لطيف عبد سالم
ثقافة الاحتفال في بلادنا
مرة أخرى نودع عاما من أعوام الألفية الثالثة، ولا شيء نطلُّ به على بوابة السنة الميلادية الجديدة، سوى سيل التهاني التي منحتنا إياها - على طبق من ذهب - الثورة التكنولوجية التي لم نستثمر من معطياتها الهائلة غير الإدمان على قنوات التواصل الإجتماعي، وتوظيف أدواتها لتوثيق ما نقوم به من مختلف النشاطات التي تبدأ من تناول عشاء فاخر في مطعم خمس نجوم أو عزومة في فضاء أحد المطاعم الشعبية، بالإضافة إلى كثير غيرها من النشاطات اليومية، والتي من بينها أنَّ البعض لم يدّخر وسعا في الإشارة إلى مجريات فصل عشائري أو حضوره مجلس عزاء أحد أرحامه أو أصدقائه.
إذا كانت بعض الفعاليات المذكورة آنفا تشكّل إساءة للذائقة الجمالية، فالمذهل في الأمر أنَّ هناك جملة نشاطات من شأنها تلويث فضاءات حياتنا؛ لأنَّها تُعَدّ من المصادر المسببة للتلوث السمعي أو الضوضائي. ولعلّ من أبرزها أصوات المفرقعات التي يرعب الصغير والكبير صوتها، لعب الأطفال البلاستيكية، إطلاق العيارات النارية العشوائية والكثير غيرها مما تعدُّ من سبل الابتهاج غير المتحضرة، والتي تعبر عن عدم اكتراث ممن اعتاد على ممارستها بما تفضي إليه من تداعياتٍ سلبية، بالإضافة إلى ما ينبغي أن ينتبه إليه مما يدور حوله من اعتبارات إنسانية وأخلاقية، وهو يساهم في ترسيخ أسوأ فعاليات التخلف والجهل المتمثلة بأنشطة فوضوية تَشْبَهُ أجواؤها إلى حد بعيد ملحمةً حاميةَ الوطيس.
يُعَدّ التلوث السمعي او الضوضائي خليطاً متنافرا من أصوات ذات استمرارية غير مرغوب فيها، والتي تحدث عادة على خلفية التقدم الصناعي الذي نحن منه براء بحمد الباري عزَّ و جلَّ، إذ أصبحت الضوضاء السمة الرئيسة لأغلب مدن العالم، ولاسيما مناطقها الصناعية بفعل الأصوات العالية المصاحبة لما تشهده من زحام. وفي هذا السياق يشير المتخصصون في الشأن البيئي إلى أنَّ الضوضاءَ في المدن مشكلة مزمنة تحظى باهتمام معظم السكان المحليين؛ إذ تصنف - من ناحية الأهمية - في المرتبة الثانية بعد مشكلة تلوث المياه. ولعلّ المثير للاهتمام أنَّ النتائجَ المتحصلة من إحدى الدراسات العلمية التي قامت بها إدارة الإسكان والتنمية الحضرية في الولايات المتحدة الأمريكية، كشفت عن أنَّ الضوضاءَ عُدتّ أسوأ صفة لمنطقة السكن، إضافة إلى تحديد الضوضاء والجريمة بوصفهما أهم العوامل التي ساهمت بزيادة رغبة السكان المحليين في ترك المناطق التي يقطنونها والانتقال إلى أماكن أخرى غيرها.
بالاستناد إلى الأدبيات البيئية، تشكّل الضوضاء أبرز قضايا البيئة المعاصرة؛ نتيجة خطورة آثارها في أصحاب الأعمال الذهنية والفكرية، إذ أكدت مجموعة من الدراسات التي تبنتها مراكز بحثية معتمدة وجود تباين محسوس في الإنتاج ما بين العمل الذي يُؤدَى في أجواء هادئة، وبين العمل الذي يجري وسط أجواء مشبعة بالضوضاء؛ بالنظر لتسببها في خفض القدرة الإنتاجية للفرد، وما يتبعه من تأثيرٍ سلبي في الاقتصاد الوطني.
في أمان الله.
1106 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع