لَطيف عَبد سالم العگيلي
الإيغال فِي ترسيخِ الخلافات
يمكن القول إنَّ استمرارَ موجة التظاهرات الَّتِي ما تزَال تخيم عَلَى أجواءِ البلاد عَلَى خلفيةِ تردي واقع الخدمات وما ظهر مِنْ إخفاقات فِي إدارةِ الملفات الأمنية والاقتصادية، فضلاً عَنْ استشراءِ آفة الفساد المالي والإداري في أغلبِ مفاصل الدولة، تعكس فِي واقعِها الموضوعي خيبة أمل شعبية أفرزها تباطؤ أداء الحكومة العراقية حيال عموم عملية الإصلاح المفترضة، وَلاسيَّما ما يتعلق مِنها بمحاربةِ الفساد والمفسدين، إلى جانبِ الشروع بإجراء إصلاحاتٍ سياسية مِنْ شأنِها ترسيخ خطوات الحكومة فِي مجالِ التغيير المنشود، ولعلَّ خير مصداق عَلَى ما تقدم هو ما أعلنه رئيس الحكومة حيدر العبادي في إحدى أحاديثه مِنْ أنَّ تعثرَ مهمة الإصلاح ومحاسبة الفاسدين متأتٍ مِنْ الحاجةِ إلى إقرارِ تشريعاتٍ قانونية، بالإضافة إلى إجراءِ تعديلات دستورية فِي إشارة إلى ضرورة تمتع حكومتِه بصلاحياتٍ تتيح لها إقرار ما يقتضي مِنْ التدابيرِ والإجراءات الداعمة لمسارِ الإصلاح.
فِي صَخَبِ الجدل الدائر حَوْلَ المتحقق مِنْ الإصلاحاتِ الَّتِي كانت الحُكُومة العراقيّة تنوي القيام بها منذ تشكيلها في شهرِ آب مِنْ عامِ 2014 م، جاءت ورقةِ الإصلاح الأولى الَّتِي قدمها رئيس مجلس الوزراء إلى مجلسِ النواب مشروطة كما يبدو، عَلَى الرغمِ مِنْ إقرارِ بنودها بالأغلبيةِ وبحزمةٍ واحدة تحت قبة البرلمان. إذ سرعان ما توالت تصريحات المسؤولين حَوْلَ ضرورة تنفيذ بنود وثيقة الاتفاق السياسي الَّتِي لا علم لأغلبِ الشرائح الاجتماعية بما احتوته مِنْ مضامين، بالإضافةِ إلى الحديثِ عَنْ إنَّ هذه الورقةِ ستأخذ طريقها إلى التطبيقِ بعد ضبط إيقاعها عَلَى وفقِ فقرات الدستور، ما يعني أنَّ إصلاحاتَ الحكومة تصطدم بمأزقِ ضعف الدستور فِي بعضِ مواده.
مِنْ دُونِ رتوش، هكذا يبدو الحال فيما يتعلق بالمساعيِّ الحكومية الرامية إلى السيطرةِ عَلَى ما تمر به البلاد مِنْ مشكلاتٍ تحول بعضها إلى أزماتٍ فِي هذه المرحلةِ العصيبة، وَالَّتِي تتطلب ركون الحكومةِ إلى القيامِ بإجراءاتٍ إصلاحية عاجلة، ففي الوقت الذي تجري فيه محاولات حثيثة للبدءِ بخطواتٍ جريئة ترتكز عَلَى سياساتٍ وما مقترح مِنْ الأدواتِ وحزمة الآليات الَّتِي مِنْ شأنِها معالجة الأزمات المتفاقمة، تصطدم تلك المساعي الحكومية بجدارِ الدستور، الأمر الَّذِي يوجب أهمية إخضاع بعض مواده إلى التعديل.
إنَّ تصاعدَ الجدل ما بَيْنَ الشركاء في إدارةِ العملية السياسية فِي هذه المرحلةِ الحساسة مِنْ تأريخِ بلادنا، والَذي تتداخل فيه رؤى وتوجهات مخيفة ما بَيْنَ صناع القرار السياسي؛ متأتٍ بمجملِه مِنْ تمسكِ هذه الاطرافِ بما حصلت عليه مِنْ نفوذ، وما استحوذت عليه مِنْ مكاسبٍ ربما ليس بالإمكانِ نيلها في حالِ الاتفاق عَلَى مشروعِ الإصلاح السِّياسيّ والاِقْتِصادي الَذي يجنب البلاد التشرذم وانهيار وشائج النسيج الاجْتِمَاعِيّ، إذ مِنْ المعيبِ أنْ تُصرَ بعض الأطراف السياسية المؤثرة فِي المشهدِ العراقي عَلَى الإيغالِ فِي المساهمةِ بترسيخِ الخلافات، بدلاً مِنْ الدعوةِ إلى توحيدِ الجهود بقصدِ مواجهة التحديات الَّتِي تخيم عَلَى بلادِنا، فالانتصارات تبقى عَلَى الدوامِ بحاجةٍ إلى إدامةِ زخمها.
في أمانِ الله.
827 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع