أ.د. ضياء نافع
تماثيل بوشكين في العالم
توجد تماثيل لبوشكين في الكثير من بلدان العالم خارج روسيا , ويقدرون عددها تقريبا بحوالي (200 تمثال) , وهذا رقم غير اعتيادي بتاتا بالنسبة لاديب روسي عاش ومات في روسيا طوال حياته ولم يسافر منها الى خارج بلده ابدا ( وهذه ملاحظة مهمة جدا في هذا المجال , وتعني ما تعنيه بهذا الخصوص , اذ انها تشير وتؤكد – قبل كل شئ – ان هذا الشاعر قد اصبح واحدا من رموز روسيا ) , و نتوقف في مقالتنا هنا قليلا عند هذه الظاهرة الغريبة جدا , والطريفة والمتميزة فعلا في آن واحد .
نود ان نشير - اولا- الى تلك البلدان الاجنبية التي يوجد فيها تمثال واحد لبوشكين ( او أكثر من تمثال واحد له بعض الاحيان ), وحسب ترتيب حروف الهجاء العربية لتلك البلدان طبعا , وهي (48) بلدا وكما يأتي –
ابخازيا // اذربيجان // ارمينيا // اريتريا // اسبانيا // استونيا // المانيا // اندنوسيا // اوزبكستان // اوكرانيا // ايطاليا // بلجيكا // بلغاريا // البوسنه والهرسك // بنما // بولندا // بيلاروس // تركيا // تركمانيا // تشيكيا // تشيلي // الجبل الاسود// جورجيا // الحبشة // رومانيا // سلوفاكيا // الصين // العراق // فرنسا // فنلندا // قبرص // قرغيزيا // كازخستان // كندا // كوبا // كوريا الجنوبية // المانيا // المغرب // مصر // المكسيك // منغوليا // مولدافيا // النرويج //النمسا // الهند // هنغاريا // الولايات المتحدة الامريكية // اليونان // .
توجد ثلاثة بلدان عربية – كما هو واضح اعلاه - وهي العراق والمغرب ومصر بين تلك البلدان . نتوقف قليلا عند بلداننا العربية قبل كل شئ . تم تدشين التمثال النصفي لبوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد في عام 2011 باحتفال مهيب شاركت فيه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وجامعة بغداد واتحاد الادباء والكتٌاب العراقيين وسفارة روسيا الاتحادية في بغداد . و التمثال هذا هو هدية من الرئيس الروسي مدفيديف جوابا على هدية الرئيس العراقي جلال طالباني لتمثال نصفي للشاعر العراقي الكبير الجواهري عام 2009 في جامعة فارونش الروسية , وقد خططنا( شخصيا) لاقامة هذين التمثاليين عندئذ في مركز الدراسات العراقية – الروسية في تلك الجامعة (عندما كنت رئيسا له) بالتنسيق مع الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية , والتي كنت نائب الرئيس فيها ( انظرتفصيلات ذلك العمل الرائد في مقالتنا بعنوان - قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد ) , وكان من المفروض ان يتم تدشين تمثال بوشكين في جامعة بغداد عام 2010 , ولكن الروتين عرقل ذلك مع الاسف , لهذا فانه يعد التمثال الثاني لبوشكين في عالمنا العربي , اما التمثال الاول فقد تم تدشينه بمصر في عام 2011 ايضا , ولكن قبل ثلاثة اشهر فقط من افتتاح التمثال في بغداد , ولم يكن هناك اي تنسيق بين الحدثين, والصدفة لعبت دورا في كل ذلك ليس الا . تم افتتاح تمثال بوشكين بمصر في مكتبة الاسكندرية الشهيرة , وذلك ضمن ايام الثقافة الروسية هناك , والتمثال كان هدية من فنان روسي ومؤسس ورئيس الاكاديمية الطبية الدولية , ويعد هذا التمثال تحفة فنية بكل معنى الكلمة ويجسُد بوشكين كاملا و واقفا وملتفتا الى جانبه الايمن , وقد تم افتتاحه في اجواء مهيبة ورائعة , وشارك بعض الطلبة المصريين بالقاء قصائد لبوشكين في اطار فني جميل و متميٌز . التمثال الثالث لبوشكين في العالم العربي تم تدشينه في المغرب في احدى مدارس مدينة اكابر المغربية عام 2015 , وقدم عضو مجلس الدوما الروسي ليخاتشوف هذه الهدية ( محبة وتقديرا للمغاربة ...كي يفتح آفاقا اخرى من الدبلوماسية الشعبية بين المغرب وروسيا ) كما جاء في وسائل الاعلام المغربية آنذاك .
لا مجال طبعا للاسترسال هنا في الحديث عن تماثيل بوشكين في بقية بلدان العالم وقصصها بمثل هذه التفصيلات , التي تحدثنا عنها في بلداننا العربية , ولكننا نود ان نتوقف قليلا عند بعض الملاحظات البارزة في هذا الموضوع .
1 – تم تدشين اول تمثال لبوشكين خارج روسيا عام 1837( بعد وفاته مباشرة) في روما , وقد شارك الروس في روما حفل التدشين ومنهم مجموعة من الادباء والفنانين كما تشير المصادر, وان هذا التمثال قد تم نصبه بمبادرة من المثقفين الروس في روما آنذاك اعتزازا وتقديرا لبوشكين وللتعبير عن حبهم لشاعرهم الكبير, الا انه لم يبق الان اي أثر من هذا التمثال مع الاسف .
2 – شارك الرئيس الروسي فلاديمر بوتين في حفل تدشين احد تماثيل بوشكين في ايطاليا ( في الذكرى السنوية 201 لميلاد بوشكين ), وكانت رحلة بوتين تلك الاولى الى الخارج بعد تسنمه منصبه رئيسا لروسيا الاتحادية في ذلك الوقت, ويشير بعض المعلقين السياسيين الى هذه الحادثة ويرون فيها محاولة من قبل الرئيس الروسي الجديد آنذاك ربط اسمه باسم بوشكين , لأن بوشكين - رمز روسيا امام الشعب الروسي وامام العالم ايضا . وبغض النظر عن صحة او دقٌة رأي المعلقين السياسيين هؤلاء ام لا , الا ان الموضوع – مع ذلك - يبقى مثيرا وطريفا , ومن المؤكد انه سيكون – في نهاية المطاف وفي كل الاحوال – لصالح بوشكين ومكانته الساطعة في تاريخ الادب الروسي والعالمي بلا ادنى شك .
3 – يوجد تمثال لبوشكين في الحبشة ( اثيوبيا ) تم تدشينه عام 2002 , وكذلك يوجد تمثال له في اريتريا تم تدشينه عام 2015, باعتبار ان بوشكين هو واحد من احفاد هانيبال , الافريقي ( الذي ينحدر من تلك المناطق ) , والذي قدموه هدية الى القيصر الروسي بطرس الاعظم في القرن الثامن عشر , والذي اصبح جنرالا بارزا في الجيش الروسي آنذاك , وكما هو معروف في تاريخ روسيا عموما و تاريخ الادب الروسي خصوصا .
4 – بقيت تماثيل بوشكين العديدة جدا في الدول التي انفصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 دون تغيير , ولم تنظر هذه الدول الى تلك التماثيل بتاتا على انها رمزا لروسيا كما هو الحال بالنسبة لتماثيل كثيرة اخرى (تم نصبها اثناء الفترة السوفيتية ), وبالتالي بدأت بازالتها من اراضيها او اهمالها او حتى التقليل من قيمتها الحضارية , وكذلك الحال بالنسبة للدول الاشتراكية سابقا. لقد فرض بوشكين شخصيته الادبية وقيمته الفكرية على الجميع , واصبح أعلى من تناقضات السياسة والاعيبها وتغيراتها وتقلباتها , رغم انه يعد رمزا لروسيا منذ ذلك الحين والى حد يومنا هذا .
672 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع