عراقيون مرّوا بموسكو ( ٢٦ )/ أ. د. حكمت شبّر

                                                     

                             أ.د. ضياء نافع

عراقيون مرّوا بموسكو ( ٢٦ )/ أ. د. حكمت شبّر

نقطتان أود أن أتوقف عندهما في بداية حديثي عن أ. د. حكمت شبّر واؤكد عليهما, اولهما , انهم احرقوا كتابه المنهجي عندما كان تدريسّيا في كلية القانون بالجامعة , وهي ظاهرة شنيعة و غريبة وفريدة جدا في تاريخ جامعات العراق وتقاليدها العلمية , ولا اعرف مثيلا لها طيلة فترة عملي في جامعة بغداد اكثر من 35 سنة متواصلة , وقد ذكر هذه الحادثة أ.د. حكمت شبّر نفسه بتفاصيلها كافة ( في مقالته بعنوان – في الذكرى السبعين للاعلان العالمي لحقوق الانسان ) , وأشار في تلك التفاصيل حتى الى اسم عميد الكلية الذي قام بهذا العمل المشين والدنئ . اما النقطة الثانية , فهي ما ذكره كامران قره داغي مرة في احدى مقالاته حول اقتراحه بتعيين حكمت شبّر بمنصب مدير مكتب رئيس جمهورية العراق السيد جلال طالباني ليحل محل كامران نفسه (وبعد ان حصل على موافقة طالباني ), وكيف تصرّف حكمت آنذاك , اذ طلب من كامران ان يمهله قليلا من الوقت كي يفكر بالموضوع , ثم اعتذر حكمت بعدئذ عن توليه ذلك المنصب نتيجة ظروفه العائلية الخاصة . لقد أشار احد المعلقين على هذه الحادثة قائلا- ان تعيين حكمت شبر في هذا المنصب كان اصغر من حجمه الحقيقي, وان حكمت تصرف بدبلوماسية عالية حيال الامر , اذ ان رفض المنصب رأسا كان قد يؤدي الى نتائج سلبية , اما تصرفه كما تم ذكره , فقد انتزع بهذه الطريقة ( فتيل الانفجار او الغضب!) بهدوء وخبرة عالية في شؤون الحياة , و هكذا خرج حكمت من المأزق سالما , ومحتفظا في نفس الوقت بمكانته وقيمته العلمية وصداقته بكامران. 

بعد النقطتين التي توقفت عندهما , أعود الى الحديث عن د. حكمت شبّر منذ البداية .
وصل حكمت الى موسكو في بداية الستينيات , بعد تخرجه في كلية الحقوق (كما كانت تسميتها آنذاك) بجامعة بغداد ( وهي الان كليّة القانون ), اي انه كان المحامي العراقي حكمت شبّر , ودرس في قسم الدراسات العليا بكلية القانون في جامعة لينينغراد الشهيرة ( جامعة بطرسبورغ حاليا) , وكان متميّزا بمعرفته المعمقة في اللغة الروسية , وقد كنت شاهدا مرة - وبالصدفة المحضة - كيف ( تبارى!) حكمت مع مجموعة من الطلبة العراقيين حول ترجمة المصطلحات الروسية الى العربية وبالعكس في اروقة جامعة موسكو اثناء انعقاد احدى مؤتمرات رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي ( وكان مندوبا لفرع الرابطة في لينينغراد), وكيف خرج حكمت (منتصرا !) من تلك المباراة.
كان حكمت شبّر منسجما جدا مع الطلبة العراقيين و مع المجتمع الروسي الذي كان يحيطه , بل كانت هناك تسمية ( شبه سريّة) في اوساط العراقيين ل ( ثلاثي لينينغراد) يتكون من حكمت شبّر ومحمد كامل عارف وكامران قره داغي كمندوبين للجنة الدفاع عن الشعب العراقي في لينينغراد ( وهو ثلاثي يجسّد الان - وبكل صدق - وحدة العراق حسب المصطلحات المعاصرة للحياة السائدة في عراقنا اليوم , هذه المصطلحات التي تؤكد – مع الاسف الشديد - على الفوارق القومية والطائفية - قبل كل شئ - بين ابناء الشعب العراقي الواحد) . ويسعدني ان اقول هنا , ان هذا الثلاثي قد برز – وبنجاح رائع – في الحياة الفكرية العراقية بعد تخرجهم ورجوعهم الى العراق, ويعّد تألقهم طبعا نجاحا علميا باهرا لخريجي الجامعات السوفيتية كافة آنذاك ( انظر مقالاتنا بعنوان – كامران قره داغي والادب الروسي في العراق / محمد كامل عارف ويسينين / محمد كامل عارف يكتب عن زهاء حديد بالروسية ).
أ.د. حكمت شبّر اصبح واحدا من الاساتذة الجامعيين البارزين في جامعة بغداد والمستنصرية , وبقي اسمه لامعا حتى بعد الالتفاف الخسيس ضده , واخراجه من الجامعة بحجج سياسية واهية , بل ان هذه العملية زادت من شهرته وقيمته العلمية في اوساط الاساتذة الجامعيين , وليس عبثا انه استعاد (بعد اكثر من عشرين عاما ) لقبه الجامعي العلمي الذي استحقه اثناء عمله في الجامعة , وهو الاستاذية ( بروفيسور) , لانه رفض آنذاك الخضوع الى رأي عميد الكلية , الذي اراد اجباره على الدخول في حزب البعث . وحكمت شبّر اصبح شاعرا معروفا في الاوساط الادبية العراقية , وأذكر كيف ألقى قصيدة في حفل تكريمي للاستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد في اتحاد الادباء والكتاب العراقيين , وكيف استقبلته القاعة بالتصفيق الحاد , اذ كنت انا حاضرا في تلك الاحتفالية , وألقيت كلمة عن أ.د. كمال أشرت فيها , الى ان اسمه ورد في كتاب اصدرته اكاديمية العلوم السوفيتية في نهاية الستينات حول المصادر الروسية عن العراق , وانه شغل المكانة رقم واحد بالنسبة لعدد البحوث بين الباحثين العراقيين كافة . لقد كانت قصيدة حكمت شبّر محاكاة لاحدى قصائد الجواهري الشهيرة , وقلت له بعد الحفل , انها( ذكرتّني!) بتلك القصيدة , ولم أقل انها محاكاة , و ابتسم حكمت برضا ولم يرغب بالحديث المتشعب حولها , لان الموضوع قد يؤدي الى استنتاجات خطيرة طبعا في تسعينيات القرن الماضي. وحكمت شبّر باحث علمي من الطراز الاوّل في مجال اختصاصة , وهو واحد من الخريجين النادرين , الذين أصدروا اطروحته بالعربية في بغداد , اضافة الى انه واحد من المترجمين البارزين عن الروسية في العراق , وقد ساهم باصدار ترجماته في مجاله العلمي.
تحية للدكتور البروفيسور و المحامي والشاعر والمترجم والمثقف العراقي المتميّز حكمت شبّر .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1255 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع