بقلم : علي المسعود
الدراما السورية في رمضان ٢٠١٨ مرآة للواقع السوري وإنعكاساته !!
من مجموعة الاعمال المعروضة على القنوات الفضائية من المسلسلات اخترت منها ثلاث مسلسلات سورية , والسبب في اختياري للدراما السورية لانها تلامس الواقع والمتابع للدراما السورية يلاحظ إنها شهدت تصاعدا كبيرا ونجاحأ ملفتا للنظر منذ مع أوائل التسعينات وقد تحولت في وقت بسيط إلى عنصر أساسي تتنافس عليه القنوات الفضائية مما قدم لها دفعاً نوعت من خلاله أعمالها المتميزة.
مع الوقت ومع غزارة الطلب وكثرة الإنتاج عملت الدراما السورية على تقديم مختلف الأشكال الدرامية. فجاءت أعمال تاريخية مهمة وفنتازيا لافتة وأعمال كوميدية بارزة وظهرت في خط مواز بعض الأعمال التي تنتمي إلى الدراما الاجتماعية المفضلة عند المشاهد العربي نظراً لندرتها وراهنيتها وتسليطها الضوء (قدر الإمكان) على الواقع المعاش ومشاكله. كما أن النجاح الذي حققته الدراما السورية في سنوات قليلة لفت أنظار المستثمرين العرب أيضاً فظهرت مجموعة من المسلسلات المنجزة في معظمها من جانب فريق عمل سوري وممولة من جهات غير سورية ويمكن الثول أن أكثر ما يميز الدراما السورية هي قدرتها في التفتيش عن سر النجاح وقدعرفت الدراما السورية النجاح من خلال أعمال سياسية كان أبرزها،"خان الحرير"، "أخوة التراب"، "عائد من حيفا"، "التغريبة الفلسطينية" , الولادة من الخاصرة" وغيرها من الاعمال المتميزة ولكن في السنوات الاخيرة واجهت الدراما السورية تحديات كبير مثل مشكلة التوزيع على القنوات الفضائية لاسباب تتعلق بموقفهم من النطام السوري فضلا عن وقوف شركات الانتاج موقفا من الفنانين المختلفين سياسيأ , و من خلال متابعتي لأغلب الاعمال الدرامية السورية والتي أنتجت في عام 2018 كانت مرأة للواقع السوري وبعضها لامست الهموم ألاساسية للانسان السوري بشكل خاص و العربي بشكل عام من عنف وأفرازات الحرب وحلم الهجرة و اللجوء وربما يجد المشاهد العراقي خطوط مشتركة مع بعض هذه المعاناة و الهم الانساني , وفي نفس الوقت قدمت بعض الاعمال المختلفة و البعيدة عن الواقع مثل دراما البيئة الشامية والاعمال الكوميدية أو الاعمال ذات الانتاج المشترك والتي تم انجازها بعناية و حرفية رغم ان بعضها دون المستوى المطلوب .وبالرغم من الحصار المفروض على الدراما السورية وكذالك الأحداث السياسية التى تعيشها سوريا، والتى بدورها أثرت على الحياة الاجتماعية، إلا أن هذا لم يمنع من استعداد صناع الدراما من الدخول في السباق الرمضاني هذا العام بعدد كبير من الاعمال الدرامية و المسلسلات و التي تنافش العديد من الهموم و المشاكل التي عاشها و لايزال يعيشها المجتمع السوري و ليثبت الفنانين السورين المبدعين و صناع الدراما أن الحروب وألازمات لم تحول دون ابداعهم , ومن حصاد هذا العام حرصت على متابعة ثلاث مسلسلات, المسلسل ألاول يحمل عنوان "فوضى " و الثاني كان بعنوان " روزانا " و الثالث " رائحة ألروح ".
في مسلسل "فوضى " والذي كان من تأليف حسن سامى يوسف ونجيب نصير وإخراج سمير حسين، وبطولة سلوم حداد وديمة قندلفت وفادى صبيح وعبد المنعم عمايرى وأيمن رضا ومحمد خير الجراح وسامر إسماعيل وهيا مرعشلى ومرح جبر وسوسن ميخائيل وحسام تحسين بيك ومحمد قنوع ورشا بلال , يناقش المسلسل الحرب وما سببته من فوضى وعشوائية في الزمان والمكان وفي قلب وروح الإنسان أيضا. تدور أحداث المسلسل في آحد أحياء الطبقة الوسطى في قلب العاصمة السورية
(دمشق) الذي وبسبب الحرب أصبح يجمع خليطا من السكان الأصليين ومن النازحين الذين شردتهم الحرب وجعلتهم يعيشون في أقبية رطبة غير صالحة للبشر. ومن عشوائية السكن إلى عشوائية العقل والروح.. هو واحد من أحياء الطبقة المتوسطة ,ذاك الحي الذي يجمع أشتاتاً من السكان المستقرين فيه أصلاً والنازحين إليه حديثاً من أحياءٍ عشوائية في محيط العاصمة بفقرهم وقلة حيلتهم. فهنا فارس وأخيه (زيدان) شباب في أواسط العشرينيات من النازحين إلى هذا الحي يعملان في مجال التمديدات الصحيّة.. كلاهما يحبُّ فتاةً واحدة (فتحية).. وهنا المحامي (راتب) الخمسيني من سكان الحي الأصليين، صاحب القيم والمبادىء يخضع للابتزاز بعد التهديد بالقتل من أحد الرجال الذين ظهروا على السطح في فوضى الأزمة التي تعصف بالبلاد... معاناة يعيشها الجميع في التأقلم مع هذه الحارة التي غدت عشوائية هي أيضاً ليس بسبب من نزح إليها فقط بل أيضاً بسبب العلاقات المستجدة بين الناس فكل منهم يجد نفسه بين أناس جدد وبين همومهم المختلفة، فالعلاقات تختلط ببعضها منتجةً كمية من الفوضى التي أقل ما يمكن أن يقال فيها وعنها: عشوائية بالروح وبالعقل أيضاً، ويتمثل هذا بشكل واضح -أكثر من بقية الخطوط - بعلاقة الأطفال فيما بينهم: العنف، الأوساخ، قلة الماء، قلة الكهرباء، تفكير الأهل بالهجرة إلى خارج البلد كمخرج وحيد من الأزمة التي نزلت على سوريا بعد ست سنواتٍ من الحرب , وكما في أغلب المسلسلات السورية الحديثة، يغيب عن فوضى
البطل الواحد (كما في الأعمال العربية عادة)، ليستبدل بمجموعة أبطال بل ممثلين لمختلف الشرائح الاجتماعية للمجتمع السوري, مسلسل رائع ويستحق المشاهدة و الاشادة به .
المسلسل الثاني فكان مسلسل " روزانا" وهو من تأليف جورج عربجي إخراج عارف الطويل ومن بطولة بسام كوسا وميلاد يوسف ونادين تحسين بك وأندريه سكاف و غيرهم ، وفيه تجد قصة عائلة غادرت حلب إلى دمشق وما تعانيه بعج هذا الرحيل من ويلات في التأقلم،المسلسل يسلط الضوء على الواقع الذي يعيشه السوريون خلال الأزمة السورية وخاصًة ما أصاب أهل حلب. فيستعرض المسلسل قصة رجل أعمال حلبي وصاحب معمل ( وفا ) ويقوم الفنان القدير بسام كوسا في تأدية الدور يترك حلب أثناء الحرب، ويعود إليها مرة،. بعد أن يخسر كل أملاكه بسبب الحرب التي اندلعت في حلب قبل أعوام، ولا يبقى لديه شيء يربطه بزمن حلب الجميل سوى ساعة أبيه,والتي تحمل الكثير من الدلالات في نفس (وفا) , وفي لحظة ضعف واستسلام للواقع، يبيع وفا الساعة بثمن بخس، لكن ابنته رزان , أو كما يلقبونها في المسلسل، "رزة"، ترفض أن تتخلى عن آخر ما تبقى من إرث عائلتها، فتبيع نفسها وتعرض على جود (عامر علي)، أن يتزوجها مقابل استعادة الساعة .
وهناك الصراع الذي يخلق بسبب الفارق الطبقي ما بين عائلة "جود" التي تنتمي للطبقة الحاكمة في سورية، وبين عائلة "رزان" التي تنتمي للشعب الذي قدم دماء أبنائه للحفاظ على الوطن؛ لتكون استعادة الساعة، التي ترمز لتاريخ حلب الجميل، كصورة رمزية تبين ضرورة التصالح ما بين أبناء الطبقة الحاكمة والطبقة الشعبية في وجه أعداء الشعب السوري الحقيقيين، أي "تجار الأزمة" ,
مثل ( بكري ) والذي يجسد الدور الممثل ( قاسم ملحو ) والذي كان يعمل سائق عند وفا ( بسام كوسا)والذي أصبح بعد الحرب من كبار تجاره و من أصحاب الملايين..
أما المسلسل الثالث الذي يحمل عنوان " رائحة الروح " وهو من تأليف أيهم عرسان وإخراج سهير سرمينى. هذا المسلسل ينتمي للنمط الاجتماعي الواقعي، ولكن المسلسل يبتعد بشكل تام عن تيمة الحرب التي أرهقت الدراما السورية في الأعوام الأخيرة، ويختار بدلاً من ذلك الحديث عن مواضيع كانت رائجة في الدراما السورية قبل الثورة، كالحب والفساد الاجتماعي , تدور الأحداث حول (غادة) وهي فتاة تتزوج من رجل له سلطة ونفوذ، فتقع ضحية لشخص جامد العاطفة والمشاعر؛ مما يجعلها تبحث عن متنفس لعاطفتها مع رجل آخر ومن ثمّ نبذ زوجها.. يشك زوجها بالأمر وحين يراقبها يكتشف خيانتها ثم ينفصل عنها. يحاول مؤلف هذا المسلسل في الدخول الى أعماق المجتمع السوري من خلال مختلف طبقاته حيث يتناول قصص الفساد من خلال هذه العائلات بالإضافة إلى التركيز على مواضيع الحب والجشع والخيانة والطموح وعبر حكاية خمس عائلات، متوخياً الربط والتفاعل في ما بينها صعوداً وهبوطاً، وأيضاً الفصل بالدخول الى كل طبقة في شكل مجرد ومستقل . ومن خلال كل حكاية يكون التركيز على التناقضات الإنسانية، كوجود شخصية بواجهة من الالتزام الديني والخلقي وبباطن من الفساد والانحلال، الى جانب البنية الإنسانية الموزعة بين الأبيض والأسود في الشخصيات الأخرى، مثل الطموح والحلم مقابل الجشع، والوفاء في وجه الخيانة، والصلاح على النقيض من الفساد. هذه الشخصيات يجسّدها في البطولة الممثلون وائل شرف وفراس ابراهيم، إضافة الى نجاح سفكوني وسلمى المصري ووفاء موصلي وجيانا عنيد ووائل أبو غزالة ورنا الأبيض وسليم صبري وروبين عيسى وريهام عزيز وغادة بشور ومحمد قنوع وآخرين.
علي المسعود
المملكة المتحدة
1915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع