الدكتور/ محمد البرزنجي
مسعود البارزاني بين الكرد والعرب
العراق اليوم والمنطقة بأسرها على أعتاب تحولات خطيرة والشعب العراقي بجميع أطيافه أمام مفترق طرق خطير فالعرب السنة وهم شطر العراق أمام خيارات مصيرية صعبة للغاية ,والتركمان وجلهم سنة عراقيون في وضع لا يحسدون عليه وكذلك النصارى وبقية مكونات شعب بلاد الرافدين وأرض السوادين.
الجماهير الكردية اليوم أمام خيارين إما ان تستمر في اختيار البارزاني رئيسا للإقليم أوتبدأ عملية البحث عن رجل المرحلة بين شخصيات عديدة غيرمجربة لهذا المنصب .
فقيادة الأحزاب الاسلامية ( الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية ) وإن كانت قد اعلنت معارضتها ترشح البارزاني مبدئيا إلا انها واقعة بين اتجاهين:-
الاتجاه الأول يرى أن الحزب الديمقراطي (مع حليفه الاتحاد )قد ضيق الخناق على معارضيه وحرمهم من المشاركة الفعلية في إدارة الحكم وضيق على حرية الكلمة ولم يتمكن من الفصل بين السلطات السياسية والمالية,ولم يستطع بناء مؤسسة عسكرية بعيدة عن التجاذبات السياسية ولم يعالج الانقسام الحاصل في الإقليم ولم يرفع الظلم الواقع على الجماهير (كاستئثار الحزبين الحاكمين بالمناصب الإدارية والمراكز الحكومية والعلمية وتكديس الاموال والعروض التجارية بيد أغنياء معدودين مقربين من الحزبين وبالنتيجة زيادة الهوة بين طبقة المترفين الأثرياء وطبقة المهمشين الفقراء) ولم يستطع وقف تمدد المشروع الإيراني الفكري والسياسي في الإقليم ..ويقول أصحاب هذا الاتجاه إن كان الزعيم البارزاني قد
حقق العديد من الإنجازات الشاخصة للعيان فقد حان الوقت لتولي قيادة جديدة حسب العقد الاجتماعي الذي اتفق عليه نواب الكرد عام 2006 والشعب الكردي لم يعدم رجالا آخرين جديرين بالحكم.
ولكن في المقابل إتجاه ثان يقرأ المسألة بطريقة اخرى فيرى أن انسحاب البارزاني من سدة الحكم سيترك فراغا سياسيا خطيرا يستغله أعداء الاقليم لأن البارزاني قد اكتسب خبرة متراكمة في الحكم وحنكة سياسية في دهاليز السياسة العراقية والاقليمية والدولية المتشعبة والمعقدة واستطاع ان يجعل من الإقليم نموذجا للاستقرار الاقتصادي والتعايش السلمي وحرية تشكيل الأحزاب السياسية وواجه بجدارة ثلاثة محاور للصراع. أالمحور الأول : مراوغة القيادة الأمريكية الحليفة وتذبذبها ووقوفها أخيرا في صف المالكي المدعوم بقوة من إيران. المحور الثاني : تجاهل متعمد من القيادات التركية المتعاقبة حتى زمن قريب حين تغيرت وتحولت إلى حليف جديد بقيادة أوردغان الذي ساهم في تنمية إقلبم كردستان العراق ودعم مشاريعه وتخفيف حدة الخلاف بين التركمان والكرد إلى حد ما ,من دون حل جذري للخلافات . المحور الثالث : مكر ودهاء القيادة الإيرانية التي تدعم المالكي والجعفري والصدر والحكيم بكل ما أوتيت من قوة في وقت وقف فيه العديد من قادة العرب موقف المتفرج من محنة الشعب العراقي بكل اطيافه والذي لم يكد يصدق خروج المحتل الأمريكي حتى وجد نفسه في براثن احتلال الجارة إيران بقيادة قاسم سليماني القيادي في قوات الحرس الإيراني. أما القطب المعارض الثالث وأعني كتلة التغيير فهي كذلك في مقدمة المعارضين فنوشيروان الذي يقود الحزب قيادي معروف على خط مخالف لتوجهات البارزاني وله تاريخ طويل من الصراع الدموي ضد قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني خلال سنين عجاف من حرب رفاق السلاح والواقع أن صراع نوشيران مع حزب البارتي وليس مع حزب الاتحاد وهومن مؤسسي حزب الاتحاد بزعامة الطالباني أما الجماهير الكردية فمنقسمة الى شطرين منهم من فقد الأمل في تغيير حقيقي في سياسات البارزاني لو فاز بفترة رئاسية جديدة وهؤلاء من طبقة المثقفين الشباب ومهجري كركوك وسكنة المجمعات السكانية المهمشة خارج المدن والمناطق المتنازع عليها ومن تبقى من ضحايا عمليات الانفال وأسرهم المهمشة.
أما الشطر الثاني من الجماهير الكردية (بمختلف التكوينات) فمع بقاء البارزاني في سدة الحكم ولعل البارزاني مستيقن أن هذا الشطر يشكل الأغلبية (وإن كانت أغلبية ضئيلة ) فهي تفضل ترشح البارزاني للحفاظ على مكتسبات الإقليم وهي ترى كذلك أن عقدين من الصراع السياسي وبناء مؤسسات الإقليم قد جعلت منه قائدا مناسبا لهذه المرحلة وصار له وزنه السياسي الإقليمي والدولي . وأنه استطاع مع معاونيه ومعارضيه (الراحلين والباقيين )أن يحول إقليم كردستان العراق إلى مأوى آمن لكل مكونات الشعب العراقي( المسلم والمسيحي والصابئ واليزيدي والكردي والتركماني والعربي ).
ومن المفارقات أن المعارضين حينما تذكر مكتسبات الإقليم (كالاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي ) يقولون :البارزاني ليس صاحب هذه الإنجازات لوحده بل المعارضة شريكة في هذه الإنجازات بينما حين تذكر الأمور السلبية تقول المعارضة البارزاني وحده المسؤول!!
كل هذه التعقيدات في المشهد السياسي تضع الكرد حكومة ومعارضة أما خيارات صعبة أيسرها عسير. ثم ماذا عن الحزب الحاكم في بغداد والمتحالفين معه؟ من الواضح أن إزاحة البارزاني يصب في صالح إيران التي تدعم المالكي وقد عبر نوابه في البرلمان (كياسين المجيد )بكل صراحة أن مسعود البارزاني يشكل خطراعلى حكومة المالكي ..ثم إن القيادات الشيعية ترى أن مسعود البارزاني قد قوي عوده في ميدان الصراع السياسي وانه رجل صعب المراس لا يستسلم للظغوط الممارسة ضده بسهولة والبارزاني في نهاية الأمر في حسابات المالكي وإيران زعيم سني عراقي كردي قوي. .
وماذا عن موقف العرب السنة؟؟ القيادات العربية السنية العراقية سواء كانت علمية او عشائرية او سياسية ( داخل العملية السياسية أو خارجها)كانت حتى الأمس القريب إما محايدة أومجافية للقيادات الكردية ومعارضة لتجربة إقليم كردستان العراق.ولكن بعد مرور عقد من الاحتلال المزدوج(الأمريكوإيراني) وتعرض العرب السنة لسلسلة عمليات تصفية مذهبية وعرقية بشعة (لعل آخرها مجزرة الحويجة )تغيرت قناعات العديد من هذه القيادات ,
(فبينما )لا تزال بعض قبادات السنة العرب ترى أن رئيس الإقليم حليف استراتيجي لقادة الشيعة وأن صراعه مع بغداد صراع تكتيكي مؤقت للحصول على مكاسب وليست هنالك ضمانات لعقد حلف معه خشية ان يستخدمهم كورقة ظغط على المالكي ثم يتخلى عنهم في لحظة حرجة .
(فإن )العديد من قيادات السنة العرب يرون أن الكرد هم العمق الاستراتيجي الحقيقي للشعب العراقي والتحالف معهم أمر ضروري لصالح جميع الأطراف وإقليم كردستان اليوم منطقة آمنة لجميع العراقيين المهجرين الذين وجدوا لهم ملجئا في الإقليم الذي صار بمثابة القلعة السنية العراقية الوطنية الوحيدة الباقية خارج دوامة التقتيل والتهميش والتهجيروالتعذيب والقتل على الهوية المذهبية والدينية ولعل هذا الاتجاه بدأ يتبلور كذلك عند بعض المفكرين العرب كاالمؤرخ الاسلامي علي الصلابي إذ يقول (مسعود البارزاني- بالرغم من كل النقد الموجه إليه -هو الزعيم السني الأقوى في العراق وبالتالي من الأولى أن يلتف حوله قادة السنة الكرد والعرب والتركمان .
هذه آراء متباينة طرحتها للنظر ولست بصدد ترجيح رأي على آخر ..ولكن نصيحتى لكل من يتولى أمرالإقليم لفترة قادمة سواء كان البارزاني أوغيره أن يتق الله ربه ويرأف بالناس ويحكم بينهم بالعدل والإنسان العراقي كغيره من بني البشر يريد أن يحيى حياة حرة كريمة من غير ظلم ولا بخس ولا عسف.
في ظل قضاء مستقل وضمان حرية الاعتقاد والعبادة.
المؤرخ والباحث العراقي الكردي د.محمد البرزنجي عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع