علي الكاش
زينب السامرائي درة عراقية في التاج النرويجي
مجلسا النواب النرويجي والعراقي كلاهما أشبه بمنخل، لكن الفرق بينهما، ان البرلمان النرويجي هو خلاصة ما يسقط من المنخل كدقيق نظيف وناعم ونقي، والبرلمان العراقي هو يقية الشوائب التي تبقى على سطح المنخل.
الحملة التي شنها بعض ذيول حكومة المنطقة الخضراء على النائبة النرويجية (العراقية الأصل) زينب السامرائي والتي أثارت حفيظتهم لها عدة مبررات، يحتل الدافع الطائفي المرتبة الأولى، فكلمة سامرائي ما تزال تسبب حكة جلدية لبعض من يدعون أنفسهم من آل البيت، مع ان نسب السامرائيين يرجع الى أهل البيت، وهم ليسوا من دعاة الأنساب الكاذبة في عراق اليوم. علما ان أهل سامراء هم من حافظوا على عتبة العسكريين طوال 14 قرنا، وكانوا يقدمون أفضل الخدمات الى الزوار الشيعة رغم الإختلاف المذهبي، والذي لم يكن يعني لهم شيئا. وانتهت مهمة أهل سامراء في الأشراف على العتبة الشيعية التي خدموها بعد التفجير الإرهابي الذي قام به الحرس الثوري الإيراني بإعتراف قائد القوات الامريكية في العراق، خلال المؤتمر الذي عقدته منظمة مجاهدي خلق عام 2013، وقد اسلدت الحكومة الستار على الجريمة الإرهابية خشية من البعبع الإيراني. وسكتت القيادة الامريكية عن الجريمة ايضا لدوافع لم يفصح عنها لحد الآن مع ان الملف الأمني يفترض انه بيدها كدولة محتلة للعراق.
وكانت النتيجة حرب أهلية دفع الشعب العراق بمختلف شرائحه ثمنها الباهض من خيرة شبابه الأبرياء، بعد ان رفض رئيس الوزراء العراقي حينذاك المهووس ابراهيم الجعفري منع التجوال موفرا فرصة كبيرة لجيش المهدي للقيام بأكبر جريمة إبادة جماعية حصلت في تأريخ العراق الحديث. وما تلى ذلك من إجراءات فضحت الجريمة ومن يقف ورائها، فقد إنتقلت على أثرها العتبة العسكرية من الوقف السني الى الوقف الشيعي، وتبادل وزير العدل الشمري التهاني مع المسؤولين الشيعة على هذا الإنجاز الوطني الكبير!
لأني أعيش في النرويج فأنا على معرفة تامة بطريقة الإنتخابات، فقد شاركت في انتخابات مجالس البلدية (الكمونة) والإنتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي 2017، وكانت الإنتخابات تجري بشفافية ونزاهة بحكم التطور الحضاري للنرويج وحرص الحكومة على أن تكون المنافسة بين الأحزاب المرشحة منافسة جدية بعيدة عن أي مؤشرات سلبية، علما ان النرويج في بداية السبعينيات من القرن الماضي كانت دولة فقيرة، لحين ما أثمرت جهود مهندس النفط العراقي(قاروق القاسم) عن اكتشاف البترول في بحر الشمال (حقل ايكوفسك) عام 1969، وسرعان ما تقدمت النرويج لتصبح من دول العالم المتطورة خلال عقدين فقط من الزمان.
حزب العمال النرويجي من الأحزاب اليسارية العريقة وله قاعدة جماهيرية كبيرة في النرويج ويصل عدد أعضائه الى حوالي (60000) ألف عضو مسجل، ويرجع تأريخ تأسيسه الى عام 1887 وشكل أول حكومة عام 1928 وسبق ان حقق إنتصارات انتخابية كبيرة وشكل حكومات متتالية من عام 1935 لحد الآن، ولم يكن فوزه الأخير موضع شك من قبل الشعب النرويجي. ولأن موقفه مناصر للاجئين، فقد كسب تـأييدا قويا من المهاجرين عموما، فعندما يشارك الناخب (بعد حصول اللاجيء على الجنسية النرويجية) يأحذ بنظر الإعتبار موقف الحزب المرشح من اللاجئين، ويكون هذا الموقف هو الرئيس في تحديد اختيارته، وهذا ما فعلناه خلال الإنتخابات السابقة، فأخترنا حزب العمال.
قبل الإنتخابات بفترة مناسبة تقوم الأحزاب النرويجية بدفع أعضاء منها الى تقديم الزهور للناس عموما (الزهور الحمراء من قبل حزب العمال) علاوة على كراسات فيها نبذة عن الحزب وصور المرشحين، دون ان يستجدي اي منهم تأييدا لحزبه، او حتى مجرد الإشارة عن الموقف من الحزب او دعمه، وهذا يشمل كل الأحزاب المرشحة. وحزب العمال يحاول دائما ان يُطعَم ذاته يدفع دماءا جديدة (الشباب) الى الواجهة، لذا كان ترشيح الآنسة زينب السامرائي كفتاة في مقتبل العمر لهذا الغرض، ولكي يؤكد الحزب نظرته غير العنصرية فقد تم ترشيح زينب العراقية الأصل. وفعلا نجح الحزب نجاحا باهرا، وحققت الآنسة زينب المرتبة الرابعة في تسلسل عدد الأصوات التي حصدها حزب العمال، وسبقها برلماني مخضرم معروف في الأوساط السياسية ووزيرين سابقين فقط. لذا فقد حققت زينب ما لم يتوقعه الحزب نفسه حسبما أظن!
السبب الثاني الذي دعا الأقزام الى مهاجمة العملاقة زينب هو حديثها الواقعي عن أعمالها السابقة ومنها توزيع الجرائد، وهذه حالة معروفة في النرويج حيث يسمح للطلاب (الصغار) بأن يقوموا بالدوار على الشقق والدور لبيع او توزيع الصحف مقابل مبالع قليلة وكذلك خلال العطلة الصيقية سيما في أعمال التنظيف. كما ان عملها كقصابة او منظفة هي حالة طبيعية جدا في النرويج لأن الطالب لا يعتمد على أهله، صحيح ان الحكومة تقدم مبلغا ماليا للطفل منذ ولادته ويستمر معه، وتدعمه طوال سنوات دراسته بمنح وقروض، لكن البعض يحتاج الى مبالغ اخرى لتغطية نفقاته، فقد كانت تعمل معي في المكتبة (Norli) فتاة نرويجية تشتغل ايضا في دار للعجزة ومعلمة متوسطة ايضا للغة الاسبانية طوال الاسبوع وبشكل مرهق، لأنها توفر النقود لإكمال دراستها الطبية في اوسلو مع ان أهلها اثرياء جدا، وليس عندهم سوى هي وأخيها، لكنه الإعتماد على الذات وهو أمر عادي في النرويج. لذا فأن صراحة زينب أزعجت الكثير من المسؤولين العراقيين الذين مارسوا هذه المهن ولكنهم يتحفظون عن ذكرها بسبب عقدة النقص عند معظمهم.
الأمر الآخر ان الآنسة زينب جعلت النائبات العراقيات في وضع لا يحسدن عليه، وهنٌ يشاهدن فتاة جميلة مملؤة بالنشاط والحيوية، وفي مقتبل العمر تتألق بمنصب نائبة في أرقى دول العالم، فالنرويج دولة متطورة ولا يمكن الوصول الى منصب نائب في البرلمان (Storting ) بسهولة. علاوة على ما تستمع به زينب من جمال هاديء يفتقدنه معظم النائبات العراقيات، اضف الى ذلك الصراحة في التعبير والبساطة في الإلقاء رغم الصعوبة في التعبير باللغة العربية كما ذكرت، لكنها أجادت، واسمعتنا صوتا وكلاما واقعيا لم نسمع من معظم النائبات العراقيات.
الأمر الآخر إن الآنسة زينب سببت الحرج الى الكثير من النائبات والنواب العراقيين الذين لم نسمع منهم كلمة واحدة خلال الدورة الإنتخابية الحالية، وسيغادروا البرلمان دون ان يسمع الشعب العراقي تغريدهم لا داخل سرب البرلمان ولا في خارجه، في حين سمعنا شدوا مؤثرا من نائبة عراقية في البرلمان النرويجي أثلج صدورنا وجعلنا نتفاخر بها، زهي في الحقيقة فضحت النائبات العراقيات، اللواتي لم نسمع من بعضهن سوى سلاطة اللسان، ممن حفظن كتاب سوء الأدب على ظهر قلوبهن
ولا يتحازو تفكيرهنٌ فردة الحذاء الذي يرفعنه في وجه زملائهم النواب. علاوة على احاديث طائفية مقززة، تذكرنا بجيمس بوند (العميل رقم 7)، في حين انتج البرلمان العراقي (العميلة 7 ×7).
الآنسة زينب أحرجت النائبات عندما تحدثت عن ضرورة معايشة الشعب النرويجي والإندماج معه والتعرف عليه عن كثب والا كيف ستمثله على حد قولها؟ في حين ان النائبات العراقيات يعشن في قلعة المنطقة الخضراء الحصينة، ويرفعن انوفهن الكبيرة الى أعنان السماء متكبرين على ناخبيهم قبل غيرهم. تعتبر زينب نفسها خادمة للشعب النرويجي وهذا حال بقية النواب في البرلمان النرويجي، في حين إن المسؤولين في العراق يعتبرون الشعب العراق خدما لهم، وهم ملائكة كما وصفهم إبراهيم الجعفري، مع إنهم في الحقيقة أبالسة، أو كما يقال في المثل النرويجي (ذئاب في ملابس خراف).
أظن أن السبب الأقوى في الهجوم على زينب ـ بدافع من النائبات العراقيات وذبابهم الألكتروني ـ هو ما تحدثت به عن طريقة معيشتها وهي تسكن في الطابق الرابع من بناية وبلا مصاعد، وان الحكومة النرويجية لا تخصص لها سيارة او مرافق او اية إمتيازات، وهذه حقيقة نعرفها نحن الذين نعيش في النرويج فالبنايات القديمة بلا مصاعد وهي أرخص ثمنا من الحديثة المزودة بمصاعد كهربائية، والنواب ليس لهم أية امتيازات أو مخصصات سوى الراتب فقط، وهو راتب يمكن ان يحصل عليه اي مواطن يعمل عملا آخرا مثلا سائق شفل أو جرافة جليد لأنه يعمل خلال العطل الرسمية وفي الليل فيكون أجره مضاعفا وأكثر من راتب رئيسة الوزراء، وعندما إستغرب السيد أنور الحمداني من ضخامة الراتب وقارنه براتب النائبة العراقية، فهو في الحقيقة ربما لا يعرف أن مستوى المعيشة في النرويج مرتفع جدا، بمعنى ان ما تتقاضاه زينب ليس راتبا كبيرا، سيما إن نسبة الضريبة على الدخل 33% وتتصاعد، كما أن الصرفيات كبيرة، مثلا كيلو الباذنجان (65) كرونة وكيلو الطماطة (40) كرونة، والخيارة الواحدة (20) كرونة، وكيلو لحم الغنم شرح او بقر (250) كرونة. والإيجار لا يقل للعائلة الصغيرة لغرفتي نوم عن (8000) كرونة وخدمة الكهرباء وتوصيله حوالي (2000) كرونة كل شهرين، علاوة على ضريبة التأمين الإلزامي فقط على السيارة غير الحديثة (1000) كرونة شهريا وتزداد الضريبة بحداثتها، وضريبة الطرق العامة (3500) كرونة سنويا، علاوة على ضريبة إستخدام الطرق السريعة، وضريبة التلفاز (NRT ) مرتان في السنة (1600) كرونة. لذا راتب زينب ليس ضخما كما يتصور البعض.
كلمة أخرة للنائبة الرائعة زينب السامرائي: أنت مفخرة للعراقيين وتاج نضعه على رؤسنا المثقلة بهمو الحياة الصعبة في العراقي، وفساد الحكومة والبرلمان العراقي، واصلي مسيرتك الظافرة التي بيتها بعصاميتك وإصرارك على أن تكوني في مقدمة الركب، ولا تعيري لطنين الذباب أي أهمية! سبب الهجمة عليك لا يتجاوز الحسد والغيرة والفضيحة التي أسقطت ورقة التوت عن بعضهن ممن وجدن فيك ماينقصهن من علم ومعرفة وواقعية وكفاح وحب للشعب النرويجي وتفوق باهر، أغاضهم صراحتك وعفويتك و مسيرتك الجهادية يا مفخرة العراق.
لا تستغربي سيدتي عندما تقوم مجانيق البرلمان برمي حجارتها عليك، لأنها نفس المجانيق التي ترمي الشعب العراقي بنفاياتها.
علي الكاش
683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع