بدري نوئيل يوسف
حكاية الغولة والأخوة
حكت لنا جدتي حادثة لرجل موصلي، كان هذا الرجل يملك ديك، ومن كثرة صياحه ازعج المحلة وبالأخص عندما يقف فوق الجدار المشترك مع منزل جاره، والديك يصيح عدة مرات في اليوم وخاصة في الليل ينهض الجار من النوم منزعجا من صياحه. في احد الايام ذهب الجار الى صاحب الديك وطلب من ان يبعده او يبعه، لأنه ديك مزعج ولا يستطيع النوم من صياحه، اعتذر الرجل صاحب الديك من جاره وقال له :حق الجار على جاره ، غدا أنتَ مدعو عندي على غداء وسيكون الديك على رأس المائدة .
في اليوم التالي ذهب الجار الى منزل صاحب الديك وتناول طعام الغداء معه حتى امتلأت معدته، وشرب الشاي وأكل الحلويات، وعاد الى منزله ليأخذ قيلولة بعد هذا الغداء الدسم، ولم تمضي لحظات من وضع رأسه فوق المخدة حتى سمع صياح الديك، وهذه المرة اصوات متعددة خرج مسرعا ليعرف ما سبب الصياح ولكنه شاهد فوق سياج المنزل عدد كبير من الديوك، طرق باب الرجل صاحب الديك بقوة، وخرج الرجل مسرعا ليعرف ماذا جرى؟ تفاجأ عند رأى جاره وسأله هل عندك مشكلة، قال الجار: ارى على السياج واقف سبعون ديك ، أجابه صاحب الديك جاري العزيز : ذاك الديك الذي اكلته اليوم كان يشعل ابو ابوهم هذوله السبعين ديك ومسكتهم كلهم.
نعود الى حكايتنا اليومية :كان في قديم الزمان عائلة ذات ثمانية أفراد، تتكون هذه العائلة من سبعة أولاد ذكور و والدتهم الوالدة حامل في الشهر الأخير اشترط عليها أولادها أن تنجب لهم ولدا، و إلا فإنهم سيرحلون بعيدا إن كان المولود بنتا، انجبت الأم بنتا، فرحل عنها أولادها بقيت الام وحيدة مع ابنتها لان زوجها توفي قبل ثلاثة اشهر من حملها ،مرت الايام و كبرت البنت ،وهي لا تعلم ان لديها سبعة إخوة، علمت بذلك عندما كانت مع صديقاتها في الحي حيث تشاجرت مع إحداهن فسمعت منها كلاما جارحا: اذهبي وابحثي عن إخوتك السبعة الذين رحلوا بسببك، سمعت الفتاة هذا الكلام وذهبت إلى البيت مسرعة تنادي أمها: أمي أمي ، هل ما سمعته الآن صحيح؟ سألت الام : وماذا سمعتي؟
أجابت البنت: تقول صديقتي بأن لدي سبعة إخوة رحلوا بسببي. بدأت الأم بالإنكار ولكن البنت أصرت على معرفة الحقيقة فاعترفت الأم بأن اخونها تركوا المدينة لأنها ولدت بنت.
قررت الفتاة أن تبحث عن إخوتها، لكن أمها لم تدعها لصغر سنها، و لما كبرت البنت و أصبحت فتاة قوية قررت البحث عن إخوتها السبعة استعدت الفتاة للرحيل، هيأت حصانا وكلبا ليحرسها وحضرت طعاما يكفيها لمسيرة سبعة أيام وانطلقت، كانت تسأل عن إخوتها في كل مكان، إلى أن وصلت إلى قرية سألت سكانها عنهم فأخبروها بوجود سبعة إخوة يعيشون هنا منذ سنين، فدلوها عليهم.
وصلت الفتاة إليهم وتعرفت على اخوتها وقصت عليهم قصتها وأخبرتهم بأنها تبحث عنهم ففرحوا بها لما رأوها، تعاطفوا معها ولانت قلوبهم تجاهها وفرحوا بها وعاشت معهم، كانت هذه الفتاة تتلقى معاملة جيدة من طرف إخوتها، أكرموها واهتموا بها كما يجب، وأصبحت هي السيدة التي تأمر وتجد كل ما تشتهيه وتريده أمامها، ابلغها الاخوة أختهم بأن تتنزه في أي مكان شاءت، وحذروها إلا أن تذهب للجبل فإن هناك غولة خطيرة.
وكان لهم خادمة سوداء هذه الخادمة غيورة وماكرة شعرت ذات يوم بأنها مهانة، وأنهم وجب عليهم أن يقدروا تعبها، فكرت هذه الخادمة في حيلة تعيد لها كرامتها، كان في تلك القرية عين ماء لا تصلح للشرب لأنها تتسبب في تحول لون البشرة إلى الأسود، ذهبت هذه الخادمة إلى العين وملأت منها الماء وأحضرته إلى البيت، و لما طلبت منها الاخت بعض الماء لكي تشرب أحضرت لها منه فشربت الاخت وتحولت إلى امرأة سوداء مثل خادمتها.
أما الخادمة الماكرة فبحثت عن عين ماء تسمى بالعين الحرة، التي تجعل الأسود أبيضا فشربت منها وأصبحت بيضاء، فذهبت إلى البيت، ارتدت ملابس سيدتها وانتظرت قدوم الإخوة السبعة من عملهم وتظاهرت بأنها أختهم، أما هم فلم يلاحظوا شيئا مما حصل، وأرسلوا أختهم معتقدين أنها الخادمة إلى البئر لتملأ الماء كالعادة ، لكن الأخت لم تستطع أن تقول الحقيقة خوفا من أن لا يصدقوها فاستسلمت لما حدث لها، وأخذت مكان الخادمة السوداء حيث كانت تعمل في البيت وتملأ الماء من البئر وترعى الإبل وكانت كلما خرجت للرعي تبدأ بالغناء وتقول: ارتفع يا حجر عاليا، الخادمة جعلوها سيدة وأنا جعلوني راعية للإبل، وكانت تردد هذا الكلام كل يوم إلى أن انتبه إليها أحد المقيمين بتلك القرية فاستغرب من كلامها وذهب إلى إخوتها وأخبرهم بما سمعه من خادمتهم، وفي اليوم التالي ذهب الإخوة إلى مكان الرعي وانتظروا مجيئها وبدؤوا بمراقبتها والاستماع إلى ما تقوله، بدأت الفتاة تردد كلماتها التي اعتادت قولها فسمعها إخوتها فعرفوها بأنها ليس الخادمة وأنها أختهم فأعادوها إلى البيت، وسألوا كل من يعرف طريقة التخلص من هذا السواد الذي في بشرتها فدلوهم على عين ماء تشرب منها فيخلصها من السواد، جلبوا لها ماء العين شربت منه وعادت إلى ما كانت عليه سابقا ، أما الخادمة فقد أسروها ، وقدموها إلى أختهم وطلبوا منها أن تفعل بها ما تشاء طلبت الفتاة من إخوتها ذبح الخادمة والتخلص من جسدها، إلا رأسها فقد جعلته مع الحجر الذي يوضع في حفرة النار التي يوقدون عليها النار لتحضير الطعام، بقي هذا الرأس في هذا المكان وكان يذوب شيئا فشيئا من تأثير النار عليه إلى أن أصبح صغيرا جدا فأخذه القط ليلعب به.
ذات يوم أثار هذا القط إزعاج الاخت بلعبه بالرأس فانتزعته منه فهددها القط قائلا: أعطيني إياه وإلا تبولت داخل حفرة النار فأطفئها لك، وكانت تخاف من أن يفعلها وترده إليه ساخطة من فعله هذا وذات يوم انتزعته منه وهددها كعادته، ولكنها هذه المرة اشتد غضبها منه فقالت له :افعلها إذن، ففعلها القط وتبول داخل حفرة النار وأطفأها. احتاجت الفتاة إلى النار لتحضر الطعام لإخوتها فلم تجد وسيلة لإشعالها، خرجت ورأت ضوء النار في الجبل قررت الذهاب لتأتي ببعض منه ناسية تحذير إخوتها لها، اتجهت الفتاة نحو الجبل. ها هي الغولة تراها من بعيد ، تتميز الغولة بذكائها الخارق وعرفت انها قادمة نحوها، بدأت الغولة بتثبيت مسامير أمام بيتها موجهة القسم المدبب من المسامير إلى الأعلى، ولما وصلت الفتاة إلى بيت الغولة ، طرقت الباب ونادت: جدتي، أريد بعض النار، كانت الغولة تتعمد عدم سماعها جيدا كي تتمكن من الانتهاء مما تفعله ، سألتها: ماذا ؟ أتريدين غربالا ؟
أجابت الفتاة: لا ، أنا أريد بعض النار وهكذا إلى أن فتحت لها الباب بعد انتهاءها من تثبيت كل المسامير ، فدخلت الفتاة فوجدت نفسها تمشي على مسامير و كانت تتألم والدماء تنزف من رجليها،رحبت الغولة بها ولما عرفت مقصد الفتاة إليها أعطتها ما تحتاجه من جمر وضعتها في طبق وعادت الفتاة إلى البيت ولم تنتبه لما وقعت فيه فقد جعلت خلفها طريقا من الدم يدل الغولة على مكانها هي و إخوتها،عرف إخوتها بذهابها هناك أنبوها و قالوا لها: ألم نحذرك من الذهاب إلى هناك ؟ الآن ستبحث عنك و تأتي و تآكلنا جميعا ،قرر الإخوة أن يتخلصوا من الغولة إذا ما جاءت إليهم حيث صبوا كمية من البنزين في غرفة الجلوس، و حفروا حفرة من الخلف أسفل الجدار ، جاءت الغولة و هي تستدل بآثار الدم عن مكانهم وصلت وهي متظاهرة بالبراءة وحسن النية وتقول: أين أولاد أختي؟ أنا خالتكم ،
رحب بها الإخوة وأدخلوها لغرفة الجلوس وأغلقوا الباب واتجهوا خلف الغرفة إلى تلك الحفرة وأشعلوا النار فارتفع لهيبها إلى السماء وماتت الغولة حرقا وتخلص منها أهل القرية، بعد مرور أيام من هذه الحادثة، بدأت تظهر نباتات برية في مكان الحريق، نباتات يانعة خضراء تجذب كل من ينظر إليها، ولكن الإخوة حذروا أختهم من أن تقطف منها لتحضير الطعام لأنها قد تكون سامة، لكن الفتاة أبهرها منظرها وقالت في نفسها: كيف لهذه النباتات اليانعة أن تكون سامة، إنها نفسها التي كانت تحضر لي منها والدتي، فأصرت على قطفها وحضرت بها طعاما لإخوتها
لما جاء الإخوة مساءا من عملهم، تناولوا العشاء بدؤوا يتحولون إلى طيور الواحد تلو الآخر، والفتاة تنظر إليهم مندهشة و دون وعي، إلى أن أدركت أخاها الأصغر فمنعته من الأكل، احتارت ماذا تفعل و كيف تسترجع إخوتها ولم تكن تجيد إلا البكاء ، لكن أخاها الأصغر ذهب بحثا عن حل لإخوته إلى أن توصل إلى عين ماء تجعلهم يرجعون إلى طبيعتهم فأخذهم إليها و شربوا منها وعادوا بشرا كما كانوا ،وعادوا إلى أمهم وعاش الجميع بسلام.
المصدر : من التراث الشعبي.
2540 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع