يسوع ليس المسيح

                                                 

                        القس لوسيان جميل

يسوع ليس المسيح

قرائي الأعزاء ! لماذا هذا العنوان؟ هل ان يسوع لم يكن يستحق هذا اللقب، ام فقط لأن هذا اللقب لقب وهمي ولا يجوز لصقه بيسوع؟ تماما مثل لقب يسوع ابن الله بمعناه العقائدي المعروف؟ نعم يسوع ليس المسيح لأن لقب المسيح لقب وهمي، سواء كان ذلك في العهد القديم ام في العهد الجديد. فقد جاء هذا اللقب في العهد القديم ابتدأ لكي يعطي الأمل لبني اسرائيل المسبيين بالتحرير والعودة الى بلادهم. ثم استحوذت الكنيسة الأولى على لقب المسيح، وأعطته ليسوع، خلال جدالها مع سلفيي العهد القديم من كتبة وفريسيين ورؤساء الأمة الدينية الخاصة بالعهد القديم. علما بأن كلمة فرّيسي تعني المفروز والمختلف عن سائر ابناء العهد القديم. السريان يقولون بريشي. Priché. وكذلك يقال في السرياني المشرقي الملقب بالكلداني من قبل روما. اما كلمــة المسيـح فتعني الممسوح بالدهن ( بالزيت ). ولذلك اصبحت كلمة المسيح تعني حرفيا الملك، وذلك لآن طقوس امة العهد القديم كانت تقضي باستخدام الزيت يمسحون به جسم الشخص الذي سوف يصير ملكا. هذا ونعرف من تاريخ بني اسرائيل انهم كانوا بعد سبي بابل بحالة من القنوط واليأس من النهوض مرة اخرى. ولذلك كانوا قد تخيلوا ان الههم سوف يرسل لهم من عنده ملكا مختارا من قبله ومعضودا بقوته، لكي يعيد مجد اسرائيل الى عهد اسرائيل السابق. طبعا هم كانوا يعرفون ان هذا الملك المرسل من الله، لن يكون ممسوحا بدهن طبيعي ولكن سوف يكون ممسوحا بالقوة الالهية، كما كانوا يزعمون. ومع ذلك سموه المسيح، اي الممسوح بالدهن مجازا،لآن احدى صفات الزيت في عهد بني اسرائيل كانت تدل على القوة.غير ان الملك المفروض ان يأتي باسم الله لم يأت ابدا، ولذلك انتهزت الكنيسة في خضم تبشيرها بالعهد الجديد الفرصة لتقول لمن كان يجادلها من اليهود بأن المسيح قد جاء وهو بينكم: انه يسوع ابن داؤد. وعليه، ومن ذلك الحين بدأت الكنيسة تقول عن يسوع انه هو الملك الموعود، وصار المسيحيون من ذلك الوقت لا يذكرون اسم يسوع الا ويكون مقرونا بلقب المسيح. 

مشكلتنا اليوم مع لقب المسيح:غير ان مشكلتنا نحن المسيحيين المعاصرين مع لقب يسوع المسيح هو اننا بدأنا نعرف ان ما كتب في العهد القديم، لا بل حتى في العهد الجديد ليس تاريخا كالتاريخ الأرشيفي العلمي الذي نعرفه. وانما ما كتب كان يعود الى عقلية ابناء تلك الأزمنة الحضارية التي كانت تعتقد ان الله يستطيع ان يفعل ما يشاء وحتى المستحيلات، وانه يسير التاريخ كيفما يشاء.ولذلك حسبت اجيال حضارية قديمة ان ما كتب في الكتب المقدسة هو تاريخ حقيقي، في حين ان ما كتب كان تاريخا يعود الى نظرة بني اسرائيل الحضارية حسب. ولذلك نرى كيف ابتدأ تاريخ بني اسرائيل بعملية خلق الكون بمعناه القديم: الأرض والشمس والكواكب التي وضعها الله في خدمة الانسان.الأمر الذي يتناقض مع الحقيقة العلمية ولم يعد باستطاعتنا،نحن المعاصرين فهمه. وعليه نرى ان نظرة الأقدمين التي تجعل كل شيء متمحورا حول الله Théocentrique لابد من تبديلها بنظرة علمية يكون فيها كل شيء متمحورا حول العلة الثانية او الخليقة، وبالأخص حول الانسان Homo centrique كممثل لأسمى وأعظم ما في الخليقة. فنحن، بالحقيقة لا نعرف طبيعة الله الا من خلال طبيعة الانسان الأنثروبولوجية، وليس خارجا عنها، اي ان النظرة الى طبيعة الله لا تأتينا من السماء، لأننا نفترض ان الله السماوي ليست له اية وسيلة للاتصال مع البشر، وان البشر ليست لهم اية قدرة انسانية لمعرفة الاله السماوي، هذا فضلا عن ان البشر لا يملكون اي برهان يشير ان الله يتصل بالبشر، لا سلبا ولا ايجابا. هذا من جهة اما من جهة اخرى فإننا نعرف انه يفترض في الاله الباري ( الخالق من العدم ) انه يحترم الطبيعة التي براها ولا يخربها او يأخذ دورها. وإذن، ومن هذا العلم او من هذه الفلسفة نتجاسر ونقول ان فكرة المسيح المنتظر فكرة وهمية تعود الى رؤية حضارية بائدة، ولم تعد فكرة يسوع المسيح مقبولة في يومنا. وعليه نحن مدعوون الى الكلام عن يسوع كلاما انسانيا انثروبولوجيا لا يكون للاله السماوي دخل فيه. علما ان عظمة يسوع وقدسيته مرتبطة ببشريته فقط وبعطائه العظيم للبشرية وقبوله الموت في سبيل تأكيد صحة ما بشر به. هذا في حين اننا نقلل من قيمة عطاء يسوع عندما نجعل منه الها مات وقام وجلس عن يمين الله الأب، كما تتطلب العقيدة المسيحية. وهنا ربما تُعبر النكتة التالية بشكل واضح عما نقوله، حيث تقول النكتة: يحكى عن معلم في درس التعليم المسيحي سأل طالبا وقال له: برأيك بماذا كان يفكر يسوع وهو على الصليب. اجاب الطالب بذكاء وببساطة قائلا: كان يسوع يقول في نفسه: اف! ان الموت لا يهمني، فبعد ثلاثة ايام سوف اقوم من بين الأموات. وإذن، كلا يا اعزائي ان يسوع لم يكن يفكر انه سيقوم من بين الأموات في اليوم الثالث، لأن هذه القيامة وبمعناها المادي الحياتي، ليست اكثر من نوع ادبي وأسلوب إنشائي كان المقصود به القيامة بمعناها الأنثروبولوجي، هذا المعنى الذي يعني ان الموت الاستشهادي في سبيل قضية عظيمة تبقي الشهيد حيا وحاضرا في نفوس محبيه والمؤمنين برسالته، ولا تعني قيامة الجسد ابدا. وإذن، وعلى ضوء ما تقدم، نرى ان يسوع خسر بموته كل شيء مادي ومن ذلك حياته، من اجل ان يربح قضيته، ولم يكن يفكر بأنه سوف يقوم من بين الأموات في اليوم الثالث.
هنا تكمن عظمة يسوع: وإذن فان عظمة يسوع الحقيقية وقدسيته تكمن في انه خسر كل شيء في سبيل قضية عدها اهم من حياته الفانية. فيسوع بالحقيقة لم يأت من اي مكان بمهمة سماوية، انه عمل ما عمله استجابة لطبيعته الانسانية الأنثروبولوجية الخيرة والحساسة والروحية المتمسكة بالخير والحقيقة والحق: حقيقة وحق التغيير من حضارة قديمة بائدة كانت حضارة الأمة الدينية المتحكمة بالإنسان الى حضارة حرية الانسان في عمله استنادا الى ما فيه من ميل الى الحق والحقيقة ومن قدرة على تحمل الصعوبات وحتى الموت شهادة لحق التغيير الحضاري. ومن هنا نقول ان يسوع هو يسوع الانسان والإنسان فقط، مع قدرات انسانية على الانفتاح على الخير وعلى الحب الذي يمكن في نهاية المطاف ان يعزى بشكل غير مباشر الى الاله السماوي ايضا. اما لقب ابن الله الذي فهمته الكنيسة بشكل فلسفي والذي ادى الى فكرة الثالوث فيبقى مسألة على ذمة الكنيسة المؤسسة التي ارتبطت بالإمبراطورية الرومانية القسطنطينية، في حين ان البنوة لله في العهد القديم وبحسب فكر العهد القديم آنذاك كانت تعني بنوة اخلاقية وروحية بحيث كان كل من يعمل ارادة الله يدعى ابن الله. اي الابن الذي سرت به الله بحسب قول العهد الجديد.الأمر الذي جعل الانجيلي يوحنا يضع بمناسبة عماذ يسوع على فم الله كلاما يقول:هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. فمثل هؤلاء الناس الطيبون المضحون ليسوا اولاد الله بالطبيعة، لكنهم اولاد الله بالروح ومولودون من الله بالروح والحق. (من مقدمة يوحنا الانجيلي ). ولذلك كان من الطبيعي ان يقال عن يسوع الذي ضحى بحياته من اجل الحقيقة والحق انه ابن الله، هذا في حين ان لاهوت الكنيسة المعاصر سمى المؤمنين الحقيقيين اولاد الله، بحسب انجيل يوحنا. اما من جهة اخرى، فيمكننا ان نؤكد بأن المنهجية الأنثروبولوجية الانسانية تستطيع ان توحد وتصالح ما بين الجماعات المؤمنة بالإله السماوي الذي اليه يمكن نسب الخير بشكل غير مباشر، وبين الفئات التي لا تبالي بوجود الله.. فالفئات غير المبالية بوجود الله Les sans Dieu يمكن ان تستند الى قوى الخير فيها وتعمل ما تعمله بصورة جيدة، حالها حال الفئات المؤمنة، استنادا على قوى الخير عندها، بدون اية مرجعية دينية، لأن المهم بالنسبة للبشرية هو ان يتم العمل الصالح ولاسيما عمل التغيير الانقلابي الجدلي، سواء جاء على ايدي المؤمنين ام جاء على ايدي من لا يبالون بوجود الاله. اما ايمان المؤمنين فقد يفيدهم كثيرا لحياتهم الروحية الخاصة وكذلك لحياتهم الاجتماعية، الا انهم سيجدون انفسهم انهم لا يعملون اعمالهم الانسانية بصورة اكمل من عمل اقرانهم غير المؤمنين. كما لا يشترط ان تكون حياتهم العائلية والاجتماعية الأخرى احسن من حياة عائلات غير المؤمنين، ومن حياتهم الاجتماعية.
ملاحظة: يمكن للكنيسة ان تواصل تسمية يسوع بالمسيح بشكل مجازي، شرط ان يشرح المعلم للشعب ان هذا اللقب يعني فقط ملوكية يسوع التي حصل عليها بعد موته الاستشهادي، هذا الموت الذي رفع يسوع الى الحالة التي فيها اخذ يتحكم بحياة الناس الروحية والاجتماعية بشكل حر وتلقائي وايمانين حتى خارج العهد القديم حول ملوكية يسوع الالهية.
القس لوسيان جميل
2019

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1323 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع