حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - 21)
عراقيٌ موصلّيٌ وقامة شامخة ، عصامي لا عظامي ، شاعرٌ كبير وإعلامي فذ ، أمجدٌ بأشعاره ، ماجدٌ بأذكاره ، مجيدٌ بأقواله ، ممّجدٌ بأفعاله ، خالدٌ بمحبته للموصل وأهلها ، سعيدٌ بما أنجزه لها ، فخورٌ بإخلاصه تجاهها ، علمٌ خفاق رفراف فوق سارية الذكر الحميد والخلق العظيم والإيثار والإخلاص والشعور النبيل الصادق ، إذا حضر يَعّمَ المكان الهدوء هيبةً ويَعُمَ الصمت لحديثة اذا تكلم إحتراما ، هادئ الطبع ، صبور ، حليم ، متواضع ، متعاون ، دمث الخلق ، رصين الأخلاق ، صادق القول ، وصفه الشاعر الراحل (معد الجبوري رحمه الله) بانه (سندباد موصلي .. عاشق ومغامر ، ما ركن قاربا على شاطئ حتى شق اللجة بقارب آخر ، ومضى بين الأمواج .. طائر نادرًا ما حلق بعيدًا حتى حمل الموصل نسغًا في دمه ولؤلؤة بين عينيه ، شاعر ، لكلماته رقة الكريستال وعذوبة الينابيع البكر ونشوة إقتحام المجاهيل .. طفل في إهاب رجل ، يضوع طيبةً ومحبةً وإلفة ..) .
إنه الشاعر والإعلامي الموصلي (امجد محمد سعيد) ، مواليد الموصل عام (1947) ، نشأ في عوجاتها القديمة في محلة (شهر سوق) فترسخت عادات الموصل القديمة وتقاليدها في نفسه ، درس في مدارسها وحصل على بكالوريوس لغة عربية من كلية التربية في جامعة بغداد عام (1970) ، ليغوص في أعماق حياته الوظيفية المليئة بالإنجازات والعطاء ، حيث عمل في مجال الإعلام والتعليم على مدى (40) عامًا متواصلة في المؤسسات الإعلامية والثقافية والدبلوماسية العراقية متنقلًا بين (إذاعي ، مدرس لغة عربية ، مشرف الآداب في النشاط المدرسي بالموصل ، مدير الثقافة الجماهيرية بالموصل ، مدير الإعلام الداخلي بالموصل ، مدير تلفزيون الموصل ، مدير في ديوان وزارة الإعلام) وتخللها قيامه بالأعمال التالية (ملحق في السفارة العراقية بعمان - الأردن للفترة من عام (1977 ـ 1981) ، (مدير المركز الثقافي العراقي القاهرة - مصر للفترة من عام (1988 ـ 1991) ، (مستشار صحفي ومدير المركز الثقافي العراقي في الخرطوم - السودان للفترة من عام (1992 ـ 1996) ، (مسؤول فترة إخبارية في الفضائية البغدادية) .
شارك في العديد من الدورات التدريبية منها (دورة المذيعين في بغداد عام 1967) ، (دورة في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية - بغداد عام 1977) ، (دورة الأخبار التلفزيونية في بغداد عام 1985) ، (البرنامج التدريبي لتطوير الإدارة الوسطي ـ وزارة التخطيط - المركز القومي للاستشارات والتطوير الإداري عام 1987) .
ساهم في عضويه المنظمات والإتحادات التالية (عضو إتحاد الأدباء والكتاب العرب) ، (عضو المجلس المركزي للإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2000 ـ بغداد) ، (عضو إتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ) ، (عضو إتحاد أدباء مصر ـ القاهرة) ، (عضو اتيليه القاهرة ـ القاهرة) ، (عضو جمعية قراءة - للنقد والترجمة في القاهرة) ، (عضو الإتحاد العام للصحفيين السودانيين) ، (عضو نقابة الفنانين العراقيين ـ بغداد) ، (عضو جمعية المسرحيين والإذاعيين والتلفزيونيين ـ بغداد) .
التقيت به مرات قلائل في الموصل (بصحبه أخيه الفاضل الأخ الكريم والأستاذ القدير والصديق العزيز وليد محمد سعيد) ، ومنذ المرة الأولى أمتلكني شعورًا كبيرًا أنني أمام جبل عالٍ من القيم والمبادئ والأخلاق والهدوء والتواضع ، وفي أخراها كان الحزن على العباد والبلاد يقطر من مُحياه نتيجة الظروف التي عصفت بالعراق عام (2003) وما تلى ، وتعرفُ من نبرة صوته الشجي ذلك الكم الكبير من الأسى والألم الذي يعتصر قلبه .
ترك العراق مضطرًا ، لا بطرًا ولا رياءًا ، نهاية عام (2004) متوجهًا إلى مدينة اللاذقية السورية ثم إلى دمشق وصولًا إلى عمان لتكون نهاية رحلته ومستقره في القاهرة منذ منتصف عام (2005) وحتى الان .
واصل دراسته في جمهورية مصر العربية (بلده الثاني) ، وحصل على شهادة (دبلوم عالي) في موضوع تحقيق التراث من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة عام (2009) ، ونال شهادة الماجستير في موضوع تحقيق التراث من معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة عام (2011) .
بالإضافة إلى أعماله أعلاه فان له من النشاط الصحفي الغزير بما يستوجب الذكر والوقوف عنده ، فهو عضو هيئة تحرير كل من جرائد ( الرسالة ، مجلة النبراس ، الجامعة ، الحدباء) ، (محرر في جريدة (الثورة) - مندوب في الموصل) ، (محرر في مجلة الف باء ـ مندوب الموصل) ، (مدير تحرير مجلة الأديب المعاصر الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق) ، (كاتب في عددٍ من الصحف العراقية والعربية) ، (مراسل ثقافي لجريدة الرأي السودانية) ، (يعمل حاليًا بصفة مراسل ثقافي لجريدة اخبار اليوم السودانية) .
له حضور قوي ومتميز في المهرجانات والمؤتمرات التي عقدت في العراق وبعض البلاد العربية والأجنبية منها (مهرجان أبي تمام في الموصل عام 1971) ، (مشارك مع الوفد الثقافي والإعلامي العراقي إلى جاميكا عام 1978) (مشارك في أغلب دورات مهرجان المربد الشعري في بغداد) ، (ممثل العراق في مؤتمر تلفزيونات دول عدم الإنحياز في مدينة - ليماسول - بقبرص عام 1987) ، (ممثل الإتحاد العام لأدباء العراق في ملتقى البحر الأبيض المتوسط للشعر في مدينة مرسية في اسبانيا عام 2001) ، (مشارك في مهرجان مدينة بورسعيد في الذكرى (50) للعدوان الثلاثي على مصر والذي نظمته هيئة قصور الثقافة عام 2006) ، (مشارك في مهرجان شوقي وحافظ في القاهرة برعاية المجلس الأعلى للثقافة عام 2007) ، (مشارك في مهرجان الشعر (المصري - العراقي - الدنماركي) الذي عقد في القاهرة برعاية المجلس الأعلى للثقافة عام 2008) ، (مشارك في دورات ملتقى الشعر العربي في القاهرة بجميع دوراته) ، علاوةً على مشاركته في عددٍ كبير من الأمسيات والندوات والمهرجانات التي عقدت في البلدان التي عمل فيها في كل من الأردن ومصر والسودان إضافةً الى سوريا .
له الكثير من الأعمال الشعرية والِنتاج الثقافي والأدبي الغزير بالمنجزات ، فأصدرت له وزارة الثقافة والأعلام في بغداد الأعمال الشعرية التالية (نافذة للبرق - شعر - عام 1967) ، (أرافق زهرة الأعماق - شعر - عام 1979) ، (البلاد الأولى - شعر - عام 1983) ، (الحصن الشرقي - شعر - عام 1987) ، (جوار السور ، فوق العشب - شعر - عام 1988) ، (رقيم الفاو - ملحمة شعرية - عام 1989 - وهو الكتاب الفائز بالجائزة الأولى لمسابقة الفاو الأدبية الكبرى لوزارة الثقافة والإعلام) ، (صورة العربي في الإعلام الغربي - دراسة - الموسوعة الصغيرة ، عام 1989) ، وعن جامعة الموصل صدرت (مسرحيتان شعريتان) عام 1988) ، وعن بيت الموصل للنشر والتوزيع صدرت (قصائد حب - شعر - عام 1988) ، وعن دار جامعة الخرطوم في السودان صدر (أربعون نهارا - شعر - الطبعة الأولى عام 1993) ، وعن دار الخرطوم للطباعة والنشر في السودان صدر كتاب (ما بين المرمر والدمع - شعر - الطبعة الأولى عام 1995) ، (أربعون نهارا - شعر - الطبعة الثانية عن دار أزمنة في عمان عام 1996) ، وعن إتحاد الكُتّاب العرب في دمشق صدر (سورة النيل - شعر عام 1999) ، (ما بين المرمر والدمع - شعر - الطبعة الثانية عام 2001) ، (مرايا العزلة - شعر - عام 2003) ، وعن دار الشؤون الثقافية في بغداد صدر كتاب (قمر من الحناء عام 2000) ، (فضاءات وأمكنة - شعر - عام 2001) , ويتضمن المجموعات (أربعون نهارا ، سورة النيل ، ما بين المرمر والدمع) ، (محمد ( ص ) قمر الأناشيد - شعر - دار الشؤون الثقافية عام 2002) ، وعن أمانة عمان الكبرى صدر (أوراق عمان - نصوص عام 2002) ، وعن دار الدار في القاهرة صدر (عزف سوداني بأوتار عراقية - قصيدة طويلة عام 2007) ، (نشيد الأزمنة - شعر - القاهرة عام 2007) ، (الوردة لمرسية وللأندلس الريح - كتاب - اخبار اليوم في القاهرة عام 2008) ، (قهوة ادونيس - قصيدة طويلة - عن جمعية قراءة للنقد والترجمة عام 2007) ، (عين الشمس - شعر - عن دار الحضارة في القاهرة عام 2010) ، (الوصول الى زهرة الماء - مختارات شعرية - عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة عام 2010) ، (خلف ساحات التحرير – شعر – عن دار الدار في القاهرة عام 2013) ، (مذكرات في الدبلوماسية الثقافية – مشاهد وشخصيات سودانية – عن مكتبة جزيرة الورد في القاهرة عام 2013) .
ترجم له العديد من القصائد للغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والتركية والكردية والدانماركية ، كما تناول شعره الكثير من النقاد في العراق والوطن العربي .
ورد اسمه في كتاب (من الشعر العربي في العراق) ، اعداد وتقديم وترجمة الدكتور (عبد الواحد لؤلؤه) الصادر عن مؤسسة البابطين والذي يضم قصائد مع ترجمتها للغة الانكليزية وسيرة ل(30) شاعرًا من شعراء العراق في العصر الحديث ، كما ورد اسمه في (معجم البابطين للشعراء العرب) ، وكذلك (معجم اعلام العراق) ، وذكرهُ الدكتور عمر الطالب في (موسوعة اعلام الموصل في القرن العشرين ، الذي اصدره مركز دراسات الموصل عام 2008) .
وكتب عن نتاجه الشعري كل من (الطالب مصطفى مزاحم بكلية التربية جامعة تكريت - رسالة ماجستير بعنوان - بنية القصيدة في شعر أمجد محمد سعيد - بإشراف الدكتورة فاتن عبد الجبار جواد) ، وكتبت عنه (الطالبة لبنى حسن حامد محمد الخزرجي بكلية التربية جامعة الموصل رسالة ماجستير بعنوان - شعرية الموصل في نصوص أمجد محمد سعيد - بإشراف الدكتور سعود أحمد يونس الخفاجي) .
حصل على العديد من الجوائز والشارات والتكريميات منها (الجائزة الأولى في مسابقة الفاو الأدبية الكبرى في الملحمة الشعرية عن كتاب - رقيم الفاو - عام 1989) ، (شارة محافظة نينوى للأدب) ، (شارة جامعة الموصل للإنجازات الأدبية والإعلامية) ، حصل على تكريم رئيس جمهورية السودان بمنحه الجنسية السودانية وجواز السفر السوداني لجهوده ونتاجه الثقافي والاعلامي اثناء وبعد عمله في الخرطوم .
قال في شهادة نشرها بمقالٍ قيّم موجهًا حديثه إلى (الموصل الوالدة) بعنوان (الشعر .. سفر في الزمان والمكان وفي اللغة) نشره في موقع البيت الموصلي أواخر عام (2016) وتطرق فيه عن تفاصيل رحلته الشعرية الثرية بالمنجزات وعن تجربته في السفر وما استخلصها من علاقة حميمة بين السفر والشعر ولقاء الشعراء ، وأسترسل بإسهاب عن تلك التجربة ، ولأهمية ما ذُكرَ فيها من كلام صادق وحقيقي نابع عن تجربة فعلية عاشها شاعرنا الكبير بكل أيامها ولياليها ، يسرني إقتباس البعض من فقرات مقالته هذه حيث قال :
(((تعد تجربة السفر من أهم العلامات البارزة التي يمكن أن تشكل محورا أساسيا ومقاربة دائمة التحقق في مجمل نتاجي الأدبي ، وليس الشعري فحسب ، فأكثر من نصف كتبي نُشر في عمان ودمشق والخرطوم والقاهرة ، اضافة الى بغداد والموصل ، ونَشرتُ أكثر نتاجي في الصحف والمجلات العربية ، وكُتِب عني خارج العراق أضعاف ما كُتب داخل العراق .
كان أول عهدي بالسفر أواسط الستينات من القرن العشرين ، حينما التحقت بقسم اللغة العربية ، كلية التربية بجامعة بغداد ، كانت بغداد حينها واحة للإبداع والمهرجانات الثقافية الجامعية والقطرية والعربية ، ومركزا للمقاهي الأدبية المعروفة ، واصدارات الملاحق الأدبية والكتب الجديدة ، كان الشعر والأدب والكتابة والثقافة والفنون زاد ايامنا في الجامعة ، وكانت سنوات بغداد بمثابة أعوام التأسيس الأولى لي ، ومعرفة الطريق التي سأسلكها ، وأي الإنحيازات الفنية التي تتلاءم مع تطلعاتي الشعرية التي كانت قد حسمت باتجاه الشعر الحديث .
وأنا في الجامعة توفرت لي سفرة طلابية في العطلة الربيعية الى الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان وكان لها تأثير كبير فيَّ ، وشكلت خزينا مُهِما استفدت منه في عدد من قصائدي اللاحقة ، وبعد سنوات طويلة خاصة ما يتعلق بدمشق وبالقدس وفلسطين التي ضاعت بعد ذلك بستة أشهر وما تزال .
واسترسل قائلًا : في أوائل السبعينات أتجهنا شمالا الى انقره واستانبول ومررنا بالاسكندرونة ، وقد توهجت القصيدة هنا بالبعد القومي التحرري العروبي ، ثم كانت رحلة مصر التاريخية مع الشاعر معد الجبوري في عام ( 1974) ، وكانت رحلة هامة جدا في مسيرة حياتي الثقافية والشعرية ، فبالاضافة الى الإطلاع على حضارة هذا البلد العريق ، التقينا خلال الزيارة بشخصيات أدبية وشعرية رفيعة كنا قد تعرفنا على بعضها في الموصل أبان مهرجان ابي تمام عام (1971) ، ومنها من تعرفنا عليه في هذه الرحلة ، كما سجلنا قصائد لإذاعة البرنامج الثاني الثقافي في الإذاعة المصرية . كانت رحلة ثقافية وشعرية بإمتياز ظلت جذرا هاما وصميميا في علاقتي مع الثقافة المصرية طوال الوقت .
وقال ايضًا : كانت عمان باكورة العواصم العربية التي عملت فيها ، وكانت رغم محدوديتها في ذلك الوقت ، قد وفرت لي المجال الواسع للإتصال بالكتاب الأردنيين والفلسطينيين والعرب ، وساهمتُ في العديد من اللقاءات الثقافية والأدبية والفنية ، ونشرتُ العديد من القصائد في صحف ومجلات عمان في ذلك الوقت ، وبعثتُ بالعديد من الرسائل الثقافية لمجلات عراقية أنقل فيها بعض إنطباعاتي عن الحياة الأدبية والفنية الأردنية والفلسطينية في الأردن ، كان نتاجي جيدا تلك الفترة وتعمقت فيه الإهتمامات الوطنية والقومية والعاطفية ، وظلت عمّان دائما مركز الحنين الاول ، ولم يفتر إشتياقي اليها ابدا .
مهما حاولت أن أحيط بكل تأثيرات تجارب السفر وتداعياته في شعري فإن الكثير سيفوتني ، ولكنني حاولت أن أبرز أكثر أهم المشاهد إضاءة ووضوحا ، كان السفر هو إكتشاف للمكان المختلف , وللإنسان الآخر ، وللتجربة الجديدة وخروج من دائرة الرتابة والإعتياد ، وفتح في عوالم الدهشة ، ومعرفة الأبعاد الثقافية والإبداعية في فنون وآداب الشعوب الأخرى ، خاصة الشعر وكثير من التفاصيل الأخرى التي لا يمكن معرفتها الا بالمعايشة الحية اليومية .
وأضاف : في السفر تعمق عندي الإحساس بالمكان الجديد ، وفتح لي فضاءات لم تكن لتصلني لولا السفر ، وإكتشاف خصوصياته ومفرداته ، وشخوصه وعلاماته المختلفة ، كما صرت أكتشف تجارب أخرى لبشر مختلفين ، ناهيك عن تجاربي الشخصية ، وصارت الأسماء مفاتيح ونوافذ لقصائد جديدة تدخل بالقارئ الى مساحات ربما كانت غير معروفة لديه ، أو انني تناولتها بشكل مغاير ، كما أزداد إقترابي من عالم المرأة وتأثيث القصيدة بعطرها ونوافذها وآفاقها لكنها ظلت في الغالب رمزا يتخذ من عالمها أفقا ومدارا) .
وقبيل مشارفته على نهاية المقال أعلاه تطرق بأسلوب أدبي بليغ ورائع وجميل ، لامس فيه شِغاف القلوب واقشعر البدن واهتزت المشاعر أحترامًا وتقديرًا لما جسدته عباراته الأثيره حين قال (ومن أروع رحلاتي قاطبة ، رحلة الحج الى الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، عام (2010) ، كان سفرا في ملكوت الله ، وإنغمارا في خشوع البشر والكائنات ، وهي تلقي كل شيء زائل خارج المشهد المقدس ، وخارج الزمان الوقتي ، كان الموقف نسيانا للمؤقت وتذكرا للدائم الأزلي ، كان ذوبانا في المعنى لا يمكن لأية كلمات أن تتمثله على الإطلاق ، وأنا ما زلت أنتظر تلك اللحظة التي أستطيع فيها أن أقترب من هذه التجربة العظيمة شعريا ، وانا أُنكِسُ رأسي من هيبة البيت العتيق ، أو أن ألصق خدي بجدار الروضة الخضراء ملامسا بوجهي غرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
وختم مقاله أعلاه ، بكلمات جعلت الدموع تنساب مسرعةً كونها تُحاكي مشاعر جميع المغتربين والمهجرين ولسان صدقِ كل محبٍ لبلدة ومخلصٍ لأهله ، مشاعر نعيشها كل يوم وكل ساعه بصعوباتها وإرهاصاتها وتقلباتها الهوجاء سواء من نزح عن الموصل حديثًا أو من هجرها سالفًا فهي على حد سواء حين قال (في السفر ، وتداعياته المستمرة بدا الحزن يتعمق رويدا رويدا ، وبدأ رحيل الأيام يشكل عبئا وألما ، وتزداد الذكريات والإشتياقات والحسرات ، وبدأت القصيدة تدمع أكثر فأكثر ، وتواتر فقد الأحبة والأصدقاء شيئا فشيئا ، حتى ظهرت ملامح من الوجوم والذهول والنسيان على وجه الشاعر والقصيدة ، لكنه من جانب آخر وبإصرار عنيد ظل وجه الرغبة في الحياة مبتهجا ، والتجديد في الشعر ممكنا ، لمواكبة الجمال الذي يسفحه الأدب والشعر على الأشياء ، وديمومة وخلود الكلمة المقدسة العظيمة ، والتجربة المعطاءة ، وتسطير ما أمكن على قلته في سفر الإبداع وتاريخ المدينة والبلد والأمة .
ورغم السفر المتعدد ظلت مدينة الموصل مركز حياتي ، ربما لم يمر يوم لم أتذكرها فيه ، بقيت حية خالدة في دمي ، وظلت تنبض تحت جلدي دقيقة بدقيقة وساعة بساعة ، صار تذكرها سَفرا آخر من نوع جديد ، وصارت تتوهج أكثر في شعري وفي كلماتي ، وصارت تفسر نفسها بنفسها في خيالي كل يوم بشكل مبتكر ، وتمنح لنفسها كل صباح ثوبا من ماء ومطر ومرمر ، ربما لولا السفر لكنت ما أدركت عمق هذه المدينة الوالدة ، وما عرفت روعة عالمها , فضائها , ودروبها ، ونهرها ، ومدى شغفي بأصدقائي من أبنائها وبناتها - أنتهى الإقتباس ))) .
فهو لم تُلهِهِ الظروف ومشاغل الحياة العصيبة وظروف الغربة القاسية أن ينسى أو يتناسى الموصل وأهلها فيما حل بهم عام (2014) وكان وفيًا لها ولترابها ولدجلتها وأهلها ، شَدهُ الحنين لها بقساوة المغترب المُوحش لداره ومنطقته وشوارعها وأزقتها فأنعكس ذلك الشوق وتلك اللوعة والحنين على قصائده التي تحاكي ألمه وحزنه على الموصل وأهلها فأنشد عشرات القصائد في هذا الاتجاه قبل معارك التحرير واثناءها وبعدها ، وخص الموصل بقصيدة عنوانها (تنهضُ الموصل من رمادها) متكونة من مقطعين معبرين يكمل أحدهما الآخر نظمها في بداية عمليات التحرير وتم نشرها في مجلة الهلال المصرية والتي قال فيها :
(1)
دِماكِ السّيمِياءُ
تُبَارِكُ الأوقاتَ تصبحُ فضة ً
ذَهبا .
دِماكِ النَّسْغُ
تَخلقُ منْ حجارةِ أرضِنا قمحاً
ومنْ أطيانِها رُطَبا .
دماكِ تشكلُ المعنى الجديدَ
فيصبحُ الصمتُ العطينُ المرُّ
صرخةَ نافثٍ
ويصيرُ ذاكَ الثلجُ فوقَ الحلْقِ
منْ أحزانِنا ,
لهَبا .
(2)
على مُهرِ الدماءِ تحرَّكَ المعنى
وطاقةُ ساعديكِ أحالتِ الجلدَ العتيقَ
إلى صحائفَ منْ زبرجدَ
سطَّرتْ منْ بعدِ ما كانت بكاءً
بهجةَ الثأْرِ الكريمِ
وساحِلا للمجد مأمولا .
دماك ِتُباركُ الآبار تصبحُ كوثرا
ويصير دمعكِ سلسبيلا .
وكفُّكِ كفُ هذا الشعبِ
من أقصى الينابيع التي يحنو عليها العشب
حتى آخر الشطآنِ
منْ دمعِ الشهيدةِ والشهيدِ
يضجُ نبضُ الأمهاتِ
ليصبحَ الجسدُ القتيلُ
مزارِعاً
وشواطئاً ونَخيلا) .
وبعد ، فقد أخترت مقولته كما في الصورة أدناه وهي عبارة عن أبيات شعرية منتقاة من القصيدة أعلاه ، أضعها أمامكم سادتي الكرام متمنيًا أن تنال رضاكم وأن تأخذ صداها كشهادة وحكمة ومقولة صادرة من رجل مثقف وأستاذ متميز وشاعر قدير يُكِنُ كل المحبة لوطنه العراق وشعبه ولمدينة الموصل وأهلها ، والتي أراها لسان حال كل المحبين للموصل وأهلها والبارين بها صدقًا في القول والعمل ، فهي شهادة تاريخية و وصف بليغ ومناسب لكل الظلم الذي وقع على الموصل الحدباء وشهادة رصينة بحق أهلها فيما عاشوه طيلة تلك الفترة المظلمة من تاريخها وما سبقها فهي شهادة ناطقة بالحق عن الإندفاع الكبير لأهالي الموصل في العمل المتسارع من أجل لملمة الجراحات وطي الصفحة المظلمة من حياتهم وشق طريق المستقبل بكل عزيمة وإصرار وتحدٍ متطلعين إلى غدٍ مشرق يكونُ بمثابة العنوان العريض للوفاء لجميع شهداء الموصل وضحاياها الأبرياء من مدنيين وعسكريين ، فذلك وحده هو البسلم الذي نواجه به ما خَلفتهُ تلك الفترة المظلمة من آلام وجروح ومصائب ودمار ، وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير .
حسن ميسر صالح الأمين
16/10/2017
والمقولة هي :
.. من دمعِ الشهيدةِ والشهيدِ
يضجُ نبضُ الأمهاتِ
ليصبح الجسدُ القتيلُ
مزارِعًا وشواطئًا ونخيلا .
الشاعر الأستاذ
امجد محمد سعيد
* لقراءة المقال ومتابعة التعليقات على الفيس بوك على الرابط أدناه :
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10213803241056434&id=1269245661
1971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع