محاضرة الأعرجي في صالون شبانة

                                                    

محاضرة الأعرجي  في صالون شبانة

وردنا من الأستاذ عبد الفتاح شبانة ما يلي:
 إلى الأخوة الأحباب أصدقاء صالون شبانة
 يسعدنا أن نلتقي بكم في الساعة السابعة من مساء السبت العاشر من ديسمبر ٢٠١٦ م في أمسية حافلة بالفكر والفن.
ضيف شرف الصالون الكاتب والمفكر العربي الكبير الأستاذ/علاء الدين الأعرجي، وحديث عن كتبه الأخيرة  ونظرياته الجريئة المثيرة للجدل، ونقاش حر مفتوح.
وسنتشرف بحضور كوكبة من إعلامي المهجر وضيوف كرام من مصرنا وبقية البلدان العربية الحبيبة. والدعوة عامة للجميع.
وذلك في:
Opa Greek Restaurant
2844 , 31st Street
Astoria, NY
(718)728-3638
 وإليكم  كتب الأعرجي الخمسة موضع النقاش:
1-أزمة التطورالحضاري في الوطن العر بي  بين  العقل  الفاعل والعقل المنفعل
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrZHdPdlZCSUtPYTg/view?usp=sharing

2-الأمة العربية  بين  الثورة  والانـقراض
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrR1lITUlkNmUyWjA/view?usp=sharing

3- الأمة العربية  الممزقة  بين  البداوة  المتأصلة  والحضارة الزائفة
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrb2tvN3NmUjFqUms/view?usp=sharing
4-    إشكالــيّة التربية والتعليم وإعادة   إنـتاج  التخلف في الوطن العربي
http://www.e-kutub.com/index.php/2012-11-20-00-14-54/1762-2015-12-17-07-05-57
5-  في مواجهة التخلف : من أجل  هيكل  معرفي  عربي  شامل
مكن تحميل هذه المؤلفات  مجاناً، وإعادة إهدائها، بدون  أي تحفظ .
و يرحب   المؤلف ، بكل سرور ،  بملاحظات القراء ونقدهم   هذه الكتب بكل صراحة وموضوعية.          
فيديو وصلات المحاضرة:
https://www.youtube.com/watch?v=Z01FfFfPreY

 https://www.youtube.com/watch?v=vIxCtauFURI

https://www.youtube.com/watch?v=f5m7QeE7Vok

https://www.youtube.com/watch?v=R4oOui7VUkg
المحاضرة
تحدث الأعرجي في هذه المحاضرة عن أهم أفكاره الواردة في كتبه الخمسة، بقدر ما إتيح له من وقت. ولكنه توسع في عرضه التالي متوخياً الفائدة لمن يرغب في الاطلاع على أهم نظرياته.
  عرض المؤلف في هذه الكتب، عدة فرضيات/نظريات وأفكار قد يُعتبر بعضها "جديداً"، وهي مطروحة لتقويم القراء ونقدهم، لاسيما
1.    فرضية/ نظرية التخلف الحضاري: وهي فرضية استخلصها المؤلف من رصده الدقيق للأحداث والكوارث التي مرت على الأمة منذ كارثة ضياع فلسطين في منتصف القرن العشرين، مروراً  بالانقلابات/ الثورات(مصر، العراق، سوريا، الجزائر، اليمن، السودان، ليبيا)، حتى وصلنا اليوم إلى كارثة ظهور داعش وأخواتها.  وقد تأكد من هذه النظرية وكتب عنها خصوصا بعد هزيمة 1967. ثم عثر عليها مذكورة بصراحة في كتاب "في معركة الحضارة"لقسطنطين زريق (ص390ـ، ط1). ثم تابعها بدقة  في ندوة" أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"(الكويت، 7-12 نيسان 1074)  ثم تعقبها  كثيراً في أعمال معظم المفكرين العرب ابتداء من الطهطاوي وانتهاء بنجيب محمود والجابري والأنصاري وشرابي وجواد رضا والوردي، مرورا بالعشرات.
2.إذاً يعتبر المؤلف  أن السبب الرئيسي لجميع إشكالياتنا ونكباتنا ونزاعتنا الدموية المتواصلة تعود في أصولها الجذرية إلى تخلفنا الحضاري: الفكري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والسياسي والمؤسسي والتاريخي...إلخ. مع أسباب ثانوية أخرى تتعلق بـ"الآخر". أقصد القوى الخارجية التي تريد كبح أية حركة تقدمية عربية قد تؤدي إلى نهوض العرب.لأن ذلك سيؤثر على مصالحها في المنطقة. وعلى رأس هذه القوى إسرائيل. ومع ذلك فإننا أول المسؤولين، فلولا ضعفنا الحضاري، لما تمكن الأخر من الدخول في صفوفنا.
ويرى المؤلف أننا قصّرنا كثيراً في الأخذ بأهم ما تتميز به الحضارة  العالمية القائمة،  من معرفة: علم وتكنولوجيا؛ وفكر: فلسفة نظرية وعملية؛ وإبداع ذهني وعملي؛ ونظام حكم: الديمقراطية، وحقوق الإنسان، فصل الدين عن السياسة، فصل السلطات، حرية الفكر، و حرية التعبير والاعتقاد، والبحث والتنظيم، واحترام الرأي الآخر، وتشجيع الإبداع والمبدعين منذ الصغر. وكل ذلك تحقق للحضارة القائمة بعد إيمانها بالعقل، الذي تنطلق منه جميع عوامل التقدم المذكورة  أعلاه. أما نحن فلا نزال نتمسك في الغالب بأن "وظيفة العقل هي في تثبيت قواعد النقل"، كما يؤكد الغزالي.
 
3.هذا التخلف لا يعني أنه متأصل في الذات العربية، بدليل أن العرب أنشأوا أعظم حضارة في القرون الوسطى، ولو لم تكن قائمة على نفس مقومات الحضارة الحديثة، لاختلاف الزمان والظروف. وبدليل آخر، هو أن العرب كأفراد يتفوقون اليوم، عندما تتوفر لهم ظروف مواتية، ولاسيما في البلدان المتقدمة.    
4.فرضية/ نظرية انقراض الأمة العربية: ينطلق المؤلف، في فرضيته هذه، من حِرصه الشديد على مصير هذه الأمة. فهو يدقُ ناقوس الخطر بشدة، ويدعو إلى حشد جهود جميع المعنيين لإنقاذها.
5.وفي الوقت الذي يطرح المؤلف هذه الفرضية لمناقشتها من جانب القراء عموماً، ويضع الكثير من المؤشرات على صحتها، فقد كرّس جهده في معظم أدوار حياته  للبحث عن أفضل السبل لإنقاذ هذه الأمة من هذا المصير المأساوي، وذلك عن طريق محاولة تأصيل وتفسير وتنظير أسّ الداء، وتوصيف الدواء، لاسيما من خلال مشروعه "أزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي" الذي فصّله في المؤلفات الخمسة الأخيرة  ، بالإضافة إلى المشاريع العملية التي طرحها، والتي ذكر بعضها في كتابه "الأمة العربية بين الثورة والانقراض" .  وفصّل أهمها في كتابه الخامس " في مواجهة التخلف: مشروع المؤسسة الموسوعية العربية في المهجر"
6.ويرى المؤلف أن غض النظر عن هذا المصير الداهم، يشكل خطيئة خطيرة لا تُغتفر، كخطيئة الطبيب الذي أصيب مريضه بمرض عُضال، فلا يصارحه أو أهله به، الأمر الذي يؤدي إلى إهماله اخذ الجرعات اللازمة من الدواء المُرّ، مما قد ينتهي إلى التعجيل بوفاته.    
7.الفرق بين الظواهر الطبيعية والاجتماعية يتجلى؛ بأن الأولى يمكن إثباتها عن طريق التجربة والتأكد من صحتها، لذلك وصلت بعض النظريات إلى حد القانون. كقانون حفظ الطاقة وقانون الجاذبية. بينما يتعذر إعادة تجربة الظاهرة الاجتماعية، لذلك تبقى نظرياتها احتمالية مًرجحة، لكنها لاتصل إلى حد القانون الثابت. وهكذا فإن جميع النظريات السوسيولوجية المعتبرة بما فيها، النظريات  الواردة في هذا الكتاب، تظل مُرَجَحَة، وقابلة للمناقشة العقلانية والنقد العلمي المعزّز بالشواهد. بل يرحب المؤلف بالنقد الرصين، الأمر الذي قد يجعله يعيد النظر فيها.    
8.لا يَعرِفُ المؤلف  أي أمه أضر بها تراثها، كما أضر  تراثنا العظيم بنا. لا بسبب علّة في التراث نفسه، ولكن بسبب عدم فهمنا لهذا التراث، (انظر الفقرة 20 أدناه) ولئن أردناه حافزاً لنهضتنا وتقدمنا، فإذا به يصبح حافزاً لتواكلنا وتقاعسنا وتوكئنا عليه لمواجهة تحديات الآخر،  ما زاد من سرعة إعادة إنتاج تخلفنا.

9.ولمناقشة فرضية الانقراض هذه، ذكر المؤلف في الفصل الأول من الكتاب الأول سبعة عشر مظهراً واقعياً، تحاول التدليل على صحتها. كما أكدها في الكتاب الثاني. وهذه الفكرة تكاد تكون طاغية على معظم طروحاته.
10.يرى المؤلف أن انقراض الأمم/ الحضارات، ليس غريباً على التاريخ البشري المعروف. فقد انقرضت خلاله أربع عشرة حضارة سابقة، كما يقول المؤرخ توينبي، الذي أكد أن الحضارة الإسلامية بما فيها العربية، آيلة إلى السقوط.
11.الأمم والحضارات الكبرى لا تسقط فجأة، بين ليلة وضحاها، بل تظل على فراش الموت لفترة طويلة حتى تلفظ أنفاسها، كما والحضارة الرومانية والحضارة  العربية الإسلامية، التي ربما لازمت فراش الموت منذ سقوط بغداد في 1258 ثم دخلت في غيبوبة الموت coma  منذ 1492 بعد سقوط غرناطة .
12.جميع المحاولات والجهود الكثيرة والجبارة التي بُذلت لإيقاظها منذ مطالع القرن التاسع عشر حتى اليوم باءت بالفشل، بدليل ما يحدث اليوم في طول البلدان العربية وعرضها، وانبثاق الظاهرة الداعشية.  
13.إن تراكم الأسباب والعوامل السلبية والإيجابية وتفاعلاتها الديالكتيكية، وتغلب محصِّلات ذلك التفاعل، بعضها على البعض الآخر، هو الذي يقرر مصير الحضارة/الأمة.  ونحن الآن في مرحلة تغلب العوامل السلبية على الإيجابية كما هو واضح.     
 
14.يطرح المؤلف فرضية/ نظرية أخرى، هي "الفجوة الحضارية" بيننا وبين الآخر المتقدم، التي كلما تزايدت سعةً وعُمقاً، (وهي تتسع فعلاً في كل يوم)، تزايدت سلطة الآخر على مقدّراتِنا. الأمر الذي يُسَرِّع من عملية انقراض الأمة. ويرى المؤلف أن هذه النقطة لم تُبحث، حسب علمه، من جانب المفكرين العرب، رغم أهميتها ووضوحها.
15.يطرح المؤلف نظرية تنازع البقاء وبقاء الأصلح(سبنسر، لامارك، دارون) أو الأقوى مادياً ومعنوياً، بما فيه الأقوى عقلياً، علمياً وتكنولوجياً، كنظرية تنطبق على جميع المجتمعات، قديماً وحديثاً. إذاً نحن ما زلنا نعيش في ظلّ شريعة الغاب: القوي يفترس الضعيف.
16.وبناء على ذلك، يرى المؤلف أن صراعنا مع إسرائيل هو صراع حضاري في المقام الأول. وهذه نقطة أخرى لم يسمع المؤلف أنْ قال بها أحد المفكرين. ويرى أن سبب ذلك قد يعود إلى أن العرب لا يريدون أن يعترفوا بهذه الحقيقة المُرة. أي بتخلفهم الحضاري أمام اليهود.
17.نعم، هو صراع وجود، ولكن هذا الصراع  يجري بين حضارة هابطة وحضارة صاعدة.  
18. وهذه مسألة أخرى يعتقد المؤلف أن لها دوراً كبيراً في تفاقم أوضاعنا وإعادة إنتاج تخلفنا، ويقصد بها عدم الاعتراف بعيوبنا القاتلة، ومنها تخلفنا الحضاري المُركّب. أي نظل "لا ندري ولا ندري أننا لا ندري". أي لا نعي حقيقة تخلفنا، ناهيك عن مداه. ما أدى إلى إعادة إنتاج التخلف. لذلك نظل نعيش في الوهم.
19.نحن لا نعتز بتراثنا كما هو في حقيقته، وفيه الغث والسمين، ولكن نعتز به كما نتصوره، ليس كما هو كائن فعلاً، بل كما كان ينبغي عليه أن يكون حسب تصورنا الحاضر. أي أننا نتعيش على أوهام في الغالب.
20.من هنا تأتي أهمية مشروع إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي بموضوعية، مع الأخذ بعين الاعتبار مختلف وجهات النظر وعرضها بحيادية وتجرد. وقد كتب المؤلف دراسة عن هذا المشروع.  وهو مشروع كتاب، بحول الله وقوته، إلا إذا استجبت لنداء ربي قبل ذلك.
21. يرى المؤلف أننا لسنا الآن ورثة الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي، بل نحن ورثة الفترة المظلمة الأخيرة، التي استمرت قرابة سبعة قرون، بما أنها أقرب إلينا وألصق بنا، فنحن نأخذ من أجدادنا الأقربين أكثر مما نأخذ من أجدادنا الأبعدين.
22.لتفسير وتحليل وتأصيل الفرضيات المذكورة أعلاه، ولاسيما فرضية تخلف العرب وانقراض أمتهم، يطرح المؤلف ثلاث فرضيات/نظريات رئيسية :1) "نظرية العقل المجتمعي"، 2)  "نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل"، 3) "نظرية عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة على نحو يكفي لمحو الخصائص البدوية".  وفيما يلي موجزاً مكثفاً لكل منها دون الاستغناء عن الأصل:
 
23.الأولى:فرضية/ نظريَّة "العقل المجتمعيّ؛"   Societal Mind.وأقصد به "عقل المجتمع". أي المجتمع ككيانٍ له شخصيَّةٌ معنويَّةٌ، لها عقلٌ مستقلٌّ عن عقلِ الأفراد. ولهذا الكيان "العاقل"، سلطةٌ  قاهرةٌ  وسائدةٌ، يخضع لها مُعظم أفراد المجتمع، إن لم يكن جميعهم، بـ"عقلهم المنفعل" به ،( أي المنفعل بالعقل المجتمعيّ)، من حيث لا يشعرون. فهم يعتقدون أنَّهم يتصرَّفون بآرائهم التي اختاروها بمحض إرادتهم. بل يدافعون عن هذه الآراء، المفروضة من تلك السلطة،  ويتحمَّسون لها،  قد يضحُّون في سبيلها بكلِّ شيءٍ، حتَّى بأرواحهم أحياناً. ويتـمظهر هذا العقل في الأعراف والقِيَم والعاداتِ والمعتقداتِ والإيديولوجيَّات. أي بجميع المُسلَّمات التي يؤمن بها أعضاء ذلك  المجتمع،(كلُّهم أو معظمهم ، رهنا بمدى تقدم ذلك المجتمع أو تخلفه). والتي قد لا تستند، في الغالب، إلى أي مستندات واقعية، منطقية أو أو تاريخيَّة ٍ جديرة بالاعتبار. وقد تكون ضارَّةً بالمجتمع أو بالشخص ذاته. علماً أنني اعتقد أن هذه النظرية تنطبق على جميع المجتمعات في كل زمان ومكان.
                            
24. الثانية: فرضية/نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل Active Mind and Passive Mind : هذه النظريَّة تفترضُ أنَّ الإنسان يولدُ بعقلٍ فاعلٍ؛ فهو فضوليٌّ بطبعة، مُتَطَلِّــــعٌ وميّالٌ إلى المعرفة والعِلم  والاستكشاف ثمّ الإبداع.  ولكنَّ هذا العقل الفاعل، يَضْمُر  تدريجيّاً بتأثير العقل المجتمعيّ القاهر والمُسيْطِر، فيتــحوَّل العقل الفردي الفاعل إلى عقلٍ فردي منفعل. وهذا يصدق بوجهٍ خاصٍّ على المجـتمعات التقليديَّة أو المحافِظة، ومنها المجـتمع العربيُّ الإسلاميّ. مع ذلك قد يظهر في بعضٍ من هذه المجتمعات، عددٌ من الأفراد الذين يستعيدون عقلهم الفاعل، فيتمرَّدون على العقل المجتمعيّ. إذ قد ينبِّهون الآخرين إلى الأخطاء التي يرتكبونها بخضوعهم للمعتقدات أو الخرافات التي يحفلُ بها العقل المجتمعيّ. وقد يفتحون للمجتمع آفاقاً مبتَكَرة جديدة، قد تؤدِّي إلى تقدُّمه، ومنهم بعض  كبار المفكِّرين أو الزعماء أو الأنبياء. وغالباً ما يلاقي هؤلاء الرواد  الأمرّيـْن من مجتمعهم، ومنهم  مثلاً النبي موسى(ع) وعيسى(ع)، والرسول محمد(ص)، وسقراط  وغاليلو، سابقاً، وجميل صدقي الزهاوي وعلي الوردي  ولويس عوض  وفرج  فودة  ونصر حامد أبو زيد، وصادق جلال العظم، مؤخراً، وغيرهم.

25. الفرضيَّة/النظريَّة الثالثة هي عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة على نحوٍ كافٍ لمحْو المُسلّمات/الخصائص القَبَليَّة (البدويَّة). ذلك لأنَّ العرب  الذين كان معظمهم من البدْو أو الخاضعين للعقليَّة البدويَّة، حتَّى الذين كانوا يسكنون المدن الصغيرة، عندما حقَّقوا  تلك  الفتوح  العظيمة بعد الإسلام، أصبحوا الأسياد في تلك البلدان، التي كانت متحضِّرة ومتقدِّمة، (بمقاييس عصرها) ولاسيَّما بلاد العراق والشام ومصر؛ أقول  إنَّ هؤلاء العرب الفاتحين، انتقلوا من مرحلة البداوة إلى مرحلة "التحضُّر"، أي مجرد الاستقرار في المدن، -بدلاً من الترَحُّلِ المتواصل وراء الكلإ  والماء- وليس الحضارة بمعناها الحديث المعروف اليوم . معنى ذلك أنَّهم لم يمرُّوا بمرحلة الزراعة بشكلٍ طبيعيٍّ، كما مرَّ بها أجدادُهم العرب ُ القدامى، الذين هاجروا قبل ذلك بآلاف السنين، بسبب الجفاف الذي حلَّ بالجزيرة العربيَّة في نهاية العصر الجليديِّ الأخير، قبل حوالى عشرين ألف عام. حيث قلَّتِ الأمطارُ فماتتُ الأشجارُ المثمرة ونفقت الحيوانات، التي كان الإنسان القديم يعتاش عليها.(وقد أطلقنا على تلك الفترة "مرحلة البداوة الأُولى").وهكذا هاجر الكثير من سُكَّان تلك الأصقاع شمالاً، إلى منطقة الهلال الخصيب بما فيه أرض النيل. وهناك اكتشفوا الزراعة، التي اقتضت الاستقرار بالأرض وبناء المساكن، التي  تجمَّعت فشكَّلت قرىً ثمَّ مُدناً، حصل فيها تقسيم العمل (نظريَّة  دوركايم)، كعنصرٍ مهمٍّ  في بناء الحضارة. وربما تمخَّضت تلك الثورة الزراعيَّةُ الناعمةُ،  عن بناء أهم الحضارات الأُولى في التاريخ البشريِّ، ومنها الحضارة السومريَّة  و المصريَّة والأكديَّة  والبابليَّة والآشوريَّة والفينيقيَّة وغيرها، كما يقول هنري فرانكفورت في كتابه "فجر الحضارات في الشرق الأدنى ". وربما تمخضت تلك الحضارات، فظهرت فيها هذه الأديان الثلاثة الموحِدة، الأولى في تاريخ البشرية، التي تتوجت بالإسلام كثورة  على العقل البدوي الذي كان سائداً  في الجزيرة العربية.   
26.ويطرح المؤلف مسألة تقويم هذه النظريات على القراء عموماً، و على الباحثين خصوصاً ، لاسيما من حيث 1)مدى جِدَّة هذه النظريات بالنسبة للفكر السوسيولوجي عموماً.2) ومدى قدرتها على تفسير وتجذير وتنظير، أي تشخيص أصل الداء، 3) وهل أن النظريتين: الأولى والثانية، تنطبقان حقاً على جميع المجتمعات في كل زمان ومكان، كما يرى المؤلف؟؛4) وهل تساهم  هذه النظريات في تشخيص بعض العلاجات الممكنة؟
27.يجادل المؤلف في أن هذه النظريات تختلف عن النظريات السوسيولوجية السائدة والمعروفة، العربية  أو الأجنبية. ولئن أحاط المؤلف علماً، وإلى حدٍّ كاف بـ"نظرية العقل العربي"، للمفكر محمد عابد الجابري ودرس نقاط الاختلاف بينها وبين نظرية "العقل المجتمعي"، ثم بحثها في عدد من المناسبات،  بيد إنه يتحفظ على نظريات غربية أخرى   قد تتقاطع مع بعض تفصيلات نظرياته، ومع ذلك تظل نظريته، متميزة ومختلفة، حسب تقديره.  كما نترك الحكم عليها  إلى آراء النقاد.      
28.ومن الجدير بالذكر والتنبيه أن بعض القراء أو الباحثين يخلطون بين "العقل المجتمعي" و"العقل المنفعل". بينما يجب التمييز بينهما من عدة جوانب. منها أن الأول يرتبط بالمجتمع ، أي مجتمع،(أو الوحدة المجتمعية) ككيان مستقل عن الأفراد، وله شخصية اعتبارية، تحمل عقلاً خاصا بها مستقل عن عقل الأفراد؛ بينما يرتبط العقل المنفعل بالإنسان الفرد العضو في ذلك المجتمع، الذي يخضع للعقل المجتمعي. وهناك صلات وثيقة بينهما، لكن التطابق غير واردٍ، بل قد يزعزع أساس النظرية.
29.مع أننا كعرب يجب أن نتحمل، في المقام الأول، مسؤولية وصولنا إلى ما نحن فيه من تردٍّ على مختلف المستويات، بيد أننا يجب ألّا نصرف النظر عن دور "الآخر" (ولاسيما إسرائيل) السالب، الذي يظل فاعلاً بمقدار ما توَفّر له هذه الأوضاع الملتهبة الراهنة(ونحن في مطلع عام2017 ) من فرص سانحة لتأجيجها، بشكل مباشر أو غير مباشر. بل قد يحاول دعم مختلف الأطراف المتصارعة المعادية له، لمجرد تحقيق خططه التكتيكية في إنهاكها واستنزافها، تحقيقاً لأهدافه الاستراتيجية التي تتركز في النهاية، بمحاولة السيطرة الكاملة، المباشرة أو غير المباشرة، على كامل الأرض العربية. فنحن في الواقع الراهن نساعده بغفلتنا، في تحقيق أهدافه. فلولا تفرقنا وصراعاتنا الدموية وتمزقنا،(عقل مجتمعي متخلف) ما أدى إلى ضعفنا، لما أستطاع تحقيق أهدافه على حسابنا. إن هذه الصراعات المتواصلة ستؤدي في النهاية، على الأرجح إلى تقسيم البلدان العربية. كما حدث فعلاً في السودان والعراق  وما يحدث في سوريا واليمن وليبيا ودول أخرى مرشحة، تمهيداً لانقراض الأمة، لا سمح الله. فنحن كمثقفين يجب أن نكافح على جبهتين: الأنا والآخر.
30.من الواضح أنْ ليس من صالح القوى الكبرى،( وعلى رأسها أمريكا) فضلاً عن إسرائيل، في المقام الأول، أن ينهض العرب ويَتَحَدْوُن في مواجهتها، ما يؤدي إلى معرفتهم من أين تؤكل الكتف. ولاسيما من حيث منافسة إسرائيل، التي تتحدى العرب بقوتها المادية والمعنوية. بل تسعى تلك القوى إلى إرغامهم على توقيع وثيقة الاستسلام بدون قيد أو شرط. وهذا ما سيحدث بعد التطبيع، تمهيدا ًلانهيار الأمة. ويرى المؤلف أننا نساعدهم على تحقيق ذلك، من خلال خلافاتنا وصراعتنا القائمة على أسس طائفية/ مذهبية عنصرية ودينية في الغالب،(عقل مجتمعي متخلف، يليه عقل فردي منفعل تابع) كما يحدث اليوم: "يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه".     
31 أكرر ما ذكرته في الحاشية،  أن الحضارة الحديثة تحولت من حضارة غربية إلى حضارة عالمية منذ دخول اليابان وبلدان النمور الأسيوية. وهذه البلدان الأخيرة  كانت أكثر تخلفاً من الوطن العربي في منتصف القرن الماضي، كما أنها تفتقد الثروات الطبيعية التي يملكها. ومع ذلك تقدمت صناعياً واقتصادياً وعسكرياً، بوتيرة عالية ما جعلها تنافس البلدان الغربية العريقة في النهضة. فهلّا تعلمنا منها؟
32.فيما يتعلق بالحلول الممكنة والمطروحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يسترعي المؤلف نظر القارئ إلى الكتاب الأول، القسم الثالث، ثالثاً، الانتقاد الثاني، تحت عنوان "هل يضع الكتاب حلولاً للازمة؟"   
33.كذلك يعتبر المؤلف "المشروع النهضوي العربي" الذي أنشأه مركز دراسات الوحدة العربية، خلال عشرين عاماً، بالتعاون مع المؤتمر القومي العربي، (الذي ينتسب المؤلف إلى عضويته)، بِنَـاءً فكرياً شامخاً، يهدف إلى إنقاذ هذه الأمة من هذه الغُمَّة.  
34.لاحظَ بعض أفراد الفريق المكلف بنقد وتقويم كتاب الأعرجي: " أزمة  التطور الحضاري في الوطن العربي"، في المناقشة التي جرت مقر الأمم المتحدة في نيويورك (21/12/2004 )، أنه قد يُعتبر مدخلاً لقاعدة تنظيرية فلسفية وسوسيولوجية، لحركة حداثية عربية مستقلة، يمكن أن تُقارَن بحركة طلائع الحداثيين الأوربيين. وإن النظريات الواردة فيه تعتبر جديدة على الفكر السوسيولوجي بوجه عام. كما أُشار الباحث عدنان محمد يوسف، رئيس دائرة اللغة العربية في الأمم المتحدة سابقاً، إلى أن معظم المفكرين العرب الذين عالجوا المسألة العربية تعرضوا لها بمفاهيم ونظريات مُقتبسة من الفكر الغربي، بينما تمكن الأعرجي أن يقدم نظريات عربية أصيلة، قد تُعتبر جديدة  حتى  على الصعيد العالمي.

35.وأخيراً يرى المؤلف أن الأمة العربية منكوبة بكثير من أهلها، أكثر مما هي منكوبة بالآخر. فهي منكوبة خصوصاً بالحركات الدينية أو المذهبية المتخلفة أو الأصولية المتطرفة التي توّجتها حركة "داعش". لذلك فهي  قد تسعى، بكل أسف، إلى حتفها بظلفها: ينسب إلى الرسول (ص) قوله"يصيب الأحمق بجهله أكثر من فجور الفاجر". رواه أنس بن مالك،
 ويقول الشاعر:
لا  يُدركُ الأعداء من جاهلٍ    ما يدرك الجاهل من نفسه
36. وختاما ً يعرب المؤلف عن  ترحيبه بالنقد والتفنيد، ويرى أن جميع الأفكار والنظريات الواردة في هذه الكتب، وفي هذه النبذة، مطروحة على القراء للمناقشة والنقد.     

 1 - نرى أن  الحضارة القائمة لم تَعُدْ حضارة غربية بل أصبحت حضارة عالمية، منذ دخول اليابان وبلدان النمور الآسيوية فيها؛ ومنها تايوان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والهند والصين.
 2 - وهي " مشروع إنشاء مؤسسة التراث العربي الإسلامي" و" مشروع إنشاء جامعة شعبية عربية" إ، و "مشروع المركز الثقافي العربي- الأمريكي" و"مشروع إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي". انظر الملحق الأول، نماذج من المشاريع التي طرحها  المؤلف، في كتاب "الأمة العربية بين الثورة والانقراض".الصفحات من 281 إلى390، الطبعة  الورقية الأولى.

3- بحث المؤلف هذا الموضوع  في سلسلة مقالات وبحوث تحت عنوان" تحول وانتقال الحضارات في الزمان والمكان في التاريخ"، نشرت بعضها في صحيفة "التآخي" ثم صحيفة " العراق" منذ 1977.  

 4 -  الأعرجي "عيون الأحياء؛ نحو إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي"، مجلة الدوحة "،العدد 22، أغسطس،2009، ص 10-19.

 5 - انظر خصوصا  كتاب  "أزمة التطور  الحضاري في الوطن العربي" الفصل الرابع والفصل السابع، كذلك  " الأمة العربية الممزقة بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة" فيما يتعلق  بالنظرية الثالثة. علما أن هذه النظريات منتشرة بشكل أو آخر في معظم أجزاء الكتب الخمسة.

6-انظر مثلا: "اختلافي مع الجابري"، مجلة الدوحة، العدد 35، في  سبتمبر 2010، و"بين رفد العقل  العربي ونقده"، مجلة" المستقبل العربي"، العدد 351، في مايو 2008. علماً أن للمؤلف دراسة مسهبة ستنشر قريباً ضمن كتاب جديد عن الجابري.
 7 -. ومنها :نظرية كارل يونغ، في "اللاشعور الجمعي Collective unconscious"، ونظرية علي زيعور في "اللاوعي الثقافي"، ونظرية  غوستاف لوبون  في "سيكولوجية الجماهيرLa Psychologie des foules"، ونظرية جان بياجيه في " اللاشعور المعرفي L,inconscient cognitive"، ونظرية دوركايم  في "الوعي أو الشعور الجماعي، أو الجمعي أو العام"
 collective ou commune   conscience La.
 8 - انظر  الأعرجي، "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"؛الطبعة الورقية الرابعة، بغداد؛ دار عدنان2014، ص231 . مع ذلك يعتقد المؤلف أن الحلّ الآخر قد يرتبط بكتابه الآخر "إشكالية التربية والتعليم وإعادة إنتاج التخلف"

9  - " المشروع النهضوي العربي"،بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 2010.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1297 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع