أ.د. ضياء نافع
تلقيت دعوة كريمة من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية للمشاركة في مؤتمر الاستشراق في المعهد المذكور , وقد وافقت طبعا على هذه الدعوة للمشاركة في اعمال المؤتمر , فطلبوا مني تحديد عنوان البحث الذي أنوي تقديمه امام المؤتمر , فاجبتهم ان عنوان البحث سيكون – تشيخوف في العراق , واستلمت موافقتهم فعلا , وهكذا بدأت التحضير لالقاء خلاصة هذا البحث في المؤتمر في حدود (15) دقيقة.
لقد أخذت بنظر الاعتبار طبعا الواقع الروسي بشكل عام تجاه موضوعة انتشار الادب الروسي في البلدان العربية عموما والعراق خصوصا , وتذكرت كيف تكلمت استاذة الادب الروسي مرة في مناقشة طالبة من طالباتي السابقات بشأن اطروحتها حول تشيخوف في احدى الجامعات الروسية وطرحت عليها السؤال الاتي -– ( وهل يعرف العرب تشيخوف كما يجب حتى قررت ان تكتبي اطروحتك عنه ؟) , وقد كنت موجودا في قاعة المناقشة تلك بصفة غير رسمية (كضيف مدعو) , فاضطررت ان اطلب الكلمة واقول لها ان الاكاديمي كراتشكوفسكي أشار في الجزء الثالث من مؤلفاته المختارة بستة اجزاء الى ان العرب في فلسطين بدأوا بترجمة قصص تشيخوف اثناء حياته في نهاية تسعينات القرن التاسع عشر, وكان في القاعة ايضا طالب آخر من طلبتي , والذي ناقش اطروحة الماجستير في كلية اللغات حول تشيخوف وباشرافي العلمي , فناديته وسألته امام الجميع – ما هو عنوان اطروحتك في جامعة بغداد ومتى ناقشتها, فأجابني امام القاعة عن سؤالي , واختتمت كلمتي قائلا , ان هذه الوقائع يجب ان يعرفها الشخص الذي يتحدث حول الادب الروسي في العراق وبقية البلدان العربية . لم تستطع تلك الاستاذة ان تجيبني بعد ذلك وبقيت صامتة , وطلب رئيس لجنة المناقشة تسجيل كلمتي في المحضر العلمي للجلسة , رغم اني لم أكن عضوا في لجنة المناقشة تلك .
تذكرت كل ذلك عندما بدأت بالتخطيط لمساهمتي في اعمال مؤتمر الاستشراق المذكور , فاخذت ابحث عن الوثائق الملموسة لتقديمها امام المؤتمرين كي لا تكون كلمتي مثل الكلمات الاخرى التي تمر مرور الكرام على ارض اللئام كما يقولون , وتذكرت مقالتي بعنوان – ( عادل كاظم وتشيخوف), والتي تحدثت فيها عن مسرحية كتبها الكاتب المسرحي العراقي عادل كاظم مقتبسا قصة تشيخوف القصيرة وعنوانها – ( المنتقم ) وحوٌلها الى مسرحية , والمنشورة في مجلة (المثقف) العراقية في عدد تموز/ يوليو 1962 من القرن الماضي (وهو عمل رائع و مبتكر واصيل بكل معنى الكلمة قام به الكاتب العراقي) , والتي اكتشفتها بالصدفة بين كتبي القديمة في روسيا , وقررت ان اعرض مجلة (المثقف) العراقية تلك امام المؤتمر, وان اهديها في نهاية كلمتي الى معهد الاستشراق كي تبقى في مكتبتهم باعتبارها وثيقة عراقية مهمة جدا عمرها اكثر من خمسين سنة حول تشيخوف في العراق .
قررت ايضا ان ادعو واحدة من طالباتي السابقات , والتي ناقشت اطروحة الماجستير في كلية اللغات بجامعة بغداد عن تشيخوف وباشرافي العلمي في نهاية التسعينات من القرن الماضي (وهي تسكن في موسكو الان مع عائلتها) لكي تتحدث - اثناء كلمتي- لعدة دقائق امام المؤتمر عن اطروحتها تلك والموسومة – (تشيخوف في النقد الادبي العربي) , وقد وافقت فعلا على الحضور والتحدث امام المؤتمر المذكور, وذلك ضمن الشواهد والامثلة حول التعامل العلمي والموضوعي مع تشيخوف في العراق.
تذكرت ايضا ان وفد جامعة بغداد( وكنت أنا من ضمنهم) قد زار جامعة موسكو في نهاية القرن الماضي و أهدى نسخة من اطروحة ماجستير تم انجازها في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات عنوانها – ( مسرح تشيخوف في العراق ) , وكيف تقبل هذه الهدية بسرور وترحاب عميد معهد شعوب آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو آنذاك واعتبرها ( هدية كبيرة من العراق ) وقال انه سيضع هذه الهدية في المكتبة المركزية لمعهدهم ليطلع عليها الاساتذة والطلبة في المعهد المذكور, و قررت الاشارة الى ذلك في كلمتي.
تذكرت ايضا انني كنت مشرفا علميا على اطروحة ماجستير عنوانها – ( الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية ) , واننا وجدنا هناك كثيرا من المواد الخاصة بالادب الروسي عندما جردنا اعداد هذه المجلة منذ صدورها في ستينات القرن الماضي , ومن بين تلك المواد وجدنا ان الفنان العراقي بدري حسون فريد قد حوٌل قصة ( الحرباء ) لتشيخوف الى مسرحية ونشرها في مجلة الاقلام , وهو عمل رائد وكبير ( مثل عمل عادل كاظم الذي أشرنا اليه اعلاه) يدل – بما لا يقبل الشك - على التعامل الابداعي والعلمي للادباء والفنانين العراقيين مع نتاجات تشيخوف وتفهمهم العميق لتلك النتاجات .
وتذكرت الدكتور عبد الامير الورد وهو يمثٌل على خشبة المسرح في بغداد مؤدٌيا دوره في احدى مسرحيات تشيخوف, وكيف انه شرح لي عندما التقيته في جامعة صنعاء ذكرياته عن عمله هذا ولماذا اختار تشيخوف بالذات , وتذكرت الفنان الدكتور سامي عبد الحميد وحديثه عن تقديمه لاعمال تشيخوف المسرحية عندما كان يدرس الفنون المسرحية في اوربا , وتذكرت الاديب والباحث والاكاديمي العراقي الكبير د. شاكر خصباك , الذي أصدر ببغداد عام 1954 وفي الذكرى الخمسين لوفاة تشيخوف اول كتاب عراقي عن الكاتب الروسي الكبير ( وهو ثاني كتاب في العالم العربي عن تشيخوف بشكل عام ).
وتذكرت خليل خوري الذي ترجم عن الفرنسية كتاب هنري ترويا الضخم عن تشيخوف وبمراجعة د. علي جواد الطاهر العلمية الصارمة الدقيقة ونشرته وزارة الاعلام في بغداد, وتذكرت د. حياة شرارة التي اصدرت كتابا في بغداد بعنوان تشيخوف بين القصة والمسرحية وقالت لي في حينها ان والدها محمد شرارة هو الذي اقترح عليها عنوان الكتاب المذكور, وتذكرت كتابي الذي ترجمته عن تشيخوف وهو من تأليف ايليا ايرنبورغ وردود الفعل الايجابية حوله , وكيف طبعته طبعة ثانية في بغداد وكيف ظهرت طبعات اخرى له في مصر دون علمي...
بدأت ايضا باعداد قائمة بمقالاتي المنشورة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية حول تشيخوف في السنين الاخيرة , (واكتشفت!) انها اكثر من ثلاثين مقالة , وقررت ان اطبع عناوين تلك المقالات في قائمة واحدة باللغة الروسية مع الاشارة الى مكان نشرها وتاريخه واوزعها على المؤتمرين كوثيقة من وثائق المؤتمر المذكور اثناء القاء كلمتي تلك ...
وبدأت فعلا بتنفيذ كل ما خططت له , ولكن المرض اللعين داهمني , واضطررت ان أرقد في الفراش , وكنت اتمنى ان اتعافى واعود الى تنفيذ عملي , ولكني لم استطع مع الاسف الشديد, وهكذا اضطررت ان اتصل بمعهد الاستشراق واعتذر عن المشاركة في اعمال المؤتمر المذكور بسبب مرضي اللعين هذا , وقد تأسفوا لذلك وتمنوا لي الشفاء , واعلمني بعض الزملاء الذين شاركوا في المؤتمر ان اسمي وعنوان بحثي كانا موجودين في وثائق المؤتمر ومنهاجه . الان وقد عدت تقريبا الى وضعي الصحي السابق , وتعويضا عن كلمتي تلك , قررت أن أحكي لكم هذه القصة.
1025 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع