كنت في المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا

                                              

                         أ.د. ضياء نافع

كنت في المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا

استلمت دعوة كريمة من اتحاد ادباء روسيا لحضور المؤتمر الخامس عشر للاتحاد , والذي انعقد بتاريخ 15 شباط / فبراير من هذا العام (2018) في موسكو , وذلك باعتباري عضو شرف في ذلك الاتحاد , وقد حضرت طبعا – وبكل سرور - جلسات هذا المؤتمر , واستمعت طوال اليوم باكمله الى كلمات المشاركين في اعماله ونقاشاتهم المتشعبة حول مشاكل اتحاد ادباء روسيا و مسيرة اعماله وآفاق مستقبله لاحقا و انتخاب رئاسته ...

انعقد المؤتمر في ( دوم ليتيراتروف ) ( بيت الادباء ) , وهي بناية ضخمة تقع في قلب موسكو وذات مدخل مهيب جدا , وموجودة منذ العهد السوفيتي , حيث تضم قاعة كبرى للاجتماعات وقاعات اخرى خاصة للمطاعم ومعارض الكتب واكشاك مفتوحة بشكل فني بديع لبيع مختلف الكتب والمجلات والصحف , وتوجد على جدرانها صور كثيرة جدا للادباء الروس تم التقاطها في مناسبات متنوعة ومختلفة , اذ ان هذه البناية قد شهدت الكثير من الفعاليات الادبية والفكرية خصوصا في العهد السوفيتي , ولهذا فهي تضّم – وليس ذلك من باب الصدفة – تماثيل نصفية جميلة وفنية وفي غاية الاتقان مصنوعة من المرمر الابيض لكل من ماياكوفسكي وغوركي وتولستوي , وهم ادباء روس كبار كانت الآراء السوفيتية مستقرة في حينها حول اهميتهم ودورهم في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , ولم أجد تماثيل لادباء روس آخرين , كانت الاوساط الادبية السوفيتية مختلفة بشأنهم مثل دستويفسكي , ولكن الشئ الجديد في تلك البناية بالنسبة لي كان ينعكس على جدار السلّم المركزي , والذي يؤدي الى الطابق الثاني حيث القاعة الكبرى, اذ وجدت هناك صورا لخمسة ادباء روس بحجم كبير مع اشارة الى سنين حياتهم (الحائزين على جائزة نوبل للاداب) وهم كل من بونين وباسترناك وشولوخوف وسولجينيسن و برودسكي , وهكذا شاهدت اخيرا - وبامّ عيني - الاعتراف الرسمي لروسيا بهؤلاء الادباء الكبار, وتذكرت طبعا ( وانا ابتسم حزنا !) تلك المواقف المتشنجة والمتطرفة وغير الموضوعية التي رافقت تلك الاحداث في حينها في الاتحاد السوفيتي وفي الاوساط اليسارية في كل انحاء العالم , وكيف انعكست على مواقف الادباء والنقاد العرب وكتاباتهم , وتذكرت حتى قصيدة لعبد الوهاب البياتي (يلعن !) فيها رواية ( دكتور زيفاغو) لباسترناك , ويهدد بتحويل جماجمهم الى منافض للسجائر .
النقاشات التي دارت في جلسات المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا كانت تتمحور بالطبع حول شؤون هذه المنظمة , وقد تم افتتاح المؤتمر بالنشيد الوطني الروسي حيث وقف الجميع بخشوع واحترام واضح , ولاحظت ان بعض المندوبين يتمتمون بكلمات هذا النشيد بهدوء , وقد اخبرتني مندوبة شبه جزيرة القرم التي تحدثت معها في الممر في اثناء الاستراحة انها لا تقدر ان تصمت عندما تستمع الى النشيد الوطني , وانها تبدأ رأسا بالانشاد وبشكل واضح مع كلماته اعتزازا بروسيا وعودة القرم اليها, فقلت لها مبتسما اني لاحظت ذلك فعلا . من الواضح تماما , ان الاجواء التي كانت سائدة في هذا المؤتمر هي الروحية الوطنية , فقد تكلم في البداية أحد المندوبين المشاركين في الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس الحرب الوطنية الكبرى , وقال انه مرّ وهو في طريقه الى المؤتمر بتمثال بوشكين وتذكّر مقطعا من قصيدته , وهو - ( تحيا الشمس !) , ثم مرّ بتمثال غوركي الذي أسماه ( أكبر وأعظم اديب في القرن العشرين !) , ثم مرّ بتمثال ماياكوفسكي الذي أسماه ( قيصر الشعراء ) , واختتم كلمته بالتذكير , ان اتحاد ادباء روسيا هو- ( اتحاد غوركي ! ) , وقد تذكرت انا تسمية اتحاد الادباء عندنا – ( اتحاد الجواهري !) ...ولا مجال هنا لذكر كل الجوانب الاخرى لانعكاس هذه الروحية الوطنية في المؤتمر المذكور .
ختاما لهذا العرض المقتضب والوجيز لاحداث المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا , يجب الاشارة الى بعض الارقام التي جاءت في كلمات المندوبين , منها ان عدد اعضاء الاتحاد يبلغ اكثر قليلا من 8000 عضوا , وهو عدد قليل نسبيا بالنسبة لعدد سكان روسيا وعدد الادباء فيها, وان اكثر من 20% من اعضاء الاتحاد هم في اعمار تجاوزت السبعين عاما , وان عدد الشباب قليل جدا , وكان ذلك واضحا جدا حتى عند القاء نظرة واحدة فقط على قاعة المؤتمر . اما انتخاب الهيئة الجديدة للاتحاد , فقد تمت في نهاية المؤتمر , وقد كان المشاركون يتهامسون وهم يبتسمون عندما كان رئيس الاتحاد فاليري غانيشيف ( مواليد 1933) يظهر وهو على كرسي متحرك بين الجالسين على منصة القاعة , ويقولون هل سيرشح نفسه مرة اخرى ؟ اذ ان غانيتشيف قد شغل منصب رئيس الاتحاد منذ عام 1994 ولحد الان ( اي على مدى 24 سنة !) , ولكنه لم يرشح - والحمد لله - هذه المرة , وهكذا انتخب المؤتمر رئيسا جديدا لاتحاد ادباء روسيا وهو – نيقولا ي ايفانوف (مواليد عام 1956 ) , بعد ان نافسه اديب شاب, وايفانوف شخصية محترمة جدا من قبل معظم الادباء , وقد أشادت وسائل الاعلام الروسية بمكانته الادبية واستحقاقه ان يكون رئيسا لاتحاد ادباء روسيا.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1318 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع