مؤيد كبة
الحاج عبد الغني كبة الوزير (بلا وزارة) في اول وزارة عراقية
كان الحاج عبد الغني الحاج مصطفى كبة (1862-1940م) احد رجال الحركة الوطنية المناهضة للاحتلال البريطاني للعراق بدايات القرن الماضي . ساهم في تأسيس جمعية الشبيبة الجعفرية عام 1919م , وكان معظم أعضائها من طلاب المدرسة الجعفرية.واتخذ من داره مقراً لها وضمت شباباً من ضمنهم :
سامي خونده ، محمد حسن كبة ، صادق البصام ، صادق حبة ، عبد الرزاق الأزري ، رؤوف البحراني ، عبد العزيز القطان ، جعفر حمندي وآحرون . ثم ما لبثت أن انضمت إلى جمعية حرس الاستقلال واصبح الحاج عبد الغني كبة احد اعضاءها . وهي جمعية سياسية سرية اتخذت على عاتقها انقاذ البلاد من الاحتلال البريطاني . وقد انتمى اليها بعض رجال الدين والشيوخ وذوي الاتجاهات الوطنية عـلي البـازركان وجـلال بابـان وشـاكر محـمود ومحـمود رامـز ومحـمد بـاقـر الشـبيـبي ومحـي الـديـن السـهروردي وآخـرين , وأسهمت أسهاما مؤثراً في العمل مع جمعية العهد التي يتزعمها الحاج أمين الجرجفجي والحاج عبد الرسول كبة .
وبعد قيام الثورة العراقية الكبرى (ثورة العشرين) التي شملت معظم المدن الجنوبية والفرات الاوسط وامتدت لتشمل جميع المدن العراقية بهدف مقاومة ومحاربة الاحتلال البريطاني , فكرت الحكومة البريطانية وقتها باعادة ( السير برسي كوكس ) من ايران الى العراق ثانية . حيث قام هذا الاخير باستخدام اساليب المراوغة والمخادعة حتى فرض الانتداب باسم الوصايا ، وتمكن من تهدئة الثورة العراقية عام 1920 . واصبح السير برسي كوكس مندوب الحكومة البريطانية السامي في العراق , وكان معروفا بدهائه الانكليزي المخادع وسياسته الثعلبية الماكره .
وبعد ان اجتمع كوكس مع مجموعة من مستشاريه من الشخصيات البريطانية في العراق تقرر تشكيل الحكومة العراقية وأسناد رئاسة الحكومة الى السيد عبد الرحمن النقيب الذي وافق بدوره على تسلم المنصب وقيامه بتشكيل اول وزارة عراقية في عهد الاحتلال البريطاني في 25/10 /1920 . وكان معظم الاشخاص الذين انتخبهم عبد الرحمن النقيب ليكونوا اعضاء في حكومته من ذوي البيوتات والشخصيات العراقية المعروفة وهم :-
عبد الرحمن النقيب ( رئيس مجلس الوزراء ) ، وطالب النقيب وزير الداخلية ، وجعفر العسكري وزيرا للدفاع ، وعزت باشا الكركوكلي وزيرا للصحة ، وساسون حسقيل وزيرا للمالية ، ومصطفى الالوسي وزيرا للعدلية ، ومحمد علي فاضل وزيرا للاوقاف ، وعبد اللطيف المنديل وزيرا للتجارة , ومحمد مهدي وزيرا للمعارف .
وقد حرص عبد الرحمن النقيب ان يحشد اكبر عدد ممكن من الوجهاء وابناء الاسر العريقة في وزارته , وبناء على توصية المندوب السامي البريطاني اضيفت قائمة اخرى من الوزراء تحت عنوان ووزير بلا وزارة وكاد ان يبلغ عددهم ضعف عدد الوزراء الاصليين، وهم كل من :
عبد الجبار الخياط (بغداد) ، عبد الغني كبة (بغداد) ، عبد المجيد الشاوي ( بغداد) ، فخرالدين جميل( بغداد) ، محمد الصيهود (الكوت) ، عجيل السمرمد (الصويرة) ، احمد الصائغ (البصرة) ، سالم الخيون ، الشيخ ضاري السعدون (الناصرية)، داود البو سفاني ( الموصل ) والشيخ نجم البدراني ( العمارة).
وكان مجلس الوزراء صورة من صور مجالس الادارة التي عرفها العراق في العهد العثماني , حيث ينعقد كل يوم سبت واثنين في دار رئيس الوزراء عبد الرحمن النقيب باعتباره مقعدا لا يستطيع التنقل بسبب مرض الروماتيزم . ويتوجه الوزراء بعد صلاة الظهر الى داره ، فيصل بعضهم راكبا بالسيارة ويقدم بعضهم في عربة ويأتي آخرون على ظهور الخيل . حتى اذا انتظم عقدهم في مجلس النقيب وشربوا الشاي أو القهوة اشار السيد عبد الرحمن النقيب الى سكرتير مجلس الوزراء (حسين افنان) قائلا : "اقرأ يا ولدي" فيباشر بتلاوة الكتب الواردة من المندوب السامي او من الوزارات الاخرى وكتابة المقررات التي تتخذ بشأنها . واستمرت الـــوزارة بالحكم حتـى يــوم 23/8/1923 حيث تم في ذلك التاريخ تتويج الامير فيصل الاول ملكآ على العراق وتشكيل حكومة جديدة .
ويذكر ان الحاج عبد الغني كبة كان ضمن الهيئة التأسيسية للمدرسة الجعفرية , ونذكر هنا حادثة بيع السماورات المشهورة ومفادها انه في بدايات القرن الماضي استورد الحاج سلمان ابو التمن (وهو من كبار تجار بغداد - محلة صبابيغ الآل) سماورات (السماور هو اداة لغلي الماء للشاي ، ويصنع من صفائح الفضة والبرونز الاصفر والابيض) وخلال فترة قصيرة نفذت من السوق ، ولما علم سلمان بذلك أمر كاتبه اليهودي (شمّيل سوميخ) بان يكتب برقية بطلب كمية اخرى منها .
وبعد اكثر من شهر ظهرت السماورات في حانوت عباس محبوب اغا ، تبين بعد ذلك ان (شمّيل) طلب من أحد تجار اليهود استيرادها ، فدهش ابو التمن من خيانة كاتبه ، وقال له احدهم لو كان كاتبك مسلما لما حدث ذلك . هذه الحادثة نبهت الحاج سلمان ابو التمن ووالده الحاج داود ابو التمن الى ضرورة اعداد شباب من المسلمين يتقنون اللغات الاجنبية وعلم الحساب لاتخاذهم كتاباً وكاتمي اسرار لتجارتهم . لذلك دعا هذا الاخير بعض وجوه محلة (صبابيغ الآل) الى داره ومن جملتهم (السيد عبد الكريم السيد حيدر والحاج عبد الغني كبه والحاج عبد الحسين الازري والحاج مهدي الخاصكي وعلي البازركان والعالم الديني الشيخ شكر الله وجعفر ابو التمن وآخرين) , وناقشوا فكرة فتح مدرسة لتعليم اللغات الاجنبية . في اول الامر تردد بعضهم معتبرا ان الفكرة من الكفر، لكن الاغلبية بضمنهم الحاج عبد الغني ألحوا على الفكرة , واتفقوا أخيرا على أخذ رأي السيد محمد سعيد الحبوبي (العالم الديني والشاعر المعروف) بهذا الشأن .
وفي اليوم التالي ذهب ممثلون عنهم الى محطة الترامواي الذي نقلهم الى الكاظمية حيث منزل السيد الحبوبي . وبعد التداول معه وسرد قصة السماوارات وكيف ان اليهود والنصارى يحتكرون المحاماة واللغات الاجنبية ، سألوه هل بالامكان فتح مدرسة ، فقال الحبوبي انكم تشكرون على الفكرة لانها ضرورية وقال لهم (من تعلم لسان قوم أمن مكرهم) . وبعد اخذ هذه المشورة قرروا انشاء المدرسة بعد استحصال موافقة والي بغداد . فاخذوا يجمعون التبرعات لتأسيسها واطلقوا على تسميتها (مكتب الترقي الجعفري العثماني) وافتتحت في 17 ذي القعدة 1326 الموافق 1908 ثم ابدل اسمها فيما بعد الى (المدرسة الجعفرية).وقد ارخ افتتاحها السيد علي مهدي البغدادي ببيت شعري :
فتية شيدوا للعلم بيتا انهضتهم الى المعالي حمية ..... لم يرق مكتب سواه فارخ راق للعدل مكتب الجعفرية
وقد زار الامير فيصل المدرسة (قبل انتخابه ملكاً) في 8 تموز 1921 وقد اعدت المدرسة احتفالاً فخماً دعت اليه كثيراً من الرؤساء والزعماء والادباء والشعراء وعلية القوم . القيت في الاحتفال كلمة الهيئة الادارية للمدرسة ثم القيت قصائد وكلمات عدة . بعدها قام الشيخ محمد باقر الشبيبي واستأذن الامير للاكتتاب بالتبرع لصندوق المدرسة حيث توالت التبرعات من آل ابو التمن وآل كبة والشخصيات الاخرى المتواجدة في الحفل. وعندما جاء الدور على الشاعر الزهاوي (الذي كان ضمن المدعوين للاحتفال) انشد البيت التالي :
لاخيل عندك تهديها ولامال .......... فليسعد النطق ان لم يسعد الحال
فأضاف الى الحفل شيء من البهجه والطرافة وضج الحاضرون بعاصفة من التصفيق .
946 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع