القس لوسيان جميل
الأسرار المسيحية
في الحقيقة ليست الأسرار خاصة بالمسيحية وحدها، الا ان المسيحية جعلت من اسرارها ورموزها ركيزة ايمانية مهمة في حياتها وفي تعليمها الايماني الديني. غير ان الغربيين لا يسمون هذه الأسرار اسرارا،ولكنهم يسمونها العلامة المقدسة Sacramentum. اما باللغة الفرنسية فيسمى السر الديني Sacrements في حين يسمى باللغة السريانية ( رازا ).
اما رازا هذا فقد يعني سرا Mysterion ـ Mystère، لكنه في الحقيقة يعني شرح وتنظيم وكشف ما هو سر. وبذا تقترب كلمة رازا من كلمة Sacrements. اما ان يقال بان الأسرار ــ رازه ـ Sacrements اسسها يسوع المسيح،ولاسيما سر القربان،فهذا لاهوت عقائدي لم يعد مقبولا،ذلك ان جميع اسرارنا المسيحية،وما يشبهها من مقدسات،ليست سوى علامات مادية طبيعية لأبعاد ومعاني انثروبولوجية صارت مقدسة بعيون المؤمنين، بسبب حقيقتها الروحية الانثروبولوجية المقدسة.
فإذا وضعنا الأسرارالمسيحية جانبا،بسبب التباساتها العقائدية، سنجد في الحياة امورا كثيرة مادية ترمز الى حقائق انسانية سامية،وان لم تكن كلها مقدسة. فالوردة التي يقدمها الشاب لحبيبته هي كينونة مادية،غالبا لا تساوي في ماديتها غير نقود قليلة، لكن هذه الوردة، بما فيها من ابعاد ومعاني روحية خفية،لها قيمة انسانية كبيرة بعيون المحبين بسبب دلالات الوردة نفسها. والصومعة القديمة التي نجد منها في الجبال عادة، ليست سوى بناء مادي قد يكون متهرئا، لكن هذه الصومعة فيها دلالات انسانية روحية يكتشفها المؤمنون بسهولة، فيقبلون ابواب الصومعة وأثاثها الحجرية المتروكة، كالصوامع التي سبق ان رأيتها بنفسي،في شمال العراق خاصة،ومنها صومعة الربان هرمز، في جبل القوش العائد الى دير السيدة هناك، وصومعة الربان بويا في سفح جبل شقلاوة،وغيرها. وعليه ارى انه لا يوجد سبب لنجعل من علامات الايمان المسيحية شيئا خارق الطبيعة على الرغم من قدسية هذه الأسرار وقدسية دلالاتها الخفية خاصة.اما الفارق بين علامة وعلامة فيعود الى ما في قلب الانسان من محبة لما ترمز اليه كل علامة،سواء كانت محبة انسانية مقدسة،او محبة انسانية جليلة،وان كانت غير مقدسة profane.وهنا،وفقط بين قوسين، نريد ان نميز بين اسرار الكنيسة Les sacrements وبين اسرار الايمان:سر التجسد وسر الفداء وسر الخلاص.فأسرار الايمان، في نظر الكنيسة هي فعلا اسرار تقول الكتيسة ان الله يكشفها بواسطة يسوع فقط، اما أسرار الكنيسة فهي علامات مادية انسانية تشير الى الروح الذي يعطي المعنى لهذه الأسرار.اما في الكنيسة فيتكلمون عن النعمة التي يعطيها كل سر، للدلالة على معنى السر. ولكن اهم ما في السر هو انه علامة مادية تشي بالروح الذي تحمله،هذا الروح الذي يأخذ معناه المقدس، وليس الالهي، من حياة يسوع المسيح نفسه. وهنا نقصد حياة يسوع الذي يحمل صفة انثروبولوجية انسانية مقدسة، وليس صفة الهية كما كانت الكنيسة تزعم.ومن هنا، نرى ان اسرار الكنيسة ليست سبعة فقط،ولكن سبعة منها تحولت الى طقوس في عموم الكنيسة الكاثوليكية وغيرها،في حين ان كل حياة يسوع العلنية هي سر يشي بالروح المقدس الذي كان يحمله ويستطيع ان يشرك فيه اخوته البشر،ولاسيما الناس الذين سيوجدون في سياق حضاري وجدلي كالذي مر به يسوع.علما بأن كل الأديان لها علاماتها ورموزها المقدسة التي تعود الى حياة من كشف لهم ايمانهم ومقدساتهم.كما ان لكل البشر رموزهم وطقوسهم التي تشير الى ما يحبون في الحياة، كما تشير الى مقدساتهم ايضا.هنا نستطيع ان نتذكر رمز الورد وعتبة هيكل الشيخ عادي الذي لا يجوز لأحد ان يدوس عليها،على اساس انها عتبة مقدسة.
اضافة اثناء التنقيح:عندما انتهيت من التنقيح وجدت بأن هناك ما يستوجب بعض الاضافات لتوضيح معاني السر،كعلامة مقدسة لحاجة انسانية انثروبولوجية مطلقة وغير نسبية. اما من بين ما رأيت ان اضيفه فهو فكرة الكلمة البنيوية، حيث ان مفردة الكلمة التي يسمى بعدها المادي المنظور " مبنى الكلمة " تشير في بنائها الظاهرة، وبحسب ما تنطق او تكتب، الى معنى كلمة معينة مثل كلمة شجرة. فمن يرى او يسمع نطق هذه الحروف المادة ينتقل فكره الى شجرة واقعية معينة. وبهذا تصبح فكرة الشجرة مخزونة في فكر ذاكرة الانسان الروحية التي تبقى روحية ولو قيل في الأونة الأخيرة ان كل شيء في حياة الانسان مادي يتبع الجهاز العصبي. ثم نطبق مثل الكلمة على العبارة اللغوية، بعين القاعدة، ثم نطبقه على سفر من الأسفار. ثم نجه كلمة الظاهرة التي تشبه الكلمة حيث تعني الظاهرة واقعا مادية يحتاج الى معرفة حقيقته. ثم نجد مصطلح النموذج الذي فيه البعد المنظور والبعد الروحي الخفي الذي يحتاج الدخول اليه بوسائل مناسبة. فهذه الأمور كلها هي مثل الكلمة Logos يشي ظاهرها بباطنها الروحي الانساني. ولذلك يمكننا ان نقول ان كل الكلمات المذكورة تشير بطبيعتها المادية الى معانيها الباطنية الروحية. مما يسمى بالشكل والمظمون. وهي بهذا المعنى اسرار مقدسة عندما يحتاجها الانسان بشكل انثروبولوجي مطلق وبمحبة انسانية روحية مقدسة، او قريبة من المقدسة، بحسب كل حالة. الأمرر الذي يجعلنا نقول بأن كل الوجود بمجمله وبتفاصيله يشي بما يحمله من المعنى او المعاني المقدسة. هذا، ولابد ان نشير هنا الى ان البشر يصبحون واحد تجاه الآخر علامات مقدسة او شبه مقدسة بنسبة حاجة الانسان الى اية من هذه العلامات. على قاعدة ان البشر كلهم بحاجة واحدهم الى الآخر، ولكن بعض البشر تزداد الحاجة الأنثروبولوجية اليه فيصبح مقدسا او شبه مقدس مثل يسوع ورسله والست مريم امه، حيث تكون كلها علامات تشي بعلاقتها بالله وبيسوع نفسه. مع بقائنا في المجال المسيحي لكي لا نتدخل في ايمان الآخرين. ثم هنا لا ننسى ان المرأة في حياة الرجل هي حياة انثروبولوجية شبه مقدسة.وكذلك الرجل في حياة امرأته.والوالدان في حياة ابنائهما. ان كل واحد من البشر " سر " او علامة مقدسة او شبه مقدسة واحدنا تجاه الآخر، بكون البشر كلهم اواني مستطرقة وليسوا جزرا معزوله. وبكون كل واحد منا كاهنا بالنسبة للآخر يكشف له اسرار الروح العميقة، وبكون كل واحد منا معلما وقدوة للآخرين.هذه القدوة التي لا يستطيع ان يستغني احد عنها. وكل واحد منا نبي ورسول واحدنا للآخر. انه سر الانسانية العظيم التي تشكل في مجموعها عالمنا الانساني المدهش.
القس لوسيان جميل
2017 التنقيح والاضافة في بداية ايار 2019
961 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع