من أعلام التصوف الإسلام - السهروردي المقتول

                                        

                        قاسم محمد داود


من أعلام التصوف الإسلام
السهروردي المقتول

مبدأ الحكمة الاشراقية هو: "ان الله نور الانوار "،مصدر جميع الكائنات ،فمن نوره خرجت انوار أخرى هي عماد العالم المادي والروحي ،والعقول المفارقة ليست الا وحدات من هذه الانوار تحرك الافلاك وتشرف على نظامها " .

وأول من قال بهذا المذهب هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي المولود سنة 1154 م في سهرورد الواقعة في شمال غرب ايران والمتوفي سنة 1191م في مدينة حلب في سوريا ،ويلقب بشهاب الدين وأشتهر باسم السهروردي المقتول تمييزاً له عن صوفيين آخرين هما :شهاب الدين عمر السهروردي مؤلف كتاب "عوارف المعارف " في التصوف والمدفون في بغداد ،أما الآخر فهو أبو النجيب السهروردي .

في سهرورد البلدة الكردية الواقعة بالقرب من زنجان في شمال غربي ايران ،وهي منطقة ميديا القديمة تلقى السهروردي ثقافته الأولى الدينية والصوفية ،وبحثاً عن المزيد قام برحلات عديدة سعياً خلف العلماء والحكماء فيأخذ عنهم ويصاحب الصوفية في مجاهدات ورياضات روحية زاهداً مثل زهدهم .ولم يكن ذلك المقلد الذي يأخذ كل شيء دون تمحيص ،وقد عبر عن ذلك في كتابه (المطارحات) اذ يقول

:"هاهو ذا قد بلغ سني تقريباً ثلاثين سنة وأكثر عمري في الأسفار والاستخبار والتفحص عن مطّلع على العلوم ، ولم أجد من عنده خبر عن العلوم الشريفة ، ولا من يؤمن بها " .

في كتابه (حكمة الاشراق)قسم العلم الى قسمين :علم صوري وهو علم الفلسفة المشائية الذي يتصف بصبغة اليقين العقلي ،أي أنها تتخذ المنهج العقلي والاستدلال على أسس منطقية واشهر من اتبع هذا المنهج أبن سينا (980م-1037م)الذي أعتبر للمنهج العقلي حاكميته وأن العقل الطريق الوحيد للمعرفة وكذلك تتخذ موقف سلبي تجاه المكاشفة والشهود.أما القسم الثاني العلم الحضوري لا يتم من غير "لوامع نورية عقلية تكوّن مبنى الأصول الصحيحة التي هي القواعد الاشراقية ".العلم الصوري يحصل بإضافة شكل او صورة إلى الذات ،أمّا العلم الحضوري فيحصل بأمتزاج ذات النفس فيصبح جزءاً من أنّيتها.هذا العلم يجعل من العالم والمعلوم وحدة تامة ،لا تتم الا لأرباب الكشف الذين يتسلّطون جسدهم ويتجرّدون من المادّة .

سافر السهروردي شرقاً الى مراغة في شمال غرب أيران حيث التقى بأستاذه الأول مجد الدين الجيلي أستاذ فخر الدين الرازي كما ذهب الى إصفهان وفيها التقى تلامذة ابن سينا ،وغرباً الى بلاد الشام وتركيا .وحين أتى الى حلب وناظر فقهاءها لم يجاره أحد وعندما طلبه الملك الظاهر للمناظره في مجلسه غلب كل من ناظره فقربه الملك الامر الذي أثار غيظ علماء حلب وحفيظتهم فشنعوا عليه.

سوء الفهم الذي لاحق المتصوفين على طول التاريخ الإسلامي وبالأخص للأقطاب منهم من قبل أصحاب التفسير الظاهري والسلطان الديني والفقهاء حصر الاتهام بأن التصوف امتزج بفلسفات واتجاهات فكرية خطيرة مثل القول بالاتحاد والحلول والشطح وغير ذلك .لم ينج السهروردي من هذه التهمة طبقاً لطروحاته واقواله وحسب ما يقول احمد ابن خلكان (1211 -1282م) :"ان السهروردي كان يُتهم بالانحلال والتعطيل ،فأفتى علماء حلب بقتله وأشدهم الزين والمجد ابنا جهبل .حتى أنهم لم يعتبروا كتبه من كتب الإسلام ." كما ان الباحث في التصوف الإسلامي الدكتور عزمي طه في كتابه (حقيقة التصوف الإسلامي ودوره الحضاري)لا ينفي هذه التهمة إذ يقول : " والحق أن هناك الكثير من الآراء التي أوردها السهروردي في كتبهِ المختلفة ،بجانب صعوبة فهمها وغموضها ،تنطوي على آراء مخالفة للعقيدة الإسلامية ،وتقترب في مضمونها من فكرة وحدة الوجود ،وتجعل ما أسماهُ (الحكيم المتألّه) في مرتبة الأنبياء أو أعلى درجة ، وقد عدّ السهروردي نفسه "القطب"الذي تبغى له الرئاسة ، وانه المؤهل ليكون خليفة الله ،الامر الذي أدّى بعدد من الفقهاء الى القول بتكفيره ".

السهروردي الذي كان من أهم مفكري المدرسة الاشراقية التي تبدأ من الفيلسوف اليوناني افلاطون (427ق.م ـ 347ق.م ) الذي قال ان العالم ماهو إلا فيض عن العقل الأول (العقل الفعال ).أما في صورتها الإسلامية فأنها تعود الى حكمة أهل فارس وتعني الكشف ،أي الوصول الى المعرفة الحقيقية عن طريق الذوق والكشف وليس عن طريق البحث والبرهان العقليين . يقول في رسالة (لغة موران ): "عندما أزال ترتيب العقل عنه ،رفع عنه الكون والمكان ،ناظراً لمقام الخلة ، ظهرَ له العيان فطوى له المكان " .وقال عن الوجد :"اعلم ان الواجد يشعر بسابقة فقد ،فمن لم يفقد لم يجد " . وكتبَ : "المحبة من لوازم المعرفة ،وإن كانت قليلة ،فإذا كملت النفس بها فذلك نورٌ على نور ،والمحبوب من يكون لنفسه فطنة وحدس قوي ينال دون تعب عظيم ما لا ينال غيره " .

استعان السهروردي مثل الكثير من المتصوفة بالشعر للتعبير عن مجاهداته وشطحاته العرفانية ، من اشعاره :

قل لأصحابٍ رأوني ميّتاً

فبكوني إذ رأوني حزَناً

لا تظنّوني بأني ميّتٌ

ليسَ ذا المّيِتُ والله أنا

أنا عصفورٌ وهذا قفصي

طرتُ منهُ فتخلّى رَهنا

ومن اشعاره التي تحمل قيمة روحية وانسانية عالية :

أبداً تحن إليكمُ الأرواحُ

ووصالكم ريحانها والراحُ

وقلوبُ أهل ودادكم تشتاقكم

وإلى لذيذِ وصالكم ترتاحُ

ياصاح ليسَ على المحبِ ملامةٌ

إن لاحَ في أفقِ الوصالِ صباحُ

لا ذنبَ للعشاقِ إن غلب الهوى

كتمانهم فنما الغرامُ فباحوا

بالسرِ إن باحوا تباحُ دماؤهم

وكذا دماءُ البائحينَ تباحُ

تربو مؤلفات السهروردي على الخمسين كتاباً ورسالة قصيرة وهو كل ما خلفه هذا الحكيم المتأله من آثار ،من أهم هذه المؤلفات :

الالواح العمادية ،هياكل النور ، التلويحات ، المقاومات ، المطارحات ، المناجيات ،حكمة الاشراق ،كلمات الصوفية ،اعتقاد الحكماء ...

روايات عديدة انتقلت من مؤرخ الى آخر عن مقتل السهروردي ،ومنها ما نقله أبن أبي أصيبعة أحمد بن سديد (1203ـ 1270م)في عيون الانباء التي تقدم وصفاً لبدايات الازمة التي واجهها شيخ الاشراق في حلب . لما دعا السلطان الظاهر بن صلاح الدين الفقهاء الى مناظرة السهروردي فأفحم الفقهاء الذين ناظروه ،وأظهرهم في موقع لا يحسدون عليه ،مما اوغر صدورهم فراحوا يحوكون له تهمة الخروج عن الدين كما اسلفنا .فخططوا بعد المناظرة للإساءة اليه عن سابق قصد ،فدعوه الى مناقشة علنية ،فدارت وقائع هذه المناقشة في مسجد حلب الكبير وعلى نحو علني .وسأله بعضهم :

هل يقدر الله ان يخلق نبياً آخر بعد محمد (ص) ؟ فأجاب السهروردي بأن "لا حدَ لقدرتهِ " . فتأولوا هذه الإجابة بفهم أنه يجيزُ خلق نبي بعد محمد (ص) ، وهو خاتم النبيين وكتبوا محضراً،وعدوا ما حدث كفراً وخروجاً على الشريعة المحمدية وطالبوا بإعدامه بتهمة ترويج عقائد تتنافى مع الدين .فلما رفض الملك الظاهر ذلك التمسوا ذلك من صلاح الدين مباشرة بعد ان أرسلوا المحضر اليه .

في عام 587هـ /1191م أودع السهروردي السجن واعدم واحرقت كتبه لكن الروايات تباينت في الطريقة التي أعدم فيها وهو في سن السابعة والثلاثون .تحدثت بعض الروايات عن سجنه في قلعة حلب ليهلك جوعاً وعطشاً .وذهبت روايات أخرى الى انه أرسل الى قلعة القاهرة حيث قطعت رقبته بأمر من صلاح الدين .وهناك من أشار الى أنه خنق بوتر .

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1048 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع