علي الكاش
أنتخب أولا من ثم عض إصبعك بعدها!
قال ستالين" السؤال المهم ليس من يحق له الانتخاب؟ بل من الذي سيتولى مهمة فرز الاصوات؟".
في أدناه بعض مما كتبناه قبل إنتخابات عام 2010 ليطلع القاريء الكريم على الجريمة التي ارتكبها الشعب العراقي بحق نفسه، ووقوف المرجعية الدينية بقوة لتزكية المرشحين ودفع أنصارها لإختيارهم تحت يافطة نصرة المذهب، نعم نصرة المذهب فقط! وليس نصرة الدين، ولا نصرة الشعب العراقي عامة، ولا نصرة الوطن المستباح. ولأن كل الدلالات والمؤشرات على الواقع تؤكد بأن التراجيديا العراقية سوف تستمر وفقا لمقولة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (هو منو راح ينطيها) أي من سيترك السلطة، وفعلا سار حزب الدعوة على هذا النهج، والحقيقة ان ما قاله المالكي لا يعبر عما في نفسه من طموح، وإنما هو مترسخ في نفوس جميع من يحكم العراق بغض النظر عن هويته الدينية والمذهبية والقومية، فهم مثل ذئاب بين أنيابها فريسه، فلا يتوقع أحد ان يتركوها.
في هذا المقال إسترجاع للذاكرة، جمعنا فيه مقالين كتبناها قبل إنتخابات عام 2010 ببضعة أشهر، وكالعادة لم يكن لهما صدى في العقول العراقية المتكلسة التي إعتادت الذل والعار بالسكوت عن حقوقها المهضومة، فكان سكوتها المخزي أكبر حافز للطغمة الحاكمة بالإستمرار في عملية السلب وتهريب الأموال وتفريغ ميزانية الدولة وتدمير كل مقدرات العراق، وإحتلاله مرتبة أفسد دول العالم، وجعل عاصمة الحضارة بغداد أوسخ عاصمة في العالم.
كتبنا: يقظة الشعوب بشأن مصيرها ومستقبلها لا تتم بفرك المصباح السحري وإنتظار ظهورالجني لتحقيق الأماني والتطلعات الوطنية وإنما بالعمل المضني والسعي الدؤوب لتحقيقها والإدراك الحقيقي لأهميتها. ولاشك أن القيادة السياسية في أي بلد تتحمل المسؤولية المباشرة لتحقيق مطالب الشعب وأهدافه نحو الأمن التنمية والرفاهية والتقدم، وعندما تكون القيادة منتخبة بشكل صحيح بعيدا عن مسارات الأعوجاج من تحايل وتزوير، عندئذ يتشاطر الناخب والمنتخب المسؤولية، والتجارب الديمقراطية في العالم تؤكد هذه الحقيقة مع الأخذ بنظر الإعتبار التباين بين نماذج الديمقراطية المحترفة كما هو الحال في الدول الأوربية ونماذج الديمقراطية المشوهة التي تشهدها دول العالم الثالث.
في العراق المحتل كانت الديمقراطية المزعومة المستوردة من بلاد العم سام وفق المواصفات الدخيلة على المجتمع العراقي أشبه بالجمرة الخبيثة، دمرت كل من لامسها، بل جعلت الشعب العراقي يشمئز من الديمقراطية بقدر إشمئزازه من الشفافية، ذلك الشعار الذي رفعته حكومة المهووس إبراهيم الجعفري، ونشفت به دماء الشعب العراقي بطائفيها المفرطة وتدشين حربها الأهلية. إن التجربة الإنتخابية الأولى عام 2005 التي أصرت مرجعية النجف على أجرائها لتحقيق مكاسب سياسية وطائفية رغم أن إدارة الإحتلال كان لها رأي مغاير كما بينها المندوب السامي الأمريكي بول بريمر في مذكراته في العراق. أو تلك العملية المشبوهة التي جرت لتمرير الدستور المفخخ الذي صاغته يد الخبير اليهودي نوح فيلدمان وكان مصدرا للتشتيت والخلاف. وكذلك الإنتخابات الأخيرة حول مجالس المحافظات التي جميعها كانت محط شبهات كثيرة. والإعترافات التي تلتها من قبل بعض المسؤولين أكدت الشكوك من حيث زيفها والتلاعب بنتائجها لصالح حزب الدعوة العميل.
ان نتائج الإنتخابات السابقة (2005) كانت محبطة ومخيبة للآمال، سلسلة من الخيبات اطفأت وهج الثقة في قلوبنا، مثما تطفيء الشمعة بنفحة هواء، لم يبق منها سوى دخان مزعج مقزز أزكم أنوفنا. ومهما كان حجم التزييف والإحتيال الذي رافق هذه العملية الإنتخابية إبتداءا من الحملة الدعائية المضللة التي قامت وفق القسم التالي (والله العظيم لنخدعنكم شر خديعة) فإستدرجت الجهلة والسذج والأميين والطائفيين من العراقيين لتطويهم تحت جناح الوهم الديمقراطي، ومباركة المرجعية التي آزرت قوات الإحتلال بكل رباط الخيل، للحفاظ على مصالحها المالية والإعتبارية، ودعم التوجهات الطائفية بأسباغ رضا آل البيت الكرام على كل من ينتخب قائمتهم، وتشبيه الإنتخابات ببيعة الغدير المزعومة، وإستخدام آل البيت كواجهة ذات ربحية عالية في سوق الحمق والإستحمار، وإنتهاءا بعمليات الفرز التي رقعت بأضافة مئات الآلاف من الأصوات الوهمية القادمة عبر الحدود الإيرانية لجنوب العراق. يضاف إلى ذلك كله عدم نزاهة المفوضية أوحياديتها بموجب المحاصصة الطائفية، خصوصا العناصر التي أفرزت الأصوات والمرتبطة جميعها بالأحزاب العميلة القادمة على ظهور الدبابات الأمريكية والبغال الإيرانية.
هناك العديد من المسرحيات الرخيصة التي شهدها مسرح العرائس (البرلمان) خلال السنوات الماضية، أبرزها ما ذكره رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة خلال إنتخابات المحافظات الماضية بأن المفوضية العليا للإنتخابات تتحمل مسئولية قبول أوراق مزورة من مرشحي الإنتخابات وبنسبة 60% . الأكثر عجبا تصريحه بأن المفوضية العليا " لم تدقق في شهادات المرشحين وقد قام بعضهم بتقديم شهادات بأسماء مطاعم ومحلات وكراجات كانوا يعملون فيها على أساس إنها جامعات ودور ثقافة".
الشعب العراقي أجرم بحق نفسه عندما سلم رقبته بوداعة للجزار.
للشعب العراقي حصة من الكارثة، فمهما بلغ مستوى الزيف والتلاعب بأصواته، فلا يمكن تبرئة أي عراقي صَوَتَ لصالح الخنازير في الزريبة الخضراء. فكل من لوث أصبغه بالحبر البنفسجي أثناء العملية الإنتخابية، قد لوث أصبعه أيضا بدماء العراقيين الأبرياء وساهم بطريقة غير مباشرة في جريمة إغتيال شعب ووطن. مثلما لا يحمي القانون المغفلين فإن نتيجة التصويت- وما أفرزته من برلمان وحكومة هما من أفشل ما موجود في العالم كله- لا تبرأ السذج والجهلة والطائفيين والعنصريين من المسؤولية عن الجريمة بسبب المشاركة في التصويت. رحم الله أحمد شوقي كأنه يصف حالنا:
لا يلام الذئب فـــــــي عدوانه ان يكن الراعي عــــدو الغنم
تلك هي الحقيقة مهما كانت مؤلمة ومخزية في الوقت ذاته! لقد كان التصويت لحفنة من الغرباء الذين لا ينتمون للوطن بصلة أكثر من شعرة معاوية، جريمة بحق الشعب العراقي نفسه، فقد ذبح نفسه من الوريد إلى الوريد قبل أن أن تقوم الأحزاب المنتخبة بسلخ جلده. لقد ضيع نفسه قبل أن يضيعه الحاكمون، وخسر حاضره ومستقبله قبل أن يربحه الخونة والعملاء. بصراحة نقول أن المسؤولين عن وجود برلمان فاشل، وحكومات قطاع طرق، ودستور يتبع أسلوب النعامة فيرفع رأسه عند الأمان ويخفيه عند الشعور بالخوف مظهرا مؤخرته للآخرين. ذلك كله من نتاج الإحتلالين الإمريكي والإيراني للعراق ومباركة المرجعية الراشدة للإحتلال والسير في ركبه ونفيذ خططه ومنها الإنتخابات المبكرة وما تلاها من دستور مفخخ. هذه هي الحقيقة لا غيرها، ومن يحاول أن يطمس دور هذه العناصر الرئيسة الثلاثة فأنه يشاركهم الجريمة.
كذلك لا ننسى العنصر الرابع، وهو جمهورالمصوتين المضللين الذين إنطلت عليهم خدعة المرجعبات الدينية، أو الذين ساروا خلف مجموعة من المهرجين بحجة الدفاع عن أهل السنة.
هذا هو لب المشكل الحقيقي في ما يسمى بالعراق الديمقراطي الجديد. إنه الجهل والأمية وقلة الوعي الوطني والسذاجة والإنقياد كالأغنام لحظيرة الدعايات التي يروج لها رجال الدين والسياسة. الديمقراطية ليست التوجه إلى صناديق الإقتراع، ورمي ورقة التصويت كالأعمى دون إدراك جدوى ومسؤولية ونتيجة ذلك العمل المصيري. إنها مسؤولية دينية ووضعية، لأنك تنتخب قادة لك ولغيرك، تمارس عملية إختيار نواب يمثلونك، وحكومة تمسك بزمام رقبتك، بأمكانها أن ترفعها كالثريا بشموخ وكبرياء، أو تضعها تحت المداس وتسحقها بلا رحمة. البرلمان والحكومة تتألف من أناس عاديين مثلي ومثلك وليس من أنبياء ورسل. الشعب هو مصدر السلطات، مما يستدعي التروي والحذر واليقظة، والوعي كل الوعي بأن تعي ما تفعل! وإلا تريث قليلا وإستكن وتجنب المشاركة، فلا أمان عندما تدخل يديك في جحر أفعى. إقرأ تأريخ الأمم بتمعن، وقلِب صفحات تصرفات الشعوب على مهل وركزعلى تجارب الآخرين في الإنتخابات لتعرف اين موقعك، وحجم مسؤوليتك! ومتى عرفت موقعك ستعرف كيف تختار مواقع الآخرين. أنها أشبه بعملية تحريك البيادق على رقعة الشطرنج، كل حركة يجب أن تكون محسوبة بدقة، ومدروسة بعمق. وان معرفة الناخبين للمرشحين لا بد ان تكون معرفة متكاملة عبر القوائم المفتوحة وليست المغلقة، التصويت ليس سحبة يانصيب لاتعرف ما سيكون حظك. أنه مصير أمة ومصير شعب، ومصير أجيال قادمة!
سيحاول الحكام الحاليون المحافظة على كراسيهم مهما كلف ذلك الأمر، فالمناصب حسب معتقدهم تشريف وليس تكليف، أخذ وليس عطاء، إنتهاز فرص كاللص وليس واجب وطني يستوجب الحرص. إنهم يحثون العراقيين على المشاركة في الإنتخابات لأثبات شرعية حكمهم ليس إلا، وبعدها يسمونوهم العذاب تحت ذريعة حكومة منتخبة من الشعب كما يجرى حاليا. إن الانتخابات النزيهة تستلزم عدة ضوابط تلازم القانون الذي ينظمها وتوزع مسؤوليتها على عدة جهات، إبتداءا من الجهة المشرعة المتمثلة بالبرلمان مرورا بالمفوضية العليا إلى دور الحكومة ووسائل الإعلام ثم قوائم المرشحين، وأخيرا المواطنين وهم الفيصل الحاسم في أية إنتخابات قادمة.
دور البرلمان
يفترض ان يمارس البرلمان دوره الرقابي في جميع مراحل عملية الإنتخابات بأعتباره السلطة التشريعية، ولكن من المؤسف ان البرلمان نفسه مترهل بالفساد المالي والإداري مما جعل حركته بطيئة وغير محسوسة في كثير من الأحيان. وهذا الأمر مَكنَ الحكومة من السيطرة تماما على البرلمان في طرفة تأريخية لم يشهدها العالم الدكتاتوري وليس الديمقراطي فحسب! فعندما حاول البرلمان مثلا إستجابة عدد الوزراء بعد تراجيديا وزير التجارة السوداني وهروبه بالمليارات الى لندن، هدد رئيس الوزراء نوري المالكي البرلمان بكشف ملفات فساد النواب، فتراجع البرلمان متذللا مثل فأر وجد أمامه قطة. بل بلغت السخرية بالسلطة التشريعية ذروتها من قبل حكومة المالكي بعد أن منع المالكي وزرائه من الإستجابة لإستضافة البرلمان! وأي برلمان في العالم ما كان يقبل على نفسه تلك الإهانة الكبيرة، لكنه نسيج العهر البرلماني في العراق الذي حاكته الأصابع البنفسجية بحماقة.
المفوضية العليا للإنتخابات
المفوضية هي النواة المركزية في العملية الإنتخابية لأنها تجسد مصداقية الإنتخابات وشفافيتها ونزاهتها، ومن المؤسف القول بأن المفوضية الحالية كانت ببعد الأرض عن السماء في موضوع النزاهة والأمانة في جميع أنشطتها بإعتراف بعض منتسبيها.، ولأن المفوضية لا تضم عناصر مستقلة، وإنما ممثلين عن الكتل والأحزاب السياسية الحاكمة، فهذا يؤكد إنها مثل لعبة العرائس تحركها خيوط بيد الكتل السياسية. حتى لو إفترضنا جدلا وجود عناصر شريفة ـ رغم شكوكنا في هذا الأمر لأن جميعهم حزبيون وليس مستقلين ـ فأن تلك العناصر لا يمكن أن تنزع اللجام الحزبي. لقد شهدنا بإعتراف المفوضية العليا للنزاهة وجود عدد هائل من البرلمانيين لا يحملون شهادات دراسية أو يحملون شهادات مزورة، وهذا يعني ان مفوضية الإنتخابات لم تكن نزيهة لعدة أسباب، من بينها عدم تدقيق صحة معلومات المرشحين بدقة، أو معرفتها والسكوت عنها بتواطئ مع الأحزاب التي رشحتها، مما يبعد عنها صفة النزاهة. كما أنها أخفت هذا الموضوع ما يقارب الثلاث سنوات وكشفته بسبب صراعات بين الكتل السياسية فقط، وليس للأمانة والنزاهة! لذلك عندما يكون ربً الدار بالدف ناقرا بالدف، فشيمة أهل الدار سوف لا تكون التعبد والزهد!
قارن أخي القاريء الفاضل ما ما كتبناه في نهاية عام 2009 وبين ما يجري الآن، فأنت الحاكم، ونحن الشهود على ما حدث. وللكلام بقية بعون الله.
علي الكاش
816 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع