د.منير الحبوبي
قلم القوپيا والغش ومساحة الحبر
بادئ ذي بدأ أحب ان أذكر بأنه قد بدأ استخدام قلم القوپيا منذ عام ١٨٧٠ ويصنع كما يصنع قلم الرصاص ( الكرافيت) الا انه يحتوي على الكاؤلين اي الطين وعلى صبغة الانيلين وتمتاز نبلة القلم له بصلابتها و عدم تكسرها اثناء الضغط بالكتابه ولذلك يستخدم للكتابة عند الاستنساخ بورق الكربون وقد شاع استخدام قلم القوپيا عالمياً في القرن التاسع عشر و القرن العشرين و في الحرب العالمية الاولى كانت بريطانيا تستورد آلاف الاقلام أسبوعياً من أمريكا و توزعها على قطعاتها وحلفائها من اجل استخدامها في المراسلات
قلم القوپيا هذا قد عاش في ذاكرة العراقيين حقبة من الزمن وعندما نضعه في جيوبنا وعندما تمطر السماء فيفيض حبره البنفسجي فينشأ بقعة على الملابس وفي العراق كان قلم القوبيا يستخدم في الدوائر الحكومية في كتابة المراسلات و العقود و الوثائق و الاستنساخ وكان يسمح الكتابة به بديلاً عن قلم الحبر وهكذا بالمعاملات التجاريه والبيع بالدين فكان البائع مثلا يكتب بقلم القوپيا على ورقه بيضاء تحتها ورق كاربوني وأسفلها ورقه بيضاء اخرى وهكذا تحدد المبالغ والواريخ والمستحقات وتكون بنسختين الولى للبائع والثاني للمشتري او المستقرض وبعض الأحيان كانت تباع او تستعمل دفاتر مصممه لهذا الغرض
وعموما يستخدم كتاب العرائض بكثرة قلم القوپيا للكتابة أو نقل بصمة الإبهام الى الورق بعد تبليلها باللعاب و تلوينها وللتذكير فأن الحسابات في ستينيات القرن الماضي وما قبلها كانت تجرى يدوياً وتكتب بقلم القوبيا ،وبعد المطابقة للحسابات والكتابه يمرر عليها قطعة من القطن المبتل بالماء فعندها يظهر حبر بنفسجي لا يمكن التلاعب به
وللمعلومات قديما كان صاحب اي مكوي اي الأوتچي يستخدم قلم القوپيا في كتابة اسم صاحب الملابس على ملابسه وللطرفه فقد تم معرفة الجهه التي تقف وراء محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم عام ١٩٥٩ من خلال اسم الشخص المكتوب على جيب بنطرونه بقلم القوبيا من المكوى بعد قتله اثناء تنفيذ العملية . و بالعامية العراقية فإن كلمة قوبيا تستخدم في التعبير عن الغش و خصوصاً في الأمتحانات ( لا تسوي قوبيا ) وبصوره عامه الأوتچي لكي يكتب الأسم على الملابس يبلل نبلة او نهاية قلم القوپيا بفمه وبعدها يكتب على الثياب
ايام زمان المعلم اذا عرف أثنين من التلاميذ مغششين من خلال تصليح اوراق الأمتحانات فهو يعاقب الذي اعطى الغش بأن يعطيه نصف الدرجه التي يستحقها فان كان يستحق 100 بالميه فيعطيه 50 بالميه اما التلميذ الغاش من خلال النقل على صاحبه فيعطيه صفر. ونقول عنه ماخذ قوپيا او مسوي قوپيا
كذلك التلاميذ وخاصة بالمدارس المسائيه الاهليه حيث يكثر الغش اكثر منه بالمدارس الرسميه والغش كان على انواع كثيره ومختلفه وأهم انواع الغش هو بما يسمى بالراچيتات وهي كتابة المعلومات المهمه على ورق صغير وضمها اي أخفائها اما بالجواريب او بالحذاء او بالجيوب او بداخل الرحلات
طبعا حسبما أتذكر فأن الكربون والقلم القوپيا قد اختفت كليا من العراق في بداية الستينيات من القرن الماضي تقريبا وتم استبدالها ب "الورق المكربل" وهو ورق أبيض ملصوق بكل ورقه منه ورقة كاربون ولا داعي لوضع ورق كربون بنفسك بين الاوراق لأكثر من ورقة استنساخ ولمعلومات اكثر حول هذا الموضوع فأن قلم القوبيا كان يستخدم بكثرة في دوائر الدولة سابقآ وبالاخص بالحسابات وكان ايضا الأرضحالچيه حين يكتبون العرايض للمشتكين او مقدمي الطلبات بالمحاكم فكانوا يطلبون من صاحب العريضه ان يبلل ابهامه بالتفال ومن بعدها الأرضحالچي يلون ابهامه بقلم القوپيا ويطلب منه ان يبصم على العريضه لأن اكثر عامة الناس قديما كانوا اميين وللعلم بهذه الفتره لم تكن السطمبه متوفره وشائعة الأستعمال لتصبيغ الأبهام بالحبر والبصم والسطمبه او السطنبه هي علبه بها نسيج اسفنجي مبلل او مشبع بالحبر
طبعا من مواصفات الكتابه بقلم القوپيا هو ان الكتابة به لايمكن محوها او مسحها وهنا أحب ان اشير الى انه بذلك الوقت والزمن كنا ايضا نستخدم المساحة ام اللونين الأزرق من جهه والبرتقالي من الجهة الاخرى والتي كان يعتقد على انها كفيله بمسح كتابة الحبر وهكذا كانت تسمى من قبل بائعي القرطاسيه بالأسواق وهذا ما يشير اليه الرسم الموجود على المساحه وهو يشير الى قلم حبر ولكن بالحقيقة هذه المساحه عند استعمالها للمسح تعمل ثقب بالورق ولكن للتذكير فهذه المساحه هي بالحقيقه مساحة الغرض الأساسي للطرف الأزرق منها هو من أجل مسح علامات وكتابات قلم الرصاص الثقيلة على الورق أو الصفحات الورقية السميكة. وإن الطرف البرتقالي لهذه الممحاة كان من أجل مسح الخطوط الخفيفة على الورق، أو حتى كتابات قلم الرصاص على الأوراق الرقيقه التي نخشى أن تتمزق
وبصوره ضيقه وليس عامه كان البعض منا يستخدم هذه المساحات ام لونين لمسح كتابة الحبر ولكنها لا تمسح كليا او بشكل جيد الكتابه وعموما هي تستخدم بحذر وتركيز لمنع تمزيق مكان المسح بحيث الجهة الزرقاء منها تستعمل اولا للمسح الخشن ودورها هو حك الكتابه كحال استخدام شفرة الحلاقه بالحك للحبر وعموما هذا يترك اثرا واضحا في مكان الحك فيتبع بالمسح من الجهه البرتقاليه وذلك لأكمال مسح بقية اثار الكتابه والتي تعمل على صقل او تنعيم سطح الورقه وتنظيفها من آثار الخدوش والحك
وهنا احب ان انقل هذه المعلومات وهي منقوله من صحيفة خليجيه للكاتب الفاضل استاذ ابراهيم اصلان عام 2006 والتي يذكر بها مشاهد ووروايات جميله تذكر او لها علاقه بهذا القلم حيث لا يوجد تلميذ إلا وبلل طرف إبهامه ولونه به، ولا يوجد تلميذ إلا وهناك أثر منه على لسانه أو شفته. وعموما كتابة هذا القلم لا تؤثر فيه الممحاة اي المساحه لا تستطيع ان تمسحها
ويقول الكاتب انه عندما كان بعمر الصبى فأن أبيه في كل ليلة كان ينتظر ان ينام اي يستغرق في النوم لأنه كان معروفا عنه انه يمشي وهو نائم اي يستيقظ ليلا ويخرج من البيت عن دون درايه ، ثم بعد ذلك يقوم الوالد حرصا منه على ابنه بعد ان نام نوما عميقا فيربط ساق ابنه بشريط او حبل او ما شابه ذلك في رجل السرير، ويعگد الحبل ويبلل العگدة ويلونها بقلم القوبيا، اي ان الأب كان يلجأ لكل هذا لأن ابنه ظل ، حتى سن متقدمة من العمر ، يغادر الفراش ليلاً، ويفتح باب البيت ويغلقه ورائه وهو نائم، ثم يروح ولا يعرف إلى أين، وبعد أن تنتهي هذه الجولة المجهولة يعود ابنه إلى البيت، فيطرق على باب البيت وخاصة في ساعات متأخره من الليل وكأنه كعادته عند عودته للبيت بالنهار فيستيقظون اهله ويفتحون له الباب ، ثم يتجه إلى الفراش رأساً فيواصل النوم، وتبكي أمه بقية الليل عند رأسه. وفي الصباح يراجع أبيه عقدة الخيط الملونه المفكوكه، ويبدي تعجبه من أنها لم تستطع أن تمنعه عن جولته الليليه
وهكذا بعض الاحيان كان أبيه يربطه في رجل القنفه او الكرويته بدلا من السرير وخاصة عندما ينام ويعمل بها عقدة ويبللها ويلونها، ويقبغ القلم باللبيسه اي قبغ القلم وبعدها يضع القلم في جيب سترته المعلقه لأخفاؤه عن ابنه اي لن يتمكن ابنه من الوصول اليه ، ثم يذهب لينام وهكذا يكون مطمئناً إلى أن ابنه بهذه الطريقه مثلا لن يعبر الشارع، ولن يخلع ثيابه، ولن يذهب إلى النهر فيتعرض الى الغرق
لتوضيح سبب عمل العقده من قبل الأب وتبليلها وتلوينها بقلم القوپيا هو فقط ليكون واضحا وراسخا لوالده ان ابنه ان خرج وعاد ورجع وربط العقده في مكانها بالضبط ولونها بالقوپيا فهذا سيعني ان ابنه لعوب ومخادع ويحب السهر مع اصحاب السوء ليلا ولكن هنا بحالة ابنه فهو فقط يقوم بفتح العقده والخروج وعند العوده هو لا يعيد ربط العگده مما يدلل على انه خرج فعلا عن دون وعي اي انه يمشي ويذهب ويرجع وهو نائم
هنا احب ان اذكر انه قديما كانت اهالينا تعتقد بأنه لا يجب ان نصحي او نوقظ الشخص الذي يمشي خلال نومه لأنه ان أصحيناه فقد ينصدم او كما يقولون يفز من نومه وبالتالي قد يفقد عقله وينجن فلهذا يفضل تركه ليعود الى نومه ذاتيا تجنبا من ان يصبح ولدهم مجنونا وهذا ما لا تحمد عقباه
ختاما قلم القوبيا عاش دهرا من الزمن معنا ولكن ارادة القدر والتكنلوجيا والحداثه كتبت عليه الموت فغادرنا ولم يشارك بجنازته اي واحد منا اي ان اختفائه لم يكن ذو اثر عظيم على مسيرتنا بالحياة مذكرا ان قاتليه معروفين لقوات الأمن ولم يتم اتخاذ اي رادع قانوني ضدهم ولم تسجل الجريمه ضد مجهول لأن قاتليه معروفين وهم القلم الجاف وقلم الحبر وآلات الطباعه
ملاحظه : الموضوع تم أغنائه مشكورين بمعلومات من الشبكه العنكبوتيه ومن مقاله للأستاذ الياسري المحترم ومن مقاله للأخ الفاضل الكريم رعد الشيباني.
813 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع