين الذين نهبوا أموال العراق ويتمتعون بها على مرأى ومسمع من سلطاتهم، فيجب ان لا يكون هناك ادنى شك لدى أي وطني عراقي بان هذه القوة الاستعمارية لا تريد خيرا بالعراق، وأنها مستعدة للإتيان باشخاص افسد وأفشل من الموجودين اذا وجدت فيهم الاستعداد للعمل كعملاء صغار لخدمة مصالحها ضد العراق وشعبه، كما فعلت في السابق. ان من يريد ان يخرج العراق من أزمته بأمان (ولو بصعوبة كبيرة) ان يفكر بطريقة صحيحة بعيدا عن المصالح الشخصية. فالكل يتفق ان العراق بحاجة إلى وزارة طوارىء تشكل من أشخاص مشهود لهم بالوطنية والإخلاص والنزاهة، وساحات التظاهرات أفرزت كمية كبيرة من هؤلاء الشباب الواعي اللبق والذكي والذي ابهر العالم بسعة افقه وثقافته وتعاليه على السلبيات التي أراد الاحتلال و دول الجوار ان يزرعها فينا، كالطائفية المقيتة والعنصرية والأفكار المتخلفة التي مزقت البلاد بما فيه الكفاية. وان تُمنح هذه الوزارة، وبتفويض من الشعب، الحق في تعديل الدستور وقانون الانتخابات وتعرض ذلك في استفتاء شعبي، وانهاء وجود كل المظاهر المسلحة خارج إطار الدولة وإحالة الفاسدين للقضاء العادل لينالوا جزاءهم، وان تعد العدة بعد ذلك لانتخابات عامة يشرف عليها القضاء العراقي الكفوء والمشهود له بالنزاهة. وعكس ذلك فان العناية الإلهية وحدها هي من يمكن ان تحمي العراق واهله من مصير مجهول.
2720 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع