د.ضرغام الدباغ
المرحلة المقبلة وشيكة ... ملامح ومستحقات
في إيقاع سريع الوتائر، تتلاحق معطيات تشير إلى مرحلة جديدة قد بدأت بالإقلاع فعلاً، ومما يجعلنا نكتشف هوية القادمين، نشاهد أنها تجري في أكثر من ساحة بتناغم هارموني، يؤكد أن مؤلف المسرحية المقبلة هو شخص واحد (جهة واحدة)، وأن الطبخة التي تدور منذ أكثر من عقد من السنوات، قد فسدت لدرجة أن المخرج سوف يضحي بلاعبين أشتغل بهم لسنوات طويلة، فشكل منهم المعارضات، بل وحتى دفع بعض منهم لعمليات إرهابية (نسف وتخريب) رغم زعمه المتواصل أنه ضد الإرهاب، وهنا فالإرهاب نسبي، إذا كان ينفعنا، فهو إرادة الناس، وإذا ضد مصالحهم فهو إرهاب لابد من اقتلاعه. واخترعوا عبارات ومصطلحات لا علاقة لها بالديمقراطية كالتهميش والاجتثاث، والاستئصال ..!
مخرج ومنتج هذا التدمير، تخطى في هذه المرحلة كل مفاهيم الإخراج في السياسة مفتتحاً مرحلة جديدة سيستخدمون فيها أدوات جديدة، وإذا كان أبطال المسرحية الدائرة منذ نيف وخمسة عشر عاماً، لهم جوهاً كالحة، لا يتمتعون في غالبيتهم بماض سياسي أو وطني مشرف، يوم كان الماضي السياسي فقرة مهمة لأهلية كل سياسي، المخرج العظيم يوم زج بأدواته كان يدرك أنه يفعل شيئاً مهولاً، فتركهم يقتلون وأحياناً يقتتلون (ليصح وصفهم بالمجرمين) وينهبون (ليصح وصفهم باللصوص) ويدمرون بلادهم ويسفكون دماء شعبهم (ليصح عليهم أرذل الصفات ويسقطوا في نظر شعبهم)، ويأتون كل ما هو خارق للمألوف بدرجة خيالية، لم يكن شيئاً عبثاً، فهو بصدد خلق أسس وقواعد عمل جديدة، وبنفس الوقت أزال كل الأغطية والستائر التي تحجب من يتخندق وراءها هؤلاء، فكشف عريهم بصفة نهائية كأشخاص ومبادئ وقيم، وانهاروا تماماً ولم يتبق إلا حركة المايسترو الأخيرة ليقول لهم بلغة زجر لا ذوق فيها ولا أخلاق " هيا ... انصرفوا أغربوا عن وجهي، أعطيتكم ما لم تكونوا تحلموا به، ولم تفهموا من الأمر إلا السرقة والنهب، وأتيان الفضائع، وكلكم يصلح لتقديمه كمجرم حرب في محكمة الجنايات الدولية لتقضوا بقية حياتكم السخيفة وراء القضبان "، فيهرع هؤلاء بخفة ويختفون إلى الأبد متمتعين يرجعون إلى الشوارع الهلفية في أوربا التي كانوا يتسكعون فيها كصعاليك، ولينتعوا اليوم (ولو لحين) بما نهبوه من أموال الشعب سيبقون إلى الأبد مدينين للشعب بما نهبوه وما دمروه.
اليوم هو غير عام 1991، وغير عام 2003، والمسألة الأهم هي أن الخطط على الأرض لم تطبق كما هي في الخطط والخرائط، لم ينجح أحد ذلك النجاح المأمول. بما في ذلك الولايات المتحدة التي تعاملت مع ملفات عراقية خطيرة أولها تعاملاً ينطلق من معلومات دفترية غير واقعية، والمعطيات على مونيتور الكومبيوتر هي غبر المعطيات الواقعية بحيويتها. وحتى تلك أبخس الأمريكان قدرها، وبالغوا وأسرفوا هم وحلفاءهم في الألعاب المخابراتية وعولوا عليها كثيراً، وحصيلة الخمسة عشر عاماً هي عبارة عن تراكم خيبات، شيئ واحد نجحوا فيه، أنهم دمروا العراق وقتلوا الكثير من أبناء شعبه. نعم هذا كان جزء من المخطط، الجزء الأسهل والأكثر قذارة، نفذوه بأمتياز، ولكن المسألة ليست كلها قتل، فهم كانوا يطمحون أن يحل العداء النهائي بين مكونات الشعب العراق وهذا هدف رئيس آخر ولكنهم فشلوا في تحقيقه بصورة تامة. ثم أن لكل عملية جراحية ظواهر وآثار جانبية (seid affect) لم يكن الكومبيوتر قد حزرها، وعندما واجهوها لم يدركوا أبعادها وكنهتها وفاتت عليهم نكهتها، وبالتالي برزت معطيات لم تكن بالحسبان، وهؤلاء فقدوا القدرة على أتخاذ القرارات إلا بعد تشغيل تام للمعدات الالكترونية، واضطرارهم لأتخاذ القرارات السريعة يوقعهم في أخطاء تتفاوت في حجمها، وبعضها قد يكون كبيراً.
الأمريكان وحلفاءهم الفرس ساهموا في إنتاج تيارات دينية، ترفع لافتات دينية، وأسسوا قيادات دينية / سياسية لا تصلح لشيئ، ولكنها تطبق برامج وخطط مخابراتية، وفي نهاية المطاف خسروا ذلك القدر من الاحترام الذي كان يتمتع به التيار الديني حتى الماضي القريب. ومضى التيار الديني وخطابه منحدراً حتى بلغ اليوم القاع أو يكاد.
الأمريكان ومن لف لفهم يدركون تمام الإدراك أن التيار الوحيد الذي يوحد الأمة بشتى تياراتها، وطوائفها، ويؤسس لدولة لا عنصرية ولا طائفية، تضع البلاد على سكة حل مشكلاتها المستعصية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، هو التيار القومي ولكن ...
ولكن خطر التيار القومي، بنظر الأمريكان وغيرهم، أن التيار القومي سيسعى للوحدة العربية، وتأميم الثروات الوطنية، وتحرير فلسطين، وخلق دول محترمة مهابة الجانب، ففي هذه الفقرات ومفرداتها ما يحمل بذور خطورة على المصالح الاستعمارية في الوطن العربي.
الحركات السياسية في نهاية المطاف ليست تيار لاهوتي، تريد الوصول إلى أهدافها السياسية بالوسائل السياسية أولاً، والحزب السياسي التاريخي ينشأ ضمن ظروف ومعطيات تاريخية، يكون مترجماً ومعبراً عن حاجات موضوعية جوهرية في تاريخ ذلك البلد والشعب، وهذا لا يتقرر في سفارة دولة كبرى أو صغرى، أو قصر أبيض أو أسود، هذا مستوى أقل من جمعية، فهو لا يقبله وطني شريف يريد خدمة البلاد، وهم يريدون كيان فاسد عبر ولادة فاسدة.
إرادتان متناقضتان، الغرب الإمبريالي له توجه خاص نحو بلاد العرب بدرجة خاصة، وبلاد المسلمين بدرجة عامة، فالعلاقة بينهم وبيننا مليئة بالخطوط الحمر، والبنفسجي والأسود، وخرائط طريق، وأكثر من شاخص المساس به ينطوي على مخاطر تبلغ درجة الغزو المسلح.
لا أحد يشتهي المصارعة مع العمالقة والأقوياء بدون داع وسبب، ولكن مالعمل وهم يتعاملون مع مصالحنا بأستخفاف مطلق، يصرون على إشهار عدائهم لنا، ولا يظهرون أي أكتراث لثوابتنا الوطنية التي لا تنطوي على أية قد من الإضرار بمصالحهم، فأين الإضرار بمصالحهم إذا شيدنا تعليماً محترماً في بلادنا، وأي أضرار إذا كانت بلادنا مستقلة ذات سيادة .. ظهورنا إلى الحائط وهامش المناورة ضيق، بل ضيق جداً، وبلادنا كلها تتعرض لهجمة لا مثيل لها عبر التاربخ، ونحن نقاوم بلحم صدورنا ... وسننتصر ولكن بعد خسائر كبيرة جداً ... وسينهار العدوان، والمتعاونون سيشطبون من التاريخ ..
من هنا نفهم كم ألحق هذا الصنف من السياسيين العراقيين حكام البلاد بحراب الأجانب، (المحسوبين ظلماً على العراق والدين والطائفة) الأضرار بالعراق بدرجة هائلة لا تصدق، لقد دمروا البلاد تدميراً شاملاً حتى على المستقبل البعيد إرضاء لإرادة الأجنبي .. لقد باعوا أنفسهم أولاً، ثم الوطن ...
والآن صنف جديد، فئة جديدة من السياسيين يعترفون علناً أنهم يعملون بوحي من أسيادهم الأجانب هم بصدد تشكيل أحزاب قومية، لها أصباغ وطنية، ولكنها متعفنة حتى الجذور، وهؤلاء سيكونون أقذر من الذين سبقوهم، وبنتيجة واحدة.
الأحزاب لا تتشكل في السفارات الأجنبية ... الحركات الوطنية لا تعقد اجتماعاتها في المطاعم الفاخرة، ولا في فنادق سبعة نجوم ... لا تحركهم سوى حب المناصب والمال الوطني.. لا شيئ دون ذلك، بأس ما يفعلون وهم من الخاسرين حتماً ..
أسماءهم معروفة ... وتاريخهم المخزي، إنهم ينحدرون إلى مهاوي الخيانة عن وعي وتصميم، سيكشفهم الشعب العراقي.
2973 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع