علي الكاش
عندما قامت السيدة الفاضلة إيمان البستاني بإستضافة عدد من الكتاب في زاوية جديدة لتعريف الكتاب ببعضهم البعض من جهة، وتزويد القراء الأفاضل بمعلومات مقتضبة عن الكاتب، كانت المبادرة جميلة جدا، فبعض الكتاب لا يعرف عنهم أقرانهم ولا القراء شيئا، هم أشبه بإشباح، مع الأخذ بنظر الأعتبار بأن ذلك من حقهم سيما للذين يعيشون داخل العراق بالدرجة الأولى، او الذين لهم عوائل في داخل العراق يمكن ان يشكلوا ورقة ضغط عليهم من قبل المبليشيات الحاكمة في بلد الفوضى غير الخلاقة. كانت الأسئلة المختارة شفافة وغير محرجة، وهناك فسحة كبيرة من الحرية للكاتب كي يجيب او يعبر عما يختلجه من مشاعر أو أفكار، بل وهناك فسحة من الحرية للفرار من الأسئلة المحرجة أيضا.
كان عدد غير قليل من الكتاب قد أشاروا الى نقطة مهمة تتعلق بمسألة التعليق على الكتابات المنشورة وصاحب المقالة واحد منهم، بلا أدنى شك ان الكاردينيا هي أشبه بجسر يوصل بين ضفتين هما الكاتب والقاريء، وتنعدم فائدة الجسر إذا لم يتم العبور الى الضفة الأخرى. بمعنى ان عملية التواصل بين الكاتب والقاريء هي مهمة المجلة، ولكنها مسؤولية الكاتب. فإذا أهمل الكاتب ما يرد من تعليق من قبل أحد القراء، يكون بذلك قطع أحد الخيوط المهة التي تربطه بالقراء، بغض النظر عن كون التعليق سلبي او ايجابي، فاذا كان سلبيا فهو يستوجب من الكاتب ان يرد عليه ويوضح المعنى المقصود الذي ربما لم يتفهمه القاريء، او ربما يكون القاريء على حق فيصوب الكاتب خطأه وهو إعتراف جميل مع الشكر والعرفان للقاريء، على سبيل المثال كُتب عن السيد (عوسي الاعظمي) بانه أشهر بائع عنبة في الأعظمية، مع انه ربما لم يمارس هذه المهنة أو مارسها لفترة قليلة لا تجعله بالتأكيد أشهر بائع عنبة في الأعظمية لأنهه ليست مهنته الأساسية، وقد فتح هذا الموضوع باب النقاش والتعليقات أمام الكتاب والقراء الأفاضل فكل منها أدلى بدلوه متفضلا، ومقدما معلومات أضافية ومهمة عن (عوسي الاعظمي)، والبعض إعترض عن عن هذه المهنة واعتبرها غير موجودة او هامشية لا تعكس حقيقة هذا الأنسان طيب الذكر الذي قدم للعراق ما لم يقدمه سكان المنطقة الخضراء جمعا.
وكانت مبادرة رائعة للأستاذ والأخ العزيز (سرور مرزا) ان يكشف حقيقة هذا الرجل الرائع وينقل للقاريء الفاضل الصورة الجمالية لهذا الوطني الأسطورة المتعدد المواهب، والذي لم تحيل أميته ان يخوض غمار مجالات عديدة تفوق فيها ورفع علم العراق عاليا خفاقا، فكان نعم المواطن ونعم الرياضي، نرفع له قبعاتنا افتخارا واعتزازا به، ولمن كشف لنا حقيقته، هذا الرجل الأمي، قدم للعراق اكثر بكثير مما قدمه أصحاب شهادات علمية عليا، مما يجعله فعلا اسطورة، ولوحة جمالية متكاملة ومعبرة، يفترض ان يخلد بنصب او يطلق اسمه على قاعة رياضية او غيرها من مواقع التكريم والإشادة، سيما في منطقة الأعظمية على أقل تقدير.
بالرجوع الى موضوعنا الرئيس، فأن عملية التواصل بين الكاتب والقاريء مهمة للطرفين، وهي أيضا مهمة للمجلة التي تنشر المقال والتعليق. سبق ان علقت شخصيا على كتابة بعض الكاتبات والكتاب الأفاضل ـ بالأخص الكاتبات لأن العراق والوطن يحتاج الى حضور المزيد من السيدات للدخول في هذا المضمار ولا بد تشجيعهن من قبل الكتاب ـ ولكن للأسف لم يرد جواب من البعض، وهذا الأمر فيه أزعاج للمعلق لأنه يعني اما ان الكاتب تجاهله او تجاهل تعليقه، او إستهان بتعليقه، او لم يطلع عليه أصلا، وكلها مؤشرات سلبية، ومن جهة القاريء فأنه سيشعر اما ان الكاتب متكبر على قراءه، او ان ليس لديه ما يقوله اكثر مما قاله، او انه مهمل لا يتابع ردود الأفعال على كتاباته، وجميعها مؤشرات سلبية أيضا. يمكن تشبيه العلاقة بين الكاتب والمعلق بأنها زيارة من المعلق للكاتب، مما يستوجب من الكاتب ان يرد الزيارة ـ بتعليق ـ أو على الأقل يشكر المعلق على مروره، ولا نعتقد ان كلمة الشكر طلسم ومن الصعب كتابتها! ربما البعض يأخذ بقول الأعمش: السكوت جوابا. وقيل" إني أدع الكلام خوفاً من الجواب، أنه يقع ولم يذكر"، يريد قولهم: السكوت جواب. لكن هذا لا يصح في كل الأحوال. قال الصولي" عن الشعبي عن ابن عباس قال: أرى رد الجواب - جواب الكتاب - كرد السلام".
لذا فإن هذه الظاهرة ليست جديدة، فتأريخ الأدب العربي يحدثنا عن الكثير من هذه الحالات وافردوا لها فصولا، لكن القديم منها والجديد متفقان على انها ظاهرة غير صحية وفيها الكثير من القصور وربما الإهانة، وسواء كات القصد هو الجواب على سؤال او تعليق أو رسالة او هدية فالمعنى واحد، لأن أي سؤال او استفسار او تعليق يستلزم الجواب. فمن أمثال العرب " لكل كلام جواب". و" غزل المودة أرق من غزل الصبابة". أنشد أحمد بن إسماعيل:
خير الكلام قليـــل ... على كثير دليل
وفي الكلام فضول ... وفيه قال وقيل
وقال بشار بن برد:
وإذا قلت لها جودي لنا ... خرجت بالصمت من لا ونعم
وقال شاعر:
اذا الإخوان فاتهم التلاقـي ... فلا صلة بأحسن من كتاب
إذا جاء الكتاب إلى صديق ... فحق واجـــب رد الجواب
وقال الصولي" يقال: أجاب عن الكتاب يجيب إجابة، وقالوا: جابة، وفي المثل: " أساء سمعاً فأساء اجابة "، ثم استعمل في غير المثل، فقال الشاعر:
أصم الصدى لم يدر ما جابة الرقى ... ولم يمس في ضحك الندى يتبلبل
وقالوا: أحببته بجوابة. وليست بجودة مما قدم".
قال الأحنف:
أيا من لا يجيب إذا كتبنـا ... ولا هــو يبتدينا بالكتاب
أما في حق حرمتنا لديكم ... وحق إخائنا رد الجواب
وقال ايضا:
ما لي أهان ولا تجاب صحائفي؟ ... وإلى متى أقصى لديك وأحجب؟
ما كان ضرك إذ كرهت إجابتي ... بيديك أن تستوصفي مــن يكتب
وقال أيضاً:
أعياني الشـــادن الربيب ... أكتب أدعو فلا يجيب
من أين أبغي دواء ما بي ... وإنمـــا دائي الطبيب
وقال شاعر آخر:
أصبحت تبخل بالكتاب فخفت أن ... تلقي الدواة يد وإن لم تكتب
ما كنت أخشى أن تضن بكاغــد ... عني وقد يقع الذي لم أحسب
لا تحسبن كتبي فكــاغد أرضكم ... عين الرخيص وأنت عين المسهب
نأمل أن يكون مقالنا فاتحة خير لمد الجسور والتواصل بين الكتاب والقراء الأفاضل بالنسبة لمن تجاهل سابقا تعليقات الكتاب والقراء الأفاضل، سيما ان رئيس التحرير السيد جلال جرمكا طالب أكثر من مرة الأخوة الكتاب بعدم تجاهل تعليقات قرائهم، ونقولها بصراحة لا بد من إحترام رغبة المجلة من جهة، واحترام شخص المعلقين من جهة أخرى، واخيرا احترام اصول اللياقة الأدبية، وهو ليس بالأمر العسير.
علي الكاش
762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع