القس لوسيان جميل
كان يسوع علمانيا
نعم كان يسوع علمانيا، لكنه لم يكن ملحدا، ولم يكن كافرا، ولم يكن يستحق الصليب، لكنه كان يستحق المجد، هذا المجد الذي حازه بعد ان تحمل الصليب والموت، جزاء عناده في علمانيته، ومعاداته لرجال دين ابناء العهد القديم، وبعد انتصاره عليهم. كما انتصر يسوع بالفعل ذاته على ثيوقراطية الرومان الوثنيين. وهكذا نرى ان سقوط الأمة الدينية الخاصة بالعهد القديم جاء نتيجة تشبثها بسلطاتها الدينية وتركها الشعب فريسة الظلم والفقر واحتقار الضعيف وغير ذلك. بينما انتصر يسوع على الوثنية الرومانية لأسباب مماثلة، ومنها تفشي العبودية في تلك البلاد وظلمها للانسان العبد وللإنسان الفقير واحتقارها للمرأة التي كانت تباع وتشترى مع زوجها ومع اطفالها او منفصلة عنهم. وكانت النتيجة ان اسرع الرومان وقبلوا المسيحية تخلصا من جور العبودية الرومانية. ثم جاء قسطنطين الملك وكتب للمسيحية مرسومه الشهير مرسوم ميلانو سنة 313 م وصار الكنيسة كنيسة حاكمة عوضا عن ان تكون كنيسة مضطهدة. وارتاح جميع المسيحيين لهذا الوضع الجديد.
غير ان قواعد عالمنا معروفة: انه عارف ففي مسيرة دائمة وتغيير حضاري مستمر. فالوضع الاقطاعي المسيحي الجديد ما لبث ان انقلب الى مأساة جديدة وعبودية اخرى. واشتاق الجميع لوضع آخر اجتماعي وحضاري وديني آخر. اما من لم يتغير فقد كانت الكنيسة، التي بنت لاهوته وعقائدها كلها في زمن الأمة الدينية المسيحية. وبقيت الكنيسة متمسكة بعقائدها وتفسيراتها النفعية لتلك العقائد. وجاءت البروتستانتية وجرت معها خلقا كثيرا. بعد ذلك ارادت الكنيسة ان تقوم بردهة اصلاحية معاكسة للردة البروتستانتية، لكنها اخفقت لآن عقائدها كانت قد عودت ان تقود شعبها بسلطة دينية الهية على اساس عقيدة الوهية يسوع. فاسكت عن طريق هذه السلطة الالهية كل من سولت نفسه ان يعارض الكنيسة. وسارت على هذا المنوال السيئ حتى جاءت الثورة الفرنسية واقتلع الأمة المسيحية ورموزها وبقيت الكنيسة تحت العصا الغليظة حتى انقشعت الغيبية والهجمة الأولى الملحدة. فخرجت الكنيسة مجروحة بعد الثورة الفرنسية وقبل فصل الكنيسة عن الدولة. وتحققت الديمقراطية او العلمانية الحقيقية، ولكن بقيت للكنيسة المفصولة عن الدولة سلطتها الروحية العقائدية الخاصة التي لم يسمح الوضع آنذاك ان تمس بأذى. فواصلت الكنيسة قيادها السلبية للمجتمع المسيحي، وصار اي تغيير يقابله حرم معين.
وحسبت الكنيسة انها سيطرت على الوضع. لكنها كانت على خطئ هذه المرة ايضا، حتى جاء الماركسية وجاءت الشيوعية وجاءت معها افكار جديدة لم تستطع الكنيسة ان تضمها. فوقف ضد الجميع موقفا معاندا صلبا مستعينة بالبلدان التي سمتها بالديمقراطية. الأمر الذي وضعها بشكل مباشر ضد اي نوع من الاشتراكية. ولكن هنا كانت خسارتها الكبرى، حيث خسرت الكنيسة من مواقفها الثيوقراطية ومن عقائدها طبقات عمالية وزراعية كثيرة كما خسرت المثقفين والعلماء والفلاسفة بوقوفها بالضد من الفكر العلمي بشكل مباشر. ثم كان البابا القديس يوحنا 23 وكان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي جمع اساقفة العالم الكاثوليكي كلهم لمدة ثلاث سنوات وكانت بعد ذلك نشر بيانات وحصيلة ذلك المجمع الي على الرغم من انه لم يكن مجمعا عقائديا لكنه من وراء الستار تخطى تأثيره الى عدة عقائد مسيحية مهمة. وان كان ذلك بشكل غير مباشر.
اننا كمراقبين عاديين كنا نشعر ان الروح القدس كان يعمل مع ذلك المجمع لنه المجمع كان متناغما مع مسيرة العالم الحقيقية ولأن روح يسوع الانسان كان مهيمنا على ذلك المجمع. نقول ان روح يسوع ابن الانسان كان مهيمنا على ذلك المجمع لأن الروح العلمانية التحررية من عبودية الشرائع وعبودية المعتقدات كانت مع المجمع اساقفة مسيطرين وكارزماتيين وبابا منفتح على حقوق العالم في التغيير. كل ذلك جعل العالم المسيحية بأسره يسير فرحا بخط المجمع التحرري.
غير انني شخصيا، كنت على علم بوجود معارضة كنسية نائمة، كانت مستاءة مما حدث. فطلع علينا لفيفر Lefèvre وجماعته وابعد عن الكنيسة شريحة في ظني انها كانت شريحة اريسطوقراطية مناهضة لحرية الشعوب وعلمانيتها. ثم لفلفت الكنيسة هذا الانشقاق الخطير وبقيت تلك الشريحة تقدس باللغة اللاتينية وتقيم طقوسها القديمة بلغة لاتينية ايضا. ثم جاء البابا يوحنا بولس الثاني ووضع النقطة النهاية على المجمع بأن اصدر مرسومه اعلن فيه سنة اليوبيل بميلاد الالفين ليسوع. فقال في احدى توجيهاته: ان يسوع المسيحي هو هو بالأمس واليوم والى البد. بمعنى وقوف التقدم نحو التحرر من هيمنة كنيسة الأمة الدينية المسيحية هذه الهيمنة التي كانت الكنيسة قد اكتسبتها خلال القرون الوسطى البائسة كلها. وكان معنى عبارة البابا: المسيحي هو هو بالأمس واليوم والى الأبد، ان يسوع مرسل من الله لمقفرة خطايا العالم ولا وظيفة اخرى له. اعني ان يسوع ليس علمانيا وهو مطيع للعهد القديم ولا شان ليسوع بتحرير الانسان من هيمنة الكنيسة التي ابقاها هي هي ايضا مسيطرة على رقاب الناس تسيرهم بعنف نحو العبادة ونحو العبادة فقط، ولا شأن لها بتأييد حقوق الانسان
بهذه المناسبة اود ان اقول بأن العلمانية اي التحرر من هيمنة رجال الدين هو قد انساني. لقد جاءت جميع ثورات العالم منة اجل القضاء على التعسف الديني، لكن هذه الثورات لم تكن مهتمة سوى بشأن واحد من شؤون العالم. وفي رأينا المتواضع ان العلمانية سوف تتحكم بالعالم شاء رجال الدين او ابو. وبرأينا ايضا ان ليسوع شأن اساسي في علمانيتنا. فهو نفسه مكبل بالسلفية المسيحية وعليها ان يخلص نفسه ويخلصنا. وإذا لم يستطع ان يخلص نفسه ويخلص معه اللصين المصلوبين معه فانه سوف يتمكن هذه المرة ان يخلص نفسه من سجن وصليب رجال الدين. وسوف ينزع عنهم تيجانهم وصولجاناتهم لأنها ترمز الى الهيمنة الامبراطورية. فما حدث اليوم هو ان ضوءا قويا صادرا من العلم سوف يتم تسليطه على العقائد التي تساعد على الهيمنة، ولن يصدق احد رجال الدين عندما يحرمون هذا او ذاك من الشركة الكنسية بسبب فكره الحر. وينقلب السحر على الساحر في نهاية الأمر لآن العلم سيفضح كل شيء ويكشف كل دجل وتضليل. وسيقول الناس نحو سائرون نحو حريتنا تاركين لساقفة الكنيسة المحترمين عقائدهم الاسطورية.
2018
3269 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع