بقلم: الدكتور لحسن الكيري*
تقرير عن محاضرة حول أساليب التعليم و التعلُّم الفعَّال
بدعوة كريمة من الأستاذة الفاضلة الدكتورة فاطمة حسيني ألقى الدكتور و الباحث المغربي المتميز في علوم التربية السيد أحمد أوزي محاضرة بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط و ذلك يومه الأربعاء 27/12/2017 من الساعة التاسعة و النصف صباحا إلى الساعة الثانية عشرة زوالا. و تدخل هذه المحاضرة الموسومة بعنوان "أساليب التعليم و التعلم الفعال"، شأنها شأن محاضرات أخرى، في سياق مجزوءة تكوينية بالمركز تشرف عليها الدكتورة فاطمة حسيني لفائدتنا نحن الطلبة المفتشين و هي ديداكتيك اللغة العربية.
في بداية حديثه و بعد أن شكر الأستاذة فاطمة حسيني على سعيها المحمود بغية تطوير تدريسية اللغة العربية، قدم الدكتور أحمد أوزي إحاطة مركزة بالدواعي و الأسباب التي تقف خلف اختياره لهذا العنوان لمحاضرته و التي يمكن أن نجملها وفق الشكل الآتي:
- ضرورة إعادة النظر من طرف الأستاذ باستمرار في يقينياته و مراجعتها كي لا يقع في النوم الدوغمائي كما يسميه كانط؛
- العولمة التي حولت العالم إلى مجرد قرية صغيرة؛
- تعاظم ما يسمى باقتصاد المعرفة؛
- التدفق المعلوماتي الكاسح؛
- ضرورة توجه التعليم إلى استثمار إمكانات المتعلم الذهنية و استثارتها بقدر كبير.
إن هذه الأسباب فرضت على مدرس اليوم في المدرسة الحديثة أن يتنازل عن سلطته لينتقل من مالك مطلق للمعرفة إلى مجرد ميسر لها. و هكذا يصبح المتعلم هو مركز العملية التعليمية التعلمية و جوهر الفعل التربوي. و إذا كان الأمر كذلك فإن المتعلم يصبح هو الباني الحقيقي لمعرفته و تعلماته لأن التعلمات التي لا يبنيها هو بذاته لا ترسخ في ذهنه و بالتالي تكون غير مفيدة. و هذا ما يسمى بالتعلم الفعال.
و قد ذهب الأستاذ المحاضر إلى أن إصلاحاتنا في مجال التعليم في المغرب كانت تتعرض للفرملة بمجرد ما تنزل إلى الميدان بحيث لم تكن تدخل إلى القسم نظرا لمشكل عويص يحصل بين عدد كبير من المدرسين المغاربة و التلاميذ ألا و هو التواصل التربوي. و في هذا السياق، ذكَّر الأستاذ بنتيجة بحث تربوي سابق أجراه على عدد من التلاميذ حول مواصفات الأستاذ الذي يفضلون فكانت النتيجة كما يلي:
- هو أستاذ يتعامل معاملة حسنة؛
- هو أستاذ حنون؛
- هو أستاذ يستعمل طرائق حية في التدريس؛
- هو أستاذ ممتع في دروسه؛
- هو أستاذ متفهم لحاجيات المتعلم؛
- هو أستاذ مجد، مجتهد و ضامن لحرية التعبير و حامٍ للمتعلم.
و لعل هذه المواصفات من شأنها، حسب نفس المحاضر، أن تجعل التعلم يحدث في أجواء مبهجة و ممتعة مما يحفز المتعلمين و يخفض من مستوى المصفاة العاطفية عندهم فيتحررون من مخاوفهم ثم ينطلقون بدون قلق في تعلماتهم و كلهم حيوية و فضول. لهذا السبب يتبنى المحاضر مقاربة نفسية تربوية تسمى بالذكاءات المتعددة. و قد اكتشفها منذ أواخر الثمانينيات عندما اتصل بصاحبها الأمريكي هوارد غاردنير في إحدى اللقاءات العلمية و لا يزال الاتصال قائما بينهما إلى الآن.
و هي مقاربة ثائرة على مقاييس الذكاء التي تم تصميمها سابقا من طرف ألفريد بيني و ستانفورد بيني و ويكسلر التي كانت تركز على اللغة و الرياضيات في تحديد المتعلمين الأذكياء نظرا لتأثر أصحابها بالنزعة التراثية الإغريقية الممجدة للمنطق و الفلسفة. و تقول هذه المقاربة بوجود ذكاءات متعددة لدى الكائن الإنساني، و بالتالي فكل متعلم ذكي بالضرورة، إذ فقط يجب أن يعرف المعلم كيف يستغل إمكاناته و أسلوب تعلمه كي يجعل منه فردا صالحا و مفيدا لنفسه كما مجتمعه. إن العقل أعدل قسمة بين الناس.
إن هذه المقاربة لمن شأنها أن تساعد على غرس الكفايات المختلفة لدى المتعلمين و تنميتها و على مقاربة المواد الدراسية بطرائق مختلفة و أخيرا على تفريد التعليم بما يجعل كل تلميذ يتعلم بأسلوبه الخاص.
و تنبني هذه المقاربة على تسع ذكاءات هي:
1 - الذكاء اللغوي:
وهو القدرة على استخدام الكلمات بفاعلية سواء شفاهيا أم كتابيا، و يتضمن السهولة في إنتاج و تقديم اللغة و الحساسية إلى الفروق الدقيقة التي لا تكاد تذكر بين الكلمات، و ترتيب و إيقاع الكلمات. و يستخدم هذا الذكاء في الاستماع و الكتابة و القراءة و التحدث.
2 - الذكاء الرياضي - المنطقي :
و هو القدرة على استخدام الأرقام بفاعلية و التعرف على العلاقات المجردة و إيجاد علاقات و ارتباطات بين مختلف المعلومات، و التفكير بطريقة استدلالية استنتاجية مع الإقناع الجيد. يظهر عند علماء الرياضيات و المحاسبين و المحللين و الماليين .
3 - الذكاء المكاني :
و هو القدرة على إدراك العالم بدقة و تكوين صورة عقلية لحل المشكلات المكانية، و يتضمن الذكاء المكاني أيضا القدرة على فهم و إدراك و تحليل العلاقات بين الأشكال الهندسية. يظهر عند الجغرافيين و المهندسين و في بعض الألعاب مثل الشطرنج.
4 - الذكاء الحركي / الجسمي:
و هو القدرة على استخدام الجسم للتعبير عن المشاعر و الأفكار و حل المشكلات. يظهر في أداء الرياضي و الجراح.
5 - الذكاء الموسيقي:
و هو القدرة على التعبير عن الأشكال الموسيقية و إدراكها و خلق المعاني التي يتكون منها الصوت و التعبير عنها و الإحساس بالنغمات و الايقاعات و الجرس الموسيقى. و يظهر هذا الذكاء عند الموسيقيين و مهندسي الصوت.
6 - الذكاء الاجتماعي:
و هو القدرة على فهم الآخرين و إدراك الفروق بين الأفراد خاصة ما يتصل بدوافعهم و مشاعرهم و أهدافهم و نواياهم و التصرف في ضوء ذلك. يظهر هذا الذكاء عند القادة الاجتماعيين.
7 - الذكاء الذاتي :
و هو القدرة على معرفة الذات و فهمها و التصرف على أساس هذه المعرفة، أي أن الفرد يكون قادرا على معرفة أهدافه و نواياه و تكوين صورة حقيقية عن نفسه بما تتضمنه من جوانب ضعف و قوة.
8 - الذكاء الطبيعي:
و هو القدرة على فهم الطبيعة و التمييز بين الأشياء الحية كالنبات و الحيوانات و الصخور، كما يتضمن هذا الذكاء حساسية الفرد لعناصر الطبيعة غير الحية كالصخور و السحاب و المعادن. و يظهر هذا الذكاء عند علماء النبات و الحيوان و الجيولوجيين.
9 - الذكاء الوجودي:
يشير هذا الذكاء إلى النزعة الإنسانية في طرح الأسئلة لمعرفة أسرار الوجود مثل: من نحن؟ من أين أتينا؟ و لماذا نموت؟ كما يساعد علي معرفة العالم اللامرئي و الخارجي (الغيبي).و يظهر هذا الذكاء عند الفلاسفة.
و قد كان هوارد غاردنرGardner يرى الذكاء الوجودي نصف ذكاء حيث إنه كان غير قادر على تحديد الموقع أو المكان البيولوجي له في مخ الإنسان، و لكن مع أبحاثه المستمرة في مجال الذكاءات المتعددة تأكد من صحة وجوده لدى البشر، و ما زال البحث جاريا لاكتشاف المزيد من الذكاءات.
في نهاية هذه المحاضرة فُسِحَ المجال لتدخلات الطلبة المفتشين و التي ثمنت كلها جهد الأستاذ و مسيرته العلمية الحافلة و الأفكار القيمة التي حملتها هذه المحاضرة بخصوص هذه المقاربة الرائدة في مجالها. و هي أفكار من شأنها أن تسهم في عصرنة المدرسة المغربية و جعلها تنافس نظيرتها الغربية رغم الصعوبات و الإكراهات التي تعاني منها كما يعرف الجميع. و أخيرا، شكرت الأستاذة فاطمة حسيني الدكتور المحاضر على قبوله الدعوة و ضربت لنا موعدا في محاضرة أخرى و مع موضوع آخرَ لاحقا.
*كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية - الدار البيضاء -المغرب.
1638 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع