علي المسعود
هل باتت السياسة تسيّر الرياضة وتتحكم في مفاصلها؟
الرياضة والسياسة من المتلازمات التي لا تستطيع لفصلها سبيلا رغم ما يقال عن المحاولات من قبل الاتحادات الرياضية بضرورة إبعاد الرياضة عن تأثيرات السياسيين وعدم إقحامها في الخلافات السياسية والصراعات الإيديولوجية. وتأتي دورات كأس العالم لكرة القدم لتثبت كلّ مرّة تقريبا هذا التداخل بين السياسة والرياضة، سواء على مستوى الاستغلال السياسي لهذه التظاهرة داخليا وخارجيا أو على مستوى ما يخيّم على المنافسات من دورة إلى أخرى، من خلال الصراعات بين الدّول أو الأقطاب .
إن العلاقة بين الرياضة والسياسة قديمة حيث حصلت أحداث عديدة عكست تأثير الواقع السياسي على عالم الرياضة أو العكس أحيانا. فبسبب الحربين العالميتين التين جدتا خلال القرن العشرون تعطلت بطولة كأس العالم والألعاب الأولمبية واتّهم موسليني سنة 1934 باستغلال استضافة بلاده إيطاليا لكأس العالم من أجل الدعاية لنظامه الامر الذي فعله هتلر أيضا خلال أولمبياد برلين 1938. ولطالما كانت الرياضة عاملا من عوامل التأثير على القرارات السياسية المحلية والدولية .
يقول الروائي الامريكي ( بول أوستر ) :
(البلدان اليوم تخوض حروبها في ملاعب كرة القدم، بجنود يرتدون السروال القصير. والمفترض أن هذه لعبة، وأن التسلية هي هدفها. غير أن الذاكرة الخفية لتناحرات الماضي تخيم على كل مباراة، وكلما سُجّل هدف ترددت أصداء الانتصارات والهزائم القديمة ).
"منذ أن كُتب للرياضة أن تتواجد على هذه البسيطة ظلت دائما مختلطة بالسياسة، وبالتالي فقد كنا دائما أمام تسييس الرياضة أو ترييض السياسة"، هكذا يصف الدكتور منصف اليازغي، الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية، العلاقة التاريخية التي تجمع بين السياسة والرياضة .
"فمنذ عهد الرومان والإغريق كان ينظر للأبطال المتوّجين على أنهم مصدر فخر للأمة الرومانية والإغريقية.. وقبل سنوات فقد استخدمت الرياضة كواحدة من أسلحة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي"، يقول اليازغي. وهو بذلك يشير إلى دعوة الولايات المتحدة المعسكر الرأسمالي إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية في موسكو لعام 1980 وذلك للاحتجاج على التدخل السوفياتي في أفغانستان، فيما ردت 14 دولة محسوبة على المعسكر الشرقي بمقاطعة الألعاب الأولمبية لعام 1984 والتي أقيمت في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية .
الحقيقة التي لا يمكن أن تنكر هو أنّ مسابقة كأس العالم ولدت سياسية، رغم المعاني الإنسانية الســـامية التي رغــب جول ريمي، مؤسّس المسابقة، أن يضفيها على هذه التّظاهرة.فمنذ الدّورات الأولى أطلّت السياسة برأسها، وتحوّلت كأس العالم بسرعة إلى فضاء تنعكس فيه صراعات السياسة فتلقي بظلالها على الملاعب بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، كما يبيّنه هذا العرض الموجز لما اخترق عددا من دورات كأس العالم من أحداث ذات صبغة سياسية :
في روما 1934: كانت هذه الدورة مناسبة لموسوليني لإقامة دعاية سافرة لنظامه الفاشي وللفاشية، كما سيفعل بعده بالنسبة إلى النازية أدولف هتلر في الألعاب الأولمبية لعام 1936 ببرلين
في فرنسا 1938: بطلب من هتلر، حرم المنتخب النمساوي من المشاركة بسبب ضمّ النمسا إلى ألمانيا النازية عنوة.
في البرازيل 1950: منعت ألمانيا من المشاركة في التّصفيات بسبب ماضيهما في الحرب العالمية الثانية (1939-1945). لكنّ الألمان سيثأرون لأنفسهم في دورة 1954 (سويسرا) ويرفعون الكأس، معيدين الاعتبار إلى ألمانيا المهزومة !!
في المكسيك 1970: رفضت كوريا الشمالية مقابلة إسرائيل وانسحبت من التصفيات الأوّلية
في ألمانيا 1974: رفض الاتحاد السوفياتي اللعب مع الشيلي على أرضه في مقابلة الإياب في مرحلة التاهيل للنّهائيات، وذلك لمعارضتها لنظام الجنرال « أوغستو بينوشيه » الذي أطاح بحليف الاتّحاد السوفياتي، «سالفادور أليندي». وفي دورة المانيا 1974 كذلك، شكّل الانتصار المفاجئ لألمانيا الشرقية على جارتها الغربية في برلين (1-0) نوعا من انتصار المعسكر الشرقي على المعسكر الغربي في نظر حكّام المانيا الشّرقية وحلفائها .
يعتبرمونديال الأرجنتين 78 النموذج الأسوأ لزواج السياسة والرياضة تظل ذكريات كل نسخة من بطولة كأس العالم لكرة القدم عالقة في أذهان كل عاشق للعبة الشعبية الأولى، بتفاصيلها ومبارياتها، بنجومها وأهدافها, لأنها حاجة إلى الفرح والسعادة التي لا تمنحها له مجالات أخرى
في سنة 1976 م الجنرال خورخي فيديلا قاد أنقلاب في الأرجنتين مدعوما من الولايات المتحدة الأمريكية علي إيزابيل بيرون وقاد حركة قمع رهيبة قتل فيها حوالي 30 ألف مواطن أرجنتيني، الأغتصاب و القتل و الأختفاء و التعذيب علي يد الجيش والشرطة كان هو حياة المواطن الأرجنتيني اليومية وطبعاً أنتشر مع هذا الكساد و التضخم و الفقر الشعب الأرجنتيني تحول لشعب فقير مقموع مقهور لكن النظام الديكتاتوري في وسط كل هذا رأى إنه لايجد أمامه إلا الرياضة و بالتحديد كاس العالم 1978 م إن يكون الأداة التي يجمل بها صورته ويلهي بها الشعب وإنه لابد من فوز المنتخب الأرجنتين بالكأس تحت أى ظرف , وبدأ النظام خطته فعلاً برشوة الفيفا بكل قيادتها من أول رئيس الاتحاد الدولي حينها البرازيلي جواو هافيلانج لدرجة إنه في شهادة لأحد من المعتقلين في هذه الفترة قال إن السجون كانت مزدحمة ولا يوجد بها مكان فكان يتم أحتجاز المسجونين السياسين في ملاعب كرة القدم وتعذيبهم فيها وإنه كان تأتى زيارات من الفيفا للملاعب وتشاهد هذا التعذيب وكان تعليقهم الوحيد هو إنه لابد من نقل السجناء من الملاعب قبل أن تبد, بعد رشوة الفيفا جاء التخلص من المنافسين وقتها كانت هولندا بقيادة يوهان كرويف هي الأقوي في العالم وكرويف هو أفضل لاعب في العالم . فماذا فعل نظام فيدلا ؟
بعث رجال المخابرات لمنزل كرويف في برشلونة وقاموا بتهديد كرويف وهم موجهين السلاح لأبنائه إنه لو شارك مع منتخب هولندا في كاس العالم سوف يقتلوه هو وأبنائه وفعلا كرويف خاف من التهديد وأعلن أعتذاره عن المشاركة في كاس العالم!
في هذه الفترة بدأت تنتشر أخبار هذه القصة وغيرها من قصص التعذيب والقتل وطلبت الصحافة في أوروبا بنقل كاس العالم من الأرجنتين لكن الفاسد هافيلانج رفض النقل وبدأ كاس العالم وبدأت مهازل من نوع جديد.
وأكبر فضيحة حدثت في دور الثمانية اللعب من مجموعتين كل مجموعه 4 فرق و الأول من كل مجموعة يصل للمبارة النهائية و الثاني يلعب ع الثالث و الرابع ووقعت الأرجنتين و البرازيل في مجموعة واحدة والبرازيل فازت على بولندا وصعدت الى المركز الأول بفارق 5 أهداف وهنا مطلوب من الأرجنتين أنها تفوز على البيرو 6-0 لأجل أن تصل للمبارة النهائية , وفعلآ حكومة الديكتاتور في
الأرجنتين هددت البيرو بسجناء عندها سيتم أعدامهم وأيضآ بالحرب على البيرو في حالة عدم فوزهم بستة اهداف وبالفعل إنتهت المباراة بالنتيجة ( 6-0
مع ترغيب حيث قيل إنّ جنرالات البلدين اتفقوا على تلك النتيجة مقابل تسليم بيرو شحنة ضخمة من القمح تقدر بـ 35 ألف طن، وإعطاء رشاوي للاعبين بقيمة 50 مليون دولار، حيث كانت الأرجنتين في حاجة للفوز بأكثر من أربعة أهداف لتخطي البرازيل بفارق الأهداف والتأهل للنهائي وأكدت بعض الشهادات وجود الديكتاتور فيديلا برفقة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر داخل غرف ملابس لاعبي بيرو للاتفاق على الصفقة حيث كانت الولايات المتحدة تدعم الانقلاب العسكري الأرجنتيني وفعلا صدرت الأوامر للبيرو إنها تخسر وفعلآ خسرت البيرو 6-0 في مبارة فضيحة
وصل المنتخب الأرجنتيني للنهائي ووصل المنتخب الهولندي بالرغم من غياب كرويف كان منتخب قوي وأستطاع أن يصل للنهائي و هنا لن يستطيعوا أن يهددوا حكومة هولندا فتم التهديد عن طريق التحكيم في واحدة من أكبر فضائح التحكيم في نهائي الفيفا بداية من تأخير نزول لاعبين الارجنتين للملعب للمشكلة والتراشق بالألفاظ قبل المبارة مع ريني فان دي كركوف لاعب هولندا للمجاملة في كل لمسة في المبارة هدف الأرجنتين الأول بدايته فاول على لاعب الارجنتين هدف الارجنتين التاني والثالث ( أهداف هاند بول ) نتيجة المباراة الأرجنتين هولندا 3-1 وتفوز الأرجنتين بكاس العالم ويرفض منتخب هولندا إن يستلم الميدليات الفضية بسبب الفضيحة الي شهدتها المباراة
كسبت الأرجنتين كاس العالم و الديكتاتور خورخه فيديلا كسب ماذا ؟
كسب ثلاث سنوات زيادة في حكمة, كتير من المحللين السياسين أجمعوا إنه لولا فوز الأرجنتين بكاس
العالم 1978م لما أستطاع فيديلا أن يستمر في الحكم لسنة 1981م إلي حرب الفوكلاند كانت نهايته
فيديلا أستطاع أن يقوم بألهاء الشعب بهذا الفوز إلى أن أستيقظوا علي كابوس حرب الفوكلاند.
فيديلا في فترة كاس العالم أرتكب جرائم كثيرة فى حق شعبه فقام بأكبر عمليات أعدام جماعى عجزت كل المنظمات علي حصرها فكان يقوم بتنفيذ عمليات الأعدم و الأعتقالات أثناء المباريات لأجل أن يظل تركيز الشعب فى المباريات ولا يفكروا فى من تم القبض عليه ومن مات ومن أختفي ولا أحد سيهتم بغيابهم الا أهلهم الذين لا يسطيعون التحدث أساسآً . في دورة المكسيك 1986 رأى الأرجنتينيون في انتصارهم على إنكلترا (2 - 1 هدفا ) نوعا من الثأر من بريطانيا بعد هزيمتهم أمام هذا البلد في حرب الفوكلاند . وفي دورة فرنسا 1998 خيّم على مقابلة الولايات المتّحدة وايران شبح الصراع الدائر
بين البلدين على امتداد سنوات عديدة، وقد عدّ حكام طهران انتصار المنتخب الإيراني على الميدان (2 - 1) فوزا سياسيا على ( الشيطان الأكبر).
وهناك ما يعرف باسم "حرب كرة القدم"، حيث وقعت مواجهات عسكرية بين هندوراس والسلفادور وذلك بعد سلسلة من المباريات بينهما في الفترة ما بين 6 و27 من يونيو عام 1969، وكان ذلك ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم (1970 ) وخلفت الاستباكات بين البلدين نحو ألفي قتيل .
فهل باتت السياسة تسيّر الرياضة وتتحكم في مفاصلها؟ وما تأثير ذلك على العرس الكروي العالمي الذي تحتضنها روسيا والتي إنتهت قبل فترة قريبة ؟
بالتاكيد لم تسلم دورة روسيا 2018 من لعنة السياسة، وذلك بسبب قضيّة تسميم الجاسوس الرّوسي
السّابق، سارغاي سكريبال، في لندن، وقرار الحكومة البريطانية عدم مشاركة أي بعثة رسمية وأيّ فرد من العائلة المالكة في كأس العام 2018، بعد اقتناعها بأنّ روسيا هي التي تقف وراء هذه الجريمة. ورغم دعوة بعض الصّحف إلى المقاطعة الرياضية ورغم حملة بعض البرلمانيين الذين شبّهوا دورة «روسيا 2018» بالألعاب الأولمبية لعام 1936 التي نظّمت في ظلّ النازية الصّاعدة وقتها، إلا أنّ الردّ البريطاني الرّسمي وقف عند حدود المقاطعة الدبلوماسية .
اما بالنسبة للواقع العراقي لابد ان نستذكر تاثير الرياضة على الوضع السياسي و الاجتماعي .
في سنة 2009 أخذ فوز المنتخب العراقي لكرة القدم بلقب بطل آسيا بعدا إنسانيا وسياسيا أشاد به كبار الرياضيين والسياسيين في العالم. ففي تصريح صحفي قال رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر “إن الإنجاز الذي حققه المنتخب العراقي بفوزه ببطولة آسيا يوضح أن كرة القدم لها قدرة كبيرة على توحيد الناس فهي تعزز المشاعر الوطنية لأناس عانوا من الحروب الطائفية لأعوام طويلة .
1392 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع