سيف الدين الألوسي
للمرة الثانية أكتب عن الجامعات الأميركية الرصينة , كتبت في المرة الأولى عن جامعة بيركيلي العظيمة , واليوم أكتب عن جامعة ستانفورد الأهلية والبالغة ميزانيتها 36 مليار دولار سنويا !!
تلك المقالتين أخصصها لأجيال بلدي العراق وللأستفادة العامة من معرفة هكذا صروح علمية , وهاتين الجامعتين بيركيلي وستانفورد تتنافس بينها على المراكز الأولى من بين أفضل جامعات العالم وفي كل سنة وحسب التقويمات المختلفة , لم تخرج هاتين الجامعتين عن المراكز العشرة الأولى طيلة عقود ومعها جامعات هارفرد وييل و برينستون ومعهد كاليفورنيا للتكنلوجيا و كولومبيا وكيمبردج وأكسفورد وكورنيل والأم أي تي وغيرها من أسماء بارقة في عالم البحوث والتطور العلمي والأنساني .
زرت هذه الجامعة العريقة قبل يومين وأود كتابة بعض الأمور عن ما شاهدته ولمسته من حقائق .
أسس هذه الجامعة العريقة ليلند ستانفورد في منطقة بالو التو ضمن خليج سان فرانسيسكو غرب الولايات المتحدة وذلك سنة 1891 . اسسها هذا الرجل الذي كان يعمل بأستخراج الذهب ليدرس فيها أبنه الوحيد بعد أن تم رفضه من جامعة هارفرد , حيث أشترى مساحات من الأراضي وشيد عليها هذا الصرح المعماري والعلمي الفريد .
هذه الجامعة بدأ منها وادي السيلكون وأكتشافاته العظيمة فيه , والذي هو الأساس الرئيسي للتطور المعلوماتي الكبير اليوم .
من أشهر خريجيها فينيت سيرف أبو الأنترنيت وكل مؤسسو شركات غوغل , وياهو , ويو تيوب , وهليت اند باكرد (HP) , وشركات مايكرو سيستمز, وسيليكون غرافيكس, ونايكي, وغاب, وسيسكو وغيرها من الشركات الكبرى المتخصصة .
منطقة الجامعة مساحة تقدر بمدينة صغيرة داخل عدة مدن متداخلة , المدخل أليها يمر بواسطة شارع من ممرين طوله حوالي ثلاثة كيلومترات , مزروع بأشجار النخيل المشذبة بعناية على جانبيه , ووسط حدائق غناء مزروعة بأشجار ونباتات مختلفة لها كل أنواع الألوان المتناسقة .
أمام المدخل الرئيس هنالك ساحة خضراء كبيرة على يسارها برج الجامعة وساعتها المميزة والتي هي تابعة الى مركز هوفر للأبحاث . وعلى مبعدة منها مستشفى ستانفورد التعليمي ومراكزه البحثية المختلفة , والتي تعتبر من أهم المراكز الطبية في العالم .
نرجع الى المدخل الرئيسي للجامعة العريقة والمبنية على الطراز الأندلسي , حيث تدخل في أروقة مقوسة كأنك داخل الى أحدى مدن الأندلس مثل قرطبة وأشبيلية وغرناطة , الجامعة مقسمة الى فضاءات مدروسة بعناية تربط بهذه الأروقة والممرات المبلطة بالابنية والقاعات الدراسية , والمحاطة بكل أنواع الأشجار والأزهار والمساحات الخضراء . هنالك كنيسة مبنية لذكرى مؤسس الجامعة من قبل زوجته ,واجهتها الأمامية الكلية عبارة عن لوحة فنية ولا أجمل .
التنقل داخل اروقة الجامعة يكون معظمه بالدراجات الهوائية للطلاب وحيث توجد مواقف مخصصة لتلك الدراجات في كل الأقسام والمختبرات ومراكز البحوث !!
يحتوي الحرم الجامعي الذي هو متحف بحد ذاته حيث نقوش الجدران المعمارية وتنسيق الحدائق ووجود عدد من التماثيل للشخصيات التي خدمت الجامعة , يحتوي هذا الحرم على العديد من صالات الألعاب الكبيرة المغلقة وملاعب أولمبية لكل الألعاب الرياضية ومسابح أولمبية عديدة مكشوفة ومغلقة و مطاعم ونوادي ومسارح وزعت بكل حرفية ومهارة هندسية معمارية فريدة . توجد أصدارات ثقافية ومجلات علمية ونشرات فنية لكل الأبتكارات والبحوث في كليات وأقسام هذه الجامعة .
مما لاحظته في هذه الجامعة ومنافستها جامعة بيركيلي هو البحوث الميدانية لكافة الطلبة ولمختلف المراحل من طلبة البكالوريوس الى طلبة الدكتوراه , حيث الجميع مشغولين بمشاريعهم التخرجية , حيث يتنافس الطلبة على تطوير أجهزة مختلفة في كليات الهندسة مثلا ويسمى الأكتشاف الجديد بأسمهم , وكذلك بالنسبة لعلوم الحياة حيث تراهم يذهبون الى الاسكا مثلا لدراسة نوع من أنواع الدببة أو الأسماك الفريدة , او ترى طلابا يدرسون العلوم السياسية وعلوم الأجتماع والأنسان, يذهبون الى أماكن دراستهم لمعايشة واقع الحال عن قرب ! ( تكون معظم تكاليف هذه الدراسات من الجامعة وبتمويل قروض للطلاب ) .
هذه الجامعة حصدت هي وجامعة بيركيلي أكثر المداليات للولايات المتحدة في السباحة والألعاب الفردية في دورة لندن الأولمبية حيث حصدت الجامعتين على أكثر من مئة وعشرين وساما في مختلف الألعاب .
هذه الجامعتين العريقتين تمتاز بوجود مكتبتين , تحتوي على كل ما يحتاجه ويتوقعه أي باحث وفي أي مجال من مجالات الحياة .
الجامعة توفر السكن لجميع طلابها واساتذتها في مجمعات سكنية نموذجية موزعة على مسافات ومواقع قريبة من الجامعة حيث لا يتم أستعمال السيارات .
الأختلاف بين هذه الجامعة وجامعة بيركيلي هو أن جامعة بيركيلي هي مركز التيار اليبرالي واليساري الطلابي في الولايات المتحدة , لذلك فأن النشاطات السياسية أكثر في بيركيلي حيث تلاحظ المئات من الطالبات والطلاب يرتدون الكوفية العربية والكوفية الحمراء للدلالة على تضامنهم مع قضية فلسطين والعرب .
مما لاحظته في هذه الجامعتين هو كثرة الطلبة العرب وخصوصا من دولة الأمارات العربية والمملكة العربية السعودية وقسم من أولاد الأيرانيين الأثرياء ممن غادروا بعد فترة الشاه وسكنوا الولايات المتحدة , وعدد كبير جدا من الطلبة اليابانيين والهنود ومن مختلف دول شرق أسيا .
كان للعراق عدد من المبتعثين في هذه الجامعة العريقة وفي فترة الخمسينيات , وقسم منهم قد تم تحويلهم من جامعات أخرى الى هذه الجامعة لتفوقهم الدراسي . ( كانت الملحقية الثقافية العراقية في الأربعينات والخمسينيات أكبر وأنشط ملحقية ثقافية عربية في الولايات المتحدة ) .
الكلام يطول ويطول عن هذا الصرح العلمي الفريد , والذي حاز على أكثر من ستين جائزة نوبل, ( بيركيلي أكثر من سبعين ) على مدى تأريخهما ...... ولكنني كتبت تلك النبذة المختصرة جدا لتعريف أبنائنا من الجيل العراقي الجديد على جامعات العالم الرصينة , حيث أرى أن الأمارات العربية أخذت بالأستثمار العلمي الصحيح لأبنائها وهو أهم بكثير من ا لأستثمارات الأخرى , حيث هذا الاستثمار هو الأمثل لمستقبل البلدان والمجتمعات حسب تصوري الشخصي المتواضع .
941 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع