د.ضرغام الدباغ
أفكار تقود إلى إدراكات
نصادف في الحياة أحداث ووقائع تغني عن كتب كاملة، وقد نجد شخصاً يعرض علينا أمراً في غاية التعقيد ويشرحه لنا بسهولة شديدة، كأن يضرب لنا مثلاً يجعلنا نستوعب عمليات معقدة كثيرة، وقد يصادف أنك تتفرج على لعبة رياضية ككرة القدم، ومن خلال حركة معينة من لاعب أو لاعبين، تلتمع في ذهنك فكرة : أنه لو لم يتصرف هكذا وربما بالصدفة لخسر المباراة وما يترتب عليها (ليس بالضرورة أن تكون المباراة رياضية.. في الحياة أصناف المباريات ..!).. أو أن تشاهد لعبة سنوكر (بليارد) المليئة بالإيحاءات السياسية، حتى تخال أن لاعب السنوكر لابد أن يكون سياسياً حاذقاً.
في أسفل الصفحة عنوان (som Sabadell flasbmob) أنقلها إلى لوحة البحث في الغوغل، ثم الرابط الثاني، ستشاهد مشهد في ساحة قرية. المشهد سيستغرق دقائق، وهو ربما دعاية، ولكنه مليئ بالعبر السياسية، حتى يكاد يتصور المرء أنها منتجة فقط لغرض سياسي محض لا دعائي ولا فني، فماذا يتضمن العرض الذي أدعوكم وأرجوكم ومشاهدته وسماعه ..؟
في ساحة البلدة، بعض الناس ضجرون، وآخرون يقرأون الصحف، وبعضهم يثرثر على الأرجح بما لا طائلة منه، وأطفال يلعبون، وشبان وشابات في مواعيد غرامية، كل مشغول بما هو فيه.
رجل يقف وحيداً يعزف على آلة الجلو .. لا يلفت النظر ..وهو يدرك أنه لوحده (أرجو الانتباه لكلماتي) سوف لن يكون بوسعه أن ينتج موسيقى أو شيئاً يشد انتباه الناس، الذين لا يجمعهم تفاعل مشترك، ولكنه لا ييأس، وبصبر يواصل العزف .. إنه بموسيقاه يخاطب ... يخاطب من ..؟ يخاطب الجمهور .. نعم ربما، يخاطب أناس (قوى) غير ظاهرة، مختفية عن المشهد، هذه القوى موجودة ولكنها مغيبة لهذا السبب أو ذاك، إنه يدعوهم باللغة التي يجيدها، ولغته أنيقة، وتنطوي على إخلاص وصدق، يواصل العزف، طفل يتبرع له بمصروفه، فيكتسب عزيمة قوية، يدرك أنه سيصل لهدفه .. البداية دائماً صغيرة، يواصل العزف .. تنفعل إمرأة من معاناة العازف، وتسمع موسيقاه (نداؤه) تهبط من بيتها على عجل وبيدها آله الموسيقى وتشاركه .. يبتسم لها، وبعد هنيهة يلتحق بهما آخر، وآخر، يشتد العزف، ويبدأ الناس تدريجياً بالانشداد لما يدور، الصوت يعلو .. الموسيقيون من الرجال والنساء يعزفون موسيقى مشهورة إنها تدعو للنهوض .. هيا تعالوا .. هلموا .. ويلتحق به المزيد من العازفين والعازفات، والفرقة تكبر وتتسع، من كان يقرأ كتاباً بيده، تركه وأنشد إلى عمل الفرقة، من كان يأكل ترك طعامه، الأولاد الأطفال تركوا اللعب وسحبهم الحماس .. الفرقة أصبح فرقة موسيقية تتكامل والعزف يتصاعد، الأمر لم يعد تسلية .. صاروا الحدث الأهم في الساحة الرئيسية للمدينة ... بل في المدينة بأسرها، الأطفال هجروا اللعب، الكبار انصرفوا عن عما كانوا فيه والتحموا بالحدث، أي حدث ..؟ هذا الحدث الذي يتشكل تدريجياً ..اللغة تختصر الزمن والمسافات.. لغة تمتلك قدرة المرايا .. وهذا الالتحام الرائع بين الناس بمختلف أعمارهم ومهنهم وثقافتهم يتبلور، حتى صاروا قطعة واحدة واتحدوا، رجال ونساء الفرقة يعزفون بإخلاص.. الآن الفرقة تعزف بشكل احترافي رائع، الجمهور أدرك بعمق أن ما يحدث هو عمل إبداعي، لن يلهيهم بعد الآن شيئ، لقد التحمت الفرقة بالجمهور .. لاحظ وجوه الناس عاد إليهم الأمل والسعادة، لقد اتحدوا فيما بينهم، الناس كلهم، الفرقة كلها، ثم الجمهور والفرقة صاروا شيئاً واحداً، من أصناف الناس ومن مختلف أعمارهم.. الاتحاد منحهم الحب، والأمان، والشعور بالثقة، والمستقبل، الموسيقى تتصاعد، الفرحة تتصاعد، عناصر الفرقة أدركوا أنهم فعلوا شيئاً رائعاً، والناس أدركوا أنهم أنهم يعيشون ملحمة جميلة، لقد استحال الضجر واللاشيئ إلى عمل كبير .. الناس جميعاً ... الفرقة والجماهير قد التحمت واتحدت .. شيئ ما وحدهم .. هل هي الموسيقى، هل هو العزف الأول أم الثاني، هل هو الطفل الذي تبرع كأول حركة .. مالذي وحد الناس وكأن يداً سحرية جمعتهم كما تجمع باقة ورد من بستان .. بل ماذا حدث للبستان نفسه، ماذا حدث .. أقول .. القصة كلها .. خلقت وعياً .. صنعت إدراكات قادت إلى الوعي، ثم إلى تبلور الوعي إلى إرادة، الناس أدركوا أن ما بين أيديهم لا قيمة له حيال عملية الالتحام وضرورتها ..
الموسيقى لها فكرة .. والفكرة لابد أن تكون دافعاً للتقدم ... أصدقائي الأعزاء .. اهتموا بالأشياء الجميلة، وبما يشد الناس لبعضها، شدوا خيوطكم .. حبالكم لبعضها، وبدونا لن تكون هناك سفينة ولا شراع، ولا إبحار .. وسوى ذلك ضياع وقت وخسارة ... ألستم معي أننا قد خسرنا الكثير .. بل الكثير جداً .. وآن لنا أن نستمع لبعضنا .. أرجوكم أن تشاهدوا هذه اللوحة .. هذه التجربة الإنسانية الرائعة ,, شاهدوا .. أسمعوا .. فكروا .. أتحدوا .. أنهضوا .. أتركوا ما لا يفيد .. استمعوا للصوت ...
Som Sabadell flashmob - BANCO SABADELL
https://www.youtube.com/embed/GBaHPND2QJg
1370 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع