ترجمة : د. ضرغام الدباغ
كيف وصل الإسلام حتى أمام أبواب أوروبا
تحرير : هانس شتاين / Hannes Stein
نشرت على صحيفة قناة (WELT N24 Digital Zeitung TV) الالكترونية الألمانية
29 / نيسان ــ أبريل / 2012
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة
فكرة الاتصالات الأولى بين العرب وأوربا انطلاقاً من معرض أقيم ضمن هذا الإطار في متحف متروبوليتان / نيويورك، أقامه الفنان والمؤرخ كينر شفيرمين، يريد كاتب هذا المقال أن يساهم في كتابة العلاقات العربية /الأوربية، من " ثيمة "موضوعة (Theme)تعد اليوم من الموضوعات الساخنة، فضل أن يمنح مقالته عنواناً لها وهي : كيف وصل الإسلام إلى أوربا، ويرى أن جذر العلاقة تبدأ بالحروب الإسلامية / البيزنطية، ومنها ينطلق لتأسيس علاقة ، عرفت الحروب، ولكنها، يعتقد الكاتب أنها لم تكن عدائية دموية.
ضرغام الدباغ
بعد الاستيلاء على المشرق، أوقفت بيزنطة الجيوش العربية. ولكن لم تكن هناك عداوة مميتة، بل تعاون بين القوى العظمى صاغت العلاقات بين القوتين العظميين، وهذا ما أظهره معرض في نيويورك / الولايات المتحدة الأمريكية.
وكان على البيزنطيين القتال عدة مرات دفاعاً عن وجودهم حيال الأمويين الذين كانوا يتخذون من دمشق عاصمة لهم. ولكن بعد الإطاحة بهم في أواسط القرن الثامن الميلادي من قبل العباسيين، ساد نوع من سياسة توازن القوى بين القوتين العظميين: العباسيين والبيزنطيين.
ومن يريد أن يطلع على الهواجس الشاملة للحواس، بما يقرب من الحزن المحموم، عليه أن يذهب هذه الأيام (زمن عرض المواد) إلى متحف متروبوليتان (Metropolitan) وهو ليس المعرض الأول للبيزنطيين في هذا المكان، ويشاهد المعروضات، كينر شفيرمين في معرضه العملاق " روعة بيزنطة " عام 1997. العرض الجديد ليس كبيراً تماماً، وليس أستثنائياً تماماً، لكن المرء يتعلم منه كثيراً، وضمناً، أن الفنون التشكيلية في نهاية المطاف مثيرة للحزن الشديد .
الأمر يدور عن مرحلة ما بين القرنين السابع والتاسع، وتدور في المحافظات البيزنطية الجنوبية الممتدة بين سوريا وحتى مصر، واليوم تلك التي تقع شمال أفريقيا، بما في ذلك إسرائيل اليوم، والمناطق الفلسطينية، والأردن أيضاً، فمن هنا كانت تأتي جميع الثروات التي تتداول في الأسواق في شرق الأمبراطورية الرومانية، والحرير والتوابل في المقام الأول.
وكان دين الدولة البيزنطية المسيحية الأرثوذكسية. ولكن أول ما ينبغي أن تتعرف عليه في هذا المعرض : لأن الحكام البيزنطيين، لم يكونوا عنيدين، كما كانت تتسم به الشيوعية من أحادية العقيدة. حتى الكنائس الممنوعة رسمياً والديانات الأخرى أزدهرت. وفي الولايات الجنوبية للامبراطورية، تواجدت مجتمعات من المسيحيين السوريين. الذين كانوا يتحدثون الآرامية، كما كان هناك الأقباط المسيحيين، الذين كانوا يكتبون لغتهم يالحروف اليونانية.
محمد (ص)وصعود الإسلام
الفرق اللاهوتي لتعاليم الابتهاج للمسيحية الاثودوكسية :أن المسيحية السورية والمسيحية القبطية هي أحادية الأقنوم (Monophysiten) فهم يعتقدون إذن، أن (السيد)المسيح هو واحد، أي إلهياً، وحياة طبيعية. وبحسب العقائد الأرثودوكسية أن السيد المسيح له طبيعتان : واحدة طبيعية بشرية، والأخرى إلهية، وهاتان منفصلتان تماماً عن بعضهما البعض.
لم تكن تحت الحكم البيزنطي أكثرية مسيحية، بل وكذلك اليهود. وفي هذا المعرض يمكن للمرء أن يشاهد ويتعحب لوجود قطع من معابد يهودية (كنيس) من عسقلان، تحمل كتابات يونانية.
وبعد أن تلقى محمد (ص) الرسالة (الوحي) في كهف بالقرب من مكة (غار حراء / المترجم) والتي فيها أنبأه فيها جبريل بأنه آخر الأنبياء بعد أنبياء اليهودية والمسيحية، بدأ ظهور وصعود دين جديد . وهو الإسلام. وفي عام 635 أستولى الجنرال العربي خالد أبن الوليد دمشق، التي أصبحت لاحقاً عاصمة للأمويين، الذين أسسوا دولة حكمت الإمبراطورية الإسلامية بأسم الخلافة. وبطبيعة الحال تساقطت الولايات الجنوبية للإمبراطورية البيزنطية ليس كنتيجة للإجراءات السلمية للدولة الإسلامية، بل كنتيجة لحروب قاسية.
الإبقاء على النقود البيزنطية
ولكن – وهذا هو الدرس الثاني من هذا المعرض – وليس بالإمكان الحديث عن مساواة شاملة ومطلقة في العهد الأموي، (الذين فقدوا السلطة بعد عام 750 على يد العباسيين، الذين استلموا الحكم من خلال ثورة محافظين Conservative Revolution) إذ رفضت في البداية الرعية قبول النقود الإسلامية، وعلى هذا تواصل حتى لزمن طويل تداول النقود البيزنطية.
وكذلك جاء التحولات إلى توازن جديد للقوى تدريجياً، وبالامكان هنا التساؤل. من الذي كان في نهاية المطاف قد صاغ ثقافياً ما نشاهده في هذا المعرض من مخطوطات قرآنية فاخرة من العهد الأموي، المكتوبة بالذهب والفضة، الذين حلت تدريجياً محل الكتب البيزنطية تدريجياً.
وقد بدا للطبقات العليا في المجتمع أن التغير من هذا الحاكم إلى آخر لم يكن أمراً ذا أهمية كبرى، والمرء هنا بحاجة لعين اختصاصية لتقدير القصور الجميلة المزخرفة التي شيدت في العصر الإسلامي، ومقارنتها بالقصور الجميلة أيضاً في العصر البيزنطي.
الفتور مقابل الزندقة
الملابس كانت وبقيت ملونة : وينبغي لنا أن نتصور الحياة اليومية تحت الشمس الصحراوية الحارة بما يشبه ما هو معروف في اميركا اللاتينية الملونة. كانت بين المسلمين سارية تعليق السجاد على الجدران، وعلى مصابيح الزيت يمكن ملاحظة أن الصليب المسيحي المصنوع بزخرفة من الطين، بدأ يختفي، ويحل محله الحروف العربية. وفي الحقيقة أن هذه العملية استغرقت عقوداً طويلة.
تلك الكنائس المسيحية، التي كانت في ظل حكم البيزنطية الأرثوذكسية تعتبر هرطقة، كانت أوضاعها في عهد الحكم الإسلامي أفضل، ونفس الأمر يسري على اليهود، ومع ذلك سيكون من الخطأ أن نتحدث هنا عن جو عام من التسامح، فالأمر في واقع الحال كان يدور في إطار من اللامبالاة والأزدراء. ولكن تواصلت بالمقابل البحوث الاكاديمية والتقاليد البيزنطية في البحوث العلمية، تواصلت وتقدمت في عهود الحكم الاسلامي، ولكن مع ذلك لا يمكن اعتبارها راسخة في الروح الإسلامية.
ملونة وغنية بلا حدود
لماذا هذا يحمل هذا المعرض على الحزن؟ لأنه يبدو وكأن المرء يشاهد مجموعة من الكؤوس الفضية الخلابة في معرض انيق، تتعرض للتخريب اليوم في سوريا حيث تدور المذابح في ظل ديكتاتورية الأسد، وإذا ما نظر المرء بعمق في الزخارف والخطوط القبطية، ويتذكر المرء ما يدور تحت أعيننا في الشرق الأوسط التي ستنتهي في نهاية المطاف بالطرد النهائي لكافة المسيحيين من البلدان العربية
مما يقلل المرافعة إلى سوريا لحماية القديس المسيحي العسكري. وعلى مرأى من أنه يكاد يكون من المستحيل التفكير في أي شيء ولكن المذبحة التي يتم تقديم هناك في ظل ديكتاتورية الأسد اليوم. إذا كانت فسيفساء الكنيسة الكبرى، نظرت الغني بالصور كتابات قبطية، يتذكر المرء أيضا ما يحدث أمام أعيننا في الشرق الأوسط: ربما الطرد النهائي من المسيحيين من الدول العربية.
وعندما يقف المرء في متحف متروبوليتان سيصطدم ما يجري تغيره اليوم بطريقة مسيئة على أيدي الديكتاتويات والحركات الإسلامية، من التنوع الإنساني والثراء.
لقد فقدت المسيحية الكثير وفقد الإسلام الكثير
متحف متروبوليتان : نيويورك حتى 8 يوليو 2012
2126 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع