بقلم لواء الشرطة الحقوقي
محي الدين محمد يونس
خزين ذاكرتي وطريف الحكايات - خليل الحلو
في شتاء عام 1977 وفي أحد أيامه كنت مكلفاً بواجب ضابط خفر مديرية شرطة محافظة أربيل مع المرحوم الرائد (خليل إبراهيم) (1) والذي كان واجبه في ذلك اليوم مديراً للخفارة.
فاجئني في صباح اليوم التالي في الساعة السادسة وهو يوقظني من النوم: ((گوم گوم ملازم أول محي))
الملازم أول محي: ((ها خير سيدي شـكو))
الرائد خليل: ((گوم حضر نفسك عدنه مهمة رسمية عاجلة))
الملازم أول محي: ((سيدي شنو هاي المهمة يا ستار))
الرائد خليل: ((اتصل قائد الفرقة الثامنة(2)، وكان غاضباً وتكلم معي بعصبية قائلا: (الدنيا انگلبت وإنتو الشرطة نايمين، يلا حضروا قوة وعقبوا هذوله المخربين (3) في منطقة قوشتبه (4) إللي قاموا بسرقة 800 رأس من الأغنام من الجمعية التعاونية (5)، والجيش معقبهم))
الملازم أول محي: ((زين سيدي أنت شگتله))
الرائد خليل: ((گتله سيدي حاضر هسه نخرج ونعقبهم وإن شاء الله نعيد الأغنام))
الملازم أول محي: ((سيدي نخرج وراهم وين عدنه قوة وين السيارات بعدين هاي الشغلة مو من اختصاصنا))
وعندها أجابني الرائد خليل: ((يمعود محي الدين هذا يحچي سته بالشهر يلا روح نام))
الملازم أول محي: ((سيدي... شلون أروح انام وأنت گايله هسه راح نحضر قوة ونعقبهم ونسترجع الأغنام ونلقي القبض على المخربين))
أجابني الرائد خليل قائلاً: ((يمعود روح نام هذا بطران... احنا شعلينا وهذا الواجب واجبهم))
في الساعة الثامنة والربع وبعد بدأ الدوام الرسمي راجعته مستفسراً: ((ها سيدي شكو ماكو))
صورة تجمعني مع المرحوم خليل الحلو في١٣/٧/1977 اي قبل يوم من ترقيتي الى رتبة نقيب
بادر إلى رفع سماعة الهاتف وطلب من مأمور بدالة دائرتنا إيصاله مع بدالة الفرقة الثامنة وعند حضوره طلب منه ايصاله بقائد الفرقة وعند إجابته بادر وهو يصطنع التعب والإرهاق في صوته قائلاً: ((سيدي هسه رجعنا سيدي ما لحكنا عليهم... سيدي لو بس مخابرنا قبل فد ساعة... سيدي انهزموا... سيدي ملابسنا كلها صارت تراب وطين))
قائد الفرقة الثامنة: ((بارك الله بيكم وشكراً على جهودكم ... مع السلامة))
كان الرائد (خليل إبراهيم) إنساناً بشوشاً حلو المعشر وصاحب نكته ودراية بأصول العمل في سلك الشرطة لخدماته الطويلة في كافة صنوفها في هذا المجال.
وفي الختام أدعو من الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وأن يغفر له ذنوبه ويسكنه في فسيح جناته.
الهوامش:
1) المرحوم الرائد خليل إبراهيم وكان يعرف بـ خليل الحلو من ضباط الشرطة القدامى حيث تدرج من رتبة مفوض في الشرطة وكان حينها يقود الدراجة البخارية التي تتقدم موكب سيارات ملك العراق فيصل الثاني، وبعد القضاء على النظام الملكي في العراق على إثر انقلاب 14 تموز 1958 استمر في الخدمة ودخل دورة الضباط العالية وتخرج ملازماً وتدرج في الرتب ومن ثم أحيل على التقاعد.
2) الفرقة الثامنة كان مقرها في محافظة أربيل قبل اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980 وما تبع ذلك من زيادة كبيرة في تشكيلات الوحدات العسكرية العراقية من كافة الصنوف حيث أصبحت أربيل مقراً للفيلق الخامس.
3) كلمة المخربين كانت تطلق على مقاتلي البيشمركَه من قبل الحكومة العراقية ومثل هذه الكلمات (العصاة، المخربين، الانفصاليين) كانت دارجة الاستعمال في كافة مراحل الصراع بين الحركة الكردية والحكومات العراقية المتعاقبة، ومن الجدير بالذكر من أنه في بداية عام 1977 بدأ نشاط الجناح العسكري للأحزاب الكردية المتشكلة بعد نكسة اتفاقية الجزائر عام 1975 ضد الأجهزة العسكرية والأمنية للحكومة العراقية.
4) قوشتبه: ناحية إدارية تقع في الجنوب من مركز محافظة أربيل بمسافة عشرين كيلو متراً.
5) الجمعية التعاونية: الأهداف المعلنة لحزب البعث العربي كانت في الوحدة والحرية والاشتراكية ولم تتحقق أي منها في المجال العملي لا في سوريا ولا في العراق، وفي مجال تطبيق الاشتراكية قامت الحكومة العراقية بتأميم الشركات والمصانع والسيطرة على التجارة الداخلية والخارجية وإنشاء الجمعيات التعاونية للفلاحين لغرض تربية الدواجن والمواشي، إلا أن هذه الخطوات كلها باءت بالفشل وألحق أكبر الخسائر بخزينة الدولة العراقية مما اضطرها أخيراً إلى بيع الكثير من المصانع والمؤسسات العائدة لها للمواطنين.
1241 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع