عبدالله عباس
الكرد والحكومة الاتحادية و حـكاية ( قه يناكا..!!)
كان ذلك في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عندما نظمت وزارة الاسكان والاعمار بالتعاون مع نقابة الصحفيين العراقيين جولة للصحفيين المحليين و كل المراسلين للصحف و وكالات الانباء الاجنبية لزيارة محافظات ( منطقة كردستان للحكم الذاتي ) بهدف الاطلاع على مشاريع المتنفذه للوزارة بالتعاون مع الامانة العامة للاسكان ‘ كنت ضمن مجموعة الصحفيين عن جريدة ( هاوكارى) ‘ كنا في طريق اربيل وكنت جالس وحدي عندما جائني احد الزملاء اتذكر انه من جريدة الجمهورية ولكن للاسف نسيت اسمه وجلس بجانبي وسألني :
- اخ عبدالله شنو يعني كلمة ( قه يناكا ...) بالعربية ..؟
- يعني مايخالف ....!
شعرت ان الزميل لم يصدق اني ترجمت له بشكل صحيح
- يمعود گول غيره ...صدگ يعني مايخالف ..؟
اجبته : صدگ ونص ‘ يعني ميخالف او لاديربال او ماصارشيء
وسألته : ليش تسأل عن معنى هاي الكلمة بالتحديد ؟ هزه رأسه وقال : والله اني كنت اعتقد ان كلمة تعني اعتذار او لاتزعل .. او حصل خير...
بعد لحظه من السكوت روى لي هذه الحكاية وقال : جارنا هو من عائلة كردية محترمة ‘ حائط على حائط كما يقولون بالامثال ‘ هم عندهم حفيد ماشاءالله مشاكس وهو صديق ابن اخوية اكبر ومتقاربين بالعمر و يلعبون يوميا بزقاق المحلة ‘ يحصل بين يوم يومين يتعاركون اثناء اللعب ‘ فيقوم ابن جارنا الكردي ببسط ابن اخوية لحد يبكيه ويرجع الى البيت باكيا ‘ فتاخذه امي الى بيت جارنا للعتاب عند جدة الولد على ذلك ‘ فهي ربة بيت لاتختلط بالناس لذا لاتعرف اللغة العربية ‘ فتضع يدها على اكتاف امي وتبتسم و تقول لها : ( قه يناكا ....قه يناكا ) فامي ونحن كلنا كنا نعتقد انها تعتذر ..
بعد ان اكمل صديقي الحكاية ضحك و قال : ولكن في الحقيقة هم احسن جار ولطفاء ... علية لايجوز نزعل منهم ونخسرهم من اجل كلمة ( قه يناكا ) رغم سلبية معناها .....!!
المشكلة الان بين الحكومة الاتحادية و سلطة اقليم كردستان ( وليس بين اهل كردستان وحكومة بغداد كما يريد ان يصورها البعض للرأي العام الداخلي وحتى الاقليمي والدولي ) يشبه حكاية ( قةيناكا ) للمرأة الكردية الطيبة ‘ مع الفارق في النية و النتيجة ....!!
مقدما حتى لايحصل التباس عند البعض ‘ نعلن اننا نعرف ونفهم ونشعر وبوضوح أنه يوجد في بغداد ضمن الحكومة الاتحادية وخارجها اطراف سلطوية يستغل ماحدث بعد الاستفتاء في الاقليم ‘ ويعملون بشكل منظم لاجهاض الحق الفدرالي للكرد مستغلين الاحداث منذ اعلان ما سميت بـ( الاستقلال الاقتصادي ) وبعده الاستفتاء لتحقيق هدفهم .
وخطورة هذه الحقيقة تكمن مع الاسف ‘ انهم وامام الرأي العام العراق من جهة و اهل اقليم كردستان الخاسر الاول من جهة اخرى في هذا الصراع ‘ ان حججهم يعتبرنوها مشروعه الى حدما ‘ وعند الثاني اي اهل الاقليم ‘ ينظر اليها ( عسى نارهم تأكل حطبهم لاننا لم نستفيد من الطرفين ...) ‘ وأن السلطة في الاقليم ايضا تتعامل مع الموضوع باتجاهين : الاول يحرض الناس بقول : انظروا ‘ هذا هي الحكومة الاتحادية تعمل من اجل اجهاض التجربة الفيدرالية ‘ والثاني انها ولحد الان تراهن على الضغط الخارجي الاقليمي والدولي على بغداد معتقدا ان حل نزاعهم مع بغداد ضمن الامور الستراتيجية لهم ....! ‘ ولكن الواقع يظهر العكس وانهم مستفيدين من بقاء الوضع معلقاً في هذه المرحلة على اقل تقدير .
ولكن كل المؤشرات تؤكد أن تعامل السلطة في الاقليم حسب سياسة ( قه يناكا ..قه يناكا ) لايؤدي الى نتيجة ‘ بعد ان غرر في تصرفاتها الى حد تحدى كل المواقف الداخلية اولا وبعد ذلك الحكومة الاتحادية وبعدها القوى الاقليمية و الدولية واخطر من ذلك انها اختارت مرحلة لكل ذلك كان شعبة يعاني من الضيم الاقتصادي و لايستفاد من ( ربع ) ما تنتجة المصادر الاقتصادية في الاقليم ‘ رغم ان الكثير من الوطنيين الكرد نبههم لكل ذلك وكان جزاءهم نعتهم بالتخوين ...!!
رغم انه ومع الاسف يظهر من خلال تصرفات الاخوة المسؤولين في الاقليم يعتقدون ا نه من الممكن ان يكون ( قه يناكا ..قه يناكا ) سياسة مستفيده في التعامل مع حكومة بغداد الغارقة في المشاكل المتنوعه ‘ وهذا يظهر من خلال تسريب لقطات فديو متسربه الى مواقع التواصل الاجتماعي حيث يظهر كيف يتم تبادل المجاملات و الاحتضان بين اعضاء وفد السلطة المالكي والعبادي مذكرين اهل كردستان بتعليق الشاعر الكبير ( بيره ميرد ) للوفد الذي زار بغداد في اربعينات القرن الماضي بعد انتفاضة ايلول في باب السرى السليمانية قائلا : ( نحن نعرف انكم تحتضنون مسؤولي الحكومة وتقولون لهم عهدنا ومحبتنا باقي رغم سفك الدماء ..) نقول رغم ذلك ‘ أن افضل اختيار هو التخلي عن التخوين الذين ينتقدونهم .
بدل ذلك من الافضل ان يدعوا كل الاطراف السياسية المؤثرة في الاقليم ويذهبوا الى بغداد بقوة وحدتهم متمسكين اولا انهم حاضرين في بغداد ل للتأكيد ان الكرد وفي ضوء معطيات التاريخ و الواقع ودورهم في بناء هذا البلد ودورهم من خلال نضالهم المشروع للحصول على حقوقهم ‘ فهذا يكفي لان يكون في بغداد من اجل المشاركة في القرار وليس فقط لطلب مِن ‘ من هو المسؤول فيها ليستجيب لمطاليب الكرد ‘ لان الكرد كشريك لهو الحق في ذلك ... بهذا الموقف فقط ممكن انقاذ ما يمكن انقاذه و هذا يؤدي ايضا الى فشل من يسعى في بغداد الى اعادة الكرد الى المربع الاول لتاكيد شراكته المشروعة .
• وأخيراَ ‘ صدق من قال : ( الذين لايتذكرون دروس الماضي ‘ محكوم عليهم بدفع ضريبة النسيان ‘ وقد تكون باهضة ) وهذا مطلوب ان يكون في ذاكرة من يعتقد في بغداد انه في موقع القوة تجاه الكرد كأمة ‘ و من يعتقد في الاقليم ان ماتقوله القوى خارج الارادة الكردستانية محل ثقة . والسلام عليكم .
796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع