علي المسعود
الفساد في العراق ماكينة تخريب اجتماعي واغتيال للعقول وقصف للضمائر !!
يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية. كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن اكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب, هذه التعاريف منقوصة؛ لأن الوحدات السياسية لا يشترط لها أن تكون في المواقع الحكومية حتى تستغلها للمنفعة الخاصة، إذ هناك أحزاب وهي خارج السلطة يمكن لها أن تمارس الفساد، فضلا عن ذلك أن بعض المنافع المحصلة من الفساد لا تذهب مباشرة للمنفعة الشخصية بل قد تذهب للمصلحة الحزبية بشكل عام وليس لمصلحة فرد معين . ويعرف معجم أوكسفورد الإنكليزي الفساد بانه إنحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة وقد يعني الفساد " التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة . تختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى. فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير قانونية في بلد آخر. وقد تكون لقوات الشرطة والمدٌعون العامون في بعض البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات والفساد . وقد تتحول الممارسات التي تعد فساداً سياسياً في بعض البلدان الأخرى في البلدان إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان التي توجد فيها جماعات لها مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية.
يمثل الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية. فهو على الصعيد السياسي يقوض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية. أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي. أما الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات.
أي بمعنى أوسع ينخر الفساد في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب الرسمية وتشترى. كما يؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة والتسامح. ومن الاضرار التي
تنتج من الفساد تقويض التنمية الاقتصادية لتسببه في حدوث تشوهات وحالات عجز ضخمة. ويؤدي انتشار الفساد في القطاع الخاص إلى زيادة كلفة العمل التجاري من خلال زيادة سعر المدفوعات غير المشروعة نفسها وكذلك لإزدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع المسؤولين ومخاطر انتهات الاتفاقيات أو الانكشاف. كذالك وجود الرشوة يمكن ان يدفع المسؤولين لاستحداث تعليمات وحالات تأخير جديدة في إنجاز المعاملات. ومع إسهامه في زيادة تضخم النفقات التجارية.
وعند الحديث عن مصيبة العراق الحقيقية، فانه يمكن أن يشخصها الطبيب والفلاح والشحاذ والأستاذ، هو الفساد والذي انتشر في كل مفاصل الدولة، وأصبح دولة داخل دولة يتحكم في مصير البلد، وفشلت كل الحكومات في الحد منه، بل أن بعضهم كان جزء منه، والى اليوم ملفات الفساد مفتوحة بحق قيادات كبيرة تم إهمالها، ولم تقم الحكومات بأي جهد حقيقي لحرب الفساد، فقط إطلاق الشعارات لتخدير الأمة وللمزايدة فقط . كما أن الفساد في العراق لا يشبهه فساد في العالم ولا حتى في التاريخ،
فمقدار ما نهب يكفي لإعادة بناء دولة خرجت من حرب كارثية، وبين حيتان الفاسدين معممون ورجال دين. ومع أن الفاسدين قلّة تعد بالآلاف عزلوا انفسهم في 10 كيلومتر مربع في بغداد، فإن اكثر من عشرين مليون عراقي، بينهم سبعة ملايين تحت خط الفقر وقفوا عاجزين عن تغيير الحال وعلى الرغم من أن العراقيين يوصفون بانهم لا يصبرون على ظلم، وإن ما أصابهم من حيف اقتصادي وبؤس وفواجع ما حصل لهم مثله في تاريخ صراعهم مع السلطة, فان الفساد يتكاثر ويعتادعليه . السبب الرئيسي للفساد في العراق هو فساد الساسة، والفساد السياسي في العراق هو أبو الفسادات جميعا، وهو اختصاص حصري للطبقة السياسية المتنفذة فهي المحتكر الوحيد لهذا النوع من النشاط في العراق وليس أولائك المغمورون في حافات الجهاز الحكومي . الفساد في العراق يُقاس بالمليارات وليس بالمفرد وهو من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب. المناخ الملائم لنمو الفساد في العراق يبدأ من الأعلى الى الأسفل، ابتداءً من البنى الحكومية المتناحرة فيما بينها كسلطة تنفيذية وسلطة قضائية وسلطة تشريعية، وتركيز السلطة بيد صناع القرار وهم عملياً غير مسؤولين من الشعب، يحدث هذا من خلال تزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها لصالح حزب متنفذ ومتجذر بالطائفية والعنصرية حيث يمكنه الفوز بكرسي الحكم من خلال تفسيره الذاتي للقوانين ويتلاعب بمحتوى الدستور حسب مصالحه الخاصة مع وجود قضاء فاسد، إضافة الى غياب الديمقراطية الحقيقية أو تفريغها من مضمونها الحقيقي بسبب الجهل الذي يسيطر على المجتمع
ويذهب موسى فرج ، رئيس هيئة النزاهة العراقية الأسبق، الى القول : أن الفساد السياسي هو الحاضنة لكل أنواع الفساد المالي والإداري، فهو يوفر لمرتكبيه الحماية من القانون ويمنع ملاحقتهم، ويغلف أفعالهم بتشريعات قانونية في إطار عملية “شرعنة الفساد”، كما يقوم بإفراغ الإجراءات والنصوص القانونية من مضامينها ويكبّل القضاء، ويغلّ أيدي الجهات المسؤولة عن مواجهة الفساد، ويقوّض استقلاليتها، ويجعلها خاضعة لسطوة الفاسدين، فتكون هي أيضا إحدى ضحايا الفساد .
ويقول فرج في كتابه “الفساد في العراق: خراب القدوة وفوضى الحكم” إن الفساد السياسي يعني استخدام الطبقة السياسية مقدرات البلاد المادية والبشرية والمعنوية وعلاقاتها الدولية كأدوات في الصراع على السلطة؛ إنه التعامل مع السلطة باعتبارها أداة لتحقيق النفوذ والثروة بصورة غير مشروعة وليست وسيلة لإدارة الشؤون العامة للمواطنين وتوفير متطلباتهم الحياتية وضرورات المعيشة. من إشكال الفساد السياسي في العراق , الرشاوى التي تبرز في مجال المناقصات والمزايدات بغرض الفوز بعرض حكومي على حساب النواحي الفنية والمواصفات، فمن يدفع أكثر يفوز بالعروض الحكومية حتى لو كان صفرا من ناحية العمل والتنفيذ، فالمهم دفع الرشوة، هذا النظام تم دعمه من قبل أحزاب السلطة! . وكذالك عندما تبيع الدولة ارض، فان الرشاوى تدفع لتكون اقل من سعرها السوقي، مقابل رشوة مناسبة وفقط لطبقة المرتشين المقربين من الطبقة السياسية وأحزابها وكل شيء يجري تحت مظلة القانون والسلطة وبعلم اذرع الساسة وتدفع الرشاوى وبنسب معينة لشخصيات نافذة للحصول على النقد الأجنبي، بأسعار تقل عن أسعار السوق، وهذه مصيبة كبيرة تجري من دون رقابة فعالة، فالمستفيد هو من يملك مفاتيح الرقابة، فيتعطل القانون وتموت الرقابة والمحاسبة .
ومن اشكال الفساد في العراق أيضأ هو في إختيار المناصب الحكومية و المزاد السياسي , بعد كل موسم انتخابي ينشط سوق لبيع المناصب الهامة والتي تدر الأموال أو تعطي نفوذ، والتي تدر إيرادا خفية وهي عبارة عن رشاوى ضخمة وبشكل شبه يومي ومستمر، ففي الدولة الفاسدة يصبح لكل موقع ثمن، وبحسب التنافس الحزبي على المواقع وحصص من الكعكة يصبح للحصص ثمن معين ومقايضات وتبادل بين الأحزاب ( على سبيل المثال وصل سعر منصب وزير الدفاع الى 30 مليون دولار )، ومن يأتي للمناصب يكون شخص مدرك أن المنصب مغنم وفرصة للثراء وتعويض ما تم صرفه لأجل كسب المنصب ثم عليه أن يقبل مطالب الحزب الذي سهل له الأمر, فيتحول المنصب الى كرسي لنشر الفساد ويكون محمي وبعيد المسائلة او والرقابة لان كل شيء يجري تحت مظلة الأحزاب الحاكمة. هناك فساد سياسي من نوع اخر ويطلق عليه “الفساد التشريعي”، ويتمثل في تصميم القوانين لتلبية رغبات الاحزاب الاستئثار بالسلطة، وما يتصل بها من نفوذ وثروة، أو تقاسمها مكوناتيا على حساب المصلحة الوطنية الجامعة، أو تهميش الخصوم أو تكريس المحاصصة الطائفية. والفساد في العراق لم يعد مخجلاً فقد بات يشرعن ويقنن والذين يمارسونه لا يرمش لهم طرفٌ حياءً بعد أن بات الأمر مغانما بدلا من أن يكون تفانيا. وقبل أن نبحث عن المعالجات لهذه الأفة, يجب ان تعمل الحكومة العراقية على إعادة الاموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين و قد استبشرنا خيرا في حديث رئيس الجمهورية ( برهم صالح ) حين قال : ساقوم بملاحقة الفاسدين و سوف يتم محاسبتهم ) , نتمنى ان لايكون هذا الحديث كما في المثل"مالي أسمع جعجعة ولا أرى طحنا " !!!.
ومن التدابير الواجب إتخاذها من اجل القضاء عل الفساد أو عل الاقل تحجيمه مثلا, تشكيل لجان خاصة لوضع نظام متكامل لاداء الموظفين تقوم باجراء تفتيش دوري بين الدوائر والوزارات واعداد التقارير الخاصة بذلك وتبسيط وتسهيل عملية انجاز معاملات المواطنين بأقل نفقة ممكنة وانجازها باسرع وباقرب مكان ممكن وباسرع وقت ممكن ولغرض الحد من الرشاوي . كذالك وضـع تصنيـف يتضمن تقسيم الوظائف العامة على وفق طبيعة مهامها الى فئات ورتب تتطلب من شاغليها مؤهلات ومعارف من مستوى واحد اي نعتمد معيار الكفاءة والخبرة ,وألاهم إنشاء نظام رقابي فعال و مستقل
مهمته الاشراف والمتابعة للممارسات التي تتم من قبل الوزراء والموظفين العاملين في كل وزارة ومؤسسة كمنظمات المجتمع المدني والعمل بمبدأ الشفافية في جميع المؤسسات و مرافق الدولة.
الفيلسوف والمفكر الامريكي نعوم تشومسكي له مقولة وهي " لا يوجد شئ اسمه بلد فقير , يوجد فقط نظام فاشل في إدارة موارد البلد ! " .
أن الفساد السياسي في العراق يمثّل ماكينة تخريب اجتماعي واغتيال عقول وقصف ضمائر، ويؤدي إلى نمط من الفساد الثقافي والتحلل القيمي، ويتسبب في إفساد الذوق الجمالي وتشويه الذائقة الأخلاقية، وتكبيل الضمير والحس الإنسانيَّيْن .
علي المسعود
المملكة المتحدة
2170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع