الدكتور صلاح رشيد الصالحي
تخصص تاريخ قديم
شخصية (ذو القرنين) في القرآن الكريم
هل هو نرام-سين الأكدي ام الاسكندر المقدوني
مشهد من المسلة يصور الملك نرام – سين يقتل الاعداء ويرتدي خوذة مقرنة دليل الألوهية باعتباره (الملك المقدس)
الملك الأكدي نرام – سين (Naram-Sin) (2291-2254) ق.م : ابن الملك مانشتوسو، معنى الاسم (محبوب الاله سين) حكم أمدا طويلا دام (37) عاما، وجعل ابنته (اين-خيدو-انا) (En-ḫedu-ana) معنى اسمها (سيدة تاج السماء) كاهنة في معبد الإله سين في أور، واعتبر ذو شخصية متأثره بجده سرجون (شرو- كينو) وتعني (الملك المكين) أو (الرئيس القوي) مؤسس المملكة الأكدية وعاصمتها اكادة، فقد أصبح بطلا اسطوريا عندما خاض سلسلة من الحروب لعل أهمها مهاجمة جبال زاكروس التي تعتبر الحملة الرئيسة لأنها كانت ضد قبائل اللولوبيين (Lullubi) الاقوياء (البرابرة)، وخلد انتصار الاكديين عليهم في نحت صخري وجد في (دربندي كاوور) في محافظة السليمانية ، فالعاهل في هذه المنحوتة ظهر وهو يتقدم إلى الامام ورجلاه فوق اعداء هالكين يتميزون بضفيرة شعر واحدة، ومثل هذه الضفيرة تظهر متدلية من شعر أحد الأسرى على مزهرية أكدية من الحجر معروضة في متحف اللوفر، ولابد من الاشارة إلى لباس رأس نرام – سين في هذه المنحوتة الصخرية وهي عبارة عن طاقية ذات حاشية عريضة منبسطة وهذا النوع من اللباس معروف في العصر الأكدي، وهناك قطعة فنية اخرى رائعة من النحت الناتئ أطلق عليها (مسلة النصر) المشهورة وهي من الحجر الرملي محفوظة الان في متحف اللوفر بباريس، نقش عليها انتصاره على القبائل (لولوبو) الجبلية التي تستوطن جبال زاكروس التي توصف بـ(الجبال الشاهقة) (في السومريةhursag-u-ga) ، وقد عثر على المسلة في سوسه (إيران)، فقد قام نحات ماهر بتصوير معركة نرام- سين ضد ملك سيدوري، وملك لولوبو(انوبانيني) (Annubanini )، وترينا هذه المسلة نرام- سين مسلحا بالقوس ومعتمرا التاج المقرن للآلهة وهو يتسلق جبلا شديد الانحدار ويطأ بأقدامه على جثث اعدائه يتبعه جنده الذين صوروا بحجم اصغر، وتظهر الآلهة هنا برمزين مختصرين هما نجمتان في السماء بينما كانت تصور الآلهة في المنحوتات السومرية لعصر فجر السلالات وهم بهيئة بشرية ، كما صور بالنحت البارز انتصاره ضد اللولوبو في المرتفعات الجبلية الشمالية الشرقية على جبل قره داغ في بلاد الرافدين.
حدث تغير في اسلوب حكم نرام – سين فنراه قد تبنى اثناء فترة حكمه أسلوبا كان يقتصر على الآلهة سابقا، إذ يبدو اسمه في نقوشه مسبوقا بما يشير إلى ألوهيته، أي العلامة المسمارية (دنكر) (Dingir) (بالسومرية) و (ايلو) بالأكدية، وهي على شكل (نجمه) وتعني (إله) وعادة تكتب قبل اسم أحد الآلهة، وفي نقوش عدة اسطوانات لحفظ الوثائق، يدعوه كبار موظفي الدولة دعوة صريحة (بإله أكاده)، وهذه بدعة وأقرب ما تكون إلى الكفر والخروج على العرف الديني، لان الحكام في بلاد الرافدين لم يتجاوزوا وهم في أقصى تعاظمهم حد التقديس والتأليه وذلك لكونهم نوابا عن الآلهة في حكم البشر، وعزت بعض القصص والاساطير ونبؤات الفأل المتأخرة سبب سقوط نرام–سين إلى ذلك التطاول الديني، ويصور نرام- سين في مسلته الشهيرة مرتديا خوذة مستدقة، وكانت (خوذ الألوهية المستدقة) تقتصر على الآلهة عموما، غير ان حق الآلهة في حمل الخوذ المستدقة المتعددة وحقيقة حمل نرام- سين خوذة مستدقة واحدة يؤكد بلا شك مركزه الأقل شأنا في مجمع الآلهة، وفي الواقع ان الخوذتين المستدقتين في العصور اللاحقة تشيران إلى مراتب أدنى من الألوهية، أي أفراد حاشية الإله مثلا، وإضافة إلى ذلك يصور نرام-سين في مسلته في موضع أدنى من الأقراص المشعة التي تكاد بالتأكيد رموز إله الشمس (اوتو) الذي أقيمت المسلة في مدينته أصلا .
لقد استمرت عبادة نرام- سين في مدينة نفر حتى مجيء الاسكندر المقدوني إلى بابل (330- 323) ق.م، الذي اعتبر نفسه مقدس فهو ينتمي إلى الإله زيوس اليوناني، وعند دخوله مصر أدى انه ينتسب إلى الإله آمون ، وفي بابل صرح انه يعبد الإله مردوخ، ويبدو انه استفاد من آراء استاذه ارسطو في التعايش مع الأديان المختلفة، وعلى اية حال في بابل سمع هذا القائد المقدوني قصص واساطير عن نرام- سين فأثار اعجابه إلى درجة قلد فيها سلوك هذا الملك، حتى انه لبس خوذة مقرنة تشبه الخوذة التي كان يلبسها الملك نرام – سين والمصورة على مسلة النصر، ولذا وصف الاسكندر المقدوني (بذي القرنين)، وبناء على هذه الحقيقة يرى الباحث (فوزي رشيد) (رحمه الله) بأن الملقب بذي القرنين في القرآن الكريم هو الملك نرام – سين وليس شخصا آخر غيره ، وأعتقد اسم (اللولوبيون) أو (لولوبو، لولو، لولومو) (Lullubites) باختلاف التسميات وسكناهم من مناطق شهرزور (جنوب شرق السليمانية) وإلى منطقة زهاب قرب سريبول في جبال زاكروس (في داخل إيران) هم حتما (ياجوج وماجوج) الذين صفوا كمجموعة بربرية (همجية)، وايضا وجود اختلاف في اللفظ بين (يا) جوج و (ما) جوج في مقدمة الاسم، يشبه الاختلاف البسيط في لفظ تسمية لولوبين (البرابرة)، كما أن صعوده الجبل في (مسلة النصر) ويقع في شرق بلاد الرافدين، فحتما شروق الشمس يكون من الشرق حيث جبال زاكروس التي توصف بـ(الجبال الشاهقة) (في السومرية hursag- u- ga) وما ورائها اراضي مجهولة ما زالت تكتنفها الغموض، والمعروف تربة شمال العراق وجبال زاكروس غنية بالمعادن ومنها الحديد، (والقصدير، والرصاص، والنحاس، والمرمر، واللازورد) والاخشاب والتي استغلها ذي القرنين مع الحديد في بناء جداره الحديدي حتى يبعد خطر القبائل الهمجية ياجوج وماجوج.
2132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع