عراقيون مرّوا بموسكو (٢٥) / د. حسن البياتي

                                            

                            أ.د. ضياء نافع

عراقيون مرّوا بموسكو (٢٥) / د. حسن البياتي

وصل حسن البياتي الى موسكو اوائل ستينيات القرن العشرين للالتحاق في قسم الدراسات العليا بجامعة موسكو, وذلك لانه حاصل على شهادة البكالوريوس ( الليسانس) من جامعة بغداد , ومختص باللغة العربية وآدابها . كان د. حسن شاعرا معروفا في العراق , وقد أصدر ديوانين قبل وصوله الى موسكو هما – (من شفاه الحياة )و (جنود الاحتلال ), وقد اراد الشاعر حسن البياتي بالطبع ان يدرس الشعر الروسي ويتخصص به , والتحق فعلا بكليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) في جامعة موسكو (والتي كنّا نسميها - نحن العراقيين- على الطريقة العراقية كليّة الآداب) , وفي قسم تاريخ الادب الروسي للقرن التاسع عشر , واختار عنوان اطروحته عن ملحمة شعرية للشاعر الروسي الكبير نكراسوف تتناول بشكل ساخر بحث الفلاحين الروس عن الشخص الذي يعيش بشكل جيد وسعيد في روسيا , وهي ملحمة معروفة جدا في تاريخ الشعر الروسي , وخصوصا في الزمن السوفيتي , لان الشاعر نكراسوف واحد من اركان الحركة الديمقراطية الثورية في تاريخ الادب الروسي , وكان ضمن الاسماء الثورية في هذا الادب مثل تشرنيشيفسكي ودبرالوبوف , وكان رئيس تحرير مجلة ( سوفريمينك) ( المعاصر) الادبية والفكرية , والتي كانت واقعيا لسان حال الحركة التي يسمونها آنذاك في الاتحاد السوفيتي ( النقد الادبي الثوري الديمقراطي) . وكان د. حسن فخورا جدا بعنوان اطروحته , ويتحدث عنها بين العراقيين , لكنه ترك هذا البحث بعد فترة وجيزة , ولا نعرف سبب ذلك , الا ان الاقاويل التي كانت سائدة بيننا , نحن الطلبة العراقيين , كانت تتحدث عن عدم الامكانية العلمية لشخص متخصص بالادب العربي من جامعة بغداد بانجاز بحث دكتوراه في الشعر الروسي وباللغة الروسية دون معرفة معمقة في الادب الروسي وتاريخه , وانه لهذا ترك تلك الاطروحة وعاد الى البحث في مجال اختصاصه الدقيق , وهو الادب العربي , وهكذا انتقل من كليّة الفيلولوجيا الى معهد لغات آسيا وافريقيا , وهو ايضا تابع لجامعة موسكو , وهناك انجز اطروحته حول الصفة المعادية ( اوالطابع المضاد ) للاستعمار في الشعر العراقي المعاصر , وأبدع فيها فعلا, لانه هو شخصيا كان أحد هؤلاء الشعراء . ان انتقال حسن هذا كان خطوة علمية صحيحة جدا وشجاعة ايضا , لم يستطع بعض العراقيين ان يتخذوها آنذاك من زملائه العراقيين الآخرين , اذ ترك اثنان منهما الدراسة لاحقا, وقد اضطرت المجموعة الاخرى منهم ان يدرسوا سنين طويلة جدا خارج الفترة المحددة والقانونية للدراسة من اجل الحصول على الشهادة المطلوبة , بينما استطاع د. حسن ان ينهي دراسته وبنجاح رائع وفي مجال اختصاصه العام و ضمن فترة معقولة , واستطاع ان يتقن اللغة الروسية بشكل جيد جدا , وقد انعكس ذلك بعدئذ على نشاطه العلمي لاحقا بعد عودته الى العراق في مجال الترجمة عن الروسية الى العربية , وأصدر عدة كتب مترجمة عن الروسية , وتتميّز هذه الكتب في كونها متنوعة جدا , وشملت آداب شعوب مختلفة , مثل ادب أمريكا اللاتينية واوربا الشرقية وآسيا والقوقاز , اي انه استخدم معرفته العميقة للغة الروسية في ترجمة مصادر متنوعة من الادب العالمي , وهي ظاهرة تستحق التأمل والدراسة فعلا , اذ انه تخطى المفهوم التقليدي السائد في عالم الترجمة , وهو المفهوم الذي يؤكد على ضرورة الترجمة عن اللغة الاصلية فقط الى العربية , اي عدم استخدام اللغة الوسيطة في الترجمة , وقد استطاع د.حسن ان يبدع فعلا في ترجماته تلك وان يتميّز بها عن المترجمين العراقيين الآخرين , ولازالت تلك الترجمات متداولة بين القراء لحد الان .

اضطر د. حسن البياتي الى ترك العراق نتيجة الظروف المعروفة آنذاك, وسافر الى اليمن , حيث عمل – وبنجاح كبير- في الجامعات اليمنية , اذ انه كان في العراق ايضا استاذا جامعيا ناجحا , الا انه فقد بصره في اليمن مع الاسف , وهكذا أصبح اعمى , وسافر الى لندن ( حيث يقيم لحد الآن) وهو في تلك الحالة المأساوية الصعبة, الا ان ارادته القوية قد صمدت في هذا الامتحان الصعب, وهكذا استمر د. حسن البياتي في نشاطه الفكري رغم ذلك , واستمر بكتابة الشعر والبحوث والمقالات وحتى اصدار الكتب الثقافية المتنوعة , و اود هنا أن اشير الى كتاب متميّز بين كل تلك النتاجات للدكتور حسن البياتي وهو كتاب بعنوان – (الصرح الترجمي للدكتور علي حواد الطاهر) . و الكتاب هذا فريد من نوعه في المكتبة العراقية عن الناقد والباحث العلمي الكبير والاستاذ الجامعي علي جواد الطاهر , والذي أعده البياتي خصيصا لمناسبة الذكرى العشرين لوفاة استاذ الاجيال المرحوم علي جواد الطاهر.
تحية تقدير واعتزاز للدكتورالشاعر والباحث والمترجم و الاستاذ الجامعي القدير حسن البياتي , الوجه الناصع لخريجي الجامعات الروسية , وتصفيق حاد له على نشاطاته الثقافية الابداعية المتنوعة وهو في هذه الحالة الصحية الاستثنائية الصعبة .
استمر في مسيرتك الابداعية البطولية الرائعة يا ابا جميلة العزيز.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

692 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع