د. ضرغام الدباغ
الانتخابات الألمانية
اتجاهات وأبعاد
الانتخابات: الديمقراطي المسيحي والاشتراكي، والبديل ..!
( جدول يشير إلى نتائج الأنتخابات للبرلمان الألماني الاتحادي ـــ Bundestag)
تشير النتائج إلى أن حزب ميركل المحافظ هو أكبر حزب في البرلمان ولكن بحصوله على نحو 32,9 % فقط من الأصوات بتراجع معدل التأييد له إلى أدنى مستوى منذ عام 1949 الذي شهد أول انتخابات عامة في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، تحتم عليه إقامة أئتلاف لا بد منه. وهذه هي المرة الثالثة في تاريخ ألمانيا الحديث (بعد الحرب العالمية الثانية) يصل لمنصب المستشارية (رئاسة الوزراء) شخصية واحدة في أربع دورات متعاقبة، وهم كونراد أديناور، وهيلموت كول، وأنغيلا ميركل، وكلهم من الحزب الديمقراطي المسيحي.
في جرد لحصاد الانتخابات البرلمانية التي جرت اليوم الأحد 24 أيلول/ سبتمبر 2017 :
ــ الحزب الديمقراطي المسيحي (CSU + CDU): وشقيقه الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري: فاز بأكبر نسبة يستحق بموجبها تكليفه بتشكيل حكومة. ومعه فازت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بفترة رابعة في السلطة، لكن مع مفاجأة محسوبة وهي دخول اليمين المتطرف إلى البرلمان عكر عليها فرحة الانتصار، إذ ستضطر لتكوين ائتلاف غير مستقر لتشكيل حكومة جديدة بعد أن فقد تيارها المحافظ الكثير من التأييد.
ــ الحزب الديمقراطي الاشتراكي (SPD): حصل على أسوأ نتيجة له منذ عام 1949 بحصوله على أقل من 20,6 %. وأكد الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى التأكيد أنه قرر الانتقال إلى المعارضة وأنه غير مستعد للدخول في ائتلاف حكومي جديد. وقد أكد ذلك رئيس الحزب ومرشحه لمنصب المستشار مارتن شولتس الذي قال "من الواضح تماما أن تكليف الناخبين لنا هو تولي مهام المعارضة".
ــ حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD): المناهض للهجرة المؤسسة الحاكمة تقدم بحصوله على أكثر من 13 % من الأصوات، وهي نتيجة ستؤدي إلى دخول حزب يميني شعبوي البرلمان الألماني لأول مرة.
ــ الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) (FDP): الذي حصل على 10,6 % من أصوات الناخبين.
ــ حزب اليسار (Linke): وحصل على 9,1 % من الأصوات وهو ايضا سيبقى في صفوف المعارضة.
ــ وحزب الخضر(Grüne): الذي حصل على نحو 8,9 % من الأصوات، وتشكيل ائتلاف حكومي ثلاثي معهما
(الجدول يشير إلى نسب الخسارة والربح في الأصوات قياساً للأنتخابات السابقة)
ــ النتائج في الصحافة الألمانية : "البديل" الشعبوي سيراهن على انقسام المجتمع
أسفرت الانتخابات التشريعية في ألمانيا عن فوز الاتحاد المسيحي بزعامة ميركل. فيما تمكن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي من انتزاع المرتبة الثالثة ودخول البرلمان لأول مرة في تاريخه، وهو حدث شغل تعليقات الصحف.
وبالرغم من خسارة حزبي الاتحاد (المسيحي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي) لنسبة كبيرة من الأصوات، مقارنة مع الانتخابات السابقة. واحتل الحزب الاشتراكي الديمقراطي المرتبة الثانية، لكن بنسبة ضعيفة، جعلته يقرر مغادرة التحالف الحكومي، وشغل كراسي المعارضة. لكن المثير للانتباه هو دخول حزب "البديل من أجل ألمانيا" لأول مرة البرلمان الألماني، وهو حزب شعبوي يميني يركز في برنامجه على رفض الهجرة والإسلام.
ــ صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ": تقول: دخول حزب البديل من أجل ألمانيا كثالث أقوى حزب البرلمان(نسبة تفوق 13 % من مجموع أصوات الناخبين) يُعتبر خطوةً تاريخية إلى الوراء بالنسبة إلى المجتمع الألماني. إنه لأمر مرير بالنسبة إلى الثقافة الديمقراطية، وضربة ضد أول مادة في القانون الأساسي (الدستور الألماني)، التي تحمي كرامة جميع الناس بما في ذلك اللاجئين. والأكيد يبقى أن الغالبية الكبيرة من الناخبين موجودة في خندق آخر ولم تصوت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا. وفي الوقت نفسه تبقى الأصوات الكثيرة التي حصدها حزب البديل هزيمة لمدنية الكيان السياسي".
ــ مجلة دير شبيغل: في موقعها الالكتروني علقت على دخول حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي البرلمان الألماني: اليمينيون الشعبويون يدخلون الآن كثالث أقوى كتلة البرلمان الألماني، وفي صفوفهم لا يوجد قليل من اليمينيين المتطرفين. أشباح الماضي تعاود الكَرة. فلأول مرة، منذ المرحلة المبكرة للجمهورية الاتحادية، يجلس مجدداً حزب يميني في البرلمان الألماني. لكن كتلة حزب البديل من أجل ألمانيا ستكون أقوى من سلفها، حيث يتوقع حصولها على أكثر من 80 ممثلاً برلمانياً. وهذا له تأثيراته: تخطي الحدود والاستفزازات والفضائح المبرمجة. حزب البديل من أجل ألمانيا سيركز كل شيء على دخوله البرلمان القادم بعد أربع سنوات، والشرط لحدوث ذلك هو وجود مجتمع منقسم.
ــ صحيفة "بيلد" : كان تعليقها على الانتخابات التشريعية بالقول "كان من الممكن أن تكون النتيجة أسوء، ولكن دعونا نكون صريحين: كان من الممكن أن يأتي كل شيء أسوأ. أنغيلا ميركل دافعت على كل حال عن منصب المستشارية، وحزب البديل لم ينتفخ ليصبح في مستوى حزب شعبي وإذا كان هذا كافياً لنتحدث عن انتصار لميركل فإن كل شيء يكون قد قيل حول النتيجة". وواصلت الصحيفة تقول: "لننظر إلى ما هو إيجابي: ميركل تنقذ نفسها بتحقيق الهدف، والبلاد تبقى في منأى عن تشكيلة جديدة لتحالف حكومي كبير. وهذا ما يمكن استنتاجه. وتحت هذا كله تبقى النتيجة مفتوحة".
ــ صحيفة "دير تاغس شبيغل": كتبت تقول: حزبا الاتحاد المسيحي، قد يميلان أكثر إلى اليمين؛ لكي لا يتقوى حزب البديل من أجل ألمانيا أكثر. والحزب الليبرالي الديمقراطي سبق وأن فعل ذلك. وهنا يُتاح مجالٌ جديد للاشتراكية الديمقراطية. في آن واحد يمكن أن تفكر فيما إذا كان ممكنا تشكيل كيان معاكس مع حزب اليسار والخضر، له أغلبية ضد الحكومة المقبلة. ومن ثم سيتولى الحزب الاشتراكي الديمقراطي دوراً جديداً: ألا وهو دور الزعامة. وهذا قد يشكل تحدياً مثيراً".
ــ صحيفة "فرانكفورتر روندشاو": علقت أيضا نتائج على هذه الانتخابات وكتبت تقول: البرلمان الألماني في خطر، لأنه سيتحول إلى أرضية رنانة لأجندة شعبوية ونظريات المؤامرة الشيزوفرينية، وتقوي بهذا الشكل التمكن بسهولة من السيطرة على المجال العام. وهذا من أجل التسلل بشكل منهجي لتفريغ البديهية الليبرالية لمجتمع منفتح. هذا يهمنا جميعاً! يهمنا جميعاً نحن الذين لا نُحسب على حزب البديل من أجل ألمانيا وزبائنه. هذه الديمقراطية تحتاج إلى شغفنا ومقاومتنا ومعارضتنا بلا حل وسط ضد سم اليمين. والآن أكثر من أي وقت مضى: لا مجال للتودد في أي مكان".
ــ صحيفة "شتوتغارتر تسايتونغ": فقد سلطت الضوء على النتيجة الضعيفة، التي أحرزها الحزب الاشتراكي الديمقراطي في هذه الانتخابات التشريعية، الأمر الذي جعله يختار كرسي المعارضة عوض المشاركة مجدداً في الحكومة، وكتبت تقول: في الوقت الذي حقق فيه الاتحاد المسيحي نتيجة محترمة، رغم خسارة قوية في الأصوات، يطرح سؤال نفسه لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بعد نتيجة (اليوم) الأحد، مثلما طرح نفسه أيضا في الانتخابات في المرتين السابقتين. (والسؤال هو:) لماذا سجل الحزب نتيجة سيئة رغم (وجود) مرشح محترم (في قيادته)؟ لكن ضعف الحزب الاشتراكي الديمقراطي ليس قضية أشخاص. فضعف الحزب الاشتراكي الديمقراطي يكمن في أنه لم يقدر على تقديم مشروع معارض ذي مصداقية في وجه الحزب المسيحي الديمقراطي. الاشتراكيون الديمقراطيون ليسوا الآن بحاجة إلى نقاش حول الأشخاص. فالمطلوب هو توجه جديد في البرنامج داخل المعارضة".
تحليل النتائج.
هناك ثلاثة مؤشرات هامة تميزت بها هذه الانتخابات :
الأول: خسارة الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU+CSU) للمرة الأولى بنسبة لم يبلغها منذ العهد الألماني الحديث ( تأسيس الدولة الألمانية الحديثة 1949)، فبرغم فوزه بالنسبة الأعلى، ولكنه خسر بالنسبة الأعلى قياساً إلى الانتخابات السابقة، وهو مؤشر ومنبه مهم جداً لقيادة الحزب لتصحيح مسارات سياستها الداخلية بالدرجة الأولى والخارجية.
الثاني : الفوز الباهر لليمين الشعبوي (AfD) وبنسبة كبيرة تضعه في المرتبة الثالثة. في فاتحة دخوله البرلمان الاتحادي (Bundstag) لأول مرة وهي نتيجة كنا قد توقعها مركزنا في الانتخابات المحلية لولاية برلين للعام المنصرم(2016) بتقريرنا الذي يحمل رقم (82) " ومن تعليق رئيسة حزب البديل فراوكه بيتري على نتائج انتخابات برلين يفهم الكثير بقولها:" لقد بدأ العد التنازلي للانتخابات البرلمانية الاتحادية القادمة".
الثالث: خسارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) : وبلوغه أدنى نسبة في تاريخه الحديث(بعد الحرب العالمية الثانية).
ومن سائر النتائج الأخرى، نلاحظ أن الخاسران الاعظمان هما الحزبان اللذان يتناوبان على حكم ألمانيا الحديثة أو يأتلفان معاً، وفشلهما المشترك (النسبي ولكن المهم كمؤشر) سيكون حتماً موضع دراسة لدى خبراء الحزبين، وإن لا يفصحان أو يعلنان ذلك. فذلك يعني على نحو مؤكد، أن ثقة الجمهور بالحربين تتراجع وبسرعة فالحزب الديمقراطي المسيحي فقد تقريباً 9% وهي نسبة كبيرة تقارب الربع فالنسبة السابقة في انتخابات 2013 كنت 41,5% تراجعت إلى 33%.
أما الحزب الاشتراكي فقد خسر 5,2% عن آخر انتخابات عام 2013 وهي نسبة تقارب الربع أيضاً. وما لم يخضع الحزبان هذه النتائج لدراسة وتقييم عميق بعيد عن أي اعتبار سوى دراسة الموقف الاجتماعي والاقتصادي، وتأثير العناصر الداخلية والخارجية على تراجعهما الذي لا لبس فيه.
وفي فحص نتائج الكيانات الأخرى سنجد ما يساعدنا في المزيد من فهم شامل للموقف الانتخابي.
هناك رابحان جزئيان، هما :
حزب اليسار (Linke) وحزب (Grüne) وفوزهما لا يتمثل إلا بقدر بسيط (0,6%) لليسار، و(0,5%) للخضر، في حين ينبغي أن يحصلا على ناخبي الديمقراطي المسيحي والاشتراكي الديمقراطي الذين توجهوا إلى اليمين وإلى الليبرالي، وهو ما يعني شعور الجماهير أن رفض اليسار والخضر لليمين ليس بالدرجة المطلوبة من الحزم، بل ويداهنون اليمين أحياناً، ولا سيما في قضايا اللاجئين ومعاداة الإسلام.
هناك رابحان أكيدان، هما :
حزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) اليمني، الذي ربح ربحاً واضحاً بنسبة كبيرة من الأصوات مثلت (7,9%) والحزب الليبرالي (FDP) الذي عاد إلى البرلمان الاتحادي بعد اجتيازه حاجز ال 5% من أصوات الناخبين، وهذه النسبة تمثل برأينا :
•جماهير الحزب الديمقراطي المسيحي الساخطة على سياسة الحزب حيال العديد من القضايا الرئيسية في مقدمتها اللاجئين، والسياسة الأوربية، وتراجع المستوى المعيشي في ألمانيا، والأصوات الساخطة على تباطؤ تعامل قيادة الديمقراطي المسيحي حيال اليمين، فذهبت أصواتهم إلى اليسار والخضر، والأضعف لجهة التوجهات الراديكالية مضت أصواتهم إلى الحزب الليبرالي.
•جماهير الحزب الاشتراكي الديمقراطي، التي تجد أن الحزب بدأ يفقد نبرته الخاصة، كحزب اجتماعي يفترض أن تكون مواقفه يسارية، يخيب ظن جماهيره، لذا تراه من أزمة إلى أخرى يفشل في تكوين تلك الصورة التي كانت في سبعينات القرن الماضي، وحتى أواسط الثمانينات، ولا ينجح بتقديم مرشحين بمستوى فيلي براندت، أو هيلموت شمت، وحتى غيرهارد شرويدر.
حزب البديل الشعبوي ربح من حيث تراجع أداء الحزب الديمقراطي المسيحي، وتأرجح مواقفه، وتملقه للناخبين مقابل فقدان الصوت القوي الواضح كصوت أديناور وهيلموت كول، الديمقراطي المسيحي يفوز بناء على تاريخه الكبير، تأريخ صنعه كونراد أديناور الذي نهض بالألمان من القاع، بل من تحت القاع، وأجتاز بهم مراحل، وضع فيها ألمانيا على سكة وطريق ألمانيا حديثة. وهيلموت كول الذي صنع معجزة الوحدة بعبقرية وذكاء نادرين، وسط تردد ونكوص الكثير من الأصدقاء كالفرنسيين والبريطانيين.
وحزب البديل الشعبوي ربح مرة أخرى من حيث تراجع أداء الحزب الاشتراكي الديمقراطي وهو تراجع لا يتوقف منذ عهد المستشار اللامع شرويدر.
الانتخابات المقبلة 2021 ....سيستعد لها كافة الأطراف منذ الآن والنتائج ستعتمد على حسن دراسة الموقف، وحسن أستيعاب الدروس، ووضع الخطط، والعمل بثبات، وما هي المؤشرات ..؟
•زعيمة حزب اليمين فراوكة بيتري انسحبت يوم إعلان النتائج، متهمة قيادات حزبية بعدم الواقعية والاعتدال. وهو مؤشر ربما سيكون له تأثيرات سلبية على عمل الحزب للسنوات الأربعة المقبلة. وسيكون التطرف وتصاعده، أو الميل إلى عقلانية باروميتر مهم في شعبية الحزب، كما ستعل الانتخابات في الأقطار الأوربية والولايات المتحدة دوراً في تشجيع اليمين الألمانيا أو خفوت سطوعه.
•هل سيتمكن الحزب الاشتراكي في استعادة شعبيته لدى الفئات العاملة والمتوسطة وأن يمثل توجهها السياسي والاقتصادي والثقافي.
•هل سيتمكن الحزب الديمقراطي المسيحي أن يستعيد دوره في كونه بيضة القبان في التوازنات السياسية المحلية، لقد تمكنت المستشارة ميركل أن تحافظ بدرجة ما في أن يكون الديمقراطي المسيحي أملاً للناخبين في بلد مستقر آمن بعيد عن التناقضات والصراعات الطاحنة. في ذلك فإن الديمقراطي المسيحي لابد له أن يحافظ على أوربا مستقرة وبرخاء اقتصادي واجتماعي وثقافي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة :
النتائج في الجدولين أعلاه ليست رسمية، بمعنى أن النتائج النهائية يجب أن تصدر عن المحكمة المختصة المشرفة على الانتخابات، ولكنها شبه مؤكدة ولا يحتمل أن تتغير.
1383 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع