ترجمة : ضرغام الدباغ
مجموعة المقاومة الألمانية " الوردة البيضاء "
مجموعة الاشقاء شول
تحرير : أوتو لانغلز ، Otto Langels
ترجمة : ضرغام الدباغ
نشرة الإذاعة الألمانية
بتاريخ : 18 / شباط ــ فبراير / 2018
ـــــــــــــــــــــــــ
تمهيد
لم يكن الشعب الألماني بأسره مؤيداً للنازية وقائدها هتلر. صحيح أن هتلر وصل السلطة عن طريق انتخابات ديمقراطية، وبأغلبية مريحة مكنته من تشكيل حكومة تحت هيمنة الحزب الذي بموجبه أصبح قائده أدولف هتلر مستشاراً (رئيس للوزراء) للرايخ الألماني الثالث، ولكن ذلك لم يكن ليتم إلا من خلال فوضى عارمة سياسية / اقتصادية / اجتماعية عاشتها ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى 1918، وحتى 1933، وهو العام الذي جرت فيه الأنتخابات البرلمانية التي فاز بها الحزب النازي، بسبب التناقضات العميقة التي مزقت الحياة السياسية تحت ظلال الأحكام القاسية لاتفاقية فرساي (28 / حزيران / 1919) والتي كان ظلمها وإجحافها السبب الرئيسي لفوز الحزب النازي الذي كان يعد بتخليص الأمة الألمانية من ظلم اتفاقية فرساي، وبالتالي قادت إلى الحرب العالمية الثانية.
بيد أن القوى المناهضة للنازي، صممت على مواصلة رفع لواء المعارضة، وهي بدرجة أساسية : الحزب الشيوعي الألماني، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، إضافة إلى شخصيات وجماهير مستقلة كان ترى في النازي شراً مستطيراً سيلحق الدمار بألمانيا، وقد تحقق فعلاً ما كانت هذه القوى تحذر منه.
ولكن هذه الحركات والأحزاب والشخصيات الوطنية التي ناضلت بشكل مستقل ومتفرق، وأحياناً ضمن مجاميع صغيرة، قدمت الضحايا في سبيل معتقدها، من تلك المجموعة التي نأتي على ذكر تاريخ نضالها، ونهاية أبطالها على يد آله القمع النازية. البطلة صوفي شول وشقيقها هانز شول، وصديقهما الكسندر شموريل وآخرون، الذين وبعد محاكمة سريعة حكم على ثلاثة منهم بالإعدام بواسطة المقصلة، بتاريخ 18 / شباط ــ فبراير / 1943.
(الصورة : الطابع البريدي الألماني يخلد ذكرى مجموعة الوردة البيضاء)
الرابط أدناه لفلم الوردة البيضاء
https://www.youtube.com/watch?v=8YI7SJoURVs
مقطع آخر من فلم مماثل
https://www.youtube.com/watch?v=wybS7FfqupM
(الصورة : النصب التذكاري لضحايا الوردة البيضاء في مدينة ماربورغ ـ تاننبيرغ)
مجموعة الوردة البيضاء
المجموعة أطلقت على نفسها أسم " الوردة البيضاء " وهي تتألق من صوفي شول، وشقيقها هانز شول، وصديقهما الكسندر شيموريل، وكريستوف بروبست، وفيلي غراف. الذين كانوا في أواسط عام 1942 قد اتفقوا بالعمل بنشاط ضد نظام النازي من خلال العمل الدعائي ضد الحرب وجرائم النظام النازي بتوزيع المنشورات، وكان آخر منشور وزعوه بتاريخ 18 / شباط ــ فبراير / 1943.
وتتذكر إنجى شول (شقيقة الأبطال) دول كلل في ما بعد الحرب، فعاليات الاحتجاجات لشقيقتها وشقيقها، هانز وصوفي. وكانوا ينتمون لمنظمة من الطلبة الشباب، الذين اتخذوا من أسم " الوردة البيضاء " أسم بمنظمتهم لمقاومة النظام النازي. هانز وصوفي شول الذين ولدا عام 1918 / 1921 على التوالي، ينحدارن من أسرة بورجوازية متحررة (ليبرالية)، وترعرعا في الرايخ الثالث كأسرة مسيحية. (1)
" وفي هذا الوقت كانت المسيحية تلعب دوراً هائلاً، إذ لم يعد هناك ما يكفي من إنسانية ومفاهيم العدالة من جل الصمود والمثابرة وهنا يحتاج المرء إلى إيمان قوي، وهذا ما كنا نحن بحاجة له".
" ولكن ذلك لم يكن ليعني بطبيعة الحال، أن التعليم كان يتم في بيت الوالدين منذ البداية ".
ويوضح المؤرخ فولفغانغ بينز المدير لسنوات طويلة لمركز برلين للدراسات والبحوث المعادية للسامية.
وكان كل من صوفي وهانز كانا معجبان في الشبيبة الهتلرية، وكانا طبيعيان جداً ومعجبان بالحزب الوطني الألماني (النازي) وبالشباب وفيما بعد بدأت أعينهم تتفتح. فقد كانا طفلان قد تربيا في أفضل البيوت، في تربية بورجوازية، وقد تلقيا تربية جيدة، وتعليماً ممتازاً وكان لديهما المقدرة الاجتماعية على إبداء المودة للآخرين.
والتالي كان في تقبل مصطلحات النازية
في البدء كان كلاهما متقبل للدعاية النازية في الحديث عن المجتمع الوطني الموحد، والعلاقات الرفاقية، ولكنها أشاحا بوجهيهما عن الحزب النازي مبكراً. وقام هانز شول عام 1936 بتأسيس الطائر الحر مجموعته الشبابية الخاصة، وأعتقل لفترة قصيرة عند الجستابو(البوليس السري)، لأنه أظهر ميول شاذة مع صديق له، ولكنه كان محظوظاً عندما قيمت المحكمة الخاصة هذه العلاقة " طيش شبابي "، وأطلقت سراحه.
وفي عام 1939 بدأ في دراسة الطب في جامعة ميونيخ، وهناك حيث التقى الطالب الكساندر شموريل، وكريستوف بروبست، وفيلي غراف. والأصدقاء الأربعة كانوا يدرسون الطب، وكذلك صوفي شول، (شقيقة هانز شول) التي كانت بعد أن أنهت تدريباً في مجال رياض الأطفال في ميونيخ، اتجهت لدراسة البايولوجي والفلسفة. وشكلوا نواة منظمة " الوردة البيضاء "، ثم أنظم إليهم المدرس الجامعي كورت هوبر، وكانت المجموعة تناقش قضايا فلسفية وسياسية. وأنظم إلى المجموعة لاحقاً يورغن فيتنشاين، زميل دراسة لأكساندر شموريل.
ولم تكن منظمة " الوردة البيضاء" أكثر من مجمعو من الطلاب الجامعيين الذين لهم اهتمامات متشابهة، وبصفة أساسية في الثقافة، والموسيقى، والفن، والأدب، والفلسفة، يلتقون معاً ويتحدثون عن هذه القضايا والمشكلات، ولكن حتى بداية الحرب لم يكونوا أكثر من أصدقاء لهم اهتمامات متشابهة.
من الحرب إلى الانتفاضة
وقد تشكلت مجاميع محيطة بالجمعية " الوردة البيضاء " تتألف من طلبة المدارس المؤيدين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 ــ 18 عاماً، وبعضهم كانوا أصدقاء لسنوات طويلة، وهذه البيئة المحيطة يمكن اعتبارها ووصفها اليوم بالمتعاطفين وكانوا لهم بمثابة الداعم اللوجستي (الإداري)، وفي مجرى الحرب العالمية الثانية تجذرت انتقادات المجموعة الموجه إلى النظام النازي.
ويقول المؤرخ فولفغانغ بينز „ تكاثف فيما بعد الموقف المعارض وصولاً إلى الانتفاضة، وبعد الخدمة في الجبهة الشرقية (مع الاتحاد السوفيت) الذي قام به هانز شول وأصدقاءه كجنود مساعدة طبية، أصبح واضحاً لهم كيف اندلعت هذه الحرب، وبهذا وجدوا أنفسهم في المعارضة والمقاومة ".
" وعندما علمنا ذلك، كيف جرت الأمور وحدثت، وما جرى لليهود، وما حدث لبولونيا، كيف جرى التعامل مع أسرى الحرب، كان يتضح لنا المزيد من الحقائق، وفي وجوب إزاحة هذه الحكومة ".
يتذكر يورغن فيتنشتاين (زميلهم). في عام 1942 بدأت المجموعة بالاحتجاجات العلنية. ففي 27 / حزيران ظهر العدد الأول من النشرة، كان قد أعدها هانز شول، والكساندر شموريل، استنسخت بعد قليل قليل من النسخ، ووزعت بواسطة البريد، إلى عناوين الأشخاص المعروفين من قبلهم.
" هو لا شيئ أكثر من شعب لا يستحق الاحترام، يسمح لنفسه أن يحكم من قبل زمرة لا تمتلك الشعور بالمسؤولية، وظلامية التفكير ولا يبادر للمقاومة وكنا ندرك مدى الخزي، الذي يصيبنا عندما كانت الستائر تسقط أمام أعيننا، والجرائم الفضيعة التي تجاوزت كل الحدود، التي كانت تجري في ضوء النهار، نحن نرجوكم أن تستنسخوا هذه النشرات بأوسع عدد ممكن، وبالتالي أن يجري توزيعها.
يورغن فيتن شتاين : " لم يكن بوسع المرء الذهاب إلى دائرة البريد وشراء 100 طابع، لماذا يحتاج شخص اعتيادي 100 طابع ؟ وكان الحصول على جهاز ناسخ، كان غير ممكن، ما لم يكن بدرجة ووظيفة رسمية. ولهذا السبب كانت النشرات الأولى تطبع على الآلة الكاتبة، وباستخدام أوراق استنساخ (كاربون) لكل ستة أو سبعة صفحات.
القتل الجماعي لليهود ابتدأ بوقت مبكر
كانت النشرات تتسم بالثراء الثقافي، وتضم مقتطفات من أقوال يوهان غوته وفردريك شيللر، وموجة إلى المشاعر المحتشمة والأخلاقية وتنادي إلى الانتفاضة ضد النظام الظالم، ويقول المؤرخ فولفغانغ بينز :
" أعداد الطبعات كانت قليلة، وإذا تصور المرء أن هذه النشرات كانت طبعت بوسائل بسيطة، وبنحو 100ــ 120 نسخة من كل منشور، كانت أوراق الاستنساخ (الكاربون) تتعرض للتلف بعدها، والنشرات كانت صغيرة الحجم ى تتعدى المئات ".
" النشرة رقم 2 تضمنت أن 300،000 ألف شخص في هذا البلد قد قتلوا بطرق وحشية ".
فرانز جوزف مولر، الشخصية المعروفة، والتي كانت تدعم الأخوين شول من بلدة أولم، كتب بعد سنوات من نهاية الحرب، ونقل نصوصاً من نشرات " الوردة البيضاء " عن وضوح فكر المجموعة. وقد سبقوا في ذلك سواهم من مجاميع المقاومة، كانت مجموعة الوردة البيضاء قد تحدثت عن الإبادة البشرية، وقد شخصوا وذكروا بدقة القتل الجماعي الذي يتعرض له اليهود .
" أيها الألمان، هل تريدون لكم ولأطفالكم أن تعانون نفس المصير الذي حدث لليهود ؟ ومن هذا يستنتج .. قرروا ذلك بأنفسكم فوراً، مزقوا عباءة اللامبالاة وإلا فأن المصيبة ستحل بكم ".
وكان من بين من أبدى المساعدة في بلدة أولم، إلى جانب فرانتز جوزيف مولر، سوزانا هيرتسل التي تقول : " كنت قد تعرفت على صوفي شول منذ أن كانت في الرابعة عشر من عمرها، وكنا أصدقاء حتى النهاية ".
فرانز جوزيف مولر " كنت قد تعرفت على صوفيا شول وشقيقها هانز شول برؤيتهما، هانز شول كنت قد تعرفت عليه من خلال الشبيبة الهتلرية، ولكنه كان شيئاً آخر ".
سوزانا هبيرتسل " لقد قالت، ينبغي فعل شيئ، وإلا فإني سأكون مذنبة أيضاً، ثم أنها حكت لي أنهم سيطبعون المنشورات، وأنهم سيقومون بتوزيعها ".
فرانتز جوزف مولر " صوفيا شول كانت زميلي صفي في الدراسة وهانز هيرتسل هو من جلب النشرات، وكمية كبيرة منها، من ميونيخ، وسال فيما إذا كان بوسعه أن يوزعها، وهانز سألني فيما إذا كنت سأساعده في ذلك وأشاركه التوزيع، حينئذ قلت له .. نعم كيف وماذا ..!".
فرانز جوزيف مولر كان في ذلك الوقت شاباً في الثامنة عشر من عمره، بحث عن ظروف رسائل من مكتب والده، ثم قام هو وهانز هيرتسل وهو شقيق سوزانا هيرتسل، وأبن لرجل دين (قس) من مدينة أولم، بالبحث عن مكان مناسب يتمكنان فيه من توزيع المنشورات دون خطورة ".
" ثم قال أنهما يستطيعان فعل ذلك بوضع النشرات خلف الاورغن في كنيسة مارتن لوثر. وهناك أيضاً لدينا آلة طباعة قديمة وهو سيقوم بالكتابة وأنا أملي عليه النص، وهنا أيضاً كانت سوزي هيرتسل قدمت مساعدة لنا، وكان لديها كتاب يحتوي على عناوين كانت قد جلبته من شتوتغارت، ولا نعرف كم أعددنا من رسائل، ولكن ينبغي أن أقول بحذر، أنها كانت بضعة مئات ".
" النشرة رقم 4 كانت تضم إحصاءات القتلي، هتلر أو غوبلز، لم يكونا يعرفان كم من القتلى يسقط في روسيا، أنه زمن الحصاد، والحصاد يحمل بعربات القطار، في المدن النائمة، يخيم الحزن على الأكواخ، ولا أحد هنا ليمسح دموع الأمهات ".
" في وقت ستالينغراد، حلت ساعة الحسم ".
يورغن فيتن شتاين عضو جماعة الوردة البيضاء يقول :
" إن القرار الداخلي الذي اتخذناه والذي ناقشاه مع بعضنا بالطبع، أن الأسلوب والطريقة الوحيدة التي يمكن بها إنقاذ ألمانيا، وفيها خسارة للحرب، كان قراراً فضيعاً ولم يكن من السهل اتخاذ هذا القرار.
" النشرة رقم 5 جاءت حين أهتز شعبنا بسقوط. 330,000 الرجال الألمان في ستالينغراد، واهتزت معها الاستراتيجية العبقرية للحرب العالمية التحريرية، وبدون شعور بالمسؤولية والموت والخراب يرددون أيها الزعيم نشكرك ..! ".
نداءات لم تجد صداها ..
وما كانت المجموعة تأمله بعملها ونضالها من التحقق السريع، لم يحدث. فالألمان لم يثوروا ولم ينتفضوا ضد هتلر والنظام النازي، بل واصلوا هتافهم لهتلر، وفي هذا يقول فولفغانغ بينز :
" لم تجد المجموعة نتائج فورية لعملها، ولم يكن لها صدى، ولم تقفز إلى مستوى مقبول، في قلوب زملائهم الطلبة الألمان ".
ومن أجل توسيع نطاق العمل، قام هانز شول وشقيقته صوفي ومناضلين آخرين بكتابة شعارات على جدران مدينة ميونيخ، ولا سيما في محيط جامعة ميونيخ. وكانت شعاراتهم ...
" يسقط هتلر .... هتلر قاتل شعوب ....! الحرية ...!
ومن الفعاليات الأخيرة تلك التي حدثت في شباط ــ فبراير / 1943، طبعت مجموعة الوردة البيضاء نشرتها 6 والأخيرة، طبعت من قبل كورت هوبر، وكان عدد نسخ النشرة 2000 نسخة.
" أيها الشعب الألماني : هل سنواصل المماطلة في مصير جيوشنا ؟ هل نريد نمنح ما تبقى من الشباب الألماني إلى أيادي سلطة منحطة من عصابة الحزب ... لا لن يكون هذا ..!
توزيع النشرات، العمل الخطير
في 18 شباط وزع هانز وشقيقته صوفيا آخر النسخ في المبنى الرئيسي لجامعة ميونيخ. وعن هذا يقول فولفغانغ بنز :
" والنشرة الأخيرة جرى توزيعها خلال أجواء التخوف والترقب داخل قاعات المحاضرات والممرات، وهانز شول وشقيقته صوفي في غمرة الحماس والشجاعة الشبابية، فكرا أن يقذفا ببقية النشرات من الطابق الثاني في باحة الجامعة، وهو ما كان سهلاً على الموظفين والعالمين في الجامعة تجميعها. وقد أغلقت بعد هذه الحادثة كافة أبواب الجامعة. وقد قبض بواب الجامعة القبض على هانز وشقيقته، وسلمهما للبوليس السري (الغيستابو).
وهنا عثر الغستابو على مسودة / نص قد كتبها زميلهم في المجموعة كريسوف بروبست، فالقي القبض على هذا أيضاً، وبعد استجوابات (تحقيق) طويلة اعترفوا بفعاليات المقاومة التي قاموا بها. أمر أدولف هتلر بتقديمهم للمحاكمة. وعين رولاند فرايزلر رئيساً لمحكمة، وقد سافر على التو من برلين إلى ميونيخ في 22 / شباط، ليرأس محكمة الشعب التي افتتحت وبدأت بأعمالها. وكانت لائحة الاتهام تتضمن " خيانة الوطن لمصلحة العدو، والتحضير للخيانة العظمى وإلحاق الضعف بالقوات المسلحة البلاد ". وكان والد ووالدة شول، بين من حضر لمشاهدة جلسات المحكمة. وعن ذلك كتبت شقيقتهم الأخرى أنجي شول، بعد أن أنتهت الحرب :
" وعندما سمع والدي أن محامي الدفاع (عينته المحكمة) قد فشل كلياً وقبل أن تمنح المحكمة والدي الحق، نهض وحاول الدفاع عن أولاده (هانز وصوفي) وهنا قوطعت كلمته، وأمر الحاكم بإخراج والداي من قاعة المحكمة. ".
الحكم صدر : الإعدام بالمقصلة (الجيلوتين)
يقول فولفغانغ بنز : قرار الحكم على أفعال الوردة البيضاء لم يستغرق إلا ساعات قليلة، بعدها اجتمعت هيئة محكمة الشعب، ثم قرأت قرار هيئة الادعاء ولائحة الاتهام كانت قصيرة وغاضبة ومليئة بالشتائم والإهانات. وكان ذلك وأقول حرفياً أنها كانت أقصر مرافعة يمكن القيام بها. وقرار الحكم كان بالطبع أيضاً قوياً وواضحاً وجرى تنفيذه فور قراءة الحكم. وعندما كان الوالدين شول يحاولان العمل على تهيئة محاولة للعفو، في مساء اليوم الذي تمت فيه المرافعة، لم يكونان يعلمان أن ولديهما هانز وصوفي قد تم بالفعل تنفيذ حكم الإعدام بهما. ". (2)
هانز وصوفي شول، وكذلك رفيقهما كريستوف بروبست، توفوا بعد تنفيذ حكم الإعدام فيهم بواسطة المقصلة في السجن الجنائي بمدينة ميونيخ.. كانت أعمارهم على التوالي 21، 23 ، 24 سنة. وكان رولاند فرايسلر السيئ السمعة الذي أشتهر فيما بعد كرئيس للمحكمة التي حكمة على الشبان الثلاثة، مدى الجدية التامة التي كان النظام النازي حيال قضية الوردة البيضاء، والخشية والقلق من أتساع حركة الاحتجاجات ومجموعات المقاومة في صفوف الطلبة. قلق غير ضروري، وهذا ما كتب عنه فولفغانغ بينز :
" بعد صدور الحكم، كان هناك حفل في جامعة ميونيخ، وفيها تم تكريم الحارس الذي أمسك بهانز وصوفي شول، وسلمهم للغستابو (البوليس السري)، وكرم كبطل ورفع الطلاب أذرعهم تحية له. وأمر الطلاب بأن يظهروا اشمئزازهم مما فعله زملائهم السابقين، إذن فهم لم يعودوا طلاباً، وعندما أدينوا وكذلك مدرسيهم والبروفسور كورت هوبر، الذي خلعت مرتبته العلمية (دكتور)، ولقبه العلمي (بروفسور) على الفور. ".
الحلفاء وإذاعة (BBC) تعلق على حركة الوردة البيضاء المقاومة :
كورت هوبر، والكسندر شموريل، وفيلي، أدينوا في محاكمة ثانية أمام محكمة الشعب في نيسان / 1943 في محكمة أخرى، وأعدموا أيضاً. وفي هذه المرافعة جلس أيضاً فرانتز جوزف مولر، وهانز وسوزانا هيرتسل، في قفص الاتهام. وتقول سوزانا هيرتسل :
" لقد اعتقلت في أولم، في شأن له علاقة بأخي هانز، ومن أولم نقلونا معاً إلى مدينة شتوتغارت في سيارة مرسيدس. وفي شتوتغارت جرى التحقيق معنا في مقر للبوليس السري (الغستابو)، ثم جرى نقلنا إلى ميونيخ، ومن ثم وضعت في نفس الزنزانة التي كانت فيها صوفيا شول . ".
المتهمون الثلاثة حكم عليهم بالموت، فيما حكم على فرانتز مولر وهاينز هيرتسل لكل منهما بالسجن لمدة خمسة سنوات. وحكم على سوزانا هيرتسل بالسجن لمدة ستة أشهر.وهذه الدعاوي المرفوعة أمام محكمة الشعب، والأحكام القاسية التي أصدرتها، وانتشار مسألة المنشورات أثارت " اضطرابات محسوسة " بين الناس. كما سجلتها دائرة الشرطة السرية (الغستابو) في ربيع عام 1943. وأهتم الحلفاء ووسائل الإعلام الأجنبية بها، بما في ذلك صحيفة النيويورك تايمس، وإذاعة (BBC) ونقلوا أنباء أعمال المقاومة لمجموعة الوردة البيضاء، وعن ذلك كتب فولفغانغ بينز :
وقد أسقطت طائرات السلاح الجوي البريطاني منشورات جماعة الوردة البيضاء في مناطق الرور (مناطق المناجم والقلب الصناعي الألماني) على مناطق أخرى مكتظة بالسكان. ولكن دون أن تتوصل إلى خلق تأثيرات ودون أن تساهم في رفع درجة العداء ضد النظام النازي وهتلر. والمحاكمات كانت علنية، وتحدث توماس مان في الإذاعة مشيداً „ ببطولة الشباب الرائعين " في إذاعة موجهة إلى المستمعين الألمان وحاثاً الشعب الألماني إلى اعتبارهم أمثلة يقتدون بها.(3)
ولكم لم الرنين لم يحدث صداه، وحركة الأأحتجاج الوردة البيضاء، كانت منارة ولكن دون عواقب.فولفغانغ بينز يكتب :
لماذا عرف وأدرك خمسة طلاب وبروفسور قي جامعة ميونيخ ما لم يكن العالم يريد إدراكه ومعرفته ..؟
والمشاركين في جماعة الوردة البيضاء كانوا مقنتعين أنهم بمنشوراتهم الجميلة، أنها ستؤثر بمن يقرأها، ولكن المرء عندما بنظر للمسألة بدقة ونتائجها، يرى أنها قد فشلت تماماً. والزملاء في الجامعة لم يكونوا يرغبون في معرفة أن جماعة الوردة البيضاء كانت تتصرف بشكل فردي، وبدأ التعرف عليها، ولكنهم واصلوا تصرفهم بذات الطريقة وهو ما لم يكن يقبل به الآخرون ". (4)
بعد سقوط نظام النازي، أصبحت الوردة البيضاء وبسرعة في ألمانيا الاتحادية من أشهر وأهم حركات المقاومة الوطنية الألمانية ضد النظام الهتلري. والرايخ الثالث. ورمزاً لألمانيا أخرى أفضل. فيما جرى تهميش للمقاومين الأصليين للنظام الهتلري النازي وهم بشكل أساسي الحزب الشيوعي الألماني والحزب الاشتراكي الألماني. وما كان توماس مان فد أكده من خلال خطابه في محطة إذاعة (BBC) في حزيران / 1943 " لا ينبغي أن يموتوا عبثاً، يجب أن ننساهم " وهو ما ثبت خلال العقود التالية.
فولفغانغ بينز " في الدولة الألمانية الغربية كان الأخوة شول (هانز وصوفي) وجماعة الوردة البيضاء، المثال والقدوة (مع بعض الصعوبات ووفرة في الرجال) للمجموعة التي قامت بمحاولة 20 / تموز / 1944، والأبطال الأعظم بطولة في المقاومة الألمانية. الوردة البيضاء، بصفة خاصة والأشقاء هانز وصوفي شول حصلوا على المجد مبكراً جداً، وهذا ما يميزهم تقريباً عن سائر منظمات المقاومة. ومصيرهم الذي واجهوه من العدالة النازية البربرية والمنحطة. وهؤلاء كانوا أطفالاً مثاليين قد تلقوا تربية بيتية جيدة، ، وكانت لهم شقيقهم الكبرى التي أخذت على عاتقها مجد شقيقها وشقيقتها ورفاقهم.
تقول إنجي شول " هم لم يكونوا أن يصبحوا أبطلاً ولا شهداء، ارادوا أن يفعلوا شيئاً، شيئاً ما اعتبروه ضرورياً، لقد شعروا أنه لابد أن تكون هناك بداية، ، وهذا يجب أن يفعله أحد ما ... وأن الجموع الشعبية ليست كلها مغفلة ومضللة .. ..!
الهوامش
1. الرايخ الألماني : وترجمة المصطلح " الامبراطورية الثالثة "
الأمبراطورية الألمانية الأولى كانت : النظام الملكي لبيت هوهنتسولرن كانت معروفة بالامبراطورية الألمانية (1871-1918)
والأمبراطورية الألمانية الثانية كانت : الجمهورية الديمقراطية، كانت تعرف بجمهورية فايمار (1919-1933)
والامبراطورية الألمانية الثالثة كانت : الديكتاتورية الشمولية كانت تعرف باسم الرايخ الثالث أو ألمانيا النازية (1933-1945)
2. المقصلة : (سكين حادة ثقيلة تسقط من ارتفاع فتحز رقبة المحكوم وتفصلها عن جسده)
3. توماس مان : أديب ألماني ولد في مدينة لوبك عام 1875 وتوفي عام 1955 في مدينة زيوريخ / سويسرا عام. حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1929
4. يحلل الكاتب فولفغانغ بينز، عمل ونهاية الوردة البيضاء بطريقة لا تتفق مع عمل المقاومة. المقاومة الألمانية هي حركة معارضة للنظام النازي، وفي الأربعينات كان سقوك النظام وأنهياره أمر متوقع، بعد فتح على نفسه جبهات كثيرة، وعادى الكثير من القوى السياسية والاجتماعية داخل ألمانيا نفسها، ونكل بها تنكيلاً دموياً، لا يدع للتراجع مكاناً في سياسته. مجموعة الوردة البيضاء، شبان طلبة يحملون توجهات ليبرالية، أيقنوا أن حريقاً سيبعم بلادهم فهبوا لعمل شيئ، تعوزهم التجربة ولكن لا تعوزهم الوطنية والإخلاص، والأهم الشجاعة للوقوف بوجه نظام دموي. وبتقديرنا أن التجربة لم تفشل تماماً، بدليل أن التاريخ الوطني خلدها، ودخلت في الإرث السياسي والثقافي الألماني، والعالمي أيضاً، بوصفها علامة من علامات نضال الشعب الألماني ضد النازية.
3399 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع