د.ضرغام الدباغ
بصراحة
حديثي هذا موجه لأطراف الحركة الوطنية والقومية في الوطن العربي، وهي دون ريب تمثل أرائي الشخصية حيال الأحداث التاريخية التي سأتحدث بصددها كرؤوس نقاط دون تفصيل ..!
بكل صراحة موجعة، نحن نلعب لعبة الروليت الروسية أي أن حظوظنا في كسب المباراة هي 1 / 6، فنحن ننتظر(وبتقديري أنه انتظار عابث) أن تقتنع الأطراف الدولية نهم فتحوا أبواب الجحيم في الشرق الأوسط سيحرق الأخضر واليابس. ولكن هذا بالضبط ما يريدوه لنا، (أن يحترق الأخضر واليابس) وهم يعرفون أكثر مما نعرف من دقائق ما حدث ويحدث .. وبفرقنا الحالية تبدو فرصتنا أقل بكثير حتى من الروليت الروسي. ولابد من الصراحة، ولم يبقى لدينا غير أن نتصارح، وهذا لوحده سوف لن ينقذ الموقف، ولكن ربما ... نقول ربما سيضيف بعض المصداقية على اكتشافنا للخلل في عملنا، وعلى صدق نوايانا وخططنا للمستقبل. وقد نستعيد ثقة الجماهير أو بعض من الثقة المفقودة.
لقد طال صمتنا حرصاً أكثر مما ينبغي، فتارة حرصاً على وحدة الموقف(ولم يتحد موقفنا)، وتارة أن لا يشمت العدو بنا(وقد شمت بنا القاصي والداني)، وأخرى حرصاً على من نحب من القادة والزعماء والرموز(ولم ينفع حرصنا فخسرناهم) ... تعاملنا مع الأمر وكأنه شأن عائلي محض، عيب لا يجوز للغريب الاطلاع عليه، وهكذا طال صمتنا سنوات طويلة ومعظم من تصدى للعمل بمستوى قيادي يعلم موطن الخلل ويسكت عنه، نعرف أين الثغرة ونتركها حتى تسللت كل ديدان الأرض، وجراثيمها، وشهدنا بأم أعيننا خراب بلداننا.
أين هي مواطن الخلل ... سأتناول البعض منها ... البعض فقط ...! وقد عاصرت شخصياً معظمها بل وشاركت في بعضها ..! ولكن الموضوع ليس شخصياً بحال من الأحوال، إذن فلندخل في جوهر القضايا ونتحدث عنها بصراحة .. بلا محرمات ولا ممنوعات ..
السؤال هنا لوغارتمي، الواحد يقود ويفرخ عشرات الأسئلة، وهذا الحال نجم عن تراكم زمني وتاريخي لأحداث خطيرة وتراجعات تركت دون امتلاك الشجاعة لتحليل ما جرى واكتشاف الأخطاء في حينها، والخطأ قاد إلى سلسلة من الأخطاء، وهكذا فما نجده من خلل خطير إنما هو في الواقع ناجم عن إهماله دون علاج، ليتفاقم الجرح ويتحول إلى التهاب، والألتهاب إلى غنغرينا .. ونحن نعلم ما هو علاج الغنغرينا ..! الخطأ في مراحله حتى الأولى لم يكن خفياً، بل كان واضح للعيان، ولكننا تعودنا أن نتغافل، ونغفر لمن يتكاسل أو يهمل فيترك الباب مفتوحاً ليدخل اللدود والنمل وسائر الزواحف ..!
1. ثورات الضباط الاحرار :
لماذا قبلنا لثلة من الضباط (لا نناقش نواياهم، بل نتائج أعمالهم) أن يسقطوا أنظمة كانت قائمة ومستقرة بداعي العروبة والثورية، لنفترض أنهم فعلوا عملاً طيباً، ولكنهم امتنعوا عن العودة إلى ثكناتهم مما تسبب بإنهاء قاس للحياة السياسية السليمة، ثم لم تكن لديهم برامج سياسية أو إعمارية / تنموية، لنقل أنهم عسكر نواياهم كانت وطنية، ولكنهم لم يقبلوا أن يشركوا من يمتلك ناصية العلم والتجربة، وفي النهاية قادت حركاتهم إلى تدمير البلدان. والفشل يلاحق الفشل، دون أن يمتلك أحد الجرأة ومن موقع وطني قومي تقدمي أن يدعو لوقفة تأمل، هذه الانقلابات (بعيداً عن تقييم قادتها) لم تكن تمتلك حتى تصوراً سطحياً لما يجب أن يكون، وتحت شعارات خلابة وشعارات شريفة، ولكنها في الواقع، أدت إلى تدمير الإنتاج الزراعي، ولم يقام بديل عنه، البديل تمثل بهبات إصلاحية تهدف إلى تحقيق مكتسبات ينال بها تأييد الشارع، والنتيجة الجوهرية لم تكن العملية (في جوهرها ونتيجتها) إلا فوضى وصراعات على النفوذ، لم يكن هناك أي تصور سوى إقامة زعامات تتلاعب بالشعارات والألفاظ . هذا جرى في العراق، وفي اليمن، وفي مصر وفي سورية وليبيا.
2. الفكر الثوري بين الممارسة والتطبيق:
في الحركات السياسية حتى الثورية منها والتي تمتلك فكر عميق، ولكن الممارسة والمعالجات والرؤية كانت سطحية، ولم يدور حديث إلا بصوت منخفض عن العجز في الرؤية والتطبيق (بأستثناء الحزب الشيوعي القيادة المركزية وانشقاق الرفيق نصار في الشيوعي الأردني، والشيوعيون في سورية) عسير على الفهم، لماذا يقبل حزب شيوعي (أي حزب) بأن يكون الشيوعيون العرب ضد الوحدة العربية، والشيوعيون في كل العالم في مقدمة المناضلين من الوحدة القومية في بلدانهم. لماذا يتحدى الشيوعيون الدين والتقاليد الوطنية والقومية والدينية علنا بدرجة حادة وعلنية غير مفهومة، ونحن نعلم أن الدين تاريخياً يمثل مسألة أساسية في مجتمعاتنا. ثم لماذا يتحدى الشيوعيون العرب عمداً وعلناً جرحنا في فلسطين بتأييد قيام الكيان الصهيوني ..بل ويهينوننا أحياناً ويشمتون بالأمة وبآلامها. ولكن لم يتكلم أحد بكلمة واحدة عن مسايرة الصين للسياسة الاستعمارية بصدد هونغ كونغ واستعادتها سلماً، أو قبولهم بكيان ( فرموزا) المدعوم من الغرب على الأرض الوطنية. وهل يحق للشيوعيين أن يفاجئون بعدم نجاحهم في المجتمعات العربية وهذا مؤسف بطبيعة الحال، بل وهناك إصرار على مواصلة نفس المسيرة المتعثرة. لماذا يتصرف حزب تقدمي عريق بالعديد من الملفات بطريقة عشائرية وبحسب التقاليد الشرقية البالية وهو من يدعو نظرياً للتغير العميق للمجتمع .....!
3. هزيمة حزيران 1967 :
لماذا نوقشت وحللت هزيمة حزيران بشكل سطحي، أو هجائي عدائي غاضب، (نفتقر عامة للتحليل الموضوعي) ومن المستغرب أن أصدق تحليل عن هزيمة حزيران صدر من الحزب الشيوعي الفرنسي وليس من الأحزاب العربية. التحليل العميق كان سيمس النظام الوطني القومي التقدمي في مصر، والنظام القومي التقدمي في سورية، أن الهزيمة لم تكن بسبب دبابة هنا وطائرة هنا، إن السبب الحقيقي للهزيمة هي هزيمة أنظمة تعلن شعارات وهي غير قادرة على تحقيق شيئ منها، أنظمة فشلت لأنها تعاملت يشكل ديماغوجي مع الأهداف الوطنية السياسية الوطنية / القومية منها والاقتصادية/ التنمية وشبه إقطاعية، شبه عشائرية، وأقامت نظماً للأقارب والولاء الشخصي متقدماً على الكفاءة، والتأييد الحزبي متقدماً على المقدرة والنجاح. وفيما تدعي هذه الأنظمة أنها غير دينية، إلا أنها أقامت نظماً غير علمانية بالمعنى الدقيق، (يتعاملون بالقيم الدينية حتى تطالبهم الجماهير بقيم علمانية، ويتعاملون بقيم علمانية عندما نطالبهم بحقوق شرعية). وبهذا كانت نظماً لا تقيم كبير وزن لحقوق الإنسان والحريات الشخصية والسياسية. وهكذا كانت نظماً في العام وطنية، إلا أنها لم تقدم حلولاً جذرية للتخلف السياسي لأنها تريد أن تستأثر بالسلطة، ولم تقدم منجزات اقتصادية جوهرية، لأن المنجز الاقتصادي يحتاج توجه أيديولوجي مخلص، سيان إن كان رأسمالياً أو اشتراكياً، (وهذا لم يتوفر إلا في مراحل معينة في مصر والعراق والجزائر وليبيا) وبهذا المعنى ستكون التعبئة الشعبية. ولا منجز اجتماعي حقيقي، لأن الأنظمة كانت تبحث عن مشاريع تنال التصفيق والاستحسان وتلتمس التأييد منه من الجماهير الباحثة عن أي منجز .. ولذلك اتهمت الجماهير الشعبية بالانتهازية لأنها تصفق للمظاهرات ..!
4. حركة 23 / شباط / 1967 والانشقاقات في حزب البعث العربي الاشتراكي:
وهي الحركة الانشقاقية الأكبر في تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي، وما أذكره هنا نابع عن معايشة دقيقة للحدث وملحقاته، ربما كان التوجه اليساري في نوايا وفكر بعض من شارك بالحركة، ولكنه كان توجه كامن ولم يظهر قط بشكله الواضح الجلي، ولم يتحول لحركة شعبية جماهيرية، ولم يتمكن من مغادرة هويته العسكرية، أي أنها كانت تدور أساساً بين عسكر البعث، وفي خلافات وصراعات لم تتوقف يوماً واحداً من 8 / آذار / 1963 حتى الآن. وفحوى هذا الصراعات وجوهرها، كانت تكتلات طابعها مناطقي، جهوي، طائفي أكثر من أي عامل آخر. التوجه اليساري كانت نوايا، أحلام، طموحات، ولكنها لم تكن يوماً حقيقة موضوعية، أو حركة متفاعلة مع التطور الاجتماعي، ولم يكرس في مقررات وفي أعمال نظرية، كان هناك يساريون، ولكن التوجه العام للحزب كان السائد فيه هو التوجه التقليدي، ومع ذلك تقاتل الحزبيون ورفاق التنظيم والحركة والانشقاق حتى الموت وكأنهم أعداء بتناقض جوهري تناحري بدرجته القصوى وهذا كان بالطبع خطأ فادحاً دفعنا ثمنه باهضاً.
وهذه الحركة قادت إلى حركة أخرى 16 / تشرين الأول/ 1970، والحزب بأسره لا يعرف سبب هذه الحركة العسكرية التي قذفت بقادة الحزب (من أقطار عربية شتى) في السجون حتى توفوا فيه، ومن خرج بصدفة نادرة لن تتكرر خرج في الرمق الأخير. لم يكن أحد يعلم سبب هذه الحركة، التي أدت ليس إلى إضعاف الحزب، بل وإلى تلاشي قياداته وتقاليده، إلا بعد عقود حين صار معلوما أن جذر الخلاف هو التحاق سورية بالحلول السلمية، تلاشى دور الحزب حتى انتهى الفرع السوري (وأصداؤه القومية) نهاية تامة، بإلغاءه وقلع حتى اليافطة نهائياً، وتجميع أفراد قيادة هذا الحزب في ذات ليل وطلب منهم أن يطوبوا أبن قائد الحركة والأمين العام المتوفي تواً رئيساً للبلاد وأميناً عاماً للحزب، ولكن لم يهتم أحد كثيراً، كان بمثابة تحصيل حاصل، لأن الحزب كان واقعياً بحكم المنتهي وقد لفظ أنفاسه منذ سنين عديدة.
هذا كان الانشقاق البارز في الحزب، على أن الحزب شهد في تاريخه الطويل محاولات عديدة، قديماً وحديثاً، لا يستبعد أن يكون بعضها من دفع قوى أجنبية، وانشقاقات وتكتلات أخرى نتيجة تفاعلات داخلية. على أن الشأن الداخلي تواصل وهو يمثل شأناً مهماً، وإن كانت التحديات كبيرة وخطيرة في طريق الحزب ويواجه شراسة الأعداء الخارجيين، كما أعداء من الداخل، ونشاط مخابراتي واسع النطاق، لإحداث تخريب داخل الحزب، بتقديري سوف تتواصل هذه المحاولات، وربما تشتد. فأمام القوى المعادية للنضال العربي خصم واحد وحيد يتمثل بحزب البعث العربي الاشتراكي يعلن مواصلة النضال الوطني والقومي بلا هوادة ضد القوى الأجنبية في الأقطار العربية.
واليوم قد بلغ حجم التآمر على حزب البعث العربي الاشتراكي حجماً خطيراً، وطعن الحزب يجري من من الداخل والخارج بدرجة كبيرة، ولكننا ووفقاً لمناهج التحليل التاريخي، نرجح أن حركة البعث العربي الاشتراكي ستشهد في عموم الوطن العربي نهوضا جماهيريا عارما، البعث هو الحركة التاريخية الوحيدة التي توحد ولا تفرق، والحركة الوحيدة التي تجمع الخصائص الوطنية والقومية والاجتماعية، وهي المرجعية الوحيدة السليمة التي يركن إليها ويمكن الوثوق بها. الحزب (حزب البعث أو غيره) الذي ينهض تلبية لحاجة موضوعية / تاريخية، لا ينتهي بمرسوم سيان من يصدر المرسوم.
لا أشك مطلقاً أن جيلاً جديداً سيخرج من مناضلي البعث من التجربة بصفحاتها السلبية والايجابية، ممن عايشوا التجارب الدموية والإخفاقات مزودين بالتجربة وعلى أيديهم سينهض بعث جديد، كفصيل متقدم من الفصائل الثورية العراقية العربية. البعث سينهض كفصيل أساسي، ليس من المهم أن يحكم أو لا يحكم، المهم أن يبقى البعث في احضان الجماهير سلاح ضد التخلف، سلاح ضد الطائفية القذرة، سلاح ضد التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، سلاح بيد الجماهير لإنهاء الفساد بكافة أشكاله، وأن يكون الوطن والأمة ملكاً للجميع بدرجة واحدة.
5. أحداث أيلول / 1970 في الأردن:
المقاومة الفلسطينية كانت تدرك الوضع العام في الأردن، النظام والتحديات المطروحة عليه، وليس النظام ليس بوسعه أن يكون هانوي القضية، بل والمقاومة الفلسطينية لم تكن بدورها فيثكونغ، كانت هناك رؤية متطرفة تفوق قدرات المقاومة والوضع العربي والدولي المحيط بها، وإذا كان طرف يستحق المساءلة فهي المقاومة نفسها، أو على الأقل الرموز الرئيسية فيها. فكانت هناك مسابقة في طرح المواقف المتطرفة التي كانت تفزع حتى المؤيدين للمقاومة، وأحداث أيلول / 1970 كانت متوقعة، والكل يتدحرج صوب هاوية دموية مميتة ولا أحد يفعل شيئاً لتفاديها.
وبعد وقعت الواقعة، وخرجت المقاومة إلى بيروت، وكان واضح أن لا جهة رسمية بوسعها أن تحتمل طموحات المقاومة ومسارها السياسي والإعلامي. وفي بيروت، وبعد مضي شهور، أصدرت قيادات المقاومة حضراً على النقاش عن الأسباب والنتائج، وعندما حاول بعض القياديين أن يفعلوا ذلك، فصلوا من حركاتهم بل وطوردوا، واضطروا للعمل كبحارة في السفن التي تجوب بحار العالم هرباً من رفاقهم في الثورة ..!.
وبسبب منع مناقشة أحداث خطيرة كأحداث أيلول / 1970، توالى حدوث الأخطاء الصغيرة منها والكبيرة، وهذه الثورة الفلسطينية العظيمة، البطل فيها هو الشعب الذي لا مثيل لصموده وإصراره، وهو خرافة يسجلها التاريخ كحقيقة واقعة، وأنا في أشد حالات الموضوعية، إلا أنني لا يمكن إلا أن أقف تحية أخوية رفاقية للأبطال.
الأخطاء الكثيرة، بالإضافة لوحشية العدو والدعم العالمي غير المحدود، هو سبب والمؤامرات من الأحباب والأعداء معاً هي سبب مشكلات الثورة. الثورة بحاجة إلى وقفة صريحة وجرد للعمل في الماضي وخط استراتيجية ثورية للشعب الفلسطيني.
7. قيادة معمر القذافي في ليبيا :
لست ممن يلقون التهم جزافاً، ولكن قيادة العقيد معمر القذافي واحدة من القضايا التي ستثير جدلاً سوف لن يتوقف في مسار الثورات العربية. والعقيد الذي كان يوم الثورة ضابطاً برتبة نقيب، لقب رسمياً الأخ العقيد، الأخ قائد الثورة، قائد الجماهيرية العربية الاشتراكية العظمى، ولكنه لم يكن في الواقع سوى ضابط أنقلب على السلطة، لا نشكك في وطنيته، ولكنه دمج طموحه الشخصي الذاتي والوطني، بطموح الشعب وطموح أبناؤه بطموح الأمة العربية وأفريقيا والعالم، ولكنه (ربما لأتساع هذه الجبهة) لم يحقق شيئاً من كل ذلك، بل كانت النتيجة النهائية تناقضات لم تكن معالجاتها ناجحة، فعم الحطام والخراب البلد بأسره.
من يكره القذافي يكيل له أنواع التهم، والأكاذيب، ويردد التثقيف الأوربي والمعادي، بسلامة نية أو بسوء النية، إلا أن الرجل كان في الواقع يبدد أموال ليبيا (وهي كثيرة) على أشياء بعضها لا معنى لها. ولمن يستحقها أو لا يستحقها، وكذلك لم يقصر تصدير مشاكل لأشقائه في الدول الرجعية والتقدمية على السواء، وكان شخصاً غير مفهوماً لا في ليبيا ولا خارجها، ونظامه ركب الأشياء بحيث إذا أزيحت منها حجارة يتداعى البناء .. وهذا ما حصل.
7. تغلغل التيارات الطائفية في المجتمعات العربية:
ومع أن جذور هذه المشكلة، غالباً في خارج الوطن، أو بالاحرى محركاتها، ولكن هناك عوامل وأسباب تاريخية / معاصرة تجعل منها أزمة تطل برأسها وتثير الزوابع. ومع أن التأثير الخارجي ليس بالأمر والعامل الثانوي، بل هو عامل رئيسي، والجبهة الخارجية عملت وتعمل على تغذيته وتنشيطه وجعله مسألة مركزية، الأنظمة القومية لم تفشل كلياً كما يكتب البعض مبتهجاً، ولكن تقصير الأنظمة في تشجيع الثقافة المناهضة للطائفية، فانتشار ثقافة الفنون التشكيلية والآداب والمسرح، ورفع مستوى المواطن العربي وتوجيهها نحو المشكلات الجوهرية التي تنطوي على تناقص أساسي مع ما يناقض الوحدة الوطنية، والسيادة وأهداف البلاد في التنمية والتطور.
وعندما تتراجع الثقافة الوطنية الموحدة لإرادة وعواطف الجماهير، تطل التيارات الرجعية على المجتمع، وتلقى الترحيب من الجماهير بسيطة الغير متعلمة، التي يسهل خداعها، وتسحبها إلى ممارسات بدائية مبتذلة، وهي تدرك أنها بذلك تقفل الأبواب والنوافذ أمام التطور، ولكن من يتحدث اليوم عن خطط تنمية، وعن حلول جذرية، وعن تقدم جوهري في الصناعة والزراعة، من يجرؤ على الحديث عن انتشار ثقافي واسع فهذه كلها تعارض رغبات القيادات الرجعية، الناس اليوم يتمنون أن يسيروا في شوارع بلادهم بأمان فقط، يطالبون بالماء والكهرباء، وبمدارس لأولادهم، ومستشفيات لمرضاهم.
القيادات الرجعية تطلب من الشعب الأكل والنوم والتناسل فقط، لا تقدم له شيئ آخر إلا بدرجة رفع العتب، وبما لا يسمن ولا يغني من جوع، وإذا تناسلوا (وهو نشاط إنساني لا يزال حتى الآن خارج السيطرة) سيولدون أطفال لا مستشفيات لهم، ولا مدارس، تتلقاهم الشوارع ... هل هناك مأساة أكبر من هذه ..؟
8. عيون الأزمة
1. إطلاق التوحش والهمجية، وكانت افتتاحية ذلك في انقلاب 14 / تموز / 1958 وما تلاها من تداعيات.
2. سهولة إطلاق التهم والتجريم وتنفيذ الحكم وغالباً على أيدي الغوغاء، أو عندما يقيم الغوغاء نظاماً يجري فيه تشريع القتل والاغتصاب وخرق القانون.
3. سهولة الاتصال بالأجنبي بشتى الوسائل والدواعي.
4. انتشار ثقافة الاجتثاث والقمع ورفض الرأي الآخر، والأنظمة الوطنية التي مارست القمع لدرجة الإعدام حتى لأتفه الأسباب.
5. الكثير من الأنظمة التي تشكلت نتيجة انقلاب عسكري، هي أنظمة لا جمهورية ولا ملكية، لا اشتراكية ولا رأسمالية، تتشابه بشيئ واحد : السيد الرئيس القائد.
6. لا توجد جهة تشجع على ثقافة تداول السلطة، وأنظمة غير طغيانية، أو عن الحريات الشخصية، ومن المثير للدهشة أن هناك دول فيها وزارة حقوق الإنسان ..! في حين هي مسجلة عالمياً في آخر قائمة حقوق الإنسان. بل وأن هناك أحزاب تقدمية صارت ترضى بمصادرة الناس وأفكارهم وممتلكاتهم، وانظموا إلى الجوقة المهللة بمصادرة الإنسان لصالح الغيب ..!
لدينا حركات وطنية وقومية وتقدمية، ولكننا نعمل وفق عقلية شبه عشائرية، شبه إقطاعية، عناصر الشد إلى الخلف متوفرة، وإذا كان لدينا أفكار متحررة، إلا أننا ما زلنا للأسف نعمل بوسائل متخلفة، ولم نوفق في تأسيس حركات وأحزاب ترتقي لدرجة المطلوب منها. نحن نواجه أعداء لا يخفون نواياهم بتمزيقنا إرباً، ونحن نواجههم بوسائل لا ترتقي إلى هذا المستوى، أطالب الجميع بوقفة مراجعة ...! .
في هذا المجال يطول الكلام، ولكن لنتحدث بالمختصر المفيد ...!
2115 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع