شيخ المؤرخين العراقيين حسين أمين إلى رحمة الله

                                           

        إعداد وتجميع:صديق الگاردينيا الدائم

  

 

يبدو أن قدر العراق اليوم أن يفقد علمائه ومفكريه الواحد تلو الآخر، وهم بعيدون عن أرض الوطن بسبب فقدان الأمن وتردي الأوضاع في البلاد التي اضطرت خيرة كفاءات العراق على الهجرة وانتظار مصيرهم المحتوم خارج البلاد. فقد توفي الأحد 24 آذار 2013، شيخ المؤرخين العراقيين العلامة حسين أمين في أحدى مستشفيات العاصمة الاردنية عمان.

وجاء في بيان للأمانة العامة لمجلس الوزراء نعي المؤرخ الراحل، وأنه قد تم التوجيه إلى وزارة النقل العراقية بنقل جثمانه الى بغداد لغرض تنظيم استقبال وتشييع رسميين، وذكر البيان بأن الفقيد كان "واحدا من ألمع المؤرخين العراقيين وأكثرهم تأليفا".
والمعروف عن فقيد العراق الراحل أن تشاطه لم يقتصر على المجال الأكاديمي، بل إمتد الى العمل الاعلامي في كل اشكاله المرئي والمسموع والمقروء من ستينيات الى نهاية تسعينات القرن الماضي. فقد أشتهر بين الشعب من خلال تقديمه برنامج (الثقافة في أسبوع) أوائل الستينات مع رفيقيه الراحل المرحوم د مصطفى جواد والعلامة سالم الآلوسي (أطال الله في عمره).
كما يعد أمين أول رئيس للجمعية التاريخية العراقية تأسست سنة 1969، والامين العام الاول لاتحاد المؤرخين العرب سنة 1974، وأول عراقي يتولى رئاسة قسم الدراسات التاريخية في مركز البحوث والدراسات العربية في جامعة الدول العربية في عام 1987. وكان اول رئيس تحرير للمجلة التاريخية التي أسست العام 1969.
ولادته وحياته:
ولد الدكتور حسين أمين عبدالمجيد القيسي في محلة الطوب ببغداد عام 1925، واكمل المراحل الاولى من دراسته فيها ثم التحق بجامعة الاسكندرية وحصل منها على شهادة الماجستير العام 1958، ثم على شهادة الدكتوراه. ونال الراحل جائزة تقديرية للجهود التي تميز بها من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
درس المرحلة الابتدائية في المدرسة المأمونية ابتداء من عام 1931، وتابع دراسته في المتوسطة الغربية، ثم الثانوية المركزية عام 1941، انخرط في صفوف دار المعلمين الابتدائية القسم العالي، ثم في مدرسة تطبيقات دار المعلمين الابتدائية. التحق بجامعة الاسكندرية وحصل منها على الماجستير عام 1958 بتقدير، وهو اول طالب عربي يحصل من هذه الجامعة على الدكتوراه وينال جائزة تقديرية من لدن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
مؤلفاته:
الف مجموعة من الكتب منها المدرسة المستنصرية بغداد 1960، الامام الغزالي بغداد 1963، تاريخ العراق في العصر السلجوقي بغداد 1965، شط العرب ووضعه التاريخي بغداد 1981، القدس وعلاقتها ببعض المدن والعواصم الاسلامية بغداد 1988، زرقاء اليمامة بغداد 1988. وحقق مقدمة في التصوف السلمي بغداد 1984،
أبحاثه:
وله فضلاً عن ذلك المئات من البحوث والمقالات المنشورة في المجلات العربية والعراقية، اضافة الى مؤلفات مخطوطة. اشتهر كوجه تلفزيوني في الستينيات من القرن الماضي حيث قدم برنامج ثقافي تاريخي باسم (الثقافة في اسبوع).
 نشاطه السياسي:
اول نشاط سياسي له وهو في المتوسطة حيث قام ومجموعة من الاصدقاء بتوزيع منشور يندد بقتل الملك غازي عام 1939 وقد احيل على اثرها الى المحكمة العرفية التي حكمت عليهم بالغرامة او السجن.
اما ثاني اكبر نشاط سياسي له فهو اختياره ضابطاً للارتباط بين الضباط الاحرار قبل 14 تموز 1958 والرئيس الراحل عبد الناصر بواسطة الليثي عبد الناصر زميله في الدراسة.
في الإعلام:
كان الاستاذ الدكتور حسين أمين مؤرخا جيدا وباحثا ممتازا ووجها إذاعيا وتلفزيونيا .. اشتهر بين الناس لكثرة ما كان يقدمه من برامج في التاريخ والتراث .
علاقتي بالراحل:
ارتبطت مع المرحوم الأستاذ الدكتور حسين أمين بروابط التلمذة والمحبة والزمالة والصداقة والمشاركة في عضوية الكثير من اللجان والأنشطة من بينها لجنة الاعداد لفعاليات يوم تاسيس بغداد عام 1996 والمواسم الثقافية والندوات المشتركة.
حرص المرحوم على إعادة تأسيس (الجمعية التاريخية العراقية) بعد الاحتلال في التاسع من نيسان 2003 وقد جرت الانتخابات وفاز الدكتور أمين برئاستها وقد أرسلت له رسالة قدمت فيها تهنئتي له .
كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي بضعة اسطر في (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) ، الجزء الأول ، والتي نشرتها دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1995 فقال : ((إن الدكتور حسين أمين من مواليد محلة الطوب قرب الباب المعظم ببغداد سنة 1925، وهذه المحلة مجاورة لأحد أبواب بغداد العباسية وهو باب السلطان والذي صار فيما بعد يسمى بالباب المعظم . درس في ( المأمونية الابتدائية) وفي (المتوسطة الغربية) وفي هذه المدرسة بدأ هو وزملائه في تكوين جمعية ثقافية وطنية باسم (جمعية الشبيبة العربية) . وفي سنة 1939 واثر مقتل الملك غازي رحمه الله ( نيسان 1939) ، قام هو بقيادة تظاهرة كبيرة ، دعت الشعب إلى الثورة ضد الحكومة المتواطئة مع الأجنبي في قتل الملك غازي . وقد اعتقل وعدد من زملائه وقدم إلى المجلس العرفي الذي حكم عليهم بدفع غرامة مالية .
تخرج في الثانوية المركزية ، ودخل دار المعلمين الابتدائية سنة 1945، وبعدها سافر إلى الإسكندرية بمصر لإكمال دراسته وقد حصل على الليسانس والماجستير والدكتوراه سنة 1962 وكان أول عراقي ينال الدكتوراه من جامعة الإسكندرية في التاريخ الإسلامي وأول عربي يحصل على الجائزة التقديرية من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .
أسس الدكتور حسين أمين ( الجمعية التاريخية العراقية) وأصبح رئيسا لها منذ بداية السبعينات من القرن الماضي ، ثم انتخب أول أمين عام لاتحاد المؤرخين العرب . قدم أكثر من 650 حديثا للإذاعة في قضايا التراث والتاريخ . كما شارك في مؤتمرات تاريخية عراقية وعربية وأجنبية عديدة . وهو عضو في الجمعية التاريخية الدولية ومقرها باريس . وقد كانت له صلات وثيقة بالكثير من المؤسسات الثقافية العربية والعالمية ..
وقد اختارته جامعة مارتن لوثر بألمانيا سنة 1970 ليكون أستاذا زائرا فيها . وقد ألقى كذلك محاضرات عامة في جامعات عديدة ، منها جامعات اكسفورد وكمبرج وادنبرة وبرلين وميونيخ وفرانكفورت ومدريد وبراغ وليبزغ . وقد تركزت محاضراته حول التعليم الإسلامي والمؤسسات الجامعية العربية وجوانب من الحضارة العربية والإسلامية .
من مؤلفاته :
 1 . تاريخ العراق في العصر السلجوقي.
 2 . الغزالي فقيها.
 3 . المدرسة المستنصرية.
4 . تاريخ التربية والتعليم في الإسلام.
5 . في التاريخ الإسلامي.
6 . التصوف الاسلامي.
هذا فضلا عن مئات البحوث والدراسات والمقالات المنشورة في مجلات علمية رصينة . كما ترجم كتبا من لغات أجنبية إلى اللغة العربية ومن ذلك ترجمته كتاب (( العراضة في الحكاية السلجوقية)) الذي ألفه الوزير محمد بن محمد الحسين اليزدي المتوفي سنة 743هـ (1342م) .
كان يتحدث عن فلسفته فيقول انه ينتهل كل راي مصيب لأي إنسان و((الاصطفاء لما أرى من أخلاقه الفاضلة ، فان اللؤلؤة الناردة والغالية لاتهان لهوان غائصها الذي استخرجها من قاع البحر )) .
ضيفته جريدة الثورة (البغدادية) بعددها الصادر في الثاني من تموز سنة 2000 قائلة عنه : (( بأنه المؤرخ الذي لم يخرج من صومعة التاريخ منذ 70 عاما )) وعندما سأله السيد جمال الاسدي عن ماذا يحرص عند الكتابة قال : (( احرص على إبراز تراثنا العربي الخالد ، وان اجعل الحضارة العربية وحياة المجتمع العربي الأساس الذي يدور عليه التاريخ ، واحرص على أن اجعل القاريء يتذوق هذا الحاضر بعد أن أقدم له صورا من تراث الآباء والأجداد ، واظهر وحدة الأمة العربية واصالة الروابط بين ابناء الشعب العربي في جميع العصور التاريخية ، برغم تعدد حكوماتها واختلاف التوجهات السياسية لكل منها وبهذا أكون عامل توفيق لا عامل تفريق ، ويمكن بهذا أن أكون مصلحا أكثر مني رافضا أو ثائرا..))
وفي جوابه على سؤال يتعلق بالدرس الذي استفاده من دراسة التاريخ قال : (( منذ ان بدأت بتعليم ودراسة التاريخ بحدود 1933 ، وحتى اليوم (2000) ، تعرفت على الانسان منذ ظهوره وتطوره ، وتعرفت على شخصيات متعددة في مختلف طبائعها وميولها وعقائدها ، وتعرفت على أصحاب المباديء والمعتقدات وغير ذلك المواضيع التاريخية ، التي ستمنحني الصبر وبالتالي في اتخاذ القرار . كما علمتني دراساتي التاريخية معنى المواطنة ومعنى الدفاع عن الوطن ، والإقتداء بالمصلحين )) .
والتاريخ عند الأستاذ الدكتور حسين أمين ، سيد العلوم ، وفي هذا المجال يقول انه يكفي التاريخ انه يؤرخ لكل العلوم ولكل صنوف المعرفة فهو سجل للحوارات التي أثرت في حياة الإنسان ،   وهو يعني أيضا بتوضيح العلاقة السببية بين السابق واللاحق من الحوادث الاجتماعية ..
وبهذا المعنى فان التاريخ بنظر الدكتور أمين ، ((هو الذي يلهمنا كيف نواجه الإحداث ، ونتعامل مع ألازمات )) .
الفرق بين المؤرخ والسياسي:
وحول الفرق بين (المؤرخ) و(السياسي) يقول الدكتور حسين أمين ، بأننا اذا كنا نؤمن بان التاريخ كما يقول المؤرخ البريطاني سيلي ، سياسة ماضية ، وان السياسة تاريخ حاضر ، فان المؤرخ هو الذي ينظر إلى الماضي ويتعرض للحاضر كنتيجة ، أي انه يحلل الماضي ليتنبأ بالحاضر وعندها تكون السياسة تحليلا لحاضر يساعدنا في التنبؤء بالمستقبل ومن كل الوجوه يكون المؤرخ هو الذي يخلق السياسة ..
موقفه من التراث:
وبشأن موقفه من التراث ، فان الدكتور حسين أمين يؤكد ((بان التراث ليس فقط هو ما متواجد في المتاحف او المخازن ، إنما هذا التراث يتجدد ويتطور بما نبذل نحن من جهود مخلصة من اجل الحفاظ عليه .. والاعتبار به وتجديده بالشكل الذي يليق وتاريخ امتنا الخالد )) .
وقد تحدث كثيرا حول هذا الموضوع في حوار أجراه معه الأستاذ جمعة عبد الصبور ونشره في مجلة الثقافة العربية (الليبية) ، السنة (6) العدد (3) ، مارس ـ اذار 1979 وقال ان الباحثين ، عربا وأجانب ، وضعوا أيديهم على كنز هائل من التراث الفكري العربي والإسلامي والذي هو حصيلة ضخمة وكبيرة ونافعة لمسيرة وديمومة حياتها من اجل الغد الأفضل .. ومن واجب المؤرخين التأكيد بان التراث ليس شيئا جامدا ولابد من استلهامه واستحضار جوانبه الناصعة وتقديمها لأجيالنا الصاعدة وحينما سأله المحاور عن سبب اهتمامه بالفيلسوف والإمام الغزالي حتى انه حقق كتاب ( المقدمة في التصوف) للإمام ابي عبد الرحمن السلمي البغدادي المتوفى سنة (12 هجرية / 1021م) قال بان الغزالي بدأ شاكا ورافضا ثم انتهى متصوفا وقد أعجبت به لهذا فان ((اتجاهي ثوري .. ولكن أميل للتصوف !!))
وقد أكد الدكتور حسين أمين بان العرب أجادوا كتابة التاريخ ، وبخاصة في كتابة المعاجم ، والتاريخ المرتب على حوادث السنين (الحوليات) وقبل أن يظهر ابن خلدون ، ظهر مؤرخون عرب ثقاة ، فنحن نعتبرهم الرواد الأوائل في التقصي والبحث العلمي المجرد ومن هؤلاء الطبري والبلاذري والمسعودي وابن الاثير .. الذين كتبوا تاريخ الأمة منذ نشأتها وأضاف (( الصحيح ان بعضهم كان يعمل على سرد الحوادث ولكن الصفة الواضحة .. انه كان يقدم تلك المادة بأمانة ونزاهة .. وظهر ابن خلدون بعدهم .. فجاء بطريقته العلمية .. وبنظرته الموضوعية .. حيث ربط حدوث بعض الحوادث بمسببات قد تكون اقتصادية .. او طبيعية )) . وقد اثبت العرب ان ما كتبه مؤرخوهم يتميز بالاصالة .. فهم لم يكونوا عالة على غيرهم ..
كان الأستاذ الدكتور حسين أمين يؤكد باستمرار (( أولا نحن عرب بالدرجة الأولى .. أصالتنا عربية .. ولكننا نؤمن بالإسلام ..لأنه ديننا ومعتقدنا .. والجزيرة العربية او الوطن العربي هو عربي بالأصل .. ثم جاء الإسلام فوحد تفكيرنا وهذب نفوسنا .. والعرب مادة الإسلام والتفريق بين العروبة والإسلام هو عمل صعب ...)) .
كان الدكتور حسين أمين يؤمن بان على المؤرخ ان يمارس دورا فاعلا في بناء نهضة أمته ، لذلك بذل خلال السنوات الأربعين الماضية جهودا حثيثة لجمع المؤرخين العراقيين (في الجمعية التاريخية العراقية ) والمؤرخين العرب ( في اتحاد المؤرخين العرب) ، وقد كان وراء عقد الكثير من الندوات والمؤتمرات التاريخية في عدد من البلدان العربية وكان همه الكبير هو دراسة الأوضاع العربية الراهنة ومعرفة موقف المؤرخين منها .. وقد جاء موقفه هذا مبنيا على فكرة ملخصها : (( إن المؤرخ هو المفكر القادر على تقويم الوضع العربي الماضي والراهن بأسلوب علمي ورؤية معاصرة نابعة من إيماننا القومي )) .
رحم الله فقيد العراق والأمة والإنسانية، المرحوم الأستاذ الدكتور حسين أمين علامة العراق وشيخ المؤرخين العرب الذي توفي بتاريخ 24/3/2013 في العاصمة الاردنية .
مصادر الموضوع:
·الأستاذ إبراهيم خليل العلاف: (موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين ) تنشرها مجلة علوم انسانية .

الدكتور جمال الدين فالح: (حسين امين مؤرخا) مجلة الديار اللندنية ، 2012 .
أ. جمعة عبدالصبور (حوار مع حسين أمين) مجلة الثقافة العربية، ليبيا ع 3 مارس 1979.
حميد المطبعي: (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) دار الشؤون الثقافية العامة ج/1 1999.
موسوعة الويكبيديا شبكة الأنترنيت.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1141 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع