عبدالله عباس
خواطر حول مايحدث :
( داعشيات ) وإلادارة الامريكية
غموض المعلوم و وضوح المخفي
( 1 )
حسب مامعلن ان ( داعش ) انتهى في العراق ‘بل ان السلطة هنا حدد يوم وطني للاحتفال بسقوطه ‘ وفي غمرة الكلام وكتابة تحاليل عن هذا الحدث ‘ لاحظنا اهم تحليل امريكي مؤشر الى ظهور سؤال يتردد بعد هذا الحدث في الأوساط الأميركية القريبة من مراكز صنع القرار ، اثارته تدل على مشروعية الشك في كل تصرفات الادارة الامريكية وعلى طول الخط مع كل مايحدث في هذه المنطقة ‘ في كل ما يتعلق بالاعلانات الامريكية المتعلقة هدفها ضمان استقرار ونمو الديمقراطية الناضجة في العراق الموحد والقوي ‘ ابرز علامة كدليل على عدم نزاهة مصدر القرار الامريكي كما يؤكده التحليل هو موقف واشنطن الداعم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لأذرع إيران وغموض في التعامل مع طموحات تركيا الاردوغاني في العراق بالقوه رغم علو صوت ( بيت الابيض و مؤسسات ادارتها ) معلنا كراهية لكل ماهو متعلق بنظام طهران و قلقها تجاه تصرفات وطموح تركيا في المنطقة .
من هنا ياتي اهمية تساؤل طرحه “غوشوا غلتزر”، المدير السابق لمكتب مكافحة الإرهاب في “مجلس الأمن الوطني الأميركي”، خلال مقاله الذي نشر قبل فتره في مجلة (ذا أتلانتيك) الأميركية، في ظل التجاهل والغموض المتعمد من قبل واشنطن إزاء القضايا الكبرى في المنطقة تحت عنوان ( استراتيجية الغموض المتعمد ) .
والغموض الذي يتجنب كل المتفائلين بالموقف الامريكي الاقتراب من الحديث عنه علناَ منذ اليوم الاول لاحتلال العراق هو الحقيقة الساطعة في البرنامج الاساسي للاحتلال والذي بدأ اول خطوطه باعلان ما سمي ولايزال بالعملية السياسية في العراق ‘ حيث ان الواضح فيها منذ البداية هو وضع الاساس لخلق الصراع الاجتماعي اتخذ وعلى طول سنوات تلك العملية اشكالا دينية ومذهبية وعرقية ومناطقية كل خطوة فيها يتوقع منها خلق ازمات غير محدد الهدف والاتجاه و حتى مدتها الزمنية والاصرار على بقائها ( غامضاً ) من اولويات المشرفين على تيسير العملية منذ البداية ‘ لذا العارفين ببواطن الامور في المراحل الاستراتيجية المعتمد من مصدر القرار الامريكي يعرفون ان هذه العملية ( ولحد المرحلة التي وصل الى اعلان سقوط داعش ) لاتستهدف بناء الدولة في العراق رغم ان الجميع من في داخل العملية مالئين الدنيا وشاغل الناس بالحديث عن : مستقبل الدولة المدنية من الصناعة الامريكية وبتعاون غريب واكبر واكثر اثارة من اتجاهات اليسار التاريخي في العراق ومباركة المرجعيات .
( 2 )
من هنا ‘ ان القول بان وبعد مرور خمسة عشر عاما على بدأ تلك العملية : العراق وكل ما يحصل فيه يسير نحو المجهول ‘ وعند مصدر القرار المسؤول عن تنفيذ استراتيجية احتلال العراق ‘ ان استمرار الفوضى ياخذ اشكالا متنوعة وحسب اهمية ارتباط كل نوع بالهدف المحدد في البرنامج الاساس ‘ واكثر هدف واضحا حتى للمواطن البسيط في هذه العملية هي : منع فتح اي باب يؤدي الى ظهور اي انجاز عراقي وبشكل جماعي يعطي امل حتى للمشاركين في العملية السياسية يعني بنتيجه توجه نحو الثقة عند العراقيين بأن المشاركين في العملية يرغبون في ( اعادة بناء الدولة ) .
مصدر القرار الامريكي الذي خطط و وضع استرتيجية احتلال العراق وساعده بشكل قوي في وضع هذه الاستراتيجية الاستعمار الغربي العجوز ذو تجربة الغنية في العراق ( الانكليز – ابوناجي حسب تسمية التاريخية من العراقيين ) ‘ أختار بدقة قبل الاحتلال ( واكملة تشكيلة بعد الاحتلال بمساعدات اقليمية ) الرموز المؤثرة والقادرة على فعل وادامة الفوضى للمشاركة في عملية السياسية ‘ وهذا الانجاز هو اهم اساس معتمد في تنفيذ ( استراتيجية الغموض المعتمد – تسمية جديده امريكيا ) في مراحل لاحقة كان من ضمنها استثمار ظهور لـ ( داعش )
ومن هنا أيضاَ‘ نريد ان نتوقف عند مراجعة بعض الاحداث ماقبل 2003 و ماحدث وادى الى فتح ثغرات قاتلة ‘ فتح الابواب ليحدث ما نراه اليوم ‘ اكدنا وبحسب قراءتنا المتواضعة للواقع التاريخي للعراق الدولة التي تاسست في عشرينات القرن العشرين ‘ ولان مسؤولية تلك الدولة اعطيت للناس كانوا يفهمون معنى الدولة وكيفية بناءها ‘ ولانهم كانوا صادقين في وطنيتهم لخدمة الدولة الوليدة ‘ وضعوا كل ما يتعلق بأسسها منطلقين من هذه الروحية ( راجع : جريدة الزمان العدد 5908 في 13 كانون الاول 2017 ص 15 كذلك موقع كتابات في نفس التأريخ/ قصة شعب ضحى بالكثير ولم يحصل الا على قليل – حنين الى حكم الرجعيين العملاء ) .
ماحدث في التغير المدمر الذي حدث في 14 تموز 1958 ‘ خيب امال الصادقين في التوجة لبناء دولة طموحة تقودها ( الامة العراقية العصرية ) وهذا الخطأ التاريخي هو الذي فتح الباب لكل المأساة التي حدث بعدها مهما يحاول ( تجار السياسة تبرير ذلك الحدث الذي سميت بالثورة ....!!!) ‘ لان ذلك الحدث هو الذي اسقط ركائز الدولة العراقية وهذا السقوط فتح الشهية التاريخية لكل الطامعين في العراق اقليميا ودوليا و في مواجهة هذا الخطر خذل الاحزاب مابعد 14 تموز 1958 شعب العراق وكان اليسار العراقي في المقدمة في ذلك الخطأ التاريخي وهم لايزال مستمرين في ادامة ذلك الخطأ مع الاسف .
( 3 )
على اية حال أن هذا لايعني لم تحدث محاولات وطنية جادة لانقاذ ما يمكن انقاذه ‘ ولكن عمق الجروح الذي فتحة حدث اسقاط اسس الدولة عام 1958 بالانقلاب العسكري ومن خلال المسيره الفوضوية والدموية باستحاق عامي 58 و95 وسحل في الشوارع فتح الباب للانقلابات بعضها كانت يحدث بشكل مضحك ...!! واسقط في العراق دولة الدستور وحل محله منذ ذلك التاريخ ‘ الدستور المؤقت الى 2003 ليحل محله دستور مليئ بالالغام وضمن استرتيجة الغموض من مصدر القرار الامريكي ‘ و للتاريخ ‘ حدث من 1958 الى 2003 انعطافات تاريخية ظهرت من خلالها رغبة جدية لانقاذ مايمكن انقاذه في هذا البلد ‘ ولكن في كل مرة اما التأمر الدولي او الاقليمي او بالتعاون بينهما يتم اجهاض تلك الانعطافات لمنع وصولها الى هدف اعادة تاسيس دولة العراق كما يرغب العراقيين ‘ وحدث اجهاض اخر انعطاف ايجابي نتيجة للاخطاء التاريخية الجسيمة والذي اعطى مبررات قوية لاحداث نيسان 2003 ‘ أهم انعطاف لصالح اعادة بناء دولة العراق ظهر في الحدثين التاريخيين نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي تمثل في اعتراف بحق تقرير المصير الكرد من خلال تاسيس سلطة الحكم الذاتي لكردستان و الثاني تاميم النفط ‘ ولكن بدل من استثمار هذين الحدثين لصالح ذلك الهدف ‘ تم اعتماد على التعصب والغرور في التعامل مع الانجازات ‘ وعندما اضرت تلك الانجازات بالمصالح الاقليمية والدولية بدل ان تاخذ السلطة درس واستثمار ذلك لمزيد من البناء ‘ تم التوجه الى الغرور في التعامل مع الاخرين معتمدين على التفاف الشعب حول الانجازين واعلان استعدادهم للدفاع عنهما ‘ مما زاد الحقد القوى المضادة للاستقلال واستقرار العراق ‘ فكان التوجه وبعنف في التعامل مع الحركة القومية الكردية عندما سجلت ملاحظاتها على التراجع في تنفيذ التزامات الدولة تجاه الكرد ‘ وبعد ذلك حدوث الخطأ التاريخي باحتلال الكويت مباشرة بعد انتهاء حرب لثمانية سنوات مع ايران الذي وضع الشعب العراقي تحت قرار الحصار الاقتصادي الدولي القاتل والذي استمر الى 2003 .
( 4 )
هدفي من مرورنا بهذا العرض للاحداث ‘ هو رواية هذا الحدث :
( في نهاية التسعينات من القرن الماضي ‘ في وقت كان وضع العراقيين تحت ثقل الحصار وصل الى حد لايطاق ‘ و وجع الانسان العراقي ضارب العظم كما يقول المثل والحكومة في صراع مع لجان التفتيش التي كان ظاهرا في تصرفاتهم ان اعضاءها يتم اختيارهم بدقة مهمتهم خلق المشاكل لحكومة العراق الى حد حرب الاعصاب مع مسؤولي ذلك الملف ..‘‘ كنت مشارك في اجتماع اعلامي عندما قال المسؤول الذي كان يتراس الاجتماع بألم : منذ نهاية الستينات والى بداية الثمانينيات ‘ كنا في وضع قوي بحيث ان احد الاسباب التي كانت تزعج اعداء العراق و وضعه الوطني المستقر ‘ هو انهم يبحثون على اي منفذ ليدخلوا من خلاله للعراق ويتجسسون على وضعها الداخلي ماكانوا بامكانهم ان يلتقوا بأبسط مواطن يساعدهم حتى من منطلق الجهل بهدفهم ) واكمل كلامة بحسرة وحزن قائلا : ( ولكن الان وصلنا الى وضع مزري بحيث كشفت الاجهزة الامنية الخاصة أن بعض المواطنيين بينهم من هو واعي وكان قبل سنوات في صف العمل للبناء ‘ يذهبون الى فندق الرشيد و يبحثون عن اي عضو في لجان التفتيش ليعطوا معلومات كاذبة مقابل اي مبلغ من الدولار الامريكي ....!! احنا نفسنا مسؤولين عن هذه المأساة......ألخ ) .
في سبعينات القرن الماضي عندما شعر الغرب بنهوض ارادة الفلسطينين ليأخذوا زمام المبادره بأتجاه اعادة حقوقهم التاريخيه ‘ فتحجج الغرب للاخطاء التي حصلت في العراق ‘ من هنا كانت سنوات الحصار ضمن خطة ستراتيجية لاادامة الاسقاط المدوي في المنطقه ‘ وبدأ العمل من خلال العراق لمنع اي صعود لاي ارادة في المنطقة يؤثر حتى بشكل غير مباشر على التخطيط الغربي عموما و مصدر القرار الامريكي المرهون لارادة الحركة الصهونية العالمية الذي وضع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من ضمنه وعد بلفور و سايكسبيكؤ ‘ ونذكر هنا ايضا ليس بهدف تغيير الرسم كما يتوهم بعض السطحيين ‘ إنما بهدف تعميق تشتت وشكل كل ارادة يؤثر سلبا على ذلك المخطط وذلك الهدف الستراتيجي : لضمان هيمنتهم والامن المضمون للسلطة الاستطانية المسخة للصهاينة وهم على هذا النهج يغيرون الانظمة وقواهم ويزيدون شراء اذناب من الفاسدين و يسقطون اصحاب الارادات من منهم يدفعه الغرور نحو اخطاء قاتلة و منهم يدفعة وطنيته الصادقة ايضا.
من هنا ‘ ان الفترة الزمنية لعودة العراق الى العراقيين لم يحن ‘ بدليل ان كل الخطوات التي يعلن انه يهدف تعميق الاستقرار وبالاعتماد على الدستور( لان ذلك الدستور اساسا ضمانة لمنع نضوج فكرة اعادة بناء الدولة الا دولة مشروطة بمواصفات مصدر القرار الامريكى وهذا لم يحن وقتها ولا باس بالنسبة لهم لو اطال الزمن وسقط الملايين من البشر من كافة القبائل والمذاهب ) وتحقيق هذا الهدف لايزال مكلف به كل من منسجم مع تخريب العراق والمنطقة الى ان يطمئن اصحاب وضع ( ستراتيجية الغموض المتعمد ) من تحقيق ما يطمحونه .
1226 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع