صبري الربيعي
لمصلحة من يقتل االابرياء
من بين ابرز الظواهر الغارقة في الأسى, تلك الهجمة الغاشمة التي تستهدف ذوي العلوم والفنون والثقافة والصحافة اللذين يدعون في علم التصنيف الاجتماعي ( النخبة). ذلك أن قياس تقدم أية امة بحجم رصيدها من هؤلاء المبدعين في شتى جوانب الحياة وإذا ما توقفنا قليلا عند نماذج من خلفية أي من هؤلاء المبدعين سنجد أن جهدا مضنيا ودوؤبا في الدراسة والبحث والتجربة الميدانية وإجهاد الفكر في الوصول إلى أهدافهم التي تصب في النهاية في مجرى تطور المجتمع وصياغة مستقبله..
فلقد عرف العراق بأطبائه النابغين اللذين استلهمو المناهج الإنكليزية كما عرف بفنانيه التشكيليين العمالقة اللذين لا يتوفر مثيل لهم في أي بلد عربي غير العراق ..كما نبغ مبدعو الرواية والشعر والصحافة, فمن العراق أطلت مدرسة الشعر الحر وكان السياب رائدها كما قالت الصحافة الساخرة والجادة ها أنا ذا, وكان الروائيون العراقيون في طليعة من تحتفي بهم نوادي الإبداع العربي. قبل سنوات وفي بلد أوربي متقدم تقنيا في مجالات الصحافة والطباعة طلب إلي الإشراف على إصدار صحيفة محلية , وعندما جلست لأضع ( ماكيت ) العدد الأول استغرب الشخص الأوربي المعني بالمشروع من كوني استخدمت بعض الأدوات البسيطة على مكتبه لأعداد بعض الرسوم والخطوط وقال اهكذا تعملون ؟ نعم هكذا عملنا فقد كان ( كريم الخطاط ) رحمه الله يجول على الصحف اليومية ليل نهار حاملا حقيبته الصغيرة ليصنع من قطع ( الكاوتشوك) مانشيتات عريضة تحمل أنشطة الدولة والمجتمع.. هذا مثال طريف نورده.
وأسال لماذا يستهدف هؤلاء المبدعون بتلك الهجمة ؟ هل يمكن أن يمثل هؤلاء خطرا على الميليشيات (المسعورة ) ودهاقنة الأحزاب (جميع الأحزاب ) التي أذاقت شعبنا العلقم وهو في النتيجة لا ناقة له ولا جمل في وقت كان يتوقع من ( الحرية الأمريكية ) جملة أمان وردية. لم تستطع هذه الأحزاب أن توفر الظروف الموضوعية لرحيل المحتل ولم تكسر رقم البطالة المذهل وهذا هو تقرير الأمم المتحدة الصادر يوم 19 /6 الذي يشير إلى أن العراق الدولة الأولى الفاشلة. ولم يجد هؤلاء المتسيسون حياة إنسانية لأربعمائة طفل يوميا ييتمهم الاحتلال والأحزاب التي لا يوجد مثيلها إلا في أفلام (الخيال العلمي ) ولم تتحسس آلام وعويل وحاجة مائة امرأة تترمل يوميا ؟ من الذي يغادر الحياة أو يفقد طرفا من جسمه وهو يسعى إلى رزقه في ( مسطر) العمال الوقتيين ؟
هل هم قادة الأحزاب التي هبطت على شعبنا مثل ( غضب ناعق ) ونعرف أن أصغرهم لديه عناصر حماية مسلحة تكفيه مئونة الدفاع عن نفسه وعندما يتعرض إلى محاولة اغتيال ما نجد أن عناصر الحماية هم اللذين يفقدون حياتهم أو يصابون في وقت يبقى الأستاذ سليم معافى. كيف نفهم ( حجي احمد اغا ) واعني بهم اؤلئك القتلة من جميع الميليشيات والجيران الأعداء أن هؤلاء الناس المبدعون ليس من اليسير تعويضهم وهم عقل هذا الشعب وعناوين جماله وإبداعه..مائة وخمسون صحفية وصحفيا لا ذنب لهم إلا لأنهم يكدحون لمواصلة الحياة الصعبة, لا يحملون أي سلاح غير أقلامهم التي يريد القتلة أن يحطموها لتحطيم إرادتهم في الحياة والإبداع .
أليس غريبا أن يقتل فليح وداي مجذاب ذو الثلاثة والخمسين عاما بعد تعذيب وإهانة لا يملك خلالها الدفاع عن نفسه يفقد حياته بهذا الشكل المأساوي وهو الذي لم يكن طيلة تاريخه المهني كاتبا لموضوعات سياسية كما كنا نفعا وما ذنب ( أمل المدرس ) كي تحتل رصاصات القتلة جسدها النحيل وهي المراة الفاضلة ؟ وما ذنب مدير قناة النهرين المرحوم الدليمي وما ذنب من ترك أطفاله وأحفاده وأرملته على هامش الحياة ؟ ألا تتوفر لهؤلاء القتلة ذرة من ضمير ؟ كيف يمكن أن يدعو أنهم ذوو مبادئ فكرية أو سياسية أو دينية ؟ كلنا يعرف أن ثورة يوليو 1952 ورمزها جمال عبد الناصر عندما استلم السلطة طلب حصرا بالكتاب والصحفيين ورواد الثقافة المصرية واعتبرهم نخبة ينبغي الحفاظ عليها ورعايتها واستطاع عبر ذلك تجيير نشاطها الذهني والإبداعي لمرحلته فكانت هذه النخبة إحدى علامات مرحلة عبد الناصر ولم تشهد تلك المرحلة سوى اعتقال الأخوين مصطفى وعلي أمين ولذلك ظروف سياسية محددة.
وعندما منع بعض الزملاء عبد الناصر من ضباط ثورة يوليو أم كلثوم من الغناء في الإذاعة المصرية غضب بشدة وقال لهم إذن ( خذوا معاولكم واهدموا الأهرام ). أية مصيبة تلك التي نزلت علينا ؟ ولماذا يحدث لنا ذلك . لقد ( استكلب ) البعض واستيقضت في نفوسهم الموبؤة عدوانيتهم الكامنة فاستحلو حرمات الناس وأموالهم وحياتهم . إننا نهمس في آذان هؤلاء اللذين يدعون أنهم يمثلون حزبا أو تيارا أو دينا أو مذهبا..ما هكذا يكون النضال وما هكذا تتحقق أهدافكم إذا كانت لكم أهداف .. لستم ذئاب مسعورة.. لئن غاب القانون في وقت ما بفعل التقاطعات والتداخلات المختلفة في ظل احتلال غاشم فان ذلك لن يطول ولن يحتل المستقبل.. فلن يبق أمر ما على حاله.. فهذه طبيعة الحياة والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه . ألا تتذكرون عندما وضع الآلاف من العائلات في سيارات الحمل ورمتهم الأجهزة الأمنية على الحدود الإيرانية وتركت بيوتهم ومصالحهم التجارية ليحتلها شاغلون يتساوون مع المغتصبين والسراق ؟ وبعد سنوات حدثت المعجزة وعادت العوائل المهجرة إلى بيوتها ومصالحها . اعلموا أيها القتلة أن لهؤلاء الأبرياء رب في السماء ولهم في الأرض وكلاء على الحق والعدالة لا يمكن أن تمر جرائمكم البشعة بحق ابر ياء العراق دون عقاب وان غد لناظره لقريب
2117 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع