مسلسل التلوث البيئي للعراق

                                                  

                     بقلم الدكتور هيثم الشيباني

                          خبير في البيئة

          


1.المقدمه :
يعرف التلوث بأنه إدخال عناصر غير طبيعية إلى مكونات   البيئة الطبيعية , أو القيام بأعمال ينتج عنها مخلفات طبيعية ولكن بكميات كبيرة , مما يتسبب في حدوث اختلال في التوازن البيئي , وبالتالي تهديد شكل , أو مجموعة أشكال من الحياة فيها  , وتعد نشاطات الإنسان هي السبب الرئيسي وراء التلوث .
وقد ابتلي العراق بالتلوث البيئي الذي أثر على صحة البشر , والأحياء الأخرى منذ عقود كثيره ولا يزال مستمرا, بسبب الحروب عليه مضافا اليها الاهمال والممارسات اللامسؤوله من بعض الأفراد.
2. حالات السرطان تتزايد في العراق     

 وحسب وكالة النبأ المعلوماتيه فقد ألقى الدكتور (صائب الشحادات) الأخصائي في معالجة الأورام السرطانية في  محاضرة قال فيها  ( ان العراق يحتل اليوم مرتبة متقدمة بين دول العالم في أعداد المصابين بالأمراض السرطانية  , مع   ظهور أورام جديدة وغريبة لم تكن موجودة من قبل ) . مشيرا الى تقارير مستشفى الأشعاع والطب الذري في بغداد , وبعض التقارير العالمية.  وأن الأرقام لم يبلغها أي بلد في العالم سوى اليابان بعد   إلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية.  
 كما وأكدت تقارير عالمية أجريت بالاشتراك مع منظمة الصحة العالمية إن البيئة في العراق ملوثة بدرجة كبيرة مما أدى إلى ظهور العديد من أمراض السرطان. وأوضحت إن البيئة في العراق عانت بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثين الماضية من استخدام الأشعة  المؤينة والكيماويات في الحروب على العراق , وفي الصناعة دون اعتبار للبيئة وكشف مسح جوي أنجزه فريق الكشف عن الآثار المشعة للمخلفات العسكرية واثآر الحروب على العراق وجود أكثر من 143 موقعا ملوثا بالاشعاع .
كما حذر (د.كلاوس تويفر) وهو المدير التنفيذي لبرنامج الصحة العالمية من  كون الصحة العامة للعراقيين في خطر ناجم عن القذائف محتوية على الاشعاع .
 ان فرصة المريض لمراجعة الطبيب الأخصائي قليلة , وذلك لقلة عدد الأطباء الى عدد المراجعين.
فعلى سبيل المثال أن الطبيب في فرنسا يستقبل يوميا (اثنين وعشرين) مراجعا على الأكثر , في حين إن مستشفى   الشهيد الصدر في العراق يستقبل يوميا (مائتين وخمسين) مراجعا وقد يتعدى العدد أكثر من ذلك .   

 3.حرق النفط الخام والغاز المصاحب للنفط وتأثيراته

ان انبعاث الغاز المصاحب لاستخراج النفط واحتراقه مشكلة خطيرة على الصحة والبيئة ,وخسارة اقتصادية كبيرة لا تعوض.





 



والنفط عبارة عن زيت  لزج  وكثيف يميل  إلى السواد  , يتكون أساسا من العديد  من المركبات  بالإضافة إلى العديد من العناصر  المعدنية ومنها عنصر الكبريت والحديد.

ويؤدي  احتراق النفط  إلى انطلاق  الغاز الطبيعي , والذي يتكون من العديد من الغازات ومنهاغاز الميثان  والإيثانوالبروبان  والبيوتان بالإضافة إلى انطلاق غاز الايثيلين والذي يعد من  أشد المركبات الهيدروكربونية تلويثاً للهواء.

وقد حذر مختصون في علوم التلوث البيئي وصحة الإنسان من التأثيرات الناجمة  من  حرق آبار النفط وتأثير الغازات المتصاعدة التي وصفوها بأنها شديدة السمية على الجهاز  التنفسي إضافة  للتأثير على الكائنات الأخرى والتربة وغيرها وحدوث الأضرار التاليه.

أضرار بيئية

ويؤدي احتراق النفط  إلى حجب أشعة  الشمس  مما يؤثر  بدرجة عالية  على النشاط  الميكروبي لتحلل  النفايات والمخلفات العضوية وهذا  يؤدي إلى تراكمها  ونشوء الأوبئة  والأمراض.


كما يؤدي احتراق  آبار النفط إلى تصاعد أبخرة بعض  الأحماض مثل حامض الفسفوريك وحمض  النيتريك  وهذا يؤدي  إلى نشوء المطر الحماضي .  


أضرار صحيه

ان  احتراق النفط الخام يصاحبه انبعاث العديد من الغازات  شديدة السمية ومنها على سبيل المثال غاز كبريتيد الهيدروجين (H2S) واكاسيد الكربون والكبريت والنيتروجين  بالإضافة إلى انطلاق  بعض  العناصر المعدنية السامة  مثل  الزئبق  والزرنيخ والفانديوم والتي تسبب للإنسان العديد  من الأمراض الخطيرة .
 
اضرار الاحتباس الحراري

 أن ظاهرة الاحتباس الحراري  ازدادت بسبب النشاط البشري وتعزى هذه الزيادة بشكل أساسي إلى ازدياد مقذوفات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي , حيث يتم إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل أساسي نتيجة إحراق الوقود الأحفوري وجراء حرق النفط والغاز الطبيعي المصاحب للنفط.
 
اضرار أقتصاديه

إن انبعاث الغاز يراكم نحو ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون في سماء العراق والمنطقة, وبحسب إحصائيات عالمية فان العراق يعد من ضمن ثالث أعلى 20 دولة في العالم في معدلات حرق الغاز, حيث يخلف حوالي ثمانين بالمائة من الغاز الطبيعي غير المستغل في العراق إضرارا بيئية جسيمة  .
 لقد بقي  العراق طيلة عقود منتجا للنفط ولا يزال غير قادر حتى ألان على استغلال ثروته الغازية   لمشروعات الغاز, ويقوم  حاليا باستيراد حاجة العراق من الغاز من الدول المجاورة بينما يشتعل غاز نفطه يوميا تاركا عوادم في الجو تعادل تشغيل 3 ملايين سيارة.

وصل انتاج العراق من الغاز الحر الى 1.1 مليار قدم مكعب في اليوم في عام 2013 ومن المتوقع أن الخسائر المالية للعراق وحده  قد وصلت إلى 16 مليار دولار سنوياً في سنة 2016.
اضرار اخرى
ان الاضرار لا تقتصر  على الانسان  وانما تشمل الحيوانات والطيور  والنباتاتوالأحياء الأخرى .
4.اشتعال آبار نفط القياره:

بسبب اشتعال آبار نفط القيارة من قبل تنظيم داعش , فقد توقعت منظمة ارصاد العراق ,  امتلاء اجواء العاصمة بغداد , وعدد من المحافظات بالدخان  .
وذكر بيان  للمنظمة ان  اجواء صلاح الدين وجنوب كركوك وديالى وبغداد  قد تكثفت  بالدخان خلال ساعات  .
واضاف البيان ان ( الدخان ناتج عن ابار نفط القيارة ويتجه  الى جنوب شرق البلاد ) .
وكانت وزارة النفط قد اعلنت , في الخامس من ايلول الماضي عام 2016 , عن اطفاء حرائق  6 آبار نفطية في حقل القيارة النفطي ومنع تسرب النفط الخام الى النهر .

 
5.تلوث وحرائق ودمار وكارثة بيئية بسبب الحرب في العراق

 من جانب آخر وحسب  مدونة بتروليوم , و ضمن  ارشيف ( مايا جبيلي) نشرت صورة بتاريخ 12 ت2/نوفمبر 2016 لراعي شاب قرب القيارة بالعراق , وتبدو الخرفان خلفه وقد اسود صوفها من دخان ابار النفط المحترقة بعد اضرام داعش النار فيها قبل انسحابهم الى الموصل .
 ان القنابل التي زرعها داعش خلف أضرارا خطيرة على الصحة والبيئة في العراق , مما أثار قلق المنظمات الدولية التي دعت الى تحرك سريع قبل استفحال الوضع  وبشكل مباشر, وعاني العراقيون من سحب الدخان الاسود التي خلفتها حرائق آبار نفط , بعضها لا يزال مشتعلا منذ اكثر من اربعة اشهر بما تحمله من غازات سامة بالقرب من مناطق سكنية وزراعية واسعة , تمتد الى الجنوب من الموصل .
ويؤكد المصدر أن اثر هذه الحرائق بالاضافة الى المياه الملوثة والمعدات العسكرية المتناثرة والمرافق المدمرة سيمتد على المدى البعيد ويعرقل اعادة الاعمار واستئناف اكثر من ثلاثة ملايين نازح في البلاد حياتهم بشكل طبيعي .
ويشير تقرير لبرنامج الامم المتحدة للبيئة الى تلقي المئات العلاج اثر تعرضهم الى مواد كيميائية , بالاضافة الى تعرض الملايين لاستنشاق الجسيمات العالقة والغازات المنبعثة من آبار النفط في المناطق الواقعة الى الجنوب من مدينة الموصل حول آبار النفط , بعد أن أحرق تنظيم الدولة الاسلامية مصنعا للكبريت .
 , و كان رجال الدفاع المدني العراقي يقومون بتحري الوضع عبر اجهزتهم الالكترونية. وقال ( هجار فاضل ) ضابط الدفاع المدني وهو يقف على مقربة من بئر ما زالت تنبعث منه شرارات من اللهب , نحن نقيس مستويات كبريتيد الهيدروجين , وهو غاز قابل للاشتعال يمكن ان يتسبب بحروق .
ويضيف(نقوم بتغطية الارض لوقف انبعاث الدخان ووقف تلويث الهواء والبيئة). وصرح( جيني سباركس ) من منظمة الهجرة الدوليه , ان   القلق يتنامى من  (التأثير السلبي لهذا التلوث , مما يمنع القدرة على اعادة بناء بيئة نظيفة ومستدامة  , و يمنع اعادة النازحين الى ديارهم .
ويضيف ( سباركس ) ان الامر يتطلب  الانتقال من الاجراء الطارىء الى برامج لبناء القدرة على المقاومة في الاسابيع والاشهر المقبلة .  
ويشير برنامج الامم المتحدة للبيئة الى ان اعادة الاعمار تجري في منطقة تعاني بيئتها اصلا من التدهور جراء النزاعات السابقة واستغلال المساحات المزروعة بطرق غير مستدامة ادت الى التصحر الخطير والى افقار التربة .  
وقد كانت الغالبية العظمى من سكان هذه المناطق تعتمد على الزراعة وتربية المواشي والعمل في قطاع النفط  .
وشوهدت في السهل الصحراوي قطعان من الاغنام قد تغير لون صوفها الى الأسود جراء الدخان الكثيف .
ويقول جابر البالغ من العمر 16 عاما وهو يرعى اغنامه بالقرب من بلدة القيارة الزراعية لفرانس برس ( لقد نفقت بعض اغنامي وما تبقى منها لا استطيع بيعه لانها اسودت ) .

6. نفايات ومياه ملوثة واوبئة
ويحذر برنامج الامم المتحدة للبيئة من المواد السامة التي يحتويها الركام وغبار المباني المدمرة وبعض مخازن الاسلحة والمواد الكيميائية , ومن تأثيرها بعيد المدى على البيئة  اذا لم يتم التحرك في مواجهة ذلك.  
ونفس الشيء ينطبق على  الأليات العسكرية المدمرة المتروكة ( وهي ملوثة بالتأكيد) لانها تشكل خطرا على  الاطفال الذين يلعبون بها او الرجال الذين يفككونها لبيع معدنها , دون وعي.  
ويقول(ايرك سولهايم ) المسؤول عن برنامج الامم المتحدة للبيئة ان الماء يمكن ان يشكل مصدرا للخطر, ويضيف (القيت جثث ومواد خطيرة ونفط ) في الانهار ومجاري المياه .
رغم ذلك , فمازال البعض يتمسك بالامل , ويقول برنامج االبيئه للامم المتحدة  انه عند الغزو الاميركي على العراق في 2003 , تعرض مصنع كبريت المشراق قرب القيارة لحريق استمر شهرا ,  وتعرضت النباتات والمحاصيل لاضرار جسيمة , لكن بعد مرور عامين  تعافت البيئة .  
والسؤال هو ( ربما أن البيئة قد تعافت من حيث القياسات , لكن الدمار الذي  أحدثه التلوث  وتأثيره على الكائنات الحية وعلى رأسها البشر , منذ حصول الحادث وحتى التعافي من آثاره, لا بد أن يؤخذ بالاعتبار).
7. الاستنتاجات والتوصيات :
•حيث أن البيئة في العراق مثخنة بجراح تراكمت عليها عبر سنوات طويلة , فان التصدي لمثل هذا الواقع يجب أن يتم  باستحداث منظومة مؤسسية , تتولى تدارك المخاطر القائمة والتخطيط لمستقبل واعد مستفيدة من الخبرات العراقية , واعادة تجميعها من الشتات والاستفادة منها , وتطوير الخبرات الموجودة بما يتماهى مع  أرقى الدول في العالم.
•يتطلب اعادة النظر بمسألة دمج وزارتي الصحة والبيئة في وزارة واحده , لأن وزارة الصحة عليها مسؤولياتها الكبيرة من جانب , كما أن وزارة البيئة لها تحديات كبيرة عليها أن تواجهها.
•نقترح تشكل غرفة عمليات لحالات الطوارئ مثل حالة حصول الحرائق في نفط القياره , برآسة جهة عليا في الدولة تتمتع بكافة الصلاحيات , لتدارك المخاطر البيئية التي تحصل وتقليل آثارها الخطيرة الى الحد الأدنى واعادة الحالة الى وضعها الطبيعي , ويكون هذا العمل سياقا يتم اتباعه لمثل هذه الحالات.
•ضرورة الاستعانة بكافة الجهات الدولية ذات الصلة بالموضوع والتي تم الاشارة اليها في المقال , وعلى رأسها برنامج البيئة للأمم المتحده , حاليا وفي المستقبل , ويشمل ذلك المساعدات الفنية وطلب أجهزة القياس وتدريب الملاكات البشريه.
•ان علم البيئه ليس معزولا لوحده , انما تتداخل معه علوم كثيرة منها الفيزياء , والطب , والهندسه , والكيمياء , وعلم الأرض ( الجيولوجي), وعلم الأحياء  ( البايولوجي ) , والزراعه , والاقتصاد , والتخطيط الحضري , والطاقة . وهذا يعني أن كل وزارات الدولة وأنشطتها المتصلة بهذه العلوم مدعوة للاهتمام بالبيئة وتضمين ذلك في خططها التنمويه وبرامجها التفصيلية .
•يتطلب تخصيص المال الكافي للبيئة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

887 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع