ضرغام الدباغ
المركز العربي الألماني برلين قتل الرهائن و الأسرى
إعدام أم قتل
المراسلات :
Dr. Dergham Al Dabak :
Tel: 0049 - 30 – 66 302 184 / E-Mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
دراسات ـ إعلام ـ معلومات
العدد :
التاريخ : / 8 201
قتل الرهائن والأسرى
إعدام أم قتل ..؟
تمهيد
عندما يفرض المحتل قوانينه، وعدالته، ويخول جنوده الاقتصاص ممن يرفض هذا الاحتلال، وأن يفسر الحوادث والبواعث، ويفرض قانونه، ويكيف مواده حسبما يراه متناسباً مع غرضه الحربي العدواني، ولا يسمح باستئناف القرار وينفذه فور صدوره وقد دقت المشانق مسبقاً أو أن حضيرة الرشق مستعدة وقد ملأت بنادقها بالرصاص، حينئذ يطلق أبسط رجل قانون على هذه الإجراءات عمليات قتل يستحق من أمر بها ومن نفذها أن يمثل أمام المحاكم. (1)
ما يشبه العدالة ليست بعدالة، والقانون هو قانون، لا يحق للقاضي أن يتحمس، أو أن يغضب، أو إن يمثل إرادة المنتصر. المحتل يريد أن يبطش، وأن يظهر القوة والحزم، وأن يرغم السكان على السكينة والرضوخ إرادته، وهذه أفعال لا علاقة لها بالقانون أو العدالة، إنها عملية إملاء إرادة سياسية بوسائل العنف المسلح على دولة أو كيان ، وإرغام السكان على القبول بالأمر الواقع بوسائل الإرهاب والإرغام، وهذه لا علاقة لها بالقانون وأصول المحاكمات الجزائية، وإنما هي أفعال مخالفة لروح القانون الدولي، القوانين الجزائية، ونصوصها.
قتل الأسرى والرهائن ...! تعتبر في فقه القانون جريمة مع سبق الإصرار والترصد. ولا يتيح القانون للدول الغازية، أعتبار المقاومين مجرمين ينبغي محاكمتهم وإنزال العقوبات بهم. فالمقاوم هو أسير حرب، وبمجرد إلقاء القبض عليه، يصبح تحت حماية القانون والمعاهدات الدولية، بوصفه محارب، وقع في الأسر.
ولكن النصوص الواضحة في اتفاقيات الحرب والسلم والأسرى، التي تحرم على من يحقق مع الأسير سؤاله أكثر من أسمه ورتبته ووحدته فقط. وسوى ذلك يضع المحقق تحت طائلة القانون. بيد أن هناك دول تعتبر الأسير غنيمة حرب وتتصرف به، فتعاقبه جسدياً، لدرجة الإعدام، وتسيئ معاملته لدرجة أنها تطلب منه أن ينظم إليها في مقاتلة بلاده، وغيرها من أبتزاز وعمليات غسل دماغ، ومحاولة تحويل السجناء إلى جواسيس، وخونة لأوطانهم.
هذه الأفعال في نهاية المطاف تندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة، والفقه المتعلق بهذه الأفعال يشهد تطوراً، ولا سيما بعد محكمات نورمبرغ لمجرمي النظام النازي في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وفي هذه المحاكمة، رفض المحكمة قبول ذريعة تؤدي لرفع المسؤولية الجنائية عن عسكريين أو مدنيين يرتكبون أفعالاً مخالفة للقانون بذريعة " أمرني رؤسائي "، وعدم القبول بها. والأساس في التفسير هو أن لا ينبغي على كل فرد القيام بفعل مخالف للقانون لأن رؤساؤه أمروه بذلك. وقد مارس مثل هذه المخالفات القانونية العدو الصهيوني، ومارست إيران أضعاف ذلك في معتقلات الأسر، وكذلك جيش الولايات المتحدة في معتقلاته السرية والعلنية. ولا يزال عار معتقل غوانتنامو وسجله القانوني مفتوحاً.
وهنا نترجم مقالاً مهماً عن مجزرة شهدتها بلدة صربية (بانكيفو) في نيسان / 1941، إذا قامت القوات الألمانية بأخذ رهائن وانتقمت عشوائياً بقتل أشخاص مدنيين، رجالاً ونساء، فأرتكببت جريمة أخذ الرهائن، وقتل مواطنين أبرياء. هذا المقال وغيره، هو لوعي الناس وثقافتهم السياسية والقانونية. الشعوب تسجل بدقة، وسيأتي يوم الحساب إن قريباً أو بعيداً.
أن القانون وأداؤه السليم يفترض وجود هيئات قضائية نزيهة، وتطبيق أحكام ثقيلة يستحيل إعادة النظر بها كأحكام الإعدام، بعد تنفيذ الحكم، وأن تكون الجهة المولجة بتطبيق القانون الذي يتوخى العدالة، مراعياً للظروف وسائر اعتبارات القضية، وإلا فإن أفعالهم لا تغطيها شكلية قانونية، وستقدم للعدالة إن عاجلاً أو آجلاً.وجرائم الحرب والإبادة البشرية لا تسقط بالتقادم، وعقوبتها الأدبية والاخلاقية تفوق قوتها الجنائية.
ضرغام الدباغ
(نصب ضحايا مجزرة بانكيفو)
بانكيفو ... إعدام أم قتل
تحرير : أرنولف شريبا : مارس / 2011 ــ 2016 Arnulf Schriba
المتحف التاريخي الألماني / برلين ــــــــ Deutsches Historisches Meseum, Berlin
ترجمة : ضرغام الدباغ
ـــــــــ
في نهاية مارس 1941 حدث انقلاب في العاصمة اليوغسلافية بلغراد، أسقط الانقلاب الحكومة اليوغسلافية الصديقة لألمانيا النازية. وبغية تأمين منطقة النفوذ الألمانية في منطقة البلقان، قررت القيادة الألمانية تمديد حملتها إلى اليونان وتوسيع نطاقها لتشمل يوغسلافيا أيضاً. الهجوم بدأ يوم 6 / نيسان ــ ابريل / 1941 بقصف العاصمة بلغراد، وبعد عشرة أيام أستسلم الجيش البوغسلافي. وصاحب احتلال الجيش الألماني ليوغسلافيا الكثير من الممارسات والارتكابات الفضيعة الوحشية إزاء السكان المدنيين، ومن هذا ما أصاب مدينة بانكيفو (Pancevo) القريبة من بلغراد.
وإلى جانب الصرب والهنغار، كان يعيش في مدينة بانكيفو العديد مما يطلق عليهم الألمان الشعبيون، الذين قاموا بتحية الجيش الألماني عندما أحتل مدينتهم بتاريخ 11 / نيسان / 1941. وقبل الاحتلال مباشرة، كان أحد أفراد الجالية الألمانية الشعبية قد قتل، وقبلها كان ثمانية من الألمان قد قتلوا على يد جنود من الجيش اليوغسلافي. وفي ليلة 20ــ21 / نيسان، قتل جندي ألماني بالقرب من مقبرة المدينة (2).
وأعقب ذلك أصابة جندي آخر بجرح شديد خلال تبادل إطلاق نار، برصاصة اخترقت رئته، قام على أثرها جنود الجيش الألماني وخاصة جنود فرقة (SS) بتفتيش مساكن البلدة والقيام باعتقالات عشوائية للسكان المدنيين ممن هم في سن الخدمة العسكرية.
وفي التحقيقات التي أجريت في أعقاب أعمال التفتيش والأعتقال، للرجل أو الرجال المشتركين بإطلاق النار على الجنود الألمان من فرقة ال (SS)، لم يتم التثبت عن الفاعل من بين 100 رجل أعتقلوا بهذه التهمة. ولكن المقدم فرتز بانديلو القائد العسكري لمدينة بانكيفو لم يكن ليشأ أن تمضي هذه الحادثة دون أن يؤكد بما لا يقبل الشك، أن لا فرصة أو أمكانية لقيام مقاومة في البلدة ويدفنها في مهدها، بحيث يجعلهم يكفرون عن مقتل الجندي الألماني(SS) والثمانية من الألمان الشعبيين.(3)
وبناء على أوامر المقدم بانديلو، أتخذ القاضي رودولف هوفمان التابع لقوات ال (SS) الذي تولى رئاسة محكمة ميدانية في 21 / نيسان، وقضت بإدانة 4 من الصرب الذين تم تشخيصهم وتسميتهم من قبل الألمان الشعبيين (الذين اتخذوا موقف المتعاون مع المحتل) فأعتبروهم عناصر مقاومة، أو بحيازة أسلحة ممنوعة، بما في ذلك اعتبرت السيوف والسكاكين أسلحة، وصدر الأحكام بإعدامهم وتم تنفيذ الحكم بالمتهمين الأربعة فوراً يوم 21 / نيسان.
في اليوم التالي، أنزل القاضي هوفمان حكم الاعدام على 31 رجل وإمرأة اختيروا عشوائياً (لا على التعين)، زعموا كذلك أنهم من المقاومين، وأتهموا بحيازة "أسلحة "غير مصرح بها واعتبروا مذنبين وأدينوا بها. وفي جلسة الاستماع، حرم المدعي العام المتهمين في فرصة الدفاع عن أنفسهم، والمحاكمة الشكلية كانت يوم 22 / نيسان أنعقدت في ذات المكان الذي حدثت فيه الحادثة التي حدثت ضد الجندي الألماني من وحدات (SS)، وجرى إطلاق النار على 14 رجلاً صفوا على جدار المقبرة، وجرى قتلهم من قبل جنود فوج المشاة من الجيش الألماني المتمركز في بلدة بانكيفو المسماة " ألمانيا العظمى "، كما جرى شنق 17 رجل وإمرأة في داخل المقبرة نفسها، وكانت تهدف أساساً إلى قمع إرادة السكان وإصابتهم بالرعب.(3)
وكان من بين العديد ممن شهدوا ماحدث في بانكيفو، المصور الفوتوغرافي الألماني غيرهارد غرونفيلد (1911-2000)، الذي شارك كمحرر خاص في حملات البلقان وبالصور التي ألتقطها، في مجلة الجيش الألماني „ الإشارة ــ Signal ".
وفي سلسلة الصور التي التقطها التي تبلغ أكثر من 50 صورة، وثق بها الأحداث التي جرت في هذه المدينة الصربية. ولكن المصور غرونفيلد لم يسلم الصور التي التقطها للجهة الدعائية / الإعلامية التي كانت تستخدمه، بل قام بإخفاءها، التي لم تنشر في حقبة العصر النازي، وربما تكون قد أبيدت.
وبعد سنوات على نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الأحداث التي جرت في مدينة بانكيفو تظهر، وقررغرونفيلد أن ينشر الصور ويجعلها متاحة للجمهور مشاهدة ذلك الجندي الذي يطلق طلقة الرحمة على الضحايا على جدار المقبرة، صارت اليوم رمزاً للإجرام الألماني خلال الحرب العالمية الثانية.
كيف ينظر القانون الدولي إلى ما حدث في بانكيفو ..؟ إعدام أم جرائم قتل، هذا السؤال ما يزال يطرحه الناس وسيما في ألمانيا وفي صربيا. والقضية التي جرت مرافعاتها أما القضاء الألماني عام 1965، ضد فوج المشاة من الجيش الألماني (ألمانيا العظمى) حسمت عام 1973 بأنها كانت خطأ (unrecht)..! مثلها مثل الكثير من الدعاوي.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(صورة الغلاف: اللقطة الشهيرة، جندي ألماني يطلق طلقة الرحمة على الضحايا / بانكيفو )
الهوامش
1. حضيرة الرشق : الجنود المكلفين بإجراء الاعدام رمياً بالرصاص.
2. الألمان الشعبيون (Volksdeutsche) : هم الأقليات الألمانية التي تعيش في البلدان المجاورة، وأطلق على كل ألماني يعيش خارج حدود ألمانيا والنمسا.
3. يعمد الكاتب في كثير من الأحيان تجنب عبارة " الجيش الألماني " فيكتب بدلاً عنها " جيش الدفاع " (Wehrmacht) ولواقع كان أسم الجيش الألماني الرسمي.
1133 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع