سعد ناجي جواد
العراق والعراقيون بين خيارين احلاهما مر
الان وبعد ان انتهت الانتخابات وما صاحبها من مهازل، وبعد ان ثبت بما لايقبل الشك انها كانت عملية شابها الكثير من التزوير والتلاعب بمخرجاتها، وتكاثرت الطعون بنتائجها، و من أطراف كثيرة بدأت بالأطراف الخاسرة و أعضاء في المفوضية (المستقلة؟) للانتخابات نفسها ، وأعضاء في البرلمان المنتهية مدته، وخاصة الخاسرين لمقاعدهم، والذين تحوم حول الكثير منهم شبهات فساد كبيرة، وكذلك حول العديد من الفائزين، وانتهت بتقرير ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق ولجنة مستقلة من الحكومة السويدية، ولا تزال نتائج تحقيق اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء الحالي للنظر في اداء المفوضية وفِي الشكاوى الجدية التي قدمت ضدها، لم تظهر بعد. و لم يبق لدى كل المدافعين عنها، سواء كانوا مستفيدين من هذا التزوير او متبرعين، بسذاجة او بانحيازات عنصرية او طائفية، ما يقولونه دفاعا عنها. لان اي تبرير يقدمونه سيكون مضحكا اكثر من سابقه. ويشمل ذلك كل من قال ان هذه هي عملية (ديمقراطية) ناجحة ، او من ادعى بان من حذّر من التلاعب بنتائجها هو شخص معادي (للعملية الديمقراطية) او من اتهم المشككين بنزاهتها قبل حصولها بانه شخص مغرض. الامر الملفت للنظر ان الأطراف الخارجية المتهمة بأنها كانت تريد الانتخابات وتدير مسارها خلف الكواليس، بل وتدعم أطراف معينة فيها، وخاصة ايران والولايات المتحدة، لا تزال تلتزم الصمت ولا تعلق بشيء. وأصبح الجميع الان ينتظر ما سيصدر عن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية من قرارات بشأن المصادقة على النتائج او رفضها، او الرد على الطعون الكثيرة والخطيرة التي قدمت ضدها، علما بان الطعون التي قدمت للمفوضية، المتهمة الاولى بالتلاعب والتزوير و بيع محطات انتخابية بالكامل او اخفاء محطات اخرى واظهار نتائج لها، او ما قُدِمَ من إثباتات بان بعض النتائج كانت اكثر من عدد الذين يحق لهم التصويت، فإنها ردت ببساطة بان هذه الطعون غير صحيحة و رفضت اجراء اي اعادة للفرز بصورة يدوية، حتى بعد ان تم الكشف عن ان الأجهزة الالكترونية التي تم الاعتماد عليها قد جرى التلاعب بها او انها لم تعمل بالكفاءة التي ادعت المفوضية انها تتميز بها قبل الانتخابات، وهذا الاتهام صدر عن رئيس الوزراء الحالي، بالاضافة الى الجهات الاخرى التي تم ذكرها أعلاه . اما عمليات التزوير في انتخابات الخارج فقد تم توثيق بعضها بالصوت والصورة، من خلال الأفلام الكثيرة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
ان عدم صدور اي قرار قضائي لحد الان بشأن العملية يعني ان القضاء، ومن ورائه من يحاول ان يسيّره بالطريقة التي يرغب بها، اصبح في موقف لا يحسد عليه. فإذا ما تم اعتماد النتائج، وهو ما مرجح ان يحصل، فهذا يعني ان العملية أنتجت برلمانا، والذي سينتج حكومة، جاء بالتزوير وأوصلت أناسا لا يحضون بتأييد الناخبين. ناهيك عن ان هؤلاء الفائزين بالتزوير معروف مسبقا كيف سيكون ادائهم في السنين الأربع القادمة. وأما اذا ما اتخذت المحكمة خطوة في الاتجاه الاخر وأبطلت النتائج او بعض منها فان نتيجة ذلك قد تكون قتال دام بين المليشيات التي تمتلكها الجهات ( الفائزة) في هذه الانتخابات. ولقد بدأت بوادر مثل هذا الشيء تظهر بشكل تصريحات واضحة وعلنية. فقادة احد الأحزاب صرحوا بأنهم لن يتنازلوا عن مقعد واحد فازوا به. وأنهم لن يسمحوا بإعادة الفرز او العد اليدوي، وقادة تكتل اخر هددوا بأنهم سيحاربون اي اتجاه لالغاء الانتخابات، وتشارك في هذا الرأي كل قادة الكتل الفائزة الكبرى تقريبا. كما ان بوادر الاستعداد للجوء الى العنف قد بدأت ايضاً من خلال مهاجمة مقرات احزاب او محاولة فض اعتصامات رافضة للنتائج باستخدام السلاح والتفجيرات، كما حدث في كركوك موخرا.
النتيجة الكارثية الاخرى انه حتى وان اعتُمِدت النتائج وشُكِلَ البرلمان الجديد فان الحكومة الجديدة ستأتي اضعف من سابقاتها، للسبب البسيط ان اية محاولة لتشكيلها يجب ان تعتمد على توافق أربعة كيانات في الأقل، وربما اكثر. ومعلوم كم هي متنافرة هذه الكيانات.
هناك دلائل تشير الى ان الطرفين الأكثر تأثيرا في ما يجري في العراق، ايران والولايات المتحدة، ومن خلفهما الدول والجهات المتحالفة مع اي منهما، مرتاحين للنتائج، لان كل منهما قد نجح، من وجهة نظره، في منع الطرف الاخر من ان يحصل على الأغلبية. وان كل طرف سيبدا منذ الان إعداد الخطط لتقليم نفوذ الطرف الاخر، سواء عن طريق الدعوة الى انتخابات مبكرة بعد سنة او سنتين، او عن طريق تغيير المسار بالقوة. وان هذا يعتمد على الصراع بين الطرفين في مجال الاتفاق النووي او تحجيم الدور الايراني في المنطقة والعقوبات الجديدة ، الى غير ذلك من المسارات التي قد يتجه اليها هذا التنافس.
ومهما كانت النتائج فان الطرف المتضرر الاول سيكون العراق والعراقيين. وسيكون ماساويا اذا ما حصل التنافس على أراضيهم. وفِي انتظار ما سيحدث، فان على العراقيين الذين كانوا يمنون النفس بان الحكومة القادمة ستعلن حربا لا هوادة فيها على الفساد وستعيد لهم الخدمات او ستحسن من حياتهم اليومية، عليهم ان يضعوا أمنياتهم على الرف، وان يوطنوا نفسهم على العيش مع الفساد والفاسدين والمؤتمرين باوامر خارجية لسنين اخرى تضاف الى السنين الخمس عشرة السابقة. وهذا لا يهم عند من يدافع عن ما جرى في العراق منذ الاحتلال البغيض ولحد هذا اليوم، لأنهم يَرَوْن في ذلك ( تحول ديمقراطي) صحيح، حتى وان ظل يكرر نفس الوجوه، والتي اوصلت البلاد لان تكون الأكثر فسادا وفشلا والأقل أمانا وتوفيرا للخدمات لمواطنيها من بين دول العالم، وحسب الإحصاءات الدولية. وستظل معاناة العراقيين مستمرة حتى تظهر من بينهم حركة او قيادة وطنية قادرة على ان تطيح بالوجوه الفاسدة والفاشلة وتنتهج نهجا وطنيا مستقلا. لقد أنجب العراق في السابق الكثير من هذه الشخصيات والحركات التي لم تصلح الأمور في العراق فقط وإنما انارت الدرب للعرب جميعا، وبالتاكيد فان بلاد الحضارات قادر على ان تظهر غيرهم في المستقبل المنظور إن شاء الله.
2124 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع